الرابطة المحمدية للعلماء

نحو مصالحة بين علم الكلام وعلم أصول الفقه

د. أحمد أبو زيد: التسلح بعلم أصول الدين لفهم تراث الأمة لا يتعارض مع الدعوة إلى تجديده

افتتح مدير دار الحديث الحسنية الدكتور أحمد الخمليشي، يوم الأربعاء 12 نونبر 2008، سلسلة المحاضرات التي ستنظمها دار الحديث خلال العام الدراسي الحالي في إطار نشاطها الثقافي والعلمي، بترأسه للمحاضرة التي ألقاها الدكتور “أحمد أبو زيد” بعنوان “أصول الدين مدخل إلى أصول الفقه”.

وأشار أستاذ التفسير وعلومه وبلاغة القرآن بجامعة محمد الخامس بالرباط في بداية محاضرته إلى أن علم أصول الدين في واقعنا محفوف بكثير من الأشواك والحرج وقد أثار مشكلات كثيرة سواء عند القدماء أو عند المعاصرين، لكن حديثه خلال هذا العرض سيتناول الموضوع من الناحية العلمية والتربوية.

وقال المحاضر إن الغرض في هذه المحاضرة ليس إثبات تأثر مصادر أصول الفقه بعلم الكلام، فهذه مسلمة يعترف بها الجميع، حتى إن هناك كثيرا من الأصوليين في القديم والحديث ضجروا من ترديد مثل هذا الكلام، فنادوا الآن بتحرير أصول الفقه من مشكلات أصول الدين وغوامضه، وإنما الغرض هو التأكيد على أن علم أصول الدين مدخل ومفتاح لفهم علم أصول الفقه المدون في كتب القدامى. وأضاف المحاضر أن أي باحث لا يستطيع اليوم أن يصل إلى الفهم الصحيح والمعمق للتراث العلمي في أصول الفقه ما لم يدخل من مدخل علم الكلام ويمتلك مفاتيحه.

وهذا ليس خاص بأصول الفقه وحده ـ يضيف الدكتور ـ بل هو عام ينسحب على علوم أخرى كالتفسير وعلوم القرآن وإعجاز القرآن وبلاغته وفقه اللغة وعلم المعاني، وأن الباحث أو المدرس أو العالم في مصادر أصول الفقه سيظل يواجه صعوبة كبيرة في فهم كلام العلماء ما لم يتسلح بعلم أصول الدين.

وقدم أحمد أبو زيد عرضا تاريخا لمراحل التلاقي بين أصول الفقه وأصول الدين، وقال إنها مرت عبر مرحلتين سماهما: مرحلة التدافع ثم مرحلة المصالحة والاندماج.
ففي الأولى وقع تدافع بين أهل السنة مع المعتزلة والجهمية ومع علم الكلام البدعي بصفة عامة. وبرزت هذه المرحلة بشكل أكبر مع الإمام الشافعي، وقد كتب مؤلفه المسمى “الرسالة” جوابا على قضايا كلامية شغلت بال الناس في تلك المرحلة وهي معاني القرآن والناسخ والمنسوخ والأخبار بصفة عامة. وشارك في هذه المواجهة كبار الفقهاء وأهل الحديث وأهل أصول الدين من أهل السنة مثل الإمام أحمد والإمام سعيد الدارمي والإمام نعيم بن حماد والمحاسبي وأصحابه وأعمال ابن قتيبة وغيرهم كثير.

وبالنسبة لمرحلة المصالحة والاندماج بين علم الكلام السني وعلم أصول الفقه، تجلت أكثر في أبي الحسن الأشعري، حيث كان له الفضل الأكبر في بناء أصول جديدة وابتكر حلولا كثيرة لمشكلات كلامية أثارت فتنا في الأمة الإسلامية، وكان وراءها الفكر الاعتزالي.

وبعد هذه المرحلة، يقول الدكتور أحمد أبو زيد، أصبح الفقهاء والمتحدثون يتكلمون علم الكلام، خاصة في القرن الرابع الهجري، حيت  تأسس علم كلام سني متميز، وتقبلت الأمة هذا الفكر الاعتدالي الوسطي في العقيدة، بما فيه المغرب الإسلامي، وأصبحت القضايا الأصولية المؤسسة على مذهب أهل السنة في العقيدة مع تعاقب الأجيال مشهورة ومفهومة ومألوفة.

وأشار المحاضر في ختام محاضرته إلى أن الأصوليين من المالكية والشافعية بعد القرن الرابع الهجري انخرطوا كلهم في المدرسة السنية الكلامية، وبنوا مؤلفاتهم في علم أصول الفقه بناء على هذه المدرسة.
ودعا أبو زيد طلاب علم أصول الفقه إلى التسلح بعلم أصول الدين لفهم تراث الأمة، على اعتبار
أن هذا المنحى لا يتعارض مع الدعوة إلى تجديد أصول الفقه، فهو حق مشروع ومطلوب في كل عصر، والأمة التي لا تجدد علومها هي أمة جامدة، لكن التجديد في كل علم ـ يضيف المحاضر ـ يبدأ بـ”استيعاب الموروث القديم وقتله بحثا ودرسا”.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق