مركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية في الإسلامأعلام

نساء فقيهات (3) عمرة بنت عبد الرحمن، حياتها وفقهها- الجزء الثاني-

 

 

نساء فقيهات (3)

عمرة بنت عبد الرحمن، حياتها وفقهها- الجزء الثاني-

 

ذة. وفاء رويجل

 

كانت النساء في الأزمنة الأولى رفيعات القدر، مسهِمات في الحياة العلمية الفقهية، ولو شئنا على ذلك دليلا لما ألفينا أجلى من المكانة التي تبوأتها عمرة بنت عبد الرحمن.

لقد عاشت عمرة في العصر الراشدي وبُعيده قليلا، فكانت قبلة لطالبي العلم التواقين للتبحر فيه؛ “روى أيوب بن سويد، عن يونس، عن ابن شهاب، عن القاسم بن محمد:

أنه قال لي: يا غلام، أراك تحرص على طلب العلم، أفلا أدلك على وعائه؟

قلت: بلى.

قال: عليك بعمرة، فإنها كانت في حجر عائشة.

قال: فأتيتها، فوجدتها بحرا لا ينزف”[1].

وبقيت مكانتها تلك تستحث أهل التراجم والسير على مزيد إجلال وتوقير؛ فقال عنها ابن سعد: “كانت عالمة”، وقال الذهبي: “كانت عالمة، فقيهة، حجة، كثيرة العلم”[2].

  • منهجها الفقهي:

إن المتتبع لآراء عمرة بنت عبد الرحمن،ليلحظ أن فقهها– في الغالب- مستمد من فقه مربيتها وشيختها عائشة رضي الله عنها؛ يظهر هذا بجلاء من خلال مسلكها في الجواب عن بعض القضايا والمسائل التي عرضت عليها؛ إذ كانت عادتها أن تحيل على ما حفظته عن أم المؤمنين أو رأته من صنيعها؛ فمن الأمثلة:

  • ما جاء في المدونة: في الحبس على الولد وإخراج البنات وإخراج بعضهم عن بعض.

قال سعيد بن عبد الرحمن وغيره عن هشام بن عروة أن الزبير بن العوام قال في صدقته على بنيه: لا تباع ولا تورث، وأن للمردودة من بناته أن تسكن غير مضرة ولا مضار بها. وإن يزيد بن عياض ذكر عن أبي بكر بن حزم أن عمر بن عبد العزيز كتب إليه أن يفحص له عن الصدقات وكيف كانت أول ما كانت، قال: فكتبت إليه أذكر له صدقة عبد الله بن زيد وأبي طلحة وأبي الدحداحة، وكتبت إليه أذكر له أن عمرة بنت عبد الرحمن ذكرت لي عن عائشة أنها كانت إذا ذكرت صدقات الناس اليوم وإخراج الرجال بناتهم منها؛ تقول: ما وجدت للناس مثلا اليوم في صدقاتهم إلا كما قال الله عز وجل: ﴿وقالوا ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا وإن يكن ميتة فهم فيه شركاء﴾ [الأنعام: 139]. قالت: “والله إنه ليتصدق الرجل بالصدقة العظيمة على ابنته، فترى غضارة صدقته عليها وترى ابنته الأخرى، وإنه ليعرف عليها الخصاصة لما أبوها أخرجها من صدقته”. وإن عمر بن عبد العزيز مات حين مات وإنه ليريد أن يرد صدقات الناس التي أخرجوا منها النساء[3].

 

 

  • ما جاء في الموطأ: كتاب الحج، باب ما لا يوجب الإحرام من تقليد الهدي.

“مالك، عن يحيى بن سعيد، أنه قال:”سألت عمرة بنت عبد الرحمن عن الذي يبعث بهديه ويقيم، هل يحرم عليه شيء؟ فأخبرتني أنها سمعت عائشة تقول: لا يحرم إلا من أهل ولبى”.

 

  • استدلال الفقهاء بعمل عمرة بنت عبد الرحمن:

لم يكتف أهل العلم باعتماد الروايات القولية لعمرة بنت عبد الرحمن، وإنما احتجوا أيضا بفقهها العملي؛ فمن الأمثلة على ذلك:

 

  • ما جاء في الموطأ: كتاب الحج، باب جامع الهدي:

مالك عن عبد الله بن أبي بكر، أن مولاة لعمرة بنت عبد الرحمن، يقال لها رقية، أخبرته أنها خرجت مع عمرة بنت عبد الرحمن إلى مكة؛ قالت: فدخلت عَمرة مكة يوم التروية وأنا معها، فطافت بالبيت وبين الصفا والمروة، ثم دخلت صفة المسجد، فقالت:”أمعك مقصان؟”.فقلت:”لا”. فقالت: فالتمسيه لي”. فالتمسته حتى جئت به، فأخذت من قرون رأسها فلما كان يوم النحر ذبحت شاة”.

ولقد علق ابن عبد البر على هذا الأثر بقوله: “ليس في هذا الخبر ما يحتاج إلى القول، لأن الشاة دون الحلاب، لا خلاف في ذلك.وإنما أدخل مالك هذا الحديث شاهدا على”ما استيسر من الهدي شاة”؛ لأن المتمتع قد فرض الله عليه ما استيسر من الهدي لقوله عز وجل: ﴿فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي﴾[البقرة: 196]، وعمرة كانت متمتعة لا شك فيه وللمتمتع أن يؤخر الذبح إلى يوم النحر.

وفي أخذ عَمْرة من قرون رأسها في المسجد دليل على طهارة شعر الإسلام. وعلى هذا جمهور العلماء في طهارة شعور بني آدم[4].

 

  • ما جاء في الموطأ: كتاب البيوع،باب ما يجوز من استثناء الثمر:

مالك، عن أبي الرجال، محمد بن عبد الرحمن بن حارثة؛ أن أمه عمرة بنت عبد الرحمن، كانت تبيع ثمارها، وتستثني منها.

 

  • استدراكات عمرة بنت عبد الرحمن على أهل العلم:

على سَنن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، نجد أن لعمرة بنت عبد الرحمن مراجعات وتحريرات واستدراكات على علماء زمانها، فمن ذلك: ما جاء في الموطأ، كتاب السرقة، باب مالا قطع فيه: “حدثني عن مالك، عن يحيى بن سعيد، أنه قال: أخبرني أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، أنه أخذ نبطيا قد سرق خواتم من حديد. فحبسه ليقطع يده. فأرسلت إليه عمرة بنت عبد الرحمن مولاة لها يقال لها أمية قال: أبو بكر: فجاءتني وأنا بين ظهراني الناس. فقالت: تقول لك خالتك عمرة: يا ابن أختي أخذت نبطيا في شيء يسير ذكر لي فأردت قطع يده. قلت: نعم. قالت: فإن عمرة تقول لك: لا قطع إلا في ربع دينار فصاعدا”.

وأبو بكر بن محمد الذي استدركت عليه عمرة هو أحد المتمرسين بالقضاء والفتيا، المشهود لهم بالتمكن والبراعة؛ روى ابن وهب عن مالك أنه قال: “لم يكن عندنا أحد بالمدينة عنده من علم القضاء ما كان عند أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم”[5].

وملاك القول؛ إن سيرة عمرة بنت عبد الرحمن وإسهامها العلمي، يبرز بجلاء أننا أمام امتداد لمدرسة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في الحديث والفقه، رواية ومنهجا.

 

[1] سير أعلام النبلاء، الذهبي (4/508).

[2]نفسه.

[3] المدونة(4/423).

[4] الاستذكار، ابن عبد البر (4/268).

[5] الجرح والتعديل، لابن أبي حاتم، ص: 21.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق