مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةغير مصنف

من فوائد دراسة الشمائل النبوية

بسم الله الرحمن الرحيم 

والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه أجمعين.


بقلم  الباحثة: دة خديجة أبوري* 

لقد خص الله تعالى رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم بجميع مناحي العظمة الإنسانية، في ذاته وشمائله وجميع أحواله فوهبه من كمال الخِلقة، والخُلق ما بلغ به حدّ العظمة حتى أثنى عليه الله سبحانه بقوله: (وإنك لعلى خلق عظيم)[1]، وقالت عائشة رضي الله عنها حين سئلت عن خلقه صلى الله عليه وسلم: (كان خلقه القرآن)[2]، وهذا تصديق قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله بعثني لأتمم مكارم الأخلاق، وأكمل محاسن الأفعال)[3]. قال ابن عبد البر القرطبي معلقا على هذا الحديث: “ويدخل في هذا المعنى الصلاح والخير كله، والدين والفضل والمروءة والإحسان والعدل، فبذلك بعث ليتممه عليه الصلاة والسلام”[4].

ولذلك لم تعرف لنبينا صلى الله عليه وسلم زلة، ولا حُفظت عنه هفوة، وكان لا يزيد مع الإيذاء إلا صبراً، ولا مع إسراف الجاهل إلا حِلماً، وكان كما تقول عائشة رضي الله عنها، لا ينتقم لنفسه أبداً، بل كان يدعو: (اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون)[5].

وشمائله الكريمة حافلة بالأمثلة والشواهد الدالة على ذلك، وقد حرص العلماء على إفرادها بالدراسة والتأليف، وذلك لما لها من الفوائد العظيمة خاصة بالنسبة للمسلم.

   لكن قبل الشروع في الموضوع ارتأيت أن أعرف أولا مفهوم الشمائل لغة واصطلاحا فأقول وبالله أستعين:

أ‌-    المعنى اللغوي للشمائل:

يعرف أهل اللغة لفظة الشمائل أنها: جمع شِمال بكسر الشين: وهو الطبع والخلق يقال:  أخلاق مشمولة؛ أي: مذمومة سيئة، نقله ابن السكيت في كتاب الأضداد، عن              ابن الأعرابي.

وأما الشَمال: بفتح الشين: فهي الريح التي تهب من ناحية القطب، والمشْمُولُ: المضروب بريح الشمال وهي باردة، ومن ثم يقال للخمر الباردة مَشْمُولُ: إذا كانت باردة الطعم” والنارُ مَشْمولَةٌ، إذا هبَّت عليها ريح الشَمالِ واليدُ الشِمالِ: خلافُ اليمين، والجمع أَشْمُلٌ. [6]

ب- المعنى الاصطلاحي للشمائل:

الشمائل يراد ويقصد بها: الصفة الخَلقية والخُلقية لرسول الله صلى الله عليه وسلم. ففي كتاب الأقنوم في مبادئ العلوم للشيخ عبد الرحمن الفاسي أنه قال في تعريفها:

علم بحال المصطفى وما شمل *** من خَلْقٍ وخُلُقٍ به فَضِلْ

كان النبي ربعة في القد   ***    وسَهْلِ خد طويل الزند[7]

وفي شرح الشمائل لمحمد قاسم جسوس ما نصه: “ذكر ما ورد عن الصحابة رضي الله عنهم من شمائله صلى الله عليه وسلم وحسنه الظاهر والباطن ومعرفة ذلك مما يتأكد بل يتعين على مؤمن لوجوده”[8]

وذهب المناوي إلى أن الشمائل: جمع شمال –بالكسر- وهو الطبع والمراد: صورته الظاهرة والباطنة[9] وقد خصها السيوطي بباب سماه:” باب: كان وهي الشمائل الشريفة”[10]

فالأوصاف الظاهرة تعني: كمال خِلقته وحسن صورته صلى الله عليه وسلم أخرج الترمذي من رواية قتادة قال: “ما بعث الله نبيا إلا حسن الوجه، حسن الصوت، وكان نبيكم صلى الله عليه وسلم حسن الوجه، حسن الصوت، وكان لا يرجع”[11].

أما الأوصاف الباطنة فيقصد بها: أخلاقه الكريمة وهي كثيرة منها: التواضع، والعفو، والصفح، والعدل، والأمانة، وغيرها من الأوصاف الحميدة. قالت السيدة عائشة رضي الله عنها حينما سئلت عن خُلقه قالت: “كان خلقه القرآن”[12]

ج- من فوائد دراسة الشمائل

إن في دراسة شمائل النبي -صلى الله عليه- وسلم ومعرفة خصائصه وخصاله فوائد عظيمة، ومنافع متعددة ، فمن هذه الفوائد:

-أن نبينا صلى الله عليه وسلم أسوة للعالمين وقدوة لهم؛ في العقيدة والعبادة والأخلاق كما قال الله سبحانه وتعالى: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا)[13]، وتحقيق الائتساء به وسلوك هديه صلى الله عليه وسلم متوقف على معرفة سيرته وهديه الكريم بما في ذلك شمائله الكريمة.

-أن في دراسة شمائله عليه الصلاة والسلام عون على فهم كتاب الله تعالى؛ لأن حياته الكريمة كلها تطبيق للقرآن الكريم، مصداقا لقول السيدة عائشة رضي الله عنها عندما سئلت عن خلقه عليه الصلاة والسلام قالت: (كان خلقه القرآن)

-أنها سبب في تعظيم محبته -صلى الله عليه وسلم ـ  ومحبته طريق لمحبة الله تعالى قال تعالى: (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله)[14] وقد قال عليه الصلاة والسلام: (فو الذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين)[15]، وقد كان في حياته عليه الصلاة والسلام يأتي إليه الرجل وليس على وجه الأرض أبغض إليه منه؛ فما أن يراه ويرى هديه  وسلوكه إلا ويتحول من ساعته إلى أحب الناس إليه منه، كما قال ثمامة ابن أثال سيد أهل اليمامة حين أسلم “يا محمد والله ما كان على وجه الأرض أبغض إلي من وجهك فقد أصبح وجهك أحب الوجوه كلها إلي”[16]  

-أنها وسيلة إلى امتلاء القلب بتعظيمه، وتعزيره وتوقيره، ومعرفة قدره العظيم عند الله تعالى، وهو كذلك وسيلة إلى تعظيم شريعته، وتعظيم الشريعة واحترامها وسيلة إلى العمل بها واتباعها.

-أنها باب من أبواب الخير؛ لأن العمل بهذه الشمائل ونشرها بين الناس فيه خدمة عظيمة له -صلى الله عليه وسلم-.

-أن في دراستها ذكر لنعمة الله علينا، فهو من أفضل ما منَّ به الله على البشرية جمعاء.

-أن في دراسة شمائله الكريمة تعليم للمنهج السليم في الدعوة إلى الله على بينة وبصيرة، ففيها بيان لهديه ومنهجه وأسلوبه في الدعوة إلى الله عز وجل، من حيث أخلاقه وآدابه وسلوكه وتعاملاته ورفقه وكرمه وعفوه… إلى غير ذلك من الأمور التي هي من مقوِّمات الدعوة إلى الله تعالى، فمن يطالع شمائله الكريمة يجدها حياةً عامرة بالخير والعطاء والخُلق والأدب الرفيع. إلى غير ذلك من الصفات الفاضلة الدالة على كمال صدق نبوته.

إلى غير ذلك من الفوائد الجليلة والثمار اليانعة التي يجنيها من يكرمه الله تعالى لدراسة شمائله صلى الله عليه وسلم.

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات

**************************

لائحة المراجع المعتمدة

1- الأقنوم في مبادئ العلوم. لعبد الرحمن بن عبد القادر الفاسي. مخطوط الخزانة الملكية بالرباط تحت رقم 6585.وهي مصورة عن الخزانة العامة

2-التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد. لأبي عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري، تحقيق: جماعة من المحققين ، ط وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية .

3-التنوير شرح الجامع الصغير.لمحمد بن إسماعيل الصنعاني. قدم له: صالح بن محمد اللحيدان وعبد الله بن محمد الغنيمان. دراسة وتحقيق: محمد إسحاق محمد إبراهيم الرياض.ط 1432.

4-التيسير بشرح الجامع الصغير. لزين الدين عبد الرؤوف المناوي. مكتبة الإمام الشافعي – الرياض – ط3/  1408- 1988.

5-الجامع الصحيح لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، قام بشرحه وتصحيحه وتنقيحه: محب الدين الخطيب، ورقم كتبه وأبوابه وأحاديثه: محمد فؤاد عبد الباقي، وراجعه وقام بإخراجه وأشرف على طبعه: قصي محب الدين الخطيب، المطبعة السلفية القاهرة، ط 1 / 1400هـ.

6-الشمائل المحمدية. لمحمد بن عيسى بن سَوْرة الترمذي.مؤسسة الكتب الثقافية – بيروت. ط 1/ 1412.

7-الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية. إسماعيل بن حماد الجوهري. تحقيق: أحمد عبد الغفور عطار. دار العلم للملايين بيروت لبنان. ط 3 / 1404-1984.

8-صحيح مسلم بشرح النووي، حققه وخرجه وفهرسه: عصام الصبابطي – حازم محمد – عامر، دار الحديث القاهرة، ط1 /1415هـ-1994مـ.

9-لسان العرب لأبي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور الإفريقي المصري،  دار صادر بيروت ( د ت ).

10-مسند الإمام أحمد بن حنبل، تحقيق: شعيب الأرنؤوط وعادل مرشد، ط 1/ ما بين 1416-1995 و 1418-1997، مؤسسة الرسالة بيروت.

********************

 هوامش المقال:

[1]  – سورة القلم الآية: 4.

[2]  – صحيح أخرجه مسلم في صحيحه من حديث سعد بن هشام بن عامر رضي الله عنه وهو حديث طويل. (صحيح مسلم بشرح النووي 3 /279 برقم: 747 كتاب صلاة الليل وقصرها باب: جامع صلاة الليل ومن نام عنه أو مرض).

[3]  – أخرجه أحمد في مسنده  بلفظ: (لأتمم صالح الأخلاق) مسند أحمد 14 /512 برقم: 8952.

[4]  – التمهيد 24 /334.

[5]  – صحيح أخرجه البخاري في صحيحه من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه  2 /499 برقم: 3477 كتاب الأنبياء باب: حديث الغار.

[6] ـ لسان العرب (11 /365)، الصحاح (5 /1740) مادة: (شمل).

[7]  – انظر البيتين في:  كتاب الأقنوم ص: 59 مخطوط الخزانة الملكية بالرباط تحت رقم 6585.وهي مصورة عن الخزانة العامة

[8]  – الفوائد الجليلة البهية ص: 5.

[9]  – التيسير بشرح الجامع الصغير 2 /446.

[10] ـ الجامع الصغير: للسيوطي 8 /272.

[11]  – الشمائل المحمدية ص: 261.

[12]  – تقدم تخريجه.

[13]  – سورة الأحزاب الآية: 21.

[14]  – سورة آل عمران من الآية: 31.

[15]  – صحيح أخرجه البخاري في صحيحه 1 /21 برقم: 14 كتاب الإيمان باب حب الرسول صلى الله عليه وسلم من الإيمان

[16]  – صحيح أخرجه البخاري في صحيحه 3 /168 برقم: 4372 كتاب المغازي باب وفد بني حنيفة وحديث ثمامة بن أثال، ومسلم في صحيحه  6 /330 برقم: 1765كتاب الجهاد والسير باب: ربط الأسير وحبسه. 

* راجع المقال الباحث محمد إليولو

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق