مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبيةدراسات محكمة

«مَفاهيمُ في التَّماسُك ووَحْدَة بِناءِ النَّصّ » مِن خِلالِ كِتابِ: «نَمَط صَعْب ونَمَط مُخيف» الحلقة (1)

انعقَدَت بالمَركز يومَ الثلاثاء 29 يناير 2020 جلسةٌ علمية باقتراحٍ من الدكتور عبدالرحمن بودرع لمُدارسة مَشروع بحث في موضوع: مفهوم التماسك وبناء وحدة النص. دراسة إحصائية معجمية اقتُرحَ إنجازُه على الباحثتين سكينة مناري والباحثة هاجر الفتوح.

تطرقَ المُشرفُ على المشروع للحديث عن جملة من القضايا تتعلقُ بتَماسكِ النص ووحدة بنائه، ويكونُ موضوعُ التطبيق مراجعَ حديثةً مثل كتاب “نَمَط صعب ونَمَط مُخيف” للأستاذ محمود محمد شاكر رحمه الله، وكتاب “قراءَة في الأدب القديم” للأستاذ الدكتور محمد محمد أبو موسى. واتُّفقَ على البدء بكتاب “نمط صعب ونَمَط مُخيف”.

تناوَلَ المُجتَمِعونَ بالبحث قضيةَ المنهج المناسب للدراسة التطبيقية. ولا يستقيمُ منهج ولا دراسة إلا باستعراض الخطوات المنهجية والتطبيقية المناسبَة التي ينبغي اتباعُها لإنجاز الموضوع على الوجه المُراد، ويُمكن إجمالُ الخطواتِ، من خلالِ ما سطرَه صاحبُ الكتاب رحمه الله في ما يَلي:

– اختيار أصح الروايات للنص الشعري مثلا ويتجلى ذلك في استعراض الروايات المختلفة وانتقاء الأصح منها من مصادر الشعر، وضبطها قبل الدراسة لكي يُبنى التحليلُ على ما هو محقق. أمّا صاحبُ كتاب “نَمَط صَعب” قَد فصلَ القولَ في نسبة القصيدة إلى صاحبها، وخرج بخلاصة أن القصيدةَ تنسب إلى ابن أخت تأبط شرا وأن المؤلفَ حَرَصَ على اختيار أصح الروايات محاولا نشر القصيدة وفق منهج معين مراعيا في ذلك ما سماه فترات التغني بالشعر أو الترنم به، فقد قسم القصيدة إلى أقسام وحدد المكان والحدث والتباس الشاعر بهما.

– تقسيم القصيدة بحسب الأزمنة؛ فقد تكون قيلت في زمن واحد أو أزمنة متفرقة، وفي هذا الصدد وقف مؤلفُ الكتاب على أنموذج من قصيدة ابن اخت تأبط شرا، ولم يشرعْ في دراسة القصيدَة إلا بعد بَيانِ عَروضها، وتجريدها، وتحدث عن المشكلات التي تعترضُ دراسةَ النص الشعري.

ولم يَفُت الأستاذَ المشرفَ على البحث أن ينبه على ضرورة التزام   الباحث بإعادة بناء ما تناثرَ في نشر ذلك الشعر، ورفعِ الإبهام عنه، والإلمام بما تشعث من رواية الشعر وما تفرق من دواوينه. كما ذكر أن دراسة النص تستدعي الالتفاتَ إلى الروايات الأخرى وعَقد الموازناتِ بينها؛ فقد تكون روايةٌ ما أوفى من رواية أخرى، ولكن الترجيحَ بين الروايَتَيْن ينبغي أن يتعزَّزَ بالاستعانةِ بالروايات الواردة وإن كانَت مرجوحةً لكشف أسرار النص الواحد وتخريجه.

ثُمّ تطرقَ الأستاذُ المُشرفُ إلى العراقيل التي تكتنف الشعر العربي القديم، والأحكام الخاطئة التي ابتُلي بها الشعرُ القَديمُ، فمنها:

– الانتحال: فقد تكونُ القصيدة موضوعةً لا أصل لها، ولكن مُنتحلينَ انتَحلوها، مثل خلف الأحمر، ونَسَبوها إلى غير قائلها؛ أي نظموها هُم ثُمّ نَسبوها إلى غيرهم.

– خلط النسبة: وهو غير النحل، وهو أن ينسب شعرُ شاعر إلى شاعرٍ آخَرَ.

– الاتهام بفُقدان الوحدة العضوية: حيث اتُّهم الشعرُ الجاهليُّ بأنه مفككٌ وتفتقدُ عناصرُه إلى الوحدة والانسجام.

وفي هذا السياق ذكر الأستاذُ المُشرفُ أنه لا بدَّ من مراعاة أمور أربعة وهي: استقصاءُ المصادر التي ورَدَ فيها الشعرُ، ثم الانتباهُ إلى اختلافِ عدد أبياتِ القصيدةِ هل هو نفسُه أو أقلُّ من ذلكَ، وما يَتبعُ ذلكَ من اختلاف ترتيب الأبيات؛ فقد يَردُ في كلِّ رواية على حدةٍ تقديمُ بيتٍ أو تأخيرُه خلافاً لما هو عليه الشأنُ في رواية أخرى، ثم استقصاءُ كل اختلاف يقع في بعض ألفاظ الأبيات؛ حيث يُروى البيت في رواية بلفظ ويروى في رواية أخرى بلفظ آخر.

ثم انتقل المُشرفُ إلى الحديث عن خطوات التماسُك والانسجام في بناء النص أجْمَلَها في ما يَلي:

الخطوة الأولى تحقيق النص: لا بد من وضع احتمال وهو ما يَعتري الكتابَ من مَشاكلَ عند وجوده في دور النشر والمَطابع، وذلك يستلزمُ النظر فيه وإعادة بناء ما تهدم والنظر في القصيدة قبل تحقيقها.

الخطوة الثانية تقسيم النص إلى مجموعات يربط بين كل مجموعة روابط من المعاني.

الخطوة الثالثة نسبة الشعر إلى صاحبه: لأن هذه نسبةَ الشعرِ إلى صاحبِه الذي تَغَنّى به تفيدُ في معرفة خصائصِ كل شاعر، ذلك أن الكاتبَ كانَ يُلحُّ على نسبة الشعر إلى صاحبه لأن إهمال النسبة مضر ووجه الضرر خلط وفساد في تمييز شاعر من شاعر، ومحاولة لمِّ ما تشعث من رواية الشعر وما تفرق من دواوينها، ذلك أن الشعر يحمل خصائص صاحبه.

الخطوة الرابعة التأني في دراسة الشعر والتريث وعدم الإسراع في فهم القصيدة على نحو ما، وإنما يحتاج الأمر إلى تحكيم مقاييس، وفي هذا السياق أضاف المُشرفُ أن الأستاذَ محمود شاكر درس القصيدة مدة طويلة وانتابته الحيرةُ وقدَّم وأخرَ ولم يفرُغْ منها، حتى جمعَ ما تَيسرَ له من مصادرَ تجلتْ في مؤلَّف نفيس وهو كتاب «التيجان في ملوك حِمْيَر»، بروايَة عبد الملك محمد بن هشام (ت.218هـ) عَن وهب بن مُنبِّه، لأنه أول كتاب روى القصيدةَ، وأخيرا رواها أبو تمام صاحبُ الحماسة الصغرى في كتابه «الوحشيات»، وذكر أنّ هؤلاء رووا القصيدةَ وأتوا بها وكلٌّ نَسبَها إلى من يَراه مناسبا لنسبتها إليه، وانتهى محمود شاكر إلى نسبتها إلى ابن أخت تأبط شرا.

ونبه المُشرفُ على أنه قبل اقتحام النص دراسةً وشرحاً لابد من إحاطةٍ عامّةٍ بالشعر العربي، ولا بد أن يكونَ للناقدِ الباحث علمٌ بعلم بالمعاني ومناهج الشعراء في بيانها؛ لأن للبيانِ وجوهاً مختلفة ويحتاج ذلك إلى انتباه واضحٍ لتجليةِ الفرق بين اللفظين؛ فلَمحُ الفروق بين الألفاظ يُساعدُ على الوقوف على المناسبة المعجمية بين اللفظ واللفظ مشيرا في ذلك إلى ما سمَّاه الدّكتور تمام حسان رحمه الله بالمناسبة المعجمية.

ومن جهة أخرى لا بد من البَحثِ عن مَنهجِ بناء القصيدة أو طريقةِ نَسجِها وتَركيبِها، وهو ما أشار إليه الأستاذُ المُشرفُ  بالطُّرُقِ والمَسالكِ التي يَنبغي اتباعُها لاستخلاصِ الصورةِ التّركيبيةِ التامّةِ للقصيدَة؛ ذلك أن تمثُّلَ القصيدة تامةً كاملةً أمرٌ شاق، ويتعيّنُ النظرُ في مؤلِّفاتِ القَصيدَةِ ومُعالَجةِ هذه المؤلِّفاتِ بعنايةٍ، كتحليلِ الألفاظ المعجمية أولا وتصريفها في الوجوه المختلفة، ثم بناءِ الجمل وتنزيلِها في السياق، ثم اعتماد الأواصر الخفية التي تربط بين ظاهرِ القصيدة وباطنِها وهو ما يسمى بالتَّماسُك والانسجامِ.

وفي ختام جَلسة شرحِ المَشروعِ العلميِّ تَحدثَ الأستاذُ المُشرفُ عن مَناهجِ شروحِ الشعر لتي لَم تسلُك في الغالبِ مَسلك البَحث عن قَوانين تَأليفِ النصِّ الشّعريّ ولكنّها اكتَفَت بشرح ألفاظِ القَصيدَة وإعرابِها، مُستعرِضاً نَماذجَ هامّةً من شُراح الشعر مثل السُّكّري والتبريزي والأعلَم الشنتمري وغيرهم، مِمّن وقفوا عند الألفاظ ونظروا في كل لفظٍ عَلى حِدَةٍ، وساروا على هذا النَّمطِ في شروحهم كلِّها.

وأضافَ إلى ذلكَ أن ألفاظَ الشعر أمرُها مُختلفٌ لأنهم يُلبِسونَها المَعانيَ الجديدةَ بالإسْباغ ويَخلعونَ عنها معانيَها أو بعضَ مَعانيها بالتعرية، وأن تمثل القصيدة لا يقتصر على مجرد المعرفة بالألفاظ ومعانيها، بل يتعداها إلى توسم ما لحقها من الإسباغ والتعرية، وإلى أسلوب كل شاعر منهم في احتياله على الإبانة الموجزة عن غوامض ما في نفسه، وعلى الوشائج التي تتخلل الألفاظ مركبة في جملتها عن قصد وعمد وإرادة، ثم إلى ضروب من المعرفة بأحوال العرب في جاهليتها وما كانت تأخذ وما كانت تدع من المعاني.

(أ)

أصر

[الآصرة]

*  سياقُ المصطلح:

ــ  « وتَمَثُّلُ القصيدةِ أمرٌ شاق، في حديث الشعر وقديمه سواء؛ لأن الشعرَ كلَّه يعتمدُ على الألفاظِ وعلى تركيب الألفاظِ وتصريفها، وعلى بناءِ الجملِ ومنازلِها من السِّياق، وعلى الأواصِرِ الخَفيّة بين الظّاهرِ والباطنِ »(1).

ــ « وبذلك يكون قد أخرجَ الغناءَ كلَّه مخرجَ الرثاء، لا مخرجَ الذكرى ولكان هذا يَقتضيه أن ينقُضَ بناءَ القصيدة كلِّها، وأن يكسبَ ألفاظَها وأنغامَها سمتا آخرَ غيرَ هذا السمتِ، ولأنزَلَ بالقصيدة كلِّها أذيَّة مؤلمةً، ولنَزَلَت عندئذٍ درجاتٍ من ذروتها الشاهقة التي بَلَغَتها. فمن أجل هذا ومن مَخافتِه أقْدَمَ «زَمنُ النَّفْسِ» على التَّشعيثِ فقَطعَ أواصرَ القِسم الرابع التي تربطه بالقسم الثاني وخاتمته »(2).

* التعريف اللغوي:

جاء في لسان العرب: أصر: أَصَرَ الشيءَ يَأْصِرُه أَصْراً: كَسَرَهُ وعَطَفه. والأَصْرُ والإِصْرُ: مَا عَطَفك عَلَى شَيْءٍ. والآصِرَةُ: مَا عَطَفك عَلَى رَجُلٍ مِنْ رَحِم أَو قَرَابَةٍ أَو صِهْر أَو مَعْرُوفٍ، وَالْجَمْعُ الأَواصِرُ. والآصِرَةُ: الرَّحِمُ لأَنها تَعْطِفُك. قَالَ ابْنُ سِيدَه: وَعِنْدِي أَنه إِنما عَنَى بِالْآصِرَةِ الحَبْلَ الصَّغِيرَ الَّذِي يُشدّ بِهِ أَسفلُ الخِباء(3).

* التعريف الاصطلاحي :

الآصرة : الرابطةُ والحبلُ الواصلُ بين الشيئَيْن، وأواصرُ الكلام ما يربطُ بعضَه ببعض، كالضمائر وأدوات العطف والنسق والاستئناف.

(ب)

بنى

[البناء]

*  سياقُ المصطلح:

ــ « فالشعرُ الذي بين أيدينا اليومَ، مطبوعًا كان أو مخطوطا، فيه عددٌ لا يُستهان به من القصائد التَّامة البِنَاء، أو القَصَائدِ الطِّوال التي فُقد بعضُها ولكن بقي منها ما يَدُل على جُزء كَبيرٍ من بِنَائِها، وَلا يستطيع ناظرٌ خبِير أن يخطئ فيها صحة البِناء الشعري…»(4).

ـــ « لأن الشِّعر كله يعْتمِدُ على الألفَاظ، وعلى تركيبِ الألفاظ وتصريفها، وعلى بناءِ الجُملِ ومَنَازلها مِن السِّياق… »(5).

ــ « […] الأسَاليبِ المخْتلفةِ التي يسْلكها الشعراء في بِنَاء القَصِيدة لَبِنَةً لبنة، حَتَّى يَسْتَوِيَ بناءً قائما منضَّدًا »(6).

ــ «وأكثَرُ الذينَ اسْتَوَتْ لهم القدرةُ على النقد من القدماء، تَحَوَّلوا عن تأصيل النَّقد واسْتيفاء قَواعِدِه، وشَقِّ سُبُله، إلى تَأْصيل علم البلاغة والبيان، وبِنَاءِ قَوَاعِدِهما »(7).

ــ «ولأَنَّها من القَصائدِ التي جاءت مُحْكَمَةَ البِنَاءِ »(8).

ــ «ولما أعادَ بناءَ القصيدة على هذا الترتيب…فإن إِحْكَامَ بِنَاء القَصِيدَة أَهَم مِنْ مُطابقة الضَّمائر لِمَا يقتضيه ما نَأْلَفُه من علمِ النَّحو »(9)

ــ « بَحْر يُطالب المُتَرَنِّمَ بِه أَنْ يَنْبذَ إليه الكلماتِ حيَّةً موجزةً مقتصدةً خاطفةَ الدلالة، ويطالبه أن تكونَ أنفُسُ الكلماتِ دَالَّةً ببنائِها ووزنها وحَركاتِها وجَرْسِ حُروفِها على المعنى المُستكِنِّ فيها»(10).

ــ «واعْتَمَدْتُ هَذا الرَّأيَ وسِرْتُ عَلَيه، ورأيت أنّي إذا وُفِّقت فيه إلى إظهار ما في القصيدة من أسرار جمالِها، ومن دِقَّةِ تركيبها وبِنائها، ومن تَدَفُّق ألفاظِها بمعانِيها، ومن تَحَدُّرِ ألفاظها على أنغامها ببراعة محكمة »(11).

* التعريف اللغوي:

جاء في الصحاح: بَنى فلانٌ بيتاً من البُنيان، وبنى قصورا، وابْتَنى داراً وبَنى بمعنىً. والبنيانُ: الحائطُ. وقوسٌ بانِيَةٌ، بَنَتْ على وَتَرِها، إذا لَصِقَتْ به حتَّى يكاد ينقطع(12).

* التعريف الاصطلاحي :

بناء الشعر: بناء الشعر أو الكلام الحَسَن هوجعلُه على هيئة واحدة من الترابط والتماسُك والاتساق.

بناء القَواعد: وضعُها وضعاً يُتيحُ بها للقارئ أو المطلع معرفةُ ما وُضعَت لَه ويُسهلُ عليه إدراكَ نسق الجزئيات والتفاصيل.

إحكامُ البِناءِ: إتقانُه وشدُّه بالرّوابطِ المناسبَةِ التي تَحفظُ أجزاءَه.

بين

[الإبانة]

*  سياقُ المصطلح:

ــ « وَأَكْثَرُ الذين اسْتَوت لهم القدرةُ على النَّقد من القُدماءِ، تحوَّلوا عن تأصيلِ النقدِ واستيفاءِ قواعدِه، وشَقِّ سُبُلِه إلى تأصيلِ علمِ البلاغةِ والبيانِ، وبِنَاءِ قواعدهِما، أو إلى نقدِ التَّفَارِيقِ والتَّفاصيلِ في الشعرِ، دونَ نقدِ جملةِ القصيدِ، والإِبانةِ عن معانِيه، وَتَجْلِيَة أسرار جماله »((13

* التعريف اللغوي :

جاء في الصحاح: بانَ الشَّيْءُ بَياناً: اتَّضَحَ فهو بَيِّنٌ، والجمع أبيناءُ، مثل هيّن وأهْيِناء. وكذلك أبانَ الشيءَ فهو مُبينٌ، وأَبَنْتُهُ أنا، أي أوضحته. واستبانَ الشيءُ: وَضحَ. واستبنتُه أنا: عرَفتُه. وتبيَّنَ الشّيءُ: وَضحَ وظَهرَ(14).

* التعريف الاصطلاحي :

الإبانةُ عن المَعاني: الإفصاح عن مَعاني الكَلامِ، وإظهارُ دلالاتِه وتِبيان دواخلِه، حتّى يَصيرَ مترابطا بعضه ببعض وعلى نسق متماسكٍ.

 (ج)

جدل

[الجَدْل]

*  سياقُ المصطلح :

ــ  « كأنه جُدلَ جَدْلًا أي فُتِلَ جسمه فَتلًا شَديدًا»(15)

* التعريف اللغوي :

جاء في لسان العرب: الجَدْل: شِدَّة الفَتْل. وجَدَلْتُ الحَبْلَ أَجْدِلُه جَدْلًا إِذا شَدَدْتَ فَتْله وفَتَلْتَه فَتْلًا مُحْكَماً؛ وَمِنْهُ قِيلَ لِزِمَامِ النَّاقَةِ الجَدِيل. قال ابْنُ سِيدَه: جَدَلَ الشيءَ يَجْدُلُهُ ويَجْدِلُهُ جَدْلًا أَحكمَ فَتْلَه؛ وَمِنْهُ جَارِيَةٌ مَجْدُولةُ الخَلْق حَسَنةُ الجَدْل. والجَدِيلُ: الزِّمَامُ الْمَجْدُولُ مِنْ أَدم(16).

* التعريف الاصطلاحي :

الجدْلُ: شَدُّ الشّيءِ وفَتلُه وجَعلُه مُحكَما.

جلو/جلي

[تجلية]

*  سياقُ المصطلح :

ــ « وَأَكْثَرُ الذين اسْتَوَتْ لَهم القُدْرة على النَّقْد مِنَ القدماء، تَحَوَّلوا عن تأصيل النقد واستيفاء قواعده، وشَقِّ سبله، إلى تأصيل علم البلاغة والبيان، وَبَيَانِ قَوَاعِدِهِمَا، أو إلى نَقْدِ التَّفَارِيق والتَّفاصيل في الشعر، دُونَ نَقْدِ جُمْلَةِ القصيد والإبانَةِ عن معانيهِ وتَجْلِيَةِ أَسْرَارِ جماله »17)).

* التعريف اللغوي :

جاء في لسان العَرَب: جَلَا الأُمورَ أَي أَوضَحها، وجاء في الصحاح: جَلَّى الشَّيءَ، كَشَفَه. وهو يُجَلِّي عن نفسه، أي يعبِّر عن ضميره. وانْجَلى عنه الهمُّ، أي انكشفَ. وتجلّى الشيءُ، أي تَكشَّفَ. قال الأصمعيّ: جَالَيْتُهُ بالأمر وجالَحْتُهُ، إذا جاهرتَه به((18.

* التعريف الاصطلاحي :

تَجْليةُ المَعنى ونَحوه: الكشفُ عنه، ومنه تَجليةُ معاني الشعر بَيانُها وإيضاحُها وفَكُّ مُبهَمها.

(ح)

حوط

[الإحاطة]

*  سياقُ المصطلح :                                                  

ــ« ومُجَرَّد استقصاء ذلك لا يكادُ يُغني شيئًا، بل يحتاجُ الأمرُ بعد ذلكَ إلى بَصرٍ دقيقٍ بوُجوه اختلافِ هذه الألفاظِ، وإحاطَةٍ تامّةٍ بمَعاني الشِّعْر عامّةً وبمناهج شعراء العرب في بيانها عن أنفسها خاصة، على اختلاف وجوه البيان وتداخل بعضها في بعض » (19) .

ــ « ويزيدها بالتَّعْرية والتَّجْريد، إسباغًا وشُمولًا وإحاطةً » (20).

* التعريف اللغوي :

حوط: حاطَه يَحُوطُه حَوْطاً وحِيطةً وحِياطةً: حَفِظَه وتعَهَّده، وتَحَوَّطَه: كَحَوَّطَه. واحْتاطَ الرجلُ: أَخذ فِي أُموره بالأَحْزَم. واحْتاط الرَّجُلُ لِنَفْسِهِ أَي أَخذ بالثِّقة. والحَوْطةُ والحَيْطةُ: الاحْتِياطُ. وحاطَه اللَّهُ حَوْطاً وحِياطةً، والاسمُ الحَيْطةُ والحِيطة: صانَهُ وكَلأَه ورَعاه، حاطَه يَحوطُه حَوْطاً إِذا حَفِظَهُ وصانَهُ وذبَّ عَنْهُ وتَوفَّرَ عَلى مَصالحِهِ(21).

* التعريف الاصطلاحي :

الإحاطَةُ بالشيءِ: حفظُه واحتواؤُه، ومنه حفظُ مَعاني الشِّعرِ والإحداقُ بها وتَطويقُها من الخروج عن المَألوفِ ومِن الوُقوعِ في اللَّبْسِ والإبهامِ، واستعمالُها في مواضعِها الصَّحيحةِ.

*  *  *

(خ)

خلع

[يخلعون]

*  سياقُ المصطلح :

ــ « أمّا ألفاظُ الشِّعْر فأمرُها مختلفٌ، لأنهم يلْبِسونها بالإسباغ، ويَخْلَعون عَنها بالتَّعْرِية» (22.

* التعريف اللغوي :

جاء في لسان العرب: خَلَعَ الشيءَ يَخْلَعُه خَلْعاً واختَلَعه: كنَزَعه، وخلَعَ النعلَ والثوبَ والرِّداءَ يَخْلَعُه خَلْعاً: جَرَّده. والخِلْعةُ مِنَ الثِّيَابِ: مَا خَلَعْتَه فَطَرَحْتَه عَلَى آخَرَ أَو لَمْ تَطْرَحْه (23).

* التعريف الاصطلاحي :

خَلَعَ عَن اللفظِ مَعناهُ: جَرَّدَه منه وألبسَه مَعنى جديداً، ومن ذلكَ أيضاً نَقلُ مَعناه من حقيقةٍ إلى مَجازٍ.

خلل

[التَّخليل]

*  سياقُ المصطلح :

ــ « الدَّنْدَنَة والهَيْنَمَةُ الخفيةُ التي تَتخَلَّلُ الشِّعرَ بحديثِ النَّفس، وتَعْتَرِضُ بينَ كَلامَيْن مُتَّصِلَين، موجودةٌ إذا أنت تَطَلَّبتَها » (24).

* التعريف اللغوي:

جاء في لسان العرب: تَخَلَّل القومَ: دَخَلَ بَيْنَ خَلَلهم وخِلالهم، وَتَخْلِيلُ اللِّحْيَةِ والأصابع في الوُضوءِ، فإذا فَعلَ ذلكَ قالَ: تَخَلَّلت (25)

* التَّعريف الاصطلاحي:

تَخْليلُ الشِّعر والكَلامِ البَليغِ: إدخالُ عَناصرَ تَزيدُه حُسناً وجَمالاً وتَزيدُ بُنيانَه قُوّةً وتَماسُكا.

*   *   *

(د)

دمج

[الاندماج]

*  سياقُ المصطلح :

– «فلمَّا قَالَ [الشاعرُ] “يَابس الجَنْبَيْن” فإنَّما أَرَاد هذهِ الصِّفةَ مِنْ صَلابةِ الجَنْبَيْن وانْدِمَاجِ لَحْمِهِمَا» (26).

– « فاقْتِطاعُ صفَةٍ واحِدَةٍ منْ جُمْهُورِ الصِّفات اللَّازمةِ لمَن هو ظاعنٌ يركبُ ضَلالَ البيد وأهوالَها وهيَ صفَةُ الحَزْم رأسُ صفاته وقوامها، ثم استحياءُ الحزم وجَعْلُه رفيقًا وصاحبًا وتابعًا لهذا الظاعن، يسَّرت للفظ ظاعن أن يوهمَك أنَّه مُسْتَوْعِبٌ سائرَ الصِّفَاتِ مُنْدَمِجًا مَعْناهُ بِمَعناها، ويسّرت لهذه الصفات بانْدِمَاجِهَا في حركة “ظاعن” أن تَزْدَادَ قُوَّةً وتَوَهُّجًا وتكاملًا وتراحُبًا وامتدادًا حتّى أَرْبى مَعْناها مُدْمَجة في ظَاعِن على معنى الحَزم، وحتى صار هو لها تابعاً بعد أن كانت له تَبَعاً، وحتّى غَدَت هي في غنى عنه، ولا غِنَى له هو عنها» (27).

ــ « فإنَّ هذه النُّبَذَ الصغارَ المُدْمَجَةِ الأَوْزَان، المُلقاةَ على تَسلسُله متفرقةً متتابعةً، أبطَأتْ بالنَّغمِ…» (28).

ــ «شَعَّثَها بالتقديم والتأخيرِ؛ لِيُدْمِجَ غنَاء القِسم الرَّابع في غناء القسم الخامس حتى يَلْتَحِمَا» (29)

« عاقَني عن إدماجِها في الكلامِ ما حاولتُ أن أصوِّرَه لك…» (30)

* التعريف اللغوي :

جاء في الصحاح: دَمج الشّيء دُموجا، إذا دَخَلَ في الشّيءِ واستحكمَ فيه. وكذلك انْدَمَجَ وادَّمَجَ بتشديد الدال. قال أبو عبيد: كلُّ هذا إذا دخلَ في الشيءِ واستتر فيه. ونصلٌ مُنْدَمِجٌ، أي مُدَوَّرٌ. وتَدامَجوا عليه، أي تعاوَنوا. وليلٌ دامج، أي مظلم. والمُدامجة مثلُ المُداجاةِ. ومنه الصُلْحُ الدُماجُ، بالضم، وهو الذي كأنَّه في خفاءٍ. ويقال هو التامُّ المحكمُ. وأدْمَجْتُ الشيء، إذا لففته في ثوب. والشيء المدمج: المدرج مع ملاسة (31).

* التعريف الاصطلاحي :

والانْدِمَاجُ: هو دَمْجُ الصِّفاتِ اللَّازِمةِ في النَّص من جهةِ المعَانِي والأوزانِ حتّى يصِيرَ اللَّفظُ مُنْتسَجًا وأحسنُ تأليفًا وأشدُّ تلاؤُمًا وتشاكُلًا.

دخل

[تتداخل]

*  سياقُ المُصطلح :

ــ « …ولأنَّهُ نَغَمٌ ذُو سَطوة على المتَرَنِّم وعلى أداته، فهو لا تطيق خلائقُه احتمالَ التَّشْبيه المُركب المُسترسل، ولا الصُّور المزدحمة المتعانقة المستفيضة، ما هو إلا التشبيه المشرف الذي يبسُطُ عليه ظِلَاله دون جرمه، وما هي إلا الصورة المُنَمْنَمَة المُحَدَّدة القَسَمات، تَشفُّ عنها الكَلمةُ والكلمتان، دون الصُّورة المنبسطة التي تتشاجر فيها الشخوص، وتَتَدَاخَلُ الأَلْوَان » (32).

ــ« بَلْ يَحتاج الأمر بعد ذلك إلَى بَصَر دَقِيق بِوُجُوه اخْتِلاف هَذِه الألفاظ، وإحاطَةٍ تَامة بمعانِي الشِّعر عَامة، وبِمَنَاهِجِ شُعراءِ العَرَب في بيانِهَا عن أنفسها خاصة، على اختلاف وجوه البيان وتَدَاخُلِ بَعْضِهَا فِي بَعْضٍ» (33).

ــ « وبذلك شَملت جُثمانَ الصورةِ دِخلةٌ من الألوان (دِخْلَة الأَلْوَانِ بِكَسْرِ الدَّالِ وَسُكُون الخَاءِ اختلاطُ ألوانٍ في لَونٍ وَتَدَاخُلُهَا)، تَجْلُو مَعَارفها، وَتَكْشِفُ عَنْ مَلامِحِها، وتَمْنَح دِيباجَتَها صفاءً يشِفُّ عن ضميرها ومكنون أسرارِها » (34)  .

ــ « وفَوْقَ ذَلِكَ كُلِّه فَإِنَّ هذا الزمن، لِأَنَّهُ زَمَنٌ مُرَكَّبٌ مِنْ أَزْمِنةِ نَفس مُتَدَاخِلَة، مخْتَلفة أَوْ مُتَّفِقة، فَهو قَابِلٌ أيضا أَنْ يَتَجَزَّأ ويَنْفَصِل بَعْض منه عن بعض » (35).

* التعريف اللغوي:

جاء في المعجم الوسيط: دخل المَكان وَنَحْوَه وفيه دُخولا صَار داخله، و(داخلت) الأشْياء مداخلة ودخالا دخل بَعْضهَا فِي بعض، و(تداخلت) الْأَشْيَاء داخلت والأمور التبست وتشابهت، و(الدِّخلة) كل لحْمَة متداخلة مجتمعة، و(الدِّخْلة) بَاطِن الْأَمر وَمن الْإِنْسَان داخلته وَيُقَال هُوَ حسن الدخلة، وتخليط لونين أَو أَكثر ليؤخذ مِنْهُمَا لون آخر (36).

* التعريف الاصطلاحي :

التَّداخلُ: تَداخل الكلمات والأحداث والأزمنة : دُخول بعضها في بعضٍ حتى تظهرَ على هيئةٍ مُعيَّنَةٍ ونَسَق مُحدَّد.

دفق

[تدفق]

*  سياقُ المصطلح :

ــ « وَرَأَيْتُ أنّي إذا وُفِّقْتُ فيه إلى إظهارِ ما في القصيدَةِ من أَسْرار جَمالها، وَمِنْ دِقَّةِ تَرْكِيبِها وَبِنائِهَا، ومن تَدَفُّق أَلْفاظها بِمَعانِيها، ومن تَحَدُّرِ أَلْفَاظِها على أَنْغامِها بِبراعَةٍ مُحْكَمة » (37).

* التعريف اللغوي :

جاء في لسان العرب: دفَق الماءُ والدَّمْعُ يَدْفِق ويدْفُق دَفْقاً ودُفُوقاً وانْدفَق وتدَفَّق واستَدْفَقَ: انْصبَّ، وَقِيلَ: انصبَّ بمرَّة فَهُوَ دَافِقٌ أَيْ مَدْفُوقٌ كَمَا قَالُوا سِرٌّ كاتِمٌ أَي مكتُوم، لأَنه مِنْ قَوْلِكَ دُفِق الْمَاءُ، عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ؛ وَمِنْهُمْ مَن قَالَ: لَا يُقَالُ دفَق الماءُ. وكلُّ مُراقٍ دافِقٌ ومُنْدَفِق، وَقَدْ دفَقَه يدْفِقُه ويَدْفُقُه دَفْقاً ودَفَّقَه. والانْدِفاقُ: الانْصِباب. والتدفُّق: التَّصَبُّبُ. وفي التَّهْذِيب: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ (38).

* التعريف الاصطلاحي :

تَدَفُّقُ الألفاظِ: انصبابُها كالماءِ الدّافقِ، بعضُها إثْرَ بعضٍ وبتدفُّقِ الألفاظِ  وكثرتِها تُبنى القصيدةُ بناءً مُحكَمَ التّركيبِ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش:

(1)  نمط صعب ونمط مخيف، ص: 133.

(2)  نفسه، ص: 249.

(3) لسان العرب، 4/22-23

(4) نمط صعب، ص: 44.

(5) نفسه، ص: 133.

(6) نفسه، ص: 134.

(7) نفسه، ص: 138.

(8) نفسه، ص: 139.

(9) نفسه، ص: 206.

(10) نفسه، ص: 209.

(11) نفسه، ص: 341.

(12) الصحاح، 6/2286.

(13) نمط صعب، ص: 138.

(14) الصحاح،  5/ 2083.

(15) نمط صعب، ص: 183.

(16) لسان العرب، 11/103.

(17) نمط صعب، ص: 138.

(18) لسان العرب، 14/150،  الصحاح، 6/2305.

([19]) نمط صعب ونمط مخيف، ص: 132.

(20)  نفسه، ص: 199.

(21) لسان العرب، 7/279.

(22) نمط صعب، ص: 133.

(23) لسان العرب، 8/76.

(24) نمط صعب، ص: 226.

(25) لسان العرب،  11/213.

(26) نمط صعب ونمط مخيف ، ص: 178.

(27)  نفسه، ص: 188-189.

(28)  نفسه، ص: 258.

(29)  نفسه، ص: 265.

(30)  نفسه، ص: 265.

(31)  الصحاح، 1/315-316.

(32)  نمط صعب، ص: 113-114.

(33)  نفسه، ص: 132.

(34)  نفسه، ص: 168.

(35) نفسه، ص: 243.

(36) المعجم الوسيط، 1/275.

(37) نمط صعب، ص: 341.

(38)  لسان العرب، 10/99

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق