مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراثشذور

موقف البربر إزاء الفتح الإسلامي

ا قابلنا بين سير الفتوح الإسلامية في البلاد المجاورة للأمة العربية وبين سيرها في الشمال الإفريقي، نجد أن بينهما فرقا من وجهين:
   الوجه الأول: أن المسلمين احتلوا المملكة الفارسية بأجمعها، واستولوا على ممتلكات الدولة الرومانية في الشرق (مصر وسوريا) في زمن قصير لا يتجاوز الخمس عشرة سنة في حين أنهم قضوا في إخضاع البربر ما يقرب من الخمسين سنة.
  الوجه الثاني: أن الأمم الشرقية التي أخضعوا لها رضيت بالحكم العربي لأول عهدها بالفتح، وسرعان ما اصطبغت بالصبغة العربية واتخذت اللغة العربية بدلا من لغتها، ولم تقم بأية محاولة تريد منها إزالة الحكم العربي والتنقيص من السلطة العربية في أرضها، أما البربر فإنهم لم يطمئنوا ـ في أول الأمرـ إلى العرب بل تربصوا بهم الدوائر وتحينوا الفرصة تلو الفرصة للانقضاض عليهم وثاروا عدة مرات تمكنوا فيها من طردهم عن بلادهم واستعادة حالتهم التي عاشوا عليها قرونا عديدة، يقول ابن أبي زيد القيروان : «إن البربر ارتدوا بإفريقية والمغرب اثنتي عشرة مرة » [ابن خلدون ج 1 ص 126 و136 طبع الجزائر].
  وقد حاول بعض المؤرخين تعليل هذه الظاهرة الغريبة فجعلوا السبب ناشئا من البربر وقالوا أنهم أجمع شعوب الأرض للرذائل وأبعدهم عن كل نظام وأسرعهم إجابة لدواعي الفتنة والشر، وبالغوا في هذا حتى كادوا يجردون البربر من كل فضيلة [قد سرى هذا الغلط إلى أٌقلام طائفة من كتابنا عفا الله عنهم فيقولون مثلا: “ماهذه البربرية” ويقولون “عمل بربري” يعنون “قاس متوحش” وهذا ناشيء من الاشتباه الواقع بين كلمتي بربرBerbère  وباربار Barbare  فالأولى تعني سكان الشمال الافريقي الأصليين والثانية تعني القبائل المتوحشة التي هاجمت الدولة الرومانية الغربية وقضت عليها وهؤلاء متوحشون حقيقة فقد قتلوا الابرياء وبقروا بطون النساء وخربوا العمران] .
  والواقع أن الشعب البربري ليس فضيلة كله ولا رذيلة كله، بل هو مثل بقية شعوب العالم يجمع إلى بعض مظاهر الشر مثلا كبرى من الخير ولم يخلق الله شعبا على هذه الأرض عري عن الفضائل أو أسلم من الرذائل .
  أما موقفهم إزاء الفتح الإسلامي فله أسباب كثيرة أهمها:
  1ـ بعد الديار
 لقد حارب العرب في الشرق أمما قريبة إليهم فاستطاعوا تنظيم مواصلتهم مع جيشهم كما استطاعوا إمداده بما يحتاج إليه بين حين وآخر والحالة في الشمال الإفريقي على العكس من ذلك فبلاد البربر بعيدة جدا عن العواصم الإسلامية ويفصلها عنهم صحار شاسعة مثل صحراء مصر الغربية وصحراء طرابلس فكان يصعب على الحكومة العربية المحافظة على الاتصال مع جيشها بشكل يسمح لها بإمداده ومعرفة ما يحتاج إليه ولعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه منع عمرو ابن العاص من فتح افريقية (تونس) حين استأذنه في ذلك لهذا السبب.
 2 ـ فتور الحماس الديني
 كان المسلمون الذين حاربوا الدولتين فارس والروم ممن شهدوا الرسول صلى الله عليه وسلم وسمعوا منه وتأثروا به وكان نور الهداية النبوية يشع في قلوبهم يحاربون مندفعين بالقرآن سائرين وراء الغاية التي هداهم الرسول لها وحظهم عليها (إعلاء كلمة الله) ولم يكن لهم أي مطمع غير هذا.أما المسلمون الذين حاربوا البربر فكان جلهم ممن غمسوا أيديهم في تلك الفتن التي قامت بين المسلمين، وأصبح لديهم بالإضافة إلى غاية الصحابة الأولين غايات أخرى يسعون لتحقيقها، فتأثر حماسهم الديني بعض الشيء وفتر نشاطهم شيئا ما وشِيبَت تلك الروح السامية بأشياء أخرى فلت من حدها ونالت من شدتها ولابد أن يكون لهذا آثاره في نفوس المحاربين.
3ـ انقسام المسلمين
كان المسلمون يحاربون الفرس والروم وهم يد واحدة وأمة متحدة لم يطرأ عليهم بعد انقسام، وكان لهذا آثاره في نفوس أعدائهم؛ إذ يرونهم كتلة واحدة «يسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم» فكانوا يهابونهم جدا ويخامر قلوبهم منهم رعب شديد. وفي الوقت الذي حاربوا فيه البربر كانوا ينقسمون على أنفسهم أحيانا، وكان البربر يشاهدون بعض مظاهر هذا الانقسام فشاهدوا المهاجر ابن أمية يقبض على عقبة بن نافع ويقيده ويخرب مدينة (القيروان) ويبني أخرى بالقرب منها، ورأوا عقبة بعد ذلك ينتقم منه ويعامله ومدينته بالمثل، وهذا يجعل البربر يحتقرون العرب ويجرأون عليهم وينظرون إليهم بغير العين التي كان ينظر إليهم بها فارس والروم. أضف إلى ذلك أن الانقلابات السياسية التي كانت تحدث في الدولة الإسلامية كانت تفت في عضد الفاتحين في الشمال الإفريقي وتجعل إمداداتهم مفقودة أو بطيئة وهم في أشد الحاجة إليها.
4ـ صلابة البربر وعنادهم
أغلب شعوب العالم يحتفظون بحالتهم الاجتماعية ويمتنعون من التطور الذي ينتهي بهم للخروج عنها مهما كلفهم ذلك من ثمن غال، والبربر يمعنون في هذا المبدإ إمعانا شديدا وينظرون إلى كل ما هو أجنبي نظر الريبة والتحفظ، فلذلك ظلوا على حالتهم التي عرفوا عليها سواء في سكناهم أم في نظام معيشهم أم في لباسهم إلى الآن ولم يتطوروا فيها إلا تطورا بسيطا بالرغم عن مخالطتهم لكثير من الأمم، فلبس البرنوص، وحلق الرؤوس، وأكل الكسكوس؛ لا تزال من مميزاتهم الخصوصية منذ عرف التاريخ.
5ـ أخطاء بعض الفاتحين
وتمت أخطاء كبرى ارتكبها بعض الفاتحين كان لها أكبر الأثر في سير الفتوح، فعبد الله بن سعد أول فاتح عربي دخل الشمال الافريقي انتصر انتصارا باهرا في تونس وقتل الوالي الروماني «جيرجير» واحتل سبيطلة وخربها سنة 29 ومع ذلك فلم يستغل انتصاره العظيم ويكمل فتح البلاد بل رضي منهم بمال أدوه إليه وانسحب بجيشه إلى الشرق ونتج عن خطئه هذا أن تأخر الفتح سنوات.
  وعقبة بن نافع وصل إلى ما لم يصل إليه فاتح قبله سنة 62 قبل قوائم فرسه بمياه المحيط الأطلسي  متطلعا إلى ما بعده، وتوغل في الصحراء الكبرى من ناحية السوس وجاس خلال الأطلس الكبير ولكنه أخطأ خطأ حربيا عظيما، ذلك أنه قدم جيوشه أمامه أثناء رجوعه من غزوته هذه إلى القيروان وبقي في شرذمة قليلة من جيشه فتعاوى ذئاب البربر عليه؛ إذ أمكنتهم الفرصة وانقضوا عليه وقتلوه هو ومن معه شهداء سنة 65، وبذلك «عادت هيف إلى أديانها» ورام كسيلة البربري بطل هذه الفاجعة الاستقلال بحكم الشمال الافريقي فنصب نفسه ملكا في القيروان إلى سنة 67هـ.
وزهير بن قيس البلوي انتقم ومن معه وقتل كسيلة بطل الثورة وهزم أنصاره وبسط الحكم العربي على المغربين (تونس والجزائر) [الدرر السنية ص 23] حتى وردت خيله من نهر ملوية ولكنه أخيرا «ترهب» [ابن خلدون ج 1 ص 135] وزهد في الحكم وانسحب إلى الشرق تاركا حبل البلاد على غاربها، فثار البربر تحت زعامة امرأة كانت تلقب بالكاهنة فقضت على الحكم العربي.
كل هذه الأخطاء وغيرها مما لم نذكره أثّرت أثرها المحسوس في تأخير الفتح وهدمت ما شاده الفاتحون.
6 ـ حالة البربر الإجتماعية
كان البربر حين الفتح الإسلامي لم يصلوا في تطورهم إلى الدرجة التي يسمون فيها أمة بالمعنى الصحيح لهذه الكلمة، بل كانوا لا يزالون في الطور القبلي، بمعنى أنهم كانوا لا يزالون قبائل متفرقة كل قبيلة منهم تخضع لزعيمها وهذا من شأنه أن يجعل الحرب قائمة بين القبائل لا تخمد نارها، فأكسبهم ذلك مهارة حربية فائقة لا يقلون عن العرب فيها فكأنهم كانوا يحاربون العرب بنفس سلاحهم، وأيضا فقد صعب عليهم (وحالتهم تلك) الخضوع لنظام غريب عنهم يكف أيديهم عما اعتادوه من الإغارة على بعضهم ويلزمهم بأداء ضرائب سنوية.
7 ـ غلط البربر في فهم غايات الفاتحين [موجز التاريخ العام للجزائر ص 148].
وقد أخطأ البربر في فهم رسالة العرب السامية التي أرادوا تحقيقها في بلادهم وظنوا أن العرب إنما يحاربونهم لأجل غايات مادية سافلة، يذكر المؤرخون أن الكاهنة بعد ما هزمت حسان بن النعمان سنة 69 فكرت في وسيلة تقطع بها أمل العرب في الرجوع إلى مهاجمتها فقالت لقومها: «[ الدرر السنية ص 27] إنما طلب حسان من إفريقيا المدائن والذهب والفضة والشجر ونحن إنما نريد المراعي والمزارع فما نرى لكم إلا خراب إفريقيا » [ابن خلدون ج 1 ص 135] ثم خربت جميع المدن والضياع «وكانت من طرابلس إلى طنجة ظلا واحدا في قرى متصلة » [المصدر نفسه] وكان هذا العمل أهم أسباب القضاء عليها فقد شق ذلك على البربر فانقلبوا عليها واستأمنوا لحسان.
عبد العزيز ابن ادريس
صحيفة : رسالة المغرب في العلم والأدب والاجتماع
العدد السابع 10 صفر 1362 / 15 فبراير 1943  السنة الأولى
إعداد: ذة.نادية الصغير

  إذا قابلنا بين سير الفتوح الإسلامية في البلاد المجاورة للأمة العربية وبين سيرها في الشمال الإفريقي، نجد أن بينهما فرقا من وجهين:

   الوجه الأول: أن المسلمين احتلوا المملكة الفارسية بأجمعها، واستولوا على ممتلكات الدولة الرومانية في الشرق (مصر وسوريا) في زمن قصير لا يتجاوز الخمس عشرة سنة في حين أنهم قضوا في إخضاع البربر ما يقرب من الخمسين سنة.

  الوجه الثاني: أن الأمم الشرقية التي أخضعوا لها رضيت بالحكم العربي لأول عهدها بالفتح، وسرعان ما اصطبغت بالصبغة العربية واتخذت اللغة العربية بدلا من لغتها، ولم تقم بأية محاولة تريد منها إزالة الحكم العربي والتنقيص من السلطة العربية في أرضها، أما البربر فإنهم لم يطمئنوا ـ في أول الأمرـ إلى العرب بل تربصوا بهم الدوائر وتحينوا الفرصة تلو الفرصة للانقضاض عليهم وثاروا عدة مرات تمكنوا فيها من طردهم عن بلادهم واستعادة حالتهم التي عاشوا عليها قرونا عديدة، يقول ابن أبي زيد القيروان : «إن البربر ارتدوا بإفريقية والمغرب اثنتي عشرة مرة » [ابن خلدون ج 1 ص 126 و136 طبع الجزائر].

  وقد حاول بعض المؤرخين تعليل هذه الظاهرة الغريبة فجعلوا السبب ناشئا من البربر وقالوا أنهم أجمع شعوب الأرض للرذائل وأبعدهم عن كل نظام وأسرعهم إجابة لدواعي الفتنة والشر، وبالغوا في هذا حتى كادوا يجردون البربر من كل فضيلة [قد سرى هذا الغلط إلى أٌقلام طائفة من كتابنا عفا الله عنهم فيقولون مثلا: “ماهذه البربرية” ويقولون “عمل بربري” يعنون “قاس متوحش” وهذا ناشيء من الاشتباه الواقع بين كلمتي بربرBerbère  وباربار Barbare  فالأولى تعني سكان الشمال الافريقي الأصليين والثانية تعني القبائل المتوحشة التي هاجمت الدولة الرومانية الغربية وقضت عليها وهؤلاء متوحشون حقيقة فقد قتلوا الابرياء وبقروا بطون النساء وخربوا العمران] .

  والواقع أن الشعب البربري ليس فضيلة كله ولا رذيلة كله، بل هو مثل بقية شعوب العالم يجمع إلى بعض مظاهر الشر مثلا كبرى من الخير ولم يخلق الله شعبا على هذه الأرض عري عن الفضائل أو أسلم من الرذائل .

  أما موقفهم إزاء الفتح الإسلامي فله أسباب كثيرة أهمها:

  1ـ بعد الديار

 لقد حارب العرب في الشرق أمما قريبة إليهم فاستطاعوا تنظيم مواصلتهم مع جيشهم كما استطاعوا إمداده بما يحتاج إليه بين حين وآخر والحالة في الشمال الإفريقي على العكس من ذلك فبلاد البربر بعيدة جدا عن العواصم الإسلامية ويفصلها عنهم صحار شاسعة مثل صحراء مصر الغربية وصحراء طرابلس فكان يصعب على الحكومة العربية المحافظة على الاتصال مع جيشها بشكل يسمح لها بإمداده ومعرفة ما يحتاج إليه ولعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه منع عمرو ابن العاص من فتح افريقية (تونس) حين استأذنه في ذلك لهذا السبب.

 2 ـ فتور الحماس الديني

 كان المسلمون الذين حاربوا الدولتين فارس والروم ممن شهدوا الرسول صلى الله عليه وسلم وسمعوا منه وتأثروا به وكان نور الهداية النبوية يشع في قلوبهم يحاربون مندفعين بالقرآن سائرين وراء الغاية التي هداهم الرسول لها وحظهم عليها (إعلاء كلمة الله) ولم يكن لهم أي مطمع غير هذا.أما المسلمون الذين حاربوا البربر فكان جلهم ممن غمسوا أيديهم في تلك الفتن التي قامت بين المسلمين، وأصبح لديهم بالإضافة إلى غاية الصحابة الأولين غايات أخرى يسعون لتحقيقها، فتأثر حماسهم الديني بعض الشيء وفتر نشاطهم شيئا ما وشِيبَت تلك الروح السامية بأشياء أخرى فلت من حدها ونالت من شدتها ولابد أن يكون لهذا آثاره في نفوس المحاربين.

3ـ انقسام المسلمين

كان المسلمون يحاربون الفرس والروم وهم يد واحدة وأمة متحدة لم يطرأ عليهم بعد انقسام، وكان لهذا آثاره في نفوس أعدائهم؛ إذ يرونهم كتلة واحدة «يسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم» فكانوا يهابونهم جدا ويخامر قلوبهم منهم رعب شديد. وفي الوقت الذي حاربوا فيه البربر كانوا ينقسمون على أنفسهم أحيانا، وكان البربر يشاهدون بعض مظاهر هذا الانقسام فشاهدوا المهاجر ابن أمية يقبض على عقبة بن نافع ويقيده ويخرب مدينة (القيروان) ويبني أخرى بالقرب منها، ورأوا عقبة بعد ذلك ينتقم منه ويعامله ومدينته بالمثل، وهذا يجعل البربر يحتقرون العرب ويجرأون عليهم وينظرون إليهم بغير العين التي كان ينظر إليهم بها فارس والروم. أضف إلى ذلك أن الانقلابات السياسية التي كانت تحدث في الدولة الإسلامية كانت تفت في عضد الفاتحين في الشمال الإفريقي وتجعل إمداداتهم مفقودة أو بطيئة وهم في أشد الحاجة إليها.

4ـ صلابة البربر وعنادهم

أغلب شعوب العالم يحتفظون بحالتهم الاجتماعية ويمتنعون من التطور الذي ينتهي بهم للخروج عنها مهما كلفهم ذلك من ثمن غال، والبربر يمعنون في هذا المبدإ إمعانا شديدا وينظرون إلى كل ما هو أجنبي نظر الريبة والتحفظ، فلذلك ظلوا على حالتهم التي عرفوا عليها سواء في سكناهم أم في نظام معيشهم أم في لباسهم إلى الآن ولم يتطوروا فيها إلا تطورا بسيطا بالرغم عن مخالطتهم لكثير من الأمم، فلبس البرنوص، وحلق الرؤوس، وأكل الكسكوس؛ لا تزال من مميزاتهم الخصوصية منذ عرف التاريخ.

5ـ أخطاء بعض الفاتحين

وتمت أخطاء كبرى ارتكبها بعض الفاتحين كان لها أكبر الأثر في سير الفتوح، فعبد الله بن سعد أول فاتح عربي دخل الشمال الافريقي انتصر انتصارا باهرا في تونس وقتل الوالي الروماني «جيرجير» واحتل سبيطلة وخربها سنة 29 ومع ذلك فلم يستغل انتصاره العظيم ويكمل فتح البلاد بل رضي منهم بمال أدوه إليه وانسحب بجيشه إلى الشرق ونتج عن خطئه هذا أن تأخر الفتح سنوات.

  وعقبة بن نافع وصل إلى ما لم يصل إليه فاتح قبله سنة 62 قبل قوائم فرسه بمياه المحيط الأطلسي  متطلعا إلى ما بعده، وتوغل في الصحراء الكبرى من ناحية السوس وجاس خلال الأطلس الكبير ولكنه أخطأ خطأ حربيا عظيما، ذلك أنه قدم جيوشه أمامه أثناء رجوعه من غزوته هذه إلى القيروان وبقي في شرذمة قليلة من جيشه فتعاوى ذئاب البربر عليه؛ إذ أمكنتهم الفرصة وانقضوا عليه وقتلوه هو ومن معه شهداء سنة 65، وبذلك «عادت هيف إلى أديانها» ورام كسيلة البربري بطل هذه الفاجعة الاستقلال بحكم الشمال الافريقي فنصب نفسه ملكا في القيروان إلى سنة 67هـ.

وزهير بن قيس البلوي انتقم ومن معه وقتل كسيلة بطل الثورة وهزم أنصاره وبسط الحكم العربي على المغربين (تونس والجزائر) [الدرر السنية ص 23] حتى وردت خيله من نهر ملوية ولكنه أخيرا «ترهب» [ابن خلدون ج 1 ص 135] وزهد في الحكم وانسحب إلى الشرق تاركا حبل البلاد على غاربها، فثار البربر تحت زعامة امرأة كانت تلقب بالكاهنة فقضت على الحكم العربي.

كل هذه الأخطاء وغيرها مما لم نذكره أثّرت أثرها المحسوس في تأخير الفتح وهدمت ما شاده الفاتحون.

6 ـ حالة البربر الإجتماعية

كان البربر حين الفتح الإسلامي لم يصلوا في تطورهم إلى الدرجة التي يسمون فيها أمة بالمعنى الصحيح لهذه الكلمة، بل كانوا لا يزالون في الطور القبلي، بمعنى أنهم كانوا لا يزالون قبائل متفرقة كل قبيلة منهم تخضع لزعيمها وهذا من شأنه أن يجعل الحرب قائمة بين القبائل لا تخمد نارها، فأكسبهم ذلك مهارة حربية فائقة لا يقلون عن العرب فيها فكأنهم كانوا يحاربون العرب بنفس سلاحهم، وأيضا فقد صعب عليهم (وحالتهم تلك) الخضوع لنظام غريب عنهم يكف أيديهم عما اعتادوه من الإغارة على بعضهم ويلزمهم بأداء ضرائب سنوية.

7 ـ غلط البربر في فهم غايات الفاتحين [موجز التاريخ العام للجزائر ص 148].

وقد أخطأ البربر في فهم رسالة العرب السامية التي أرادوا تحقيقها في بلادهم وظنوا أن العرب إنما يحاربونهم لأجل غايات مادية سافلة، يذكر المؤرخون أن الكاهنة بعد ما هزمت حسان بن النعمان سنة 69 فكرت في وسيلة تقطع بها أمل العرب في الرجوع إلى مهاجمتها فقالت لقومها: «[ الدرر السنية ص 27] إنما طلب حسان من إفريقيا المدائن والذهب والفضة والشجر ونحن إنما نريد المراعي والمزارع فما نرى لكم إلا خراب إفريقيا » [ابن خلدون ج 1 ص 135] ثم خربت جميع المدن والضياع «وكانت من طرابلس إلى طنجة ظلا واحدا في قرى متصلة » [المصدر نفسه] وكان هذا العمل أهم أسباب القضاء عليها فقد شق ذلك على البربر فانقلبوا عليها واستأمنوا لحسان.

عبد العزيز ابن ادريس

صحيفة : رسالة المغرب في العلم والأدب والاجتماع

العدد السابع 10 صفر 1362 / 15 فبراير 1943  السنة الأولى

 انتقاء: ذة. نادية الصغير

Science

مقالات ذات صلة

‫3 تعليقات

  1. لقد كانت المدة التي استغرقها الفتح الاسلامي (الغزو العربي )لشمال افريقيا ما يقارب 70 سنة
    السبب في ذلك هي الجرائم التي قام بها الاعراب في حق الامازيغ
    هؤلاء الفاتحين او بالاحرى الغزاة كان همهم جمع الغنائم و سبي النساء و قد بلغ عدد سبايا المدعو موسى بن نصير 100 الف حتى سمي بسلطان السبي ..دون ذكر عدد سبايا البدوي عقبة بن نافع و و غيرهم
    لا داعي لتغطية الشمس بالغربال لان التاريخ لا يرحم و عليك بقراة تاريخ ""ثورة البربر ""و اسبابها و ستعرف ما فعله الامويين الاجلاف في بلاد الامازيغ رغم انهم كانو مسلمين انذاك

  2. لايوجد شئ اسمة اماسيخ اسمهم البربر تاريخيا وحاضرا، فلا تزور التاريخ، وعُرف البربر بالغدر

  3. من المعروف لدى المطلعين على التاريخ أن بعض المصادر التاريخية تجعل من إهانة عقبة بن نافع لكسيلة في انقلابه على العرب الفاتحين وطردهم من القيروان، ولم تذكر سببا آخر لهذا التغيير المفاجيء. وجل الباحثين العرب المعاصرين وغيرهم اعتمدوا على هذا الخبر في تفسير هذا الموقف، وحاول بعضهم دعمه من خلال ربطه بالسياسة العامة التي نهجها عقبة تجاه البربر، القائمة على العنف والشدة والاحتقار…ييد أن هذه البحوث عند تناولها لهذه القضية يغيب عنها الحس النقدي، وتخضع كلية لهذه الرواية دون أدنى تحفظ، والصحيح أن انقلاب كسيلة اجتمعت فيه عدة أسباب… نعلم أن أول لقاء بين العرب وكسيلة الأوربي كان على عهد أبي المهاجر، الذي عندما وصل إلى علمه أن هناك تحالفا تشكل في نواحي تلمسان بين أوربة وبعض الروم، توجه إليهم وتصادم معهم عسكريا واستطاع الانتصار عليهم وأسر كسيلة. فقام أبو المهاجر انطلاقا من سياسته التي نهجها والقائمة على التقرب من البربر ومحاولة تأليف قلوب زعمائهم، بتقريبه إليه وتعامل معه برفق ولين، وخلق معه شبه تحالف، ضمن به حياد جزء من البربر، في المواجهة الأساسية التي ارتضاها مع البيزنطيين..
    نستنتج من ذلك أن كسيلة كان على علاقة قوية مع البيزنطيين، ونظرا لانقلاب موازين القوى ارتأى أن يتقرب إلى العرب ويجاري سياسة أبي المهاجر مادام أنها لم تعرض مصالحه ومصالح قبيلته للخطر، بمعنى أنه رأى في سياسة أبي المهاجر استمرارا للتقاليد التي سار عليها الرومان مع زعماء بعض القبائل البربرية، والقائمة على الولاء مقابل حماية وضمان امتيازاتهم..لكن بعد عودة عقبة بن نافع لحكم المنطقة تغيرت الأمور وظهرت سياسة جديدة تنسجم وتفكيره القائم على محاولة إخضاع جميع القبائل إلى الإسلام دون محاباة لهذه على تلك أو هذا الزعيم على ذاك، لذلك في حملته على المغرب لا نجد ذكرا لكسيلة، إلى أن تخبرنا المصادر بخروجه واعتراضه لطريق عقبة في تهودة .
    والظاهر أن عقبة منذ دخوله القيروان لم يحفل بهذا الشخص، فتتفق جميع المصادر على أنه ضايق واعتقل أبا المهاجر ووضع الحديد في يديه، ولكنها لا تذكر شيئا عن كسيلة، وما يستنتج من النصوص أن كسيلة لم يتعرض للاعتقال، حيث ظل موجودا في جيش عقبة حرا طليقا يتصرف كما يشاء، غير أن القائد أهمله ولم يحفظ له نفس المكانة التي من المفترض أن يحصل عليها باعتباره حليفا للعرب، وهنا أتى انتقاد أبي المهاجر له. أما قصة سلخ الأكباش فيمكن التحفظ في قبولها لسببين:
    السبب الأول: يتعلق بالمصادر حيث نجد بعضها لم يشر إطلاقا إلى هذه الحكاية وعلى رأسهم ابن عبدالحكم، ولا يمكن تبرير ذلك فقط بالسهو والنسيان، فحدث مقتل عقبة يعد من الأمور الجليلة التي لا يمكن إهمالها، وإنما الراجح أن الرواية التي اعتمدها لم تذكر شيئا عن هذا التبرير .وكذلك لم يشر ابن عبدالحليم بدوره إليها إطلاقا، والذي بالمناسبة لا يذكر جميع المبالغات التي تنسب لعقبة سواء ما يتعلق بالكرامات أم ما ينسب إليه من عنف وقسوة غير معقولة، وهذا ما يعزز تحفظنا على هذه الرواية التي ظاهرها المبالغة الشديدة والوضع في التفاصيل.
    السبب الثاني: من الصعب القبول بأن شخصية عقبة القيادية، التي عاشت في مجتمع قبلي وتعرف جيدا القيمة المعنوية والرمزية لشيخ القبيلة، تقع في هذا الخطأ الفادح، وما يستتبع أي محاولة للحط منها من كوارث، وكان أحسن العارفين بأن البربر يشبهون العرب في هذه النقطة بشكل كبير جدا، وبالتالي من الصعب أن يقدم على هذه الخطوة الساذجة.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق