مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةدراسات عامة

من فقه حديث: ” أيقظوا صواحب الحجر”

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، محمد وآله وصحبه أجمعين.

وبعد:

   فإن النبي صلى الله عليه وسلم –وهو الصادق المصدوق- قد أخبر بوقوع الفتن، محذرا الأمة من شرها، ومرشدا إياهم  إلى ما يدفعها ويقي منها ، ومن تلك الأسباب المنجية الصلاة ؛ ومنها: صلاة الليل كما في الحديث الذي أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب العلم، باب: العلم والعظة بالليل قال: حدثنا صدقة، أخبرنا ابن عيينة، عن معمر ،عن الزهري، عن هند، عن أم سلمة، وعمرو ،ويحيى بن سعيد، عن الزهري، عن هند، عن أم سلمة، قالت: استيقظ النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فقال: “سبحان الله ! ماذا أنزل الليلة من الفتن؟ وماذا فتح من الخزائن ؟ أيقظوا صواحب الحجر ،فرب كاسية في الدنيا، عارية في الآخرة”([1])

تخريج الحديث

الحديث أخرجه البخاري في موضع آخر من صحيحه في كتاب: التهجد، باب: تحريض النبي صلى الله عليه وسلم على صلاة الليل والنوافل من غير إيجاب([2])، وفي كتاب: اللباس، باب: ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتجوز من اللباس والبسط([3])، وفي كتاب: الأدب، باب: التكبير والتسبيح عند التعجب([4])، وفي كتاب: الفتن، باب: لا يأتي زمان إلا الذي بعده شر منه([5])بلفظ مقارب.

بعض معاني الحديث ودلالاته الفقهية

من خلال هذا الحديث الشريف أقف وإياكم على بعض معانيه، ودلالاته الفقهية، من خلال كتب شروح الحديث كالاتي:

أولا: في قوله صلى الله عليه وسلم: ” سبحان الله ! ماذا أنزل الليلة من الفتن؟”  قال المهلب: فيه دليل أن الفتن تكون في المال وغيره لقوله: “ماذا أنزل من الفتن، وماذا فتح من الخزائن”، وكذلك قال حذيفة لعمر: فتنة الرجل في أهله وماله تكفرها الصلاة والصدقة” ([6])

قال ابن عبد البر: “وماذا فتح من الخزائن” يريد –والله أعلم- من أرزاق العباد من خزائن الله التي لا تنفذ، يريد ما يفتح الله على هذه الأمة من ديار الكفر والاتساع في المال والله أعلم” ([7])

ثم قال: “في هذا الحديث علم من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم بخبره عن الغيب وذلك أنه أخبر بما كان بعده من الفتن فكان كما قال صلى الله عليه وسلم فتن كمواقع القطر وكالليل المظلم . وكذلك قوله ماذا فتح الله الليلة من الخزائن .. وهذا أيضا من الغيب الذي لا يعلمه إلا هو ومثله من الأنبياء والرسل صلوات الله عليهم” ([8])

ثانيا: “أيقظوا صواحبات الحُجَر” قال ابن عبد البر القرطبي: “فصواحب: جمع صاحبة، والحجر ههنا: البيوت، أراد أزواجه أن يوقظن للصلاة في تلك الليلة رجاء بركتها، ولئلا يكن من الغافلين فيها”([9]) ، وقال ابن بطال: “يعنى أزواجه للصلاة والاستعاذة مما نزل ليكونوا أولى من استعاذ من فتن الدنيا .” ([10]) ، قال المناوي: “خصهن لأنهن الحاضرات، أو من قبيل إبدأ بنفسك، ثم بمن تعول”([11])، وهذا فيه دلالة على أن للرجل أن يوقظ أهله بالليل، لذكر الله وللصلاة ، ولا سيما عند آية تحدث ، أو مأثور رؤيا مخوفة ، وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم  من رأى رؤيا مخوفة فكرهها، أن ينفث عن يساره ، ويستعيذ بالله من شرها ، قال تعالى : ( وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها ) ([12])([13])

ثالثا: “فرب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة” قال ابن حجر: ” اختلف في المراد بقوله: “كاسية”، و”عارية” على أوجه؛ أحدها: كاسية في الدنيا بالثياب، لوجود الغنى، عارية في الآخرة من الثواب، لعدم العمل في الدنيا. ثانيها : كاسية بالثياب، لكنها شفافة لا تستر عورتها، فتعاقب في الآخرة بالعري جزاء على ذلك. ثالثها:  كاسية من نعم الله، عارية من الشكر الذي تظهر ثمرته في الآخرة بالثواب. رابعها: كاسية جسدها، لكنها تشد خمارها من ورائها فيبدو صدرها فتصير عارية، فتعاقب في الآخرة .خامسها : كاسية من خلعة التزوج بالرجل الصالح، عارية في الآخرة من العمل ، فلا ينفعها صلاح زوجها كما قال تعالى: (فلا أنساب بينهم) ([14]) ، ذكر هذا الأخير الطيبي، ورجحه لمناسبة المقام” ([15]).

ومما تقدم يمكن أن نخلص إلى الآتي:

أولا: الحديث فيه دلالة على علامة من علامات نبوة النبي صلى الله عليه وسلم وهو إطلاعه على شيء من الغيب.

ثانيا: الدعوة إلى عظة الأهل والمقربون، وحثهم على العبادة والذكر، ومن ذلك إيقاظهم لصلاة الليل.

ثالثا: الدعوة إلى ذكر الله في كل الأوقات، والصلاة؛ لا سيما عند حدوث آية ، أو مأثور رؤيا مفزعة.

رابعا: عدم الحكم بالنجاة يوم القيامة بظاهر صلاح الإنسان في الدنيا، فهو لا يكفي “فرب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة”.

 ***********

هوامش المقال:

([1])  صحيح البخاري (1 /57)برقم: (115).

([2])  صحيح البخاري (1 /351) برقم: (1126).

([3])  صحيح البخاري (4 /64) برقم: (5844).

([4])  صحيح البخاري (4 /132) برقم: (6218).

([5])  صحيح البخاري (4 /315) برقم: (7068).

([6])  شرح صحيح البخاري (1/ 190).

([7])  التمهيد (23 /447).

([8])  التمهيد (23 /447).

([9])  التمهيد (23 /449).

([10])  شرح صحيح البخاري (1/ 190).

([11])  فيض القدير (4/ 114).

([12])  سورة طه من الآية: (132).

([13])  شرح صحيح البخاري (1 /190).

([14])  سورة المؤمنون من الآية (101).

([15])  فتح الباري (13 /30).

****************

لائحة المصادر والمراجع المعتمدة:

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد.  ليوسف بن عبد البر النمري القرطبي. تحقيق: سعيد أحمد أعراب. ط 1411هـ- 1991م

الجامع الصحيح. أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، قام بشرحه وتصحيحه وتنقيحه: محب الدين الخطيب، ورقم كتبه وأبوابه وأحاديثه: محمد فؤاد عبد الباقي، وراجعه وقام بإخراجه وأشرف على طبعه: قصي محب الدين الخطيب، المطبعة السلفية القاهرة. ط 1/ 1400.

شرح صحيح البخاري. لعلي بن خلف بن عبد الملك ابن بطال. ضبط نصه وعلق عليه: أبو تميم ياسر بن إبراهيم . مكتبة الرشد السعودية. ط 3 / 1425هـ – 2004م.

فتح الباري شرح صحيح البخاري. لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني. رقم كتبه وأبوابه: محمد فؤاد عبد الباقي.  دار السلام الرياض.  ط1/ 1421هـ – 2000م.

فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير. لمحمد عبد الرؤوف المناوي. ضبطه وصححه أحمد عبد السلام. دار الكتب العلمية بيروت لبنان. 1422هـ- 2001م.

*راجع المقال: عبد الفتاح مغفور

Science

دة. خديجة أبوري

  • أستاذة باحثة مؤهلة بمركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرة بالعرائش، التابع للرابطة المحمدية للعلماء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق