مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراثشذور

ميقات الإحرام

قال الإمام الحطاب الرُّعيني:

والمواقيت الأربعة الأولى:

وهي: ذُو الْحُلَيْفَةِ وَالْجُحْفَةُ وَيَلَمْلَمُ وَقَرْنٌ متفق على أنها من توقيت الرسول صلى الله عليه وسلم، واختلف في ذَاتِ عِرْقٍ فقيل: إنها من توقيت سيدنا عمر رضي الله عنه لِما روى البخاري عن ابن عمر أنه لما فتح هذان المصران أتوا عمر فقالوا:

«يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّ لِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنًا، وَهُوَ جَوْرٌ عَنْ طَرِيقِنَا، وَإِنْ أَرَدْنَا قَرْنًا شَقَّ عَلَيْنَا قَالَ: اُنْظُرُوا حَذْوهَا مِنْ طَرِيقِكُمْ فَحَدَّ لَهُمْ ذَاتَ عِرْقٍ».

والمراد ب (المِصران) البصرة والكوفة، والمراد بفتحهما بناؤهما، فإنهما بُنيتا في خلافة سيدنا عمر رضي الله عنه، وهو الذي جعلهما مِصرين.

وقوله: جور بفتح الجيم وسكون الواو أي: مائلة عن طريقنا.

وقال مالك في المدونة: وَقَّتَ عمر لأهل العراق ذات عرق، ولم يذكر في الموطأ مَن وَقَّتَها، والصحيح: أنها من توقيت النبي صلى الله عليه وسلم؛ ففي صحيح مسلم من حديث أبي الزبير أنه «سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَسْأَلُ عَنْ الْمُهَلِّ فَقَالَ: سَمِعْتُ أَحْسِبُهُ رَفَعَهُ إلَى النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فَقَالَ مُهَلُّ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ وَالطَّرِيقِ الْآخَرِ الْجُحْفَةُ وَمُهَلُّ أَهْلِ الْعِرَاقِ مِنْ ذَاتِ عِرْقٍ وَمُهَلُّ أَهْلِ نَجْدٍ مِنْ قَرْنٍ وَمُهَلُّ أَهْلِ الْيَمَنِ مِنْ يَلَمْلَمَ».

وقوله: عن المُهَلّ هو بضم الميم وفتح الهاء وتشديد اللام أي: من وضع الإهلال، وكذلك مهل أهل المدينة وأهل العراق وأهل نجد وأهل اليمن أي: موضع إهلالهم اسم مكان من أهل.

وقوله: أحسبه يعني أبا الزبير، فقال: أظن أن جابرا رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، قال النووي، ولا يحتج بهذا الحديث مرفوعا لكونه لم يجزم برفعه انتهى.

قلت [أي الرعيني]: لكن رواه أبو داود والنسائي على الجزم وبرفعه من حديث عائشة: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «وَقَّتَ لِأَهْلِ الْعِرَاقِ ذَاتَ عِرْقٍ» ، وقال ابن جماعة وإسناده صحيح، ورواه الإمام أحمد من حديث أبي الزبير عن جابر وجزم برفعه لكن في سنده ابن لَهِيعة، ورواه الإمام أحمد من حديث ابن عمر لكن في سنده إبراهيم بن يزيد الجويري، وهو ضعيف، لكن ظهر بما تقدم من طرق الحديث قوته وصلاحيته للاحتجاج.

قال صاحب الطراز: فإن قيل: لو وَقَّتَهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خفي على عمر، ولا غيره.

قلت: يجوز أن يخفى؛ لأن العراق لم تفتح في زمن الرسول حتى يكون إهلالا شائعا ذائعا، وإنما كان النبي عليه السلام يقول ذلك في بعض مجالسه بيانا لما سيكون، ومثل ذلك يجوز أن يخفى على معظم الصحابة، كما خفي على عمر توريث المرأة من دِيَّة زوجها حتى روي له الحديث بذلك، وخفي على أبي بكر أمر الجدة حتى روي له حكم الرسول صلى الله عليه وسلم.

قلت: فيُحمل توقيت سيدنا عمر على أنه لم يبلغه الحديث فوَقَت ذلك باجتهاده فوافق نص الحديث، وقد نزل القرآن على وفق قوله: رضي الله عنه، ثم قال في الطراز: فإن قيل: فأهل العراق كانوا مشركين في زمنه صلى الله عليه وسلم فكيف يكون له ميقات؟

قلنا عنه جوابان:

أحدهما: أن ذلك لمن جاء من ناحية العراق، وإن لم يكن من أهل العراق نفسها.

والثاني: أنه عليه السلام علم أنهم يسلمون كما يسلم أهل الشام، وكما قال لعدي بن حاتم «يُوشِكُ أَنْ تَخْرُجَ الظَّعِينَةُ مِنْ الْحِيرَةِ تَؤُمُّ الْبَيْتَ لَا جِوَارَ مَعَهَا لَا تَخَافُ إلَّا اللَّهَ».

قلت: يعني أنه كما وَقّت لأهل الشام ومصر الجحفة، ولم تكونا فُتحتا، فكذلك وَقّت لأهل العراق ذات عرق، وإن لم تكن فتحت، وقد علم صلى الله عليه وسلم ما سيُفتح بعده وزويت له مشارق الأرض ومغاربها، وقال: «سَيَبْلُغُ مُلْكُ أُمَّتِي مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا»، وكما أخبر صلى الله عليه وسلم بغير ذلك من المغيبات، وقد ضَعّف الدارقطني الحديث بما تقدم أعني كون العراق لم تفتح حينئذ ورد عليه القاضي عياض بنحو ما تقدم، والله أعلم.

مواهب الجليل في شرح مختصر خليل (3/ 32-33)، للحطاب الرُّعيني المالكي (ت954هـ) وبهامشه التاج والإكليل لمختصر خليل للمواق (ت897هـ)، الناشر: دار الفكر، الطبعة: الثانية، 1398هـ – 1978م.

إنتقاء: ذة. غزلان بن التوزر.

Science

ذة. غزلان بن التوزر

باحثة بمركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراث بالرابطة المحمدية للعلماء -ملحقة الدار البيضاء – منذ دجنبر 2011م إلى الآن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق