مركز الإمام الجنيد للدراسات والبحوث الصوفية المتخصصةدراسات عامة

نحو ترسيخ قيم التعايش في الإسلام، دراسة من خلال السيرة النبوية -نماذج أخلاقية مشرقة-

ذ. مصطفى بوزغيبة، باحث بمركز الإمام الجنيد، وجدة

تعد السيرة النبوية التطبيق الأمثل للدين الإسلامي على اعتبارها شاهدة على تنزيل الأحكام على أرض الواقع، وهي النموذج المثالي الذي أصل فيه النبي صلى الله عليه وسلم لقيم التعدد واحترام الآخر والاعتراف بثقافة الغير وعدم المساس بحرية الآخر.

وهذا الموضوع سيعرض النماذج المشرقة من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، باعتبارها النموذج الحي والقدوة التي نستلهم منها الدروس والعبر، ونختط منها مسار الحياة سواء كأفراد أو كدولة، وسنقسم هذا الموضوع إلى ثلاثة محاور: المحور الأول: حفظ الكرامة الإنسانية، حيث سنناقش فيه نظرة الإسلام إلى الإنسان بغض النظر عن انتمائه وجنسه ولونه… أي الإنسان من حيث هو إنسان، وكيف أن النبي صلى الله عليه وسلم أصل لمبدأ العدل والمساواة والحرية بين جميع الأفراد على اختلافهم، والمحور الثاني، سنتناول فيه حق الحرية في الاعتقاد والعبادة لغير المسلمين، والمحور الأخير سنناقش فيه حقوق غير المسلمين على المسلمين.

المحور الأول: حفظ الكرامة الإنسانية:

الناس في نظر الإسلام سواسية كأسنان المُشْط، وهم أبناء العائلة الإنسانية، ويُوفِّر الإسلامُ لهم جميعًا الحقَّ في العيش والكرامة دون استثناء أو تمييز؛ قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ﴾ [الإسراء: 70]، والاختلاف الذي يوجد في أفراد العائلة الإنسانية من حيث اللون والجنس واللغة – آيةٌ من آيات الله تعالى؛ كما قال تعالى: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ ﴾ [الروم: 22]، وهذا الاختلاف ليس مَدْعاة للتنافر والتناكُر، بل هو سبب للتعارف والتعاضد والتعاون على الخير والبِرِّ والتقوى؛ كما تَحدَّث عنه القرآن الكريم: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ [الحجرات: 13] .

لقد أوجب الإسلام على المسلمين أن يُراعوا الكرامةَ الإنسانيَّة التي وهبها الله تعالى للإنسان فضلاً منه ورحمة، ولم يُفرِّق فيها بين المسلم وغير المسلم، وهو يؤكِّد على أن الناس كلهم أبناء أب واحد وأم واحدة، كما نادى به الرسول صلى الله عليه وسلم في خُطْبته لحجة الوداع: ((يا أيها الناس، ألا إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضلَ لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى، أَبلَّغتُ؟.[1]

إن الإنسان في نظر الإسلام مُكرَّم، بصرف النظر عن أصله وفصْله، دينه وعقيدته، مركزه وقِيمته في الهيئة الاجتماعية، فقد خلقه الله مُكرَّمًا، ولا يَملِك أحد أن يُجرِّده من كرامته التي أودعها في جِبلَّته، وجعلها من فِطرته وطبيعته، يستوي في ذلك المسلم، وغير المسلم من أهل الأديان الأخرى، أو من لا دين له، فالكرامة البشرية حقٌّ مشاع يتمتَّع به الجميع من دون استثناء، وتلك ذِروة التكريم وقمة التشريف.

فالجميع لهم الحقوق الإنسانية كبشر أمام ربهم، وإنما يتميز الناس عند ربهم بمدى تقواهم وإيمانهم وحسن أخلاقهم، وكم كان حرص محمد صلى الله عليه وسلم  على إبراز هذا المعنى الإنساني واضحًا في تعاملاته وسلوكياته مع غير المسلمين.

وكان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم  ربما عاد المرضى من غير المسلمين؛ فقد زار النبي صلى الله عليه وسلم  أبا طالب وهو في مرضه، كما عاد الغلام اليهودي لما مرض.

وقد أمر محمد صلى الله عليه وسلم  المسلمين بحسن رعاية أهل الذمة الذين يعيشون في أكنافهم، فمن احتاج منهم للنفقة تكفلوا به، فالدولة مسئولة عن الفقراء من المسلمين وأهل الذمة، فتتكفل بالمعيشة الملائمة لهم ولمن يعولونه؛ لأنهم رعية للدولة المسلمة، وهي مسئولة عن كل رعاياها، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم  : «كلكم راع وكل راع مسئول عن رعيته.[2]

وحينما مر الخليفة الثاني عمر وهو في الشام على قوم من النصارى مجذومين أمر أن يُعْطَوْا من الصدقات، وأن يُجرَى عليهم القوت عند العجز والشيخوخة والفقر.

لقد قامت مبادئ الإسلام وتعاليمه وقِيَمه كلها على احترام الكرامة الإنسانية وصونها وحِفْظها، وعلى تعميق الشعور الإنساني بهذه الكرامة، وما دامت الرسالة الإسلامية تتغيَّا في المقام الأول سعادةَ الإنسان وصلاحه، وتبتغي جلْب المنفعة له ودرء المفسدة عنه، فإن هذه المقاصد الشريفة هي مُنْتهى التكريم للإنسان بكل الدَّلالات الأخلاقية والمعاني القانونية للتكريم،[3] لقد أمر الإسلامُ أتباعَه بالمحافظة على كرامة غير المسلمين ومراعاة مشاعرهم، ونهى عن جَرْح عواطفهم؛ فقال الرب – عز وجل -: ﴿ وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴾ [العنكبوت: 46]، وقال – عز وجل -: ﴿ وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الأنعام: 108]، نهي صريح عن النيل من الآلهة التي يَعبُدها المشركون من الوثنيين والبوذيين، وكل هذا صونًا لكرامة الإنسان، وحِفاظًا على حريَّته، واحترامًا لمشاعره؛ يقول الإمام القرطبي عند تفسير هذه الآية الكريمة: لا يَحِل لمسلم أن يَسُب صُلبانهم، ولا دينهم، ولا كنائسهم، ولا يتعرَّض إلى ما يؤدِّي إلى ذلك؛ لأنه بمنزلة البعث على المعصية،[4] وحِفْظ الكرامة الإنسانية يتجلَّى لنا في التعامل النبوي مع غير المسلمين حتى مع الأموات منهم؛ فعن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما، قال: مرَّ بنا جَنازة، فقام لها النبي صلى الله عليه وسلم وقُمْنا به، فقلنا: يا رسول الله، إنها جنازة يهودي؟! قال: ((إذا رأيتم الجنازةَ، فقوموا،[5] وفي رواية: فقال صلى الله عليه وسلم: أليست نفسًا؟.[6]

المحور الثاني: حق الحرية في الاعتقاد والعبادة لغير المسلمين:

من الحريات التي كفلها الإسلامُ في حقِّ غير المسلمين: حرية الاعتقاد والعبادة، لم يُجبِر الإسلامُ الناسَ ولم يُكرِههم على الدخول فيه، بل وكَل الأمر إلى أنفسهم؛ فقال الله – عز وجل -: ﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ﴾ [البقرة: 256]، وامتثالاً لهذه الآية الكريمة دأب المسلمون على دعوة الناس إلى الإسلام وعَرْضه عليهم من دون إكراه وإجبار، فهذا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه يَمُر بعجوز نصرانيَّة، ويَعرِض عليها الإسلامَ ويدعوها إليه قائلاً: أَسلِمي أيتها العجوز تسلمي، إن الله بعث محمدًا بالحق، قالت: أنا عجوز كبيرة والموت إليَّ قريب، فقال عمر رضي الله عنه: اللهم اشهد، وتلا قوله تعالى: ﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ﴾ [البقرة: 256]، يتحدَّث الأستاذ أحمد الحوفي في كتابه “سماحة الإسلام” عن هذه الحرية في الاعتقاد والعبادة التي أتاحها الإسلامُ لغير المسلمين في المجتمع المسلم، فيقول: “أما الحرية الدينية، فقد كفَلها الإسلامُ لأهل الكتاب، فهم أحرار في عقيدتهم وعبادتهم وإقامة شعائرهم في كنائسهم”. [7]

وفي هذا المبدأ يتجلَّى تكريمُ الله للإنسان، واحترام إرادته وفِكْره ومشاعره، وترك أمره لنفسه فيما يَختصُّ بالهدى والضلال في الاعتقاد، وتحميله تَبَعة عمله وحساب نفسه، وهذه هي أخصُّ خصائص التحرُّر الإنساني، التحرر الذي تُنكِره على الإنسان في القرن العشرين مذاهبُ مُعتَسِفة، ونُظُم مُذِلَّة، لا تسمح لهذا الكائن الذي كرَّمه الله – باختياره لعقيدته – أن ينطوي ضميره على تَصوُّر للحياة ونُظُمها، غير ما تُمليه عليه الدولة بشتى أجهزتها التوجيهية، وما تُمليه عليه بعد ذلك بقوانينها وأوضاعها، فإما أن يَعتنِق مذهب الدولة هذا، وهو يحرمه من الإيمان بإله للكون يُصرِّف هذا الكونَ، وإما أن يتعرَّض للموت بشتى الوسائل والأسباب! إن حرية الاعتقاد هي أول حقوق الإنسان التي يَثْبت له بها وصف إنسان، فالذي يَسلُب إنسانًا حرية الاعتقاد، إنما يَسلُبه إنسانيَّته ابتداء، ومع حرية الاعتقاد حرية الدعوة للعقيدة، والأمن من الأذى والفتنة، وإلا فهي حرية بالاسم لا مدلول لها في واقع الحياة.

والإسلام – وهو أرقى تصوُّر للوجود وللحياة، وأقوم منهج للمجتمع الإنساني بلا مِراء – هو الذي ينادي بأن لا إكراه في الدين، وهو الذي يُبيِّن لأصحابه قبل سواهم أنهم ممنوعون من إكراه الناس على هذا الدين،[8]  وتاريخ الإسلام الطويل شاهد على أن الشريعة وأهلها قد كفَلوا لأتباع الأديان الذين يعيشون في ظلِّ الإسلام البقاءَ على عقائدهم ودياناتهم، ولم يُرغَم أحد على اعتناق الإسلام، ومعلوم لدى القاصي والداني أن هذا لم يكن موقف ضَعْف من دولة الإسلام، بل كان هذا هو مبدأها، حتى حين كانت في أَوْج قوتها أُمَّة فتيَّة قادرة، ولو أرادت أن تَفرِض على الأفراد عقيدتَها بالقوة القاهرة، لكان ذلك في مقدورها، لكنها لم تفعل،[9] وهناك شهادات من العلماء غير المسلمين ممن يُوثَق بهم أن الإسلام ترك لغير المسلمين حريَّة المعتقد، تقول المستشرقة الإيطالية لورا فيشيا فاغليري في كتابها “دفاع عن الإسلام”: “كان المسلمون لا يكادون يَعقِدون الاتفاقات مع الشعوب حتى يتركوا لها حريَّة المعتقد، وحتى يُحجِموا عن إكراه أحد من أبنائها على الدخول في الدين الجديد، والجيوش الإسلامية ما كانت تُتْبع بحشد من المبشرين اللحاحين غير المرغوب فيهم، وما كانت تضع المبشرين في مراكز محاطة بضروب الامتياز لكي ينشروا عقيدتهم، أو يدافعوا عنها، ليس هذا فحسب، بل لقد فرض المسلمون في فترة من الفترات على كل راغب في الدخول في الإسلام أن يَسلُك مسلكًا لا يساعد من غير ريب على تيسير انتشار الإسلام؛ ذلك أنهم طلبوا إلى الراغبين في اعتناق الدين الجديد أن يَمثُلوا أمام القاضي، ويُعلِنوا أن إسلامهم لم يكن نتيجة لأي ضغط، وأنهم لا يهدفون من وراء ذلك إلى كَسْب دنيوي”[10]، لقد كفَل الإسلامُ لغير المسلمين في المجتمع الإسلامي حرية المعتقد وحرية العبادة، وحماية معابدهم وصوامعهم وبِيَعهم، وجعل هذا من أسباب الإذن للمسلمين في القتال: ﴿ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾ [الحج: 39، 40].

وإن الإسلام لم يَقُم على اضطهاد مُخالفيه، أو مصادرة حقوقهم، أو تحويلهم بالكُرْه عن عقائدهم، أو المساس الجائر لأموالهم وأعراضهم ودمائهم، وتاريخ الإسلام في هذا المجال أنصع تاريخ على وجه الأرض.[11]

ومن الشواهد التي سجلتها السيرة النبوية في هذا أنه لما توسَّعت رُقعة الدولة الإسلامية زمن النبي صلى الله عليه وسلم، كان هناك مجموعة كبيرة من القبائل المسيحية العربية، وبخاصة في نجران، فما كان منه صلى الله عليه وسلم إلا أن أقام معهم المعاهدات التي تتَّسِم باللين والرِّفق والتسامح حيث تؤمِّن لهم حرية المُعتقَد، وممارسة الشعائر، وصون أماكن العبادة، إضافة إلى ضمان حرية الفِكْر والتعلم،[12] فهذا ما ورد في معاهدة النبي صلى الله عليه وسلم لأهل نجران: “ولنجران وحاشيتها جوار الله وذمة محمد النبي رسول الله على أنفسهم ومِلَّتهم وأرضهم وأموالهم، وغائبهم وشاهدهم، وعشيرتهم وبِيَعهم وصلواتهم، وكل ما تحت أيديهم من قليل أو كثير، وألا يغيروا مما كانوا عليه بغير حق من حقوقهم ولا مِلَّتهم، ولا يُغيَّر أسقف عن أسقفيته، ولا راهب من رهبانيته، وليس عليهم دنية ولا دم جاهلية، ولا يحشرون ولا يعشرون ولا يطأ أرضهم جيش، ومن سأل منهم حقًّا، فبينهم النصف، غير ظالمين ولا مظلومين، على ألا يأكلوا الربا، فمَن أكل الرِّبا من ذي قبل، فذمَّتي منه بريئة، ولا يؤخذ رجل منهم بظلم آخر، وعلى ما في هذه الصحيفة جوار الله وذمة النبي محمد رسول الله أبدًا حتى يأتي الله بأمره، ما نصحوا وأصلحوا ما عليهم غير مثقلين بظلم.”[13]

فإن عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مع نصارى نجران قد بلغ الذِّروة فى تَعامُل الدولة الإسلامية مع دور العبادة هذه، إلى الحد الذي نَصَّ فيه على أن مساعدة الدولة الإسلامية لغير المسلمين فى ترميم دور عباداتهم هي جزء من واجبات هذه الدولة؛ ولأن غير المسلمين هم جزء أصيل في الأمة الواحدة، والرعية المتَّحِدة لهذه الدولة، فجاء في هذا الميثاق مع نصارى نجران: ولهم إن احتاجوا فى مَرمَّة بِيَعهم وصوامعهم أو شيء من مصالح أمور دينهم إلى رفد ومساعدة من المسلمين، وتقوية لهم على مرمَّتها – أن يرفدوا على ذلك ويُعاوَنوا، ولا يكون ذلك دَينًا عليهم، بل تقوية لهم على مصلحة دينهم، ووفاء بعهد رسول الله، وموهبة لهم، ومِنَّة لله ورسوله عليهم.

المحور الثالث: حقوق غير المسلمين على المسلمين:

أقام النبي صلى الله عليه وسلم الدولة على أساس احترام الحقوق من غير تمييز ولا انتقائية كل له حقوق يتمتع بها في أرقى صور الحضارة الإنسانية على اختلاف الديانات والحضارات التي عرفتها شبه الجزيرة العربية، ويمكن إجمال هذه الحقوق فيما يلي:

1-العدل والمساواة والبر والإحسان:

العدل صفة خُلُقيَّة كريمة، تعني التزام الحق والإنصاف في كل أمر من أمور الحياة، والبُعْد عن الظلم والبغي والعدوان، والعدلُ في الإسلام هو مما يُكمِّل أخلاق المسلم لما فيه من اعتدال واستقامة وحب للحق، وهو كذلك صفة خُلُقيَّة محمودة تَدُل على شهامةِ ومروءة مَن يتحلَّى بها، وعلى كرامته واستقامته، ورحمته وصفاء قلبه؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ ﴾ [النحل: 90]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ﴾ [النساء: 58]، يقول ابن القيم: “فإن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها، ورحمة كلها، ومصالح كلها، وحكمة كلها، فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور، وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث، فليست من الشريعة، وإن أدخلت فيها بالتأويل”.[14]

ومثال ذلك في السيرة ما قاله ابن كثير: “ومن هذا قول عبدالله بن رواحة رضي الله عنه لما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم يَخْرُص على أهل خيبر ثمارَهم وزرعهم، فأرادوا أن يَرْشُوه ليَرفُق بهم، فقال: والله لقد جئتكم من عند أحب الخَلْق إليَّ، ولأنتم أبغض إليَّ من أعدادكم من القردة والخنازير، وما يحملني حبي إياه وبغضي لكم على ألا أعدل فيكم، فقالوا: بهذا قامت السموات والأرض”.[15]

و قد استنبط العلماء من هذه المعاني أمورا كثيرة منها ما قاله البيضاوي: “لا يَحمِلنَّكم شدة بغضكم للمشركين على ترْك العدل فيهم، فتعتدوا عليهم بارتكاب ما لا يَحِل، كقَذْف وقَتْل نساء وصبية، ونقْض عهد؛ تشفِّيًا مما في قلوبكم، ﴿ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ﴾؛ أي: العدل أقرب للتقوى، صرَّح لهم بالأمر بالعدل، وبين أنه بمكان من التقوى بعدما نهاهم عن الجور، وبيَّن أنه مقتضى الهوى، وإذا كان هذا العدل مع الكفار، فما ظنُّك بالعدل مع المؤمنين؟”. [16]

وقد أمر الله تعالى عبادَه المؤمنين بالبِرِّ مع غير المسلمين والإحسان إليهم: ﴿ لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ﴾ [الممتحنة: 8]، وتلك القاعدة في معاملة غير المسلمين هي أعدل القواعد التي تتَّفِق مع طبيعة هذا الدين ووِجْهته ونظرته إلى الحياة الإنسانية، بل نظرته الكلية لهذا الوجود، هذا رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم يوصي أصحابَه بالقبط خيرًا؛ حِفاظًا على ذمَّتهم ورحِمهم، ويقول: ((إذا فتحتم مصرَ، فاستوصوا بالقِبْط خيرًا؛ فإن لهم ذمَّة ورَحِمًا[17] )) ، وفي رواية لمسلم: ((ستفتحون أرضًا يذكر فيها القيراط، فاستوصوا بأهلها خيرًا؛ فإن لهم ذمة ورحمًا))، قـال النووي: وفي رواية: ((ستفتحون مصر، وهي أرض يُسمَّى فيها القيراط))، وفيها: ((فإن لهم ذمَّة ورَحِمًا))، قال العلماء: القيراط جزء من أجزاء الدينار والدرهم وغيرهما، وكان أهل مصر يُكثِرون من استعماله والتكلم به، وأما الذمة، فهي الحُرْمة والحق، وهي هنا بمعنى الذِّمام، وأما الرَّحم؛ فلكون هاجر أم إسماعيل منهم، وأما الصِّهر؛ فلكون مارية أم إبراهيم منهم.[18]

أمر الإسلام أتباعه بالإحسان إلى الجار، وحرَّم إيذاءه بشيء ولو كان الجار غير مسلم، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة؛ حيث كان له صلى الله عليه وسلم جار يهودي، وكان يعوده إذا مَرِض، وحدَّد رسول الله صلى الله عله وسلم حقوقَ الجار؛ فعن بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده، قال: قلت: يا رسول الله، ما حق جاري عليَّ؟ قال: ((إنْ مرض عُدته، وإن مات شيَّعته، وإن استقرضك أقرضته، وإن أُعوِز سترته، وإن أصابه خير هنَّأته، وإن أصابته مصيبة عزَّيته، ولا ترفع بناءك فوق بنائه فتَسُد عليه الريح، ولا تؤذه بريح قِدْرك إلا أن تَغرِف له منها.”[19]

2-حق الحماية والأمن لغير المسلمين:

من حقوق غير المسلمين في المجتمع الإسلامي أن يتوفَّر لهم التمتُّع بحماية الدولة الإسلامية، ويكونوا في مأمن من كلِّ عدوان خارجي وظُلْم داخلي كالمسلمين الموجودين في داخل الدولة الإسلامية.

يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((مَن ظلم مُعاهدًا، أو انتقصه حقًّا، أو كلَّفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئًا بغير طِيب نفس منه، فأنا حجيجه يوم القيامة[20] ) ، ((وإن الله – عز وجل -لم يحل لكم أن تدخلوا بيوت أهل الكتاب إلا بإذن، ولا ضرب نسائهم، ولا أكل ثمارهم، إذا أعطوكم الذي عليهم)[21] (مَن آذى ذميًّا، فأنا خَصْمه، ومن كنت خصمه خصمته يوم القيامة، مَن آذى ذميًّا فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله))؛ رواه الطبراني في الأوسط بإسناد حسن، وكان من طبيعة النبي صلى الله عليه وسلم السماحة فى المعاملة مع أصحاب الديانات الأخرى، فكان يَحترِم شعورَهم وعباداتهم، يحفظهم ويُحافِظ عليهم، تاركًا لهم حرية العبادة، لقد أعطى النبي صلى الله عليه وسلم وثيقةً لرهبان دير سانت كاترين؛ ففى سنة ست للهجرة أعطى الرهبان وثيقة تنص على رعاية حقوقهم، والوفاء لهم بالعهود، وقد ألزم فيها المسلمين الدفاعَ عن النصارى، وحمايتهم من الأذى، وصيانة كنائسهم، وألا يحملوهم على الخروج إلا ما طابت له نفوسهم، وألا يُخرِجوا أسقفًا ولا راهبًا من رهبانيته، وألا يحولوا بينهم وبين هوى دينهم، وألا يَهدِموا كنائسهم أو بِيَعهم، وألا يدخلوا من مال كنائسهم فى بناء مساجدهم، وألا يحملوا على الرهبان والأساقفة ولا من يتعبَّد جزية ولا غرامة، وأن يُعاوِنوهم فى إصلاح الكنائس والأديرة، ويحفظوهم تحت جناح الرحمة، ويَكُفوا عنهم أذى المكروه حيثما كانوا وحيثما رحلوا.[22] 

3-حق الحماية من الاعتداء الخارجي:

يجب على الحاكم أو ولي الأمر أن يُوفِّر لغير المسلمين في المجتمع الإسلامي هذه الحماية بما له من سلطة شرعيَّة، وما لديه من قوة عسكريَّة، جاء في “مطالب أولي النهى”: “يجب على الإمام حِفْظ أهل الذِّمة، ومنْع مَن يؤذيهم، وفك أَسْرهم، ودفع من قصدهم بأذى إن لم يكونوا بدار حرب، بل كانوا بدارنا، ولوكانوا منفردين ببلد”، وعلَّل ذلك بأنهم: “جَرتْ عليهم أحكام الإسلام، وتأبَّد عقدهم، فلَزِمه ذلك كما يَلزَمه للمسلمين”[23].

وهذا شيخ الإسلام ابن تيميَّة، حينما تغلَّب التتارُ على الشام، ذهب ليُكلِّم “قطلوشاه” في إطلاق الأسرى، فسمح القائد التتري للشيخ بإطلاق أسرى المسلمين، وأبى أن يسمح له بإطلاق أهل الذمة، فما كان من شيخ الإسلام إلا أن قال: لا نرضى إلا بافتكاك جميع الأسارى من اليهود والنصارى، فهم أهل ذمتنا، ولا نَدَع أسيرًا، لا من أهل الذمة، ولا من أهل الملة، فلما رأى إصراره وتشدُّده، أطلقهم له،[24] وذكَر الإمام القرافي في كتابه “الفروق” حقَّ الحماية لغير المسلمين نقلاً عن ابن حزم في مراتب الإجماع له: “أن من كان في الذمة، وجاء أهل الحرب إلى بلادنا يَقصِدونه، وجَب علينا أن نخرج لقتالهم بالكُراع والسلاح، ونموت دون ذلك؛ صونًا لمن هو في ذمة الله تعالى وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم، فإن تسليمه دون ذلك إهمال لعَقْد الذمة”، وحكى في ذلك إجماع الأمة.[25]

4-حق غير المسلمين في العمل والتجارة:

ولقد أمر الإسلام أتباعه أن يتعاملوا مع غير المسلمين معاملة قائمة على الرِّفق والسهولة والسماحة في جميع أمور الحياة وشؤونها؛ من البيع والشراء، والأجرة والكراء؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (رحِم الله رجلاً سَمْحًا إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى)[26]، وهذا النص يشمل التعامل مع المسلم وغير المسلم، وفيه الحضُّ على السماحة في المعاملة واستعمال معالي الأخلاق، وترْك المشاحة، والحض على تَرْك التضييق على الناس في المطالبة، وأخذ العفو منهم،[27] قال أحمد: “إذا ركب القوم في البحر، فاستقبلهم فيه تجار مشركون من أرض العدو ويريدون بلادَ الإسلام، لم يعرضوا لهم، ولم يُقاتِلوهم، وكل من دخل بلاد المسلمين من أرض الحرب بتجارة بويع، ولم يسأل عن شيء”[28]، فلغير المسلمين حرية العمل والكسب، بالتعاقد مع غيرهم، أو بالعمل لحساب أنفسهم، ومزاولة ما يختارون من المهن الحرة، ومباشرة ما يريدون من ألوان النشاط الاقتصادي، شأنهم في ذلك شأن المسلمين.

فقد قرَّر الفقهاء أن أهل الذِّمة، في البيوع والتجارات وسائر العقود والمعاملات المالية، كالمسلمين، ولم يَستثنوا من ذلك إلا عَقْد الربا؛ فإنه مُحرَّم عليهم كالمسلمين، يتَمتَّع الذميون بتمام حريَّتهم، في مباشرة التجارات والصناعات والحِرَف المختلفة، وهذا ما جرى عليه الأمر، ونطق به تاريخ المسلمين في شتى الأزمان.[29]

5-حق التأمين لغير المسلمين عند العجز والفقر وكِبَر السن:

الإسلام ضَمِن لغير المسلمين في ظلِّ دولته، كفالة المعيشة الملائمة لهم ولمن يَعولونه؛ لأنهم رعية للدولة المسلمة، وهي مسؤولة عن كلِّ رعاياها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كلكم راعٍ ومسؤول عن رعيته؛ فالإمام راعٍ، وهو مسؤول عن رعيته، والرجل في أهله راعٍ، وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة في بيت زوجها راعية، وهي مسؤولة عن رعيتها، والخادم في مال سيده راعٍ، وهو مسؤول عن رعيته.)[30]

ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه تَصدَّق بصدقة على أهل بيت من اليهود، فهي تجري عليهم، وذُكِر عن أم المؤمنين صفية رضي الله عنها أنها تَصدَّقت على ذوي قَرابة لها فهما يهوديان،[31] وهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يَمُر بباب قوم وعليه سائل يسأل: شيخ كبير ضرير البصر، فضرب عضده من خَلْفه وقال: مَن أي أهل الكتاب أنت؟ قال: يهودي، قال: فما ألجأك إلى ما أرى؟ قال: أسأل الجزية والحاجة والسن، قال: فأخذ عمر بيده وذهب به إلى منزله، فرضخ له بشيء من المنزل ثم أرسل إلى خازن بيت المال، فقال: انظر هذا وضرباءه، فوالله ما أنصفناه أن أكلنا شبيبتَه ثم نَخذُله عند الهرم: ﴿ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ ﴾ [التوبة: 60]، والفقراء هم المسلمون، وهذا من المساكين من أهل الكتاب، ووضع عنه الجزية وعن ضربائه،[32] وفي الطريق إلى الجابية من أرض دمشق مرَّ بقوم مجذومين من النصارى، فأمر أن يُعْطوا من الصدقات، وأن يجرى عليهم القوت.[33]

خاتمة:

يتبن مما سبق أن الإسلام دين عظمة ودين يحترم جميع الديانات والثقافات مهما كان مصدرها، ويؤسس لتعدد الثقافات ويدعو إلى الحوار البناء في أخوة كاملة وتضامن كبير بين جميع شرائح المجتمع، وذلك من خلال تفحص والتمعن في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم الذي هو الأنموذج الحي، والأسوة الحسنة، وقد كان لهذا التأثير أثر كبير في المجتمعات حيث أعطت مكانة كبيرة للدين الإسلامي، وما أحوجنا في هذا العصر إلى تمثل سيرة النبي صلى الله عليه وسلم تمثلا سليما، يعيد ما أقبره وطمسه المدعون.

 الهوامش


[1] – مسند الإمام أحمد، رقم: 23489.

[2] – متفق عليه.

[3] – الحوار من أجل التعايش، عبد العزيز بن عثمان التويجي، 126-127.

[4] – الجامع لأحكام القرآن، 7/61.

[5] – أخرجه البخراي في صحيحه: كتاب: الجنائز، باب: من قام لجنازة يهودي.

[6] – المصدر السابق نفسه.

[7] – سماحة الإسلام؛ أحمد الحوفي (ص: 79).

[8] – في ظلال القرآن (1: 291).

[9] – تلبيس مردود في قضايا حية؛ صالح بن حميد (ص: 31-32).

[10] – حقوق غير المسلمين في بلاد الإسلام؛ صالح العايد (ص: 32-33).

[11] – التعصب والتسامح بين المسيحية والإسلام؛ محمد الغزالي، دار التوزيع، القاهرة، ط 1، 1409هـ، (ص 6).

[12] – التعامل مع الآخر، شواهد تاريخية من الحضارة الإسلامية؛ إبراهيم بن محمد الحمد المزيني.

[13] – سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد (6: 420).

[14] – إعلام الموقعين عن رب العالمين؛ ابن القيم (3: 3).

[15] – تفسير القرآن العظيم (1: 565).

[16] – تفسير البيضاوي (3: 222).

[17] – صحيح مسلم، رقم: 254، ومسند أحمد، رقم: (5/174).

[18] – شرح مسلم؛ للنووي، (16/97).

[19] – معجم الطبراني، رقم: (1014).

[20] – سنن أبي داود، رقم (3052).

[21] – المصدر السابق نفسه، رقم: (3050).

[22] – دبلوماسية الرسول؛ إسماعيل عبد الفضيل خير الله، منار الإسلام، العدد: 8 السنة: 21 غرة شعبان 1416.

[23] – مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى؛ مصطفى بن سعد السيوطي (2: 602 – 603).

[24] – غير المسلمين في المجتمع الإسلامي؛ يوسف القرضاوي (ص: 10).

[25] – الفروق؛ للقرافي (3: 14).

[26] – صحيح البخاري رقم: (1320).

[27] – فتح الباري (4: 307).

[28] – الشرح الكبير (10: 358).

[29] – التعامل مع الآخر؛ إبراهيم بن محمد الحمد المزيني (ص: 108- 109).

[30] – صحيح البخاري، رقم: (2554).

[31] – كتاب الأموال؛ لأبي عبيد، ص: 605.

[32] – كتاب الخراج؛ لأبي يوسف، ص: 126.

[33] – فتوح البلدان؛ البلاذري، ص: 135.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق