مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراثأعلام

(مُسْنِد المغرب سُقَّيْن العَاصِمِي (ت956هـ

هو الإمام الحافظ الرّاوية المحدث الرحالة المسنِد أبو زيد وأبو محمد عبد الرحمن بن علي بن أحمد العَاصِمي السُّفياني القَصْري ثم الفاسي، الشهير بـ: سُقَّيْنْ ـ بالضم وتشديد القاف المفتوحة.

قال أبو عبد الله محمد الزموري ـ وكان نائب المترجم على إمامة جامع الأندلس ـ: إن ولادة سُقَّيْن كانت سنة 873هـ. واستبعده أبو العباس المنجور، وصحّح قول من قال: إنه ولد قبل ذلك بنحو ثلاثة أعوام أو أكثر، ويعضد هذا قول بعض من لازم المترجَم من أن سنّه عند وفاته 86 سنة، والمتفق عليه أنه توفي سنة 956هـ.

أخذ سُقَّيْنْ عن مشايخ العصر مغرباً ومشرقاً، فكان من شيوخه المغاربة: الفقيه الخطيب الورع أبو الفرج محمد بن محمد بن موسى الطنجي (ت893هـ)، والمفتي الخطيب أبو مهدي عيسى بن أحمد الماواسي (ت896هـ)، والفقيه المحدث الصوفي المتضلع أبو العباس أحمد بن أحمد البُرْنُسِي الفاسي الشهير بزَرُّوق (ت899هـ)، والولي الصالح ، العلامة الناصح أبو عبد الله محمد ابن حَسُّون (ت907هـ)، وشيخ الجماعة الإمام العلامة المتبحر الشهير أبو عبدالله محمد ابن غازي المكناسي (ت919هـ)، والإمام الفقيه المفتي الخطيب الرحال أبو العباس أحمد بن علي بن قاسم الزقاق التّجيبي الفاسي(ت930هـ)، وغير هؤلاء كثير.

وارتحل المترجم سنة 919هـ إلى المشرق بغية حجّ بيت الله الحرام ولقاء المشايخ، فدخل مصر ولقي بها أصحاب الحافظ ابن حجر وغيرهم، كالحافظ المحدث المؤرخ الإمام أبي عبد الله محمد بن عبد الرحمن السخاوى المصرى الشافعى (ت902هـ)، وقاضي القضاة بمصر وشيخ الإسلام بها الإمام المسنِد زكرياء الأنصاري (ت925هـ)، والحافظ المحدث الرحلة برهان الدين أبي الفتح إبراهيم ابن شيخ الإسلام علاء الدين أبي الفتح علي القَلْقَشَنْدِي (ت922هـ)، ودخل مكة وأخذ بها عن شيخ الإسلام الإمام الحافظ عز الدين عبد العزيز بن نجم الدين بن فهد المكي (ت921هـ)، ومكث بالحرمين مدة طويلة لأخذ الحديث والتوسع فيه وفي سنده وصبط ألفاظه ورجاله، فحصّل رواية واسعة لم تحصل لغيره من أهل عصره من علماء فاس؛ فأذعن له الأكابر والأقران وأخذوا عنه الحديث؛ لمعرفتهم بتحقيقه وضبطه وسعة روايته فيه وكثرة من لقي من مشايخه؛ وكان ممن أخذه عنه من كبار المشايخ: الإمام المفتي الخطيب أبو عبد الله محمد بن أحمد اليَّسِتني (ت959هـ)، والفقيه العلامة الإمام القاضي المفتي أبو محمد عبد الوهاب بن محمد الزّقاق التجيبي الفاسي (ت961هـ)، والشيخ المقريء النحوي أبو الحسن علي بن عيسى الراشدي التلمساني، نزيل فاس (ت962هـ)، وشيخ الجماعة، الإمام المتبحر المشارك أبو عبد الله محمد بن أبي الفضل خَروف التونسي الأنصاري(ت966هـ)، وروى عنه الجمُّ الغفير ممن دونهم في السّن وكتبوا عنه الإجازات في الحديث، ومن هؤلاء: محدِّث فاس، الورع الزاهد أبو النعيم وأبو الرضى رضوان بن عبد الله الجَنَوِي الفاسي (ت991هـ)، والإمام القدوة المحقّق، خاتمة الشيوخ أبو العباس أحمد بن علي المنجور (ت995هـ)، والإمام النوازلي الفرضي الحيسوبي يعقوب بن يحيى اليَدْري(ت999هـ)، والمحدث الرحال، الأديب المفتي أبو مالك عبد الواحد بن أحمد أبي الحسن السجلماسي المراكشي (ت1003هـ).

هذا، ولم يكتف المترجم بنشر علمه ببلده فقط، بل خرج به إلى بلاد السودان التي كان اجتاز عليها في رحلته المشرقية ذهابا وإيابا، فعاد إليها بعد رجوعه إلى فاس، ودخل عددا من مدنها، وحدّث هناك بمحضر ملوكهم، فعظموه وأعلوا منزلته ووصلوه بالصلات الجزيلة، ثم انفصل بعد سنين عديدة قافلا إلى وطنه فاس سنة 924هـ ومعه جاه كثير ومال وفير.

ولمكانه من العلم ومنزلته في الفقه ولي سُقَّيْنْ ـ قبل ارتحاله عن فاس ـ المدرسة المتوكلية (العنانية)، لتدريس الفقه، وبعدما آب من رحلته ولي خطابة جامع الأندلس، وذلك بعد وفاة الإمام أبي العباس الزقاق، ثم ولي الفتوى لما توفي الفقيه أبو عبد الله القُوري، وعُزل عنها بعد ثلاث سنين، فأكب على إقراء الحديث وتدريسه، واختص بذلك، وكانت عنايته وهمّته موجّهة إلى الكتب الستة؛ البخاري ومسلم والسنن الأربعة، والموطأ، وكان كما قال أبو العباس المنجور ((أحيا ذلك الفنّ الذي هو عمدة الدين، وطريق السلف الصالح من المسلمين، أحسن فيه وأجاد، وألحق الأحفاد بالأجداد))، وقال قبل هذا: ((وقد انقطع ذلك الفن بعده، فإنا لله وإنا إليه راجعون))، وإلى جانب الحديث، كان ـ رحمه الله ـ يدرِّس أيضا التفسير والأدب والطب والتصوف.

هذا، وقد أثنى على المترجم غير واحد وأشادوا بعلمه وحسن طريقته، فحلاه تلميذه أبو العباس المنجور  بـ ((الشيخ الفقيه، الأستاذ المسند المحقق، الحاج الرحال الخطيب))، وقال فيه الشيخ محمد بن جعفر الكتاني رحمه الله: ((كان إمام أئمة عصره، ووحيد وقته ودهره، فقيها علامة، محدثا ضابطا، محققا مشاركا في الفنون من طب وأدب، وعربية وتصوف، وغير ذلك))، ووصف حاله فقال: ((وكان رجلا طويلا، لونه كَلَونِ العرب، وله سَمْت حسن، وهدْي مستحسن))، وقال فيه الشيخ عبد الحي الكتاني رحمه الله: ((هو رَاوِية المغرب الأقصى، مفتي فاس وخطيبها ومحدثها)).

وقيّد سقّين ـ رحمه الله ـ بخطه كثيرا من الفوائد الحديثية وغيرها ما لم يقيده أحد من معاصريه بفاس، وكانت مقيداته مشكولة مضبوطة متقنة على نحو ما عُرف عن شيخه ابن غازي المكناسي رحمه الله، قال المنجور: ((ورأيت كثيرا من ذلك بعد موته، وعلى خطّه رونق))، وكان جمّاعةً للكتب، يستأجر على نسخها ذا الخط الحسن، وينفق في ذلك نفيس الأموال.

توفي ـ رحمه الله ـ بفاس ليلة الأحد 25 من محرم الحرام فاتح سنة 956هـ، ودفن بعد صلاة ظهر يوم تلك الليلة داخل باب الفتوح.

من مصادر ترجمته وأخباره: فهرس المنجور (23، 59-62)، والإلمام ببعض من لقيته من علماء الإسلام لعبد الواحد السجلماسي (مواطن كثيرة منه)، وسلوة الأنفاس لمحمد بن جعفر للكتاني (2/179-181)، دوحة الناشر لابن عسكر(ص56-57)، ونيل الابتهاج للتنبكتي (ص264-265)، وجذوة الاقتباس لابن القاضي المكناسي (2/407)، ودرة الحجال له (3/96-97)، والإكليل والتاج للقادري (ص409)، وفهرس الفهارس لعبد الحي الكتاني (2/987-988)، وشجرة النور الزكية لمحمد مخلوف (ص279)، والفكر السامى للحجوي(ص599-600)، والنبوغ المغربي لعبد الله كنون (ص246).

إعداد: د.مصطفى عكلي

Science

الدكتور مصطفى عكلي

باحث مؤهل متعاون مع مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراث، التابع للرابطة المحمدية للعلماء بالرباط

عميد كلية الدراسات الإسلامية بالإنابة بجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية

أستاذ مساعد بجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية أبو ظبي

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. السلام عليكم: حضرتكم قلتم: رحل الى المشرق سنة 919 ولقي اصحاب الحافظ ابن حجر منهم السخاوي المتوفى سنة 902ه ؟!!

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق