مركز الإمام الجنيد للدراسات والبحوث الصوفية المتخصصةدراسات عامة

من شيوخ العلم والتصوف بالمغرب: العلامة امحمد الحضيكِي (2)

د. خالد  بن أحمد صقلي

جامعة سيدي محمد بن عبد الله، كلية الآداب والعلوم الإنسانية. ظهر المهراز فاس- المغرب

أبو الحسن علي الصعيدي: هو أبو الحسن علي بن أحمد الصعيدي العدوي المالكي، شيخه بالأزهر، أحد الأعلام الشيوخ، وقد حلاه الشيخ الأمير في شرح مجموعه بـ “خالفة السادة الأول، وخاتمة من جمع بين العلم والعمل، شمس بدور سماء العلوم، إنسان عين التحقيق والفهوم”، وورد عند العلامة عبد الحي الكتاني أن أحد العلماء قال عنه أنه: “كان حريصا على السنة والعمل بها مع شدة اعتنائه بالعلم والبحث عليه وعلى إفادته، وبارك الله في أصحابه طبقة طبقة، وعمر حتى انحصر أهل الأزهر ما بين تلامذته وتلامذ تلامذته”[1]. وقد ولد سنة 1112هـ، وهو أحد الشيوخ المشارقة الذين لقيهم الحضيكي في رحلته الحجازية واستفاد منهم، وقد نال منه الحضيكي إجازة أوردها ضمن مواد كناشته[2]. وأثبت أنه أخذ عنه الخزرجية وحواش في الفقه، ومن أعلى شيوخ الشيخ علي الصعيدي إسنادا محمد البليدي المالكي، وعبد الله المغربي، وإبراهيم الفيومي، كلهم عن الخرشي، وكان يروي عامة عن محمد بن زكري الفاسي، ومحمد بن قاسم جسوس، والشهاب أحمد الديربي، والشمس محمد بن عقيلة المكي، والسيد محمد بن عبد الله الغربي، والسيد المنزلاوي وغيرهم.

  و من مؤلفاته في الحديث: حاشية على شرح زكرياء على الألفية الاصطلاحية في مجلد ضخم[3]. وله ثبت مختصر من ثبت ابن عقيلة، جمعه له تلميذه محمد الأمير الكبير ([4]). ويروي الشيخ عبد الحي الكتاني كل ماله من طريق الحافظ مرتضى وصالح الفلاني، والأمير والشيخ التاودي والشنواني والشرقاوي والحضيكي، وعلي بن عبد القادر بن الأمين، ومحمد بن عبد الرحمان الزواوي، وعلي بن سلامة التونسي وغيرهم. وقد توفي سنة 1189هـ، وقد قال الشيخ الأمير : “كنا نقول مدة حياته عز”[5].

الشيخ عمر الطحلاوي: هو من الشيوخ الذين لقيهم بمصر وجاس بين يديه بجامع الأزهر، حيث قرأ عليه مختصر خليل، وجالسه بجامع الحسنين فأخذ عنه التفسير ، وقد خصه بترجمة في رحلته[6].

الشيخ أحمد الجوهري الخالدي: هو أبو العباس أحمد بن الحسن بن عبد الكريم بن يوسف الكريمي الجوهري الشافعي الأزهري المصري، قال عنه تلميذه العلامة الحضيكي: “شيخنا الإمام الجليل، حضرنا عليه صغرى السنوسي من أولها إلى آخرها، وكان يقررها تقريرا حسنا زائدا على أبناء وقته”[7]. وهو يروي عن مجموعة من علماء المغرب[8]؛ كسيدي محمد الصغير الورزازي، وقد خصه بترجمة وافية في رحلته[9]، وقد توفي سنة 1181هـ/1767-1768م، وكان محبا للفقراء والسادات الصوفية وطريقتهم، وألف فيها كتبا منها كتابه: فيض الإله المتعال في إثبات كرامات الأولياء في الحياة وبعد الانتقال)[10]، وعموما كانت الفترة التي قضاها بالمشرق ذات أثر مهم في تكوين شخصيته العلمية والمعرفية.

شيوخ العلامة الحضيكي بفاس وسلا وأبي الجعد

أ- بفاس: ولما رجع من مصر حل بمدينة فاس، فأخذ عن جملة من علمائها الأجلاء أثناء تواجده بها، ومنهم: 

أبو مدين الفاسي: هو محمد (أبو مدين) بن أحمد بن محمد بن عبد القادر حفيد أبي المحاسن يوسف الفهري الفاسي[11]، مؤرخ خطيب وأديب، ولد سنة 1112هـ/1700-1701م بفاس، ولي الخطابة والتدريس بالقرويين زمنا. وكان من أفصح الناس، وجيها وقورا حسن الدعابة. نشأ في حجر أبيه وحفظ على يديه القرآن، كما أخذ عن ابن عم أبيه محمد بن عبد الرحمان، ثم لزم غيره من من أكابر المشايخ؛ كالقاضي بردلة وأبي عبد الله المسناوي وغيرهم.[12] واشتدت عنايته بالعلوم الأدبية، محررا أدواتها على يد الشيخ أبي عبد الله محمد العراقي والشيخ أبي العباس الوجاري، كما لزم الشيخ أبا عبد الله محمد بن عبد الرحمان الدلائي، فانتفع به في صناعة الإنشاء وبراعة الإلقاء، وفي هذا الإطار قال العلامة محمد بن جعفر الكتاني: “…فكان ينظم وينثر بقريحة وقادة، تدخل به في جملة فحول الأدباء أهل الإفادة”[13]، وابن زكري وأحمد بن مبارك[14]. وقد أخد عنه جم غفير وقوم كثير من نجباء وقته، منهم العلامة الحضيكي.

  وكانت له مشاركات في الفقه والحديث والتفسير والتصوف والبيان، وكان كأبيه يتأثر بالسماع وينفعل بنغمات الألحان، عارفا بطبوعها وقوالب أصواتها، متين الدين، جاريا على منهج المهتدين[15]، وقد ولي الإمامة والخطبة والتدريس بمسجد القرويين، واستمر عليها إلى أن توفي، وكانت له وجاهة عند الكبراء واعيان الدولة، ملحوظا عند الملوك بعين الوقار، ولما استقر السلطان المولى عبد الله بن سليمان بدار الدبيبغ بإزاء فاس الجديد كان سيدي أبو مدين هو الذي يخطب ويصلي به في الأعياد إلى أن توفي رحمه الله، قيل سنة 1181ﻫ/1767م[16]، وقيل في شعبان سنة 1182هـ/1768م[17]، ودفن بزاوية العارف بالله سيدي عبد الرحمان بن محمد الفاسي الكائنة بحومة القلقليين من فاس القرويين قرب والده وجده وجد والده. له تآليف عديدة منها[18]:

كتب أدبية: المحكم في الأمثال والحكم- تحفة الأريب ونزهة اللبيب في الحكم والنوادر- مجموع الظرف وجامع الطرف.

كتب في التصوف: شرح رائية الشريشي.

شروح واختصارات: مستعذب الإخبار بأطيب الأخبار، وهو شرح لرسالة أحمد بن فارس الرازي في السيرة النبوية[19]– شرح توحيد الرسالة- الموارد الصافية في شرح النصيحة الكافية – اختصار شرح القصيدة- شرح القصيدة الشقراطسية.

 وقال عنه محمد الكتاني: “كان حسن الأخلاق، كريم المعاشرة، لين الجانب، عذب المفاكهة، مليح الدعابة، يستحضر النوادر القديمة والحادثة ، منصفا متواضعا كريما جوادا ، رفيع الهمة متورعا ، خطيبا فصيحا باكيا مبكيا، هاديا مهديا”[20]. كما حلاه محمد القادري فقال: “الفقيه الأديب الخطيب البليغ الفصيح الحسن الصوت”[21]. وقال عنه محمد مخلوف: “العلامة الأريب، الفهامة الأديب، الفقيه خاتمة الخطباء، والأئمة البلغاء الفصحاء”[22].

أبو عبد الله محمد بن قاسم جسوس: هو أبو عبد الله محمد ( فتحا ) بن قاسم بن محمد بن قاسم بن أحمد جسوس الفاسي[23]، شيخ الجماعة بفاس، كان محدثا فقيها مشاركا في عدة علوم، من تفسير وأصلين وعربية وبيان ومنطق، وهو ممن وصل رتبة الاجتهاد. وقد ولد بفاس سنة 1089ﻫ/1678م ونشأ بها، فدرس علی أعيان من العلماء كعمه عبد السلام جسوس، ومحمد بن أحمد المسناوي، ومحمد بن عبد القادر الفاسي وولده الطيب الفاسي، والعربي بردلة ومحمد ابن زكري، ومحمد القسنطيني الحسني، ومحمد بن عبد السلام بناني[24]، وعلي الحريشي[25]، ومحمد ميارة الصغير، ومحمد بن حمدون بناني وعلي الشرادي وغيرهم، علی ‌أن عمدته في العلوم المسناوي وعمه جسوس وابن زكري. وأجازه جماعة من الشيوخ، منهم محمد بن عبد السلام بناني ومحمد بن عبدالرحمان الفاسي.

  وقد انصرف إلى التعليم والتأليف، فأقام دروسه في الحديث والفقه والعقائد، وتزاحم الطلبة عليه وطال عمره، فكثرت الاستفادة منه وعلا إسناده[26]، وممن تتلمذ على يديه التاودي ابن سودة، وعبد الرحمان الحايك التطواني، وعبد المجيد المنالي الزبادي[27]، ومحمد بن الحسن الجنوي، ومحمد ابن عبد السلام الناصري، ومحمد الحضيكي، ومحمد بن علي الورزازي[28]، وعبد الكريم رهني المعروف باليازغي[29]، وأحمد حمدون الطاهري[30]، وأبو عبد الله محمد الحضيكي، وأبو العلاء إدريس العراقي، ومحمد بن صادق بن ريسون، وقد ذكره هؤلاء في فهارسهم[31]. وكان قد أعطى الإجازة لكل من محمد بن الطيب القادري[32]، ومحمد بن علي الورزازي، ومحمد بن الحسن الجنوي[33]. وممن روی عن المترجم أحمد بن إبراهيم الجرسيفي، والحايك التطواني، ومحمد بن عبد السلام الناصري، ومحمد الحضيكي، ومحمد بن عبد الصادق ابن ريسون واليازغي.

  وقد كان المترجم كثير المطالعة والمدارسة والتقييد والحفظ، والحرص علی الاستفادة والإفادة، ويخبرنا أحمد ابن عجيبة عن الكتب التي كان جسوس يكثر من قراءتها، فيقول أنه كان رحمه الله كثير الدوام علی مختصر خليل تدريسا وإقراء، وأخذه عنه غالب نجباء الوقت، وكذلك رسالة ابن أبي زيد وحكم ابن عطاء الله وصحيح البخاري[34]، وكان يقرأ صحيح البخاري بعد صلاة الصبح بضريح أحمد بن يحيی من مدينة فاس[35]، وقضی مدة طويلة في التدريس، حيث ظل ممتعا ببعض الصحة علی ‌الرغم من كبر سنه، وبسبب تعميره لقب بملحق الأحفاد بالأجداد[36]، إذ عاش ثلاثا وتسعين سنة.

  ويصف محمد الكتاني حال المترجم في التدريس بقوله: “…وأكب الناس عليه لانفراده في الاجتهاد، وجودة القريحة، وحسن الطوية، والأخذ بآثار السلف الصالح من التخلق بالدين والعرفان…، فبورك له في العمر بامتداده، ممتعا ببعض القوی التي يقدر بها علی الكثير من أنواع الطاعات، حتی كثر الأخذ عنه من جميع الأقطار”[37]. ووصفه تلميذه محمد بن الحسن الجنوي في استدعائه الموجه إليه بـ : “علامة الزمان، ووحيد الأوان، فريد عصره، ووحيد مصره، الهمام الأسنی المحترم، ذو الشمائل المرضية، والأحوال السنية، شيخ الجماعة بفاس”[38]. ومما قال فيه محمد الكتاني: “الفقيه العالم العلامة المحقق، المحدث الصوفي المدقق، المشارك الحجة الموضح لمن بعده طريق المحجة…، كان بحرا لا يجاری في مجاري العلوم…، حافظا ضابطا متقنا…، عارفا بالأصول والفروع…، مشاركا في معقول العلم ومنقوله”[39].

   ونذكر من التآليف العديدة التي ألفها محمد جسوس ما يلي:

مقدمة علی صحيح البخاري[40]، وهي عبارة عن تعاليق علی ‌أوائل الصحيح.

شرح الشمائل الترمذية[41].

 شرح علی مختصر خليل[42].

شرح علی رسالة ابن أبي زيد القيرواني[43].

شرحان عی حكم ابن عطاء الله[44].

شرح توحيد المرشد المعين وتصوفه لابن عاشر[45].

شرح فقهية عبد القادر الفاسي[46].

 وقد نسب له صاحب دليل مؤرخ المغرب الأقصى فهرسة، غير أن له إجازة طويلة خص بها ولده وأبا عبد الله الحضيكي، وقد أوردها في كناشته[47]، بخط صاحبها، وختمها بلائحة تآليفه، وهي إجازة جيدة[48]. وقد توفي العلامة محمد جسوس رحمه الله في 4 رجب 1182ﻫ /1768م، ودفن بزاوية عبد القادر الفاسي[49].

أبو العلاء إدريس بن محمد العراقي الفاسي: هو حافظ المغرب الإمام العلامة الحجة المحدث المحقق أبو العلاء، إدريس بن محمد بن حمدون العراقي الحسيني الفاسي، ولد بفاس سنة 1120هـ تقريباً[50]، وقد توجه منذ أن أقبل على طلب العلم عام(1134هـ) إلى الاهتمام بعلم الحديث النبوي الشريف وكل ما له صلة به؛ ضبطا ورواية ودراية، إلى حدّ جعله مولعا بهذا الفن، والذي أخذه وغيره من الفنون على جماعة من أكابر شيوخ عصره، منهم: والده، والشيخ المسناوي الدلائي، وأبو عبد الله بن زكري، وأبو الحسن علي الشدادي، وأبو الحسن علي بن أحمد الحريشي، وأبو القاسم أحمد بن سليمان الأندلسي الفاسي، وأبو العباس أحمد بن عبد الله الغربي الرباطي، وأبو عبد الله محمد بن عبد السلام بناني الفاسي، وأبو عبد الله محمد بن قاسم جسوس، وأبو العباس أحمد بن مبارك اللمطي، وغيرهم من العلماء، حتى ذكر أن غالب أهل عصره أجازوا له الرواية عنهم.

   ومن شهادة شيوخه له بالتفوق والنبوغ قول شيخه أبي عبد الله جسوس في إجازته له: “أنه ممن حاز قصب السبق في علم الحديث حفظا ورواية ودراية، ووصل في ذلك غاية الغاية، بحيث لم يصل إليها أحد من أهل عصرنا فيما نعلم”. وكان شيخه ابن مبارك اللمطي يشير إلى الرجوع إليه، ويبالغ معه في تحقيق بعض مسائل الحديث، فَحَدَث أن كان هذا الشيخ يدرِّس كبرى الشيخ السنوسي، فجرى ذكره لبعض الأحاديث، فسأل المترجمَ عمن خرّجه، فذكر له على البديهة ستة طرق، فقال له: “لله درك، لقد تعب ابن حجر ولم يُخَرِّج له إلا طريقين”.

  ولما سطع نجمه في علم الحديث، وأصبح المشار إليه فيه، وشهد له غير واحد من شيوخه وأقرانه بالحفظ والإتقان، قصده للاستفادة من علمه والأخذ عنه الفقهاءُ فضلا عن الطلبة النجباء؛ فكان الشيخ الشهير أبو محمد عبد الكريم اليازغي يأتي إلى باب داره يسأله، وناهيك بهذا شرفا، يقول عبد الحي الكتاني: “وقد أخذ عنه كثير من طلبة المغرب وشيوخه[51]، فمنهم: وَلَداه أبو محمد عبد الله، وأبو زيد عبد الرحمن، وابن عمه زيان، والحافظ محمد بن عبد السلام الناصري، وكان ملازما له، وأبو عبد الله محمد بن أحمد الصقلي، ومحمد بن أحمد الحُضَيْكي، وقد أورد العلامة أبي العلاء إدريس العراقي في فهرسته نص استدعاء العلامة الحضيكي له بما نصه: “بسم الله الرحمان الرحيم، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله، أيد الله جهابذة النقاد وأمدهم بالتوفيق والسداد، شيخ الاسلام وخديم حديث سيد الأنام، العلامة الفهامة سيدنا ومولانا الأصيل الحسيب، ذلك الجهبذ المكين، فريد عصره وحائز قصب السبق في مضمار الرهان، أمير المؤمنين في الحديث ونجم السنن، أعجوبة الوقت ونادرة الدهر سيدنا إدريس العراقي الحسيني، أيده الله بتأييده، وأمده بمدده وتوفيقه، وفسح الإسلام في أثره، وسلام عليه ورحمة الله تعالى وبركاته، وعلى من لاذ به من أهله وأهل وده وجيرانه ومحبيه، وبعد:

   “فأحمد الله لكم، ولا زلنا نحبكم منذ سمعنا بكم، وقد بلغنا ثناؤكم الجميل وصيتكم الحسن الطيب القصي البلاد، والله يثيبكم أجزل الجزاء على ما نفعتم الإسلام، وأقمتم أوده، وشيدتم ركنه، وقويتم جانبه، وقد أحب هذا البدوي الجافي التعلق بأذيالكم، والانتساب إليكم على جفائه وسوأة حاله، فلاحظوه وتفضلوا عليه، وخذوا بيده يا أستاذ، وأجيزوا له إجازة إن رأيتموها، وإن لم يكن أهلا، واذكروا معها ما أمكن من أسانيدكم العالية وبعض تعريف بمشايخكم الجلة الأعلام، وبعض من رأيتم يستحق ذلك من رواة السند، وإن شئتم ذكرتم أشياخكم جملة وتفصيلا، وأشياخ أشياخكم كذلك طبقتين فنعم، وادعوا لهذا البدوي وأحبوه كما أحبكم، ولا تملوا جفوته وتطفله عليكم، وحق من يُحِب أن يُحَب، وهذا الأعرابي اسمه محمد بن أحمد السوسي تاب الله عليه”[52].

  وجاءت إجازة العلامة إدريس العراقي له بما نصه: “بسم الله الرحمان الرحيم، اللهم صل على سيدنا ومولانا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما أبدا كثيرا.

الحمد لله الذي شرح صدورنا لطلب معرفة السنن النبوية، وأهلنا للفحص عن كتب المسانيد العالية، وأشهد أن لا إله الا هو، ولا مرجو سواه، وأشهد أن سيدنا ونبينا ومولانا محمدا عبده ورسوله، ومصطفاه من خلقه وصفيه وحبيبه وخليله، صلوات الله وسلامه عليه وعلى جميع إخوانه من أنبيائه ورسله وآلهم وأصحابهم، وكل من تمسك بأذيالهم، وخصوصا من حمى علم الحديث ممن يرشدونه بغيره من الأباطيل، ومن تبعهم إلى يوم مآلهم.

 وبعد، فيقول العبد المذنب الحقير إدريس بن محمد بن إدريس الحسيني، العراقي أصلا، الفاسي مولدا، ومنشأ ومتبوءاً، أمده الله بتوفيقه لما فيه رضاه مما طلب من عبيده:

  إن أخانا في الله ومحبنا من أجله المسطر اسمه أعلاه، طلب منا ما يطلب من أئمة السنة وقامعي البدعة، ظنا منه أني من خيل هذا الميدان، وأني ممن يذكر مع الأقران، وهذا العبد ليس والله من فرسان هذا المجال؛ بل كثير في حقه لثم نعال الرجال، ولزوم أبواب السادات السابقين في العلم والأعمال، وما وصفه به وحلاه لما بلغه ليس بأهل لذلك؛ إلا أن يشاء الله ذلك، وكيف يذكر وهو معترف بالتقصير، والكاتب الطالب وصف له بالعلم والعمل وصلاح القدير، زاده الله وأراه خيرا، وكان لنا وله دنيا وأخرى، وقوانا على بث العلم ونشره وطرح العناد، والنصيحة لجميع العباد، آمين آمين آمين.

  فالله الله أخي في الاجتهاد في نصح العباد، كما هو دأب أهل السداد. وقد أجبت أخي فيما سأل، حسبما أجابني أشياخي في ذلك أثابهم الله إثابة أحبابه، وجعلهم من أهل حزب حبيبه ووداده، وقد قرأت على شيوخ جلة ممن سطر بصدر كتابنا (فتح البصير) رده الله علينا.

  ممن حدثنا عن الشيخ عبد القادر كالشيخ الصوفي أبي عبد الله محمد المدعو الصغير الفاسي، مؤلف الفهرسة المسماة بــ: المنح البادية في الأسانيد العالية)[53]، والشيخ المحدث أبي القاسم أحمد بن سليمان، والشيخ أبي الحسن الحريشي، وغيرهم ممن حدثني عن شيخ الشيوخ وقدوتهم، ومستندهم وعمدتهم، أبي محمد الشيخ عبد القادر بن سيدي علي بن القطب الكامل سيدي يوسف الفاسي، وغيرهم من المغاربة والمشارقة، أفاض الله علينا من بركاتهم، وجعلنا من أهل الفهم وجماعتهم. وأسانيدهم عن أشياخهم إلى أصحاب كتب الحديث مسطرة في فهارسهم، فمن أرادها فليطلبها من ثَم.

  وسمعت جِلة من المحدثين كالشيخ محمد المسناوي، والشيخ محمد ميارة الصغير، والشيخ محمد بن زكري، والشيخ محمد بناني، وعدة، آخرهم الشيخ محمد جسوس، وكل هؤلاء عن الإمام، محدث الأنام، أبي عبد الله سيدي محمد بن الشيخ عبد القادر المذكور، عن والده وغيره ممن هو مذكور في فهارسهم، أثابهم سبحانه وتعالى ثواب الصديقين، آمين.

  فهاك أخي إجازة مني إليك، وإذن في الرواية عني عنهم عن أرباب الكتب الحديثية؛ كموطأ مالك، ومصنف عبد الرزاق، ومسانيد: أحمد، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، والكتب الستة، والسنن، والفوائد، والتواريخ، وقد سطرتها في كتابي (الدرر اللوامع)، رزقنا الله تمامه، آمين، وغيرها من النقلية والعقلية، فاروها عني وجميع ما لي من مقروء ومسموع، وما صنفته من مجموع، بالشرط المعتبر، عند أهل الأثر، وعلى أخي بالتثبت والإتقان، فإن العلم دين، فليراقب العبد ربه في السر والإعلان، وأوصي نفسي وأخي بتقوى الله في كل حال وأوان، وألتمس من أخي صالح دعائه في كل الأحيان، والله تعالى يوفقنا وإياه لما فيه رضاه، آمين.

  وصلى الله على أشرف المخلوقين، وجميع إخوانه من النبيين والمرسلين، وآلهم وأصحابهم ومن تبعهم إلى يوم الدين، ولتعلم أخي أن الحامل لنا على إجابتك استجلاب مسرتك، واغتنام بركة دعوتك، لحسن نيتك وخلوص طويتك، مع ما يتضمنه الإسعاف من مصلحة تجديد النشاط، وإنهاض الهمة للأخذ بالحزم والاحتياط، وإلا فقد أسلفت أن اللائق بهذا العبد العاجز القاصر عدم سلوك هذه المضايق والتعرض للفضول، والتوقف على مراتب الأئمة الفحول.

 نعم، قال مؤلف التسهيل ما هو مسطر صدر كتابه. فنسأل الله أن يجعلنا من أولئك، آمين آمين آمين.

 وكتب المذكور صدره أوائل صفر الخير، ثمانين ومائة وألف، رزقنا الله خيره، ووقانا ضيره. ومما أنشد في علم الحديث (من بحر الطويل):

عليك بأصحاب الحديث فإنهم       على منهج ما زال للدين معلما

وما النور إلا في الحديث وأهله    إذا ما دجا الليل البهيم وأظلما

وأعلا البرايا من إلى السنن اعتزا   وأغوى البرايا من إلى البدع انتما

ومن يترك الآثار ضلل سعيه   وهل يترك الآثار من كان مسلما

انتهى”[54].  

   وقال عنه ابن عمه أبو محمد الوليد بن العربي العراقي: «كان يلقب بسيوطي عصره». بل هناك من جعل درجته فوق درجة الحافظ ابن حجر العسقلاني، فقد كان أبو حفص عمر بن عبد الله الفاسي يقول فيه: «أنه أحفظ من ابن حجر». وحلاّه الحافظ أبو الفيض مرتضى الزبيدي المصري[55] بحافظ العصر، ثم قال عنه: «اعتنى بعلم الحديث حفظا، وضبطا، ورواية ودراية حتى مهر فيه، ودَرَّسَ للطالبين وأفاد، وانتفع به كثيرون، وأقرأ الكتب الغريبة مع تحقيق وإتقان ومراعاة للفن، فلم يكن في وقته من يدانيه في هذا الفن حتى أشير إليه بالحفظ». أما عن حاله فقال محمد بن جعفر الكتاني: «وكان ـ رحمه الله ـ مقبلا على شأنه، مجتنبا ما يخل بمروءته، ذا سمت حسن، وهيئة ووقار، قويا في دينه، ملازما لأوقاته، قائما بما ولي من الولايات، من إمامة وتوريق وغيرها».

   وكما اتجهت عناية المترجم إلى علم الحديث دون غيره، فإن جلّ مصنفاته تدور في فلك هذا العلم، ومنها:

شرح على شمائل الترمذي.

وشرح الثلث الأخير من المشارق للصغاني في مجلد كبير ضخم.

شرح إحياء الميت للسيوطي.

خرج أحاديث الشهاب للقضاعي.

تكميل مناهل الصفا في تخريج أحاديث الشفا للسيوطي.

الدرر اللوامع في الكلام على أحاديث جمع الجوامع.

فتح البصير في التعريف بالرجال المخرج لهم في الجامع الكبير، واختصر ـ كما نُقل من كتابه فتح البصير ـ الكامل في الضعفاء لابن عدي.

تاريخ الخطيب البغدادي.

خرج كتاب الحضرمي في الرقائق.

 واستدرك على السيوطي في جامعه الكبير نحوا من عشرة آلاف حديث، قيدها على طرة نسخته من الجامع، على ما ذكر العلامة عبد الحي الكتاني، وذكر الحجوي أن عدة ما استدركه من ذلك يشتمل على نيف وخمسة آلاف حديث، وغير هذا من الأجوبة الحديثية والطرر المفيدة.

  توفي رحمه الله بفاس سنة (1183هـ)، وقيل سنة (1184هـ)، عن نيف وستين سنة، وقبره عن يمين محراب الزاوية الصقلية التي بالسبع لويات، تحت الخزانتين الصغيرتين هناك، قبالة ضريح الشيخ أبي العباس أحمد الصقلي.

محمد بن الحسن البناني: هو أبو عبد الله محمد[56] ابن الحسن بن مسعود البناني، ينتمي إلی أسرة مشهورة بالعلم، منهم شيخه وابن عمه محمد بن عبد السلام بناني، وإخوان للمترجم وابنه محمد. وقد كان محدثا فقيها مشاركا في علوم مختلفة، من تفسير وأصول وعلم كلام ومنطق ونحو وبلاغة وغيرها، حتى عرف بأنه علامة فاس ومحققها[57]. وقد لد بفاس سنة 1133ﻫ/1720م، ونشأ بها مقبلا على العلم فدرس بها وبغيرها، ومن شيوخه: أحمد ابن مبارك السجلماسي، ومحمد جسوس، وابن عمه محمد بن عبد السلام بناني الذي أجازه، وأحمد الهلالي، وأحمد الورزازي الذي درس عليه بتطوان، حيث لبث بها أيام شبابه سنين عديدة[58]، وغيرهم كثير. وقد حج المترجم فأخذ العلم بالمشرق عن كثير من العلماء، من بينهم الحفني، وأحمد الصباغ، والجوهري، والملوي، واستجازهم[59].

  تصدر للتدريس بفاس، فأقرأ العلوم المختلفة، وبرز في تحقيقاته الفقهية، وشهر باسم المحشي[60]، فكثر تلامذته، وتلقی العلم عنه جماعة من العلماء؛ منهم محمد بنيس[61]، وعبد الرحمان الحايك، ومحمد بن أحمد الرهوني، والطيب ابن كيران، وحمدون ابن الحاج، وسليمان الحوات، الذي قال في شيخه:”هو الفقيه العلامة حافظ المذهب، قوي العارضة، سهل التعبير، المتفنن الذاهب في طريقة الجد، إمام الحرم الإدريسي وخطيبه ومدرسه نحو 14 سنة…، لازمته بعد وفاة شيخنا سيدي أبي حفص في كثير من العلوم، وخصوصا التفسير والحديث والفقه، وأجازني باللفظ، وناولني فهرسته، وأجازني بجميع ما احتوت عليه، وكتبه بخطه في آخرها، وناولني جملة من تآليفه النافعة، وقرأتها عليه قراءة تبيان وتحقيق كما هو دأبه”[52]، وعبد القادر بن شقرون، وأحمد بن التاودي بن سودة، وعبد الواحد الفاسي، وأبو القاسم الزياني، ومحمد بن صادق بن ريسون، ومحمد الحضيكي وغيرهم. وقد أورد الشيخ الحضيكي إجازة شيخه محمد بن الحسن بناني في كناشته، وهي تشمل رواية فهرسة بناني الفقهية[63].

  وكان له كرسي في جامع الأشراف ( المسجد الإدريسي ) بفاس، يدرس به الحديث و صحيح البخاري بعد صلاة الصبح، كما كان يدرس به التفسير ومختصر خليل، ثم خلفه علی التدريس ولده محمد (ت 1245ﻫ)،[64]، وكان المترجم إمام هذا المسجد وخطيبه، وقد تولی ‌خطة الإفتاء، وقضی حياته في نشر العلم.

  يقول تلميذه الرهوني عن دروسه: (وكان له مجلس لكتاب الله العزيز يستحسنه كل من حضره، ويشهد له بالفضل كل من سمعه وأبصره، ويشهد له بالتحصيل والتحقيق كل من أنصف من عدو وصديق، وكذا كانت مجالسه كلها، لا يعرض عنها من يستمعها ولا يملها)[65]. ويعلل أحمد ابن عجيبة[66] هذا الإقبال علی ‌دروس المترجم بقوله: (وكان مجلس دروسه يذهل العقول، من كثرة ما يستحضر من النقول، مع فصاحة العبارة وحسن الترتيب). كما وصفه أيضا –أي أحمد ابن عجيبة- قائلا: (الفقيه المحصل المدقق المتبحر أحد مشايخ الإسلام، فريد عصره، ووحيد دهره، غاية المنی ومنتهی الأماني)[67]. وقال فيه محمد مخلوف: (العارف الذي ليس له في عصره ثاني، الإمام الهمام، خاتمة العلماء الأعلام، الأستاذ المحقق، المؤلف المطلع المدقق، العلامة النحرير، الفهامة القدوة الشهير)[68]، ووصفه العلامة عبد الحي الكتاني: “بعلامة فاس ومحققها في جيله”[69].

ومدحه تلميذه أحمد بن عثمان المكناسي بقوله:

أبدرا لاَحَ بين الشهب بدرا    فنارت منه نيرة الشموس

وروضا فاح مندله سحيرا  فأحيا نشره ميت النفوس

وبحرا خاض بحر العلم حتی  انثنی بالجوهر الصدفي النفيس

بمالك من طريق الفخر شنف  مسامعنا بمختصر السنوسي

وألبس عاري الطلاب مما   به حشيته أسنی لبوس

وبرِّد غلة الصادي بأحلی  مذاقا من معتقة الكؤوس

ولا تردد يد الأبيات صفرا  وجد بمنی ولو يوم الخميس

بقيت لفك مشكل كل فن  ففتحك في المجالس والطروس

ولا تنفك بين الناس تاجا   أبا عبد الإله علی‌ الرؤوس[70]

وقال عنه تلميذه العلامة الحضيكي في طبقاته: “أدركناه مَقْفَلَنَا من المشرق وهو رشيس العلماء والصلحاء وقتئد في العلم والعمل”. وقد ألف محمد بن الحسن البناني رحمه الله عدة مؤلفات نذكر منها: 

حاشية علی‌ شرح عبد الباقي الزرقاني لمختصر خليل. وهي أشهر مؤلفاته، إذ لقي شهرة واسعة وإقبالا كبيرا [71].

حاشية علی مختصر السنوسي في المنطق.

 حواش علی التحفة.

شرح علی‌ مختصر خليل.

شرح علی السلم في المنطق.

اختصار تأليف شيخه ابن مبارك في مسألة التقليد.

 وقد توفي محمد بن الحسن البناني بفاس أواخر ربيع الثاني 1194ﻫ -1780م[72]، وقد ذكر عبد الحي الكتاني أنه توفي سنة 1193هـ[73].

أبوحفص عمر الفاسي القصري: هو الإمام العلامة الصوفي أبو حفص عمر بن عبد الله بن عمر بن يوسف بن العربي ابن الشيخ، أبي المحاسن يوسف الفاسي الفهري[74]، ولد بمدينة فاس سنة 1125ﮬ/ 1713[75]، وبها نشأ في حجر أبيه عبد الله بن عمر الفاسي (ت1146هـ)، الذي زرع فيه منذ صباه شغف طلب العلم والسعي في تحصيله، فكان أول ما بدأ به -جريا على عادة المبتدئين- حفظ كتاب الله العزيز، وأخذ جملة من مبادئ العلوم الشرعية عن والده، وعن قريبه الشيخ أبي عَسْرِيَّة محمد بن أحمد بن يوسف الفاسي (توفي في حدود 1150هـ)[76]، الذي قرأ عليه العلوم الشرعية، ولم تقف همة مترجمنا عند هذين الشيخين، بل تاقت نفسه إلى النهل من معين غيرهما، وازدادت نشوة الطلب عنده، وشدة الحرص على صرف أوقاته في محاضر العلماء المبرَّزين، فكان من جملة هؤلاء الذين تشرف بالجلوس إليهم: أبو العباس أحمد بن علي الوَجَّاري (ت1141هـ)، ومحمد العراقي[77]، اللذين أخذ عنهما اللغة العربية، واعتمد في رواية الحديث بأقرب أسانيده علی علي بن أحمد الحريشي(ت 1143هـ أو 1145هـ)[78]، الذي سمع عليه أوائل الكتب الستة، وأجازه فيها وفي غيرها، وأبو العباس أحمد بن مبارك اللَّمَطي (ت1156هـ)[79]، الذي درس عليه الأصلين وعلوم الجدل والبلاغة والمنطق والتفسير. وقرأ الفقه والحديث والتفسير أيضا وغيرها علی يد محمد بن عبد السلام بناني[80]، ومحمد ابن قاسم جسوس، كما كتب له بالإجازة المطلقة محقق الشافعية الشيخ العلامة محمد بن سالم الحفناوي، وبعثها إليه من مصر. ولما تضلع في العلوم اقتصر علی شيخ الجماعة أحمد بن مبارك اللمطي، فلزمه حتی صار علامة متمكنا.

  وبعدما ساد ونبغ في أكثر من علم، وطار خبره في الأفق، تربّع على كراسي المجالس للتعليم والتدريس، فكثر الإقبال عليه، فكانت مجالسه تَعُجُّ بالعلماء وطلاب العلم من فاس وخارجها، منهم: أبو الربيع سليمان الحوات الشفشاوني (ت1231هـ)، الذي قال عنه في كتابه ثمرة أنسي: “والفقيه العلامة سلطان المحققين، ورأس الجهابذة المدققين، آخر أهل التحرير درسا وتصنيفا، مع بيان المشكلات بسطا وتعريفا، المستنبط للأحكام بالاستدلال على طريقة الاجتهاد المطلق…، عن هذا السيد تخرجت، وبه انتفعت وارتفعت وانتصبت في فنون من العلم، ما بين معقول ومنقول، وفروع وأصول، وأجازني باللفظ، وناولني جملة من تصانيفه المحررة، وكان مجلسه روضة يلتقط منها أعيان العلماء من تلامذته أزهار المسائل بالاستنباط العقلي المؤيد بالنقل”[81]، ويحيی الشفشاوني[82]، ومحمد بن الطاهر الهواري[83]، وعبدالقادر ابن شقرون، ومحمد بن عبد الصادق ابن ريسون، ومحمد بن الطاهر المير، ومحمد بن عبد السلام الناصري، وأحمد ابن عثمان، وأبو محمد بن الطيب سْكيرج الفاسي (ت 1194هـ)، وأبو العباس أحمد بن عمر الفاسي (ت 1197هـ)، وأبو عبد الله محمد بن عبد السلام الفاسي (ت 1214هـ)[84]. وزين العابدين العراقي، وعبد الكريم اليازغي، وعبد الرحمان الخياط، والعربي بن علي القسنطيني، وأبو القاسم الزياني[85]، وأبو عبد الله الحضيكي الذي أورد نص إجازة شيخه له في كناشته، وهي بخطه، ومصدرة بدورها بنص الاستدعاء[86]، وغيرهم. وقد صار تلامذته من أعلام العلماء، بفضل المعارف التي تلقوها عنه، وعن غيره. وإلى جانب التدريس تولى أبو حفص الخطابة بجامع الجيسة الواقع عند باب الجيسة من مدينة فاس، إلى أن تم عزله عنه سنة (ت 1154هـ).

  وتميز أبو حفص رحمه الله في سيرته وأحواله بالسكينة والوقار، والأمانة وحب الخير، وما ورد في حقه في كتب التراجم والأخبار دليل على ذلك، والشواهد على ذلك كثيرة، منها قول تلميذه بالإجازة الفقيه محمد بن أحمد الحضيكي: «مدرس فاس المحروسة، شيخ الجماعة، ومحقق المعقول والمنقول»، وقال فيه محمد بن جعفر الكتاني: “سلطان المحققين، ورأس الجهابذة المدققين، آخر أهل التحرير درسا وتصنيفا، مع بيان المشكلات بسطا وتعريفا، المستنبط للأحكام بالاستدلال المحقق، على طريقة أهل الاجتهاد المطلق…، ذا سكينة ووقار، مظهرا لجلالة العلم وماله من الرفعة والفخار». ويقول عنه الحجوي: “من أكبر شيوخ الأسرة الفاسية المشهورة، التي خدم الكثير من أفرادها العلم خدمة يشكرها لهم التاريخ علی ‌مر الأزمان، مع ما عرفوا به من متانة الدين، وربما كان المترجم أعلم وأتقن علمائها”[87].

  وكان عمر الفاسي أحد أعلام عصره البارزين المبرزين، فقيها محدثا مجتهدا، متبحرا في علمي الأصول والبيان، مشاركا في العلوم العقلية والنقلية، وأديبا شاعرا. وهو من العلماء والمحدثين في هذا العهد، إذ اتصف بالتحقيق وإتقان التحرير درسا وتصنيفا، وهو ممن وصف بالاجتهاد، إذ جمع وتضلع في الأصول والحديث والفقه وغيرها من العلوم، كان يميل إلی الاجتهاد في الحكم، وفي العقائد، يرد علی أهل المذاهب بالدليل الواضح[88]. وقد ذكر سيدي عبد الله كنون في ترجمته أنه كان متصوفا زاهدا، وتدل علی ذ‌لك قصائده التي طبعتها مسحة صوفية[89]، وقد وزع حياته بين التدريس والبحث عن خير الإنسانية سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وأبت عليه استقامته وورعه من أن يستغني، أو أن يتبوأ المناصب السامية التي هو جدير بها[90]. وكان مهابا ذا سمت ووقار، مظهرا لإجلال العلم وتعظيمه[91]، ومما يحكی عنه أنه كان يخرج من مدينة فاس، ثم يتوجه إليها ويخاطبها قائلا: (تيهي يا فاس بوجودي، والله ما فيك مثلي)[92].

  وقد كان السلطان المولی محمد بن عبد الله يجله ويقدره، وقد مدح العلامة سيدي عمر الفاسي هذا السلطان بقصيدة فائية من بحر البسيط، في واحد وعشرين بيتا، كما مدح العلماء والصلحاء وكتب السيرة والتصوف. وقد استغل غالب شعره في الدعوة إلی التمسك بالكتاب والسنة[93]. كما اشتهر رحمه الله بالعُكُوف على تأليف الكتب والرسائل في فنون شتّى، أغلبها ما تزال مخطوطة، مع أن نسخها متوفرة في الخزانات المغربية، منها:

في الحديث: شرح قصيدة ابن فرح الإشبيلي في مصطلح الحديث[94].

في القراءات: جزء في حكم المد الطبيعي.

في العقائد: حاشية علی شرح العقيدة الكبری للإمام السنوسي.

في الفقه والأصول: – غاية الأحكام في شرح تحفة الحكام في جزءين، وهو شرح أرجوزة (تحفة الحكام) لابن عاصم، وهو مفيد يدل علی ‌سعة اطلاعه – تحفة الحذاق بشرح لامية الزقاق، وهو شرح للمنظومة اللامية للزقاق، في القضاء وأحكامه[95] – نهاية التحقيق في مسألة تعليق التعليق في موضوع الطلاق، وهو عبارة عن جزء- فتاوی‌ مهمة للعويصات المدلهمة. لواء النصر في الرد علی بعض ‌أبناء العصر- رد فيه فتاوی بعض معاصريه الذين أفتوا بجواز بيع العقارات المحبسة حبسا مؤبدا لضرورة المجاعة، وهو عبارة عن جزء أيضا- منة الوهاب في نصرة الشهاب. ألفه لتصحيح ما قرره الشهاب القرافي في كتابه (الفروق )، في مسألة تخصيص نية الحالف والرد علی ابن الشاط[96]، وهو عبارة عن جزء كذلك.

في الأدب واللغة: ـ ديوان شعر كبير، يحتوي علی أشعار كثيرة في موضوعات متنوعة. غير أن المترجم لم يجمعها في ديوان ، فجمعها ورتبها عبد السلام ابن سودة[97]ـ حاشية علی المغني لابن هشام.

في المنطق: – حاشية علی مختصر السنوسي المنطقي ـ إحراز الفضل بتحرير مسألة القو ل الفصل. وهو كالحاشية علی (القول الفصل بين الخاصة والفصل ) للحسن اليوسي[98].

      وله أيضا: «تقييد في ترتيب أسماء الصحابة في المسند»[99]. و«منهل التحقيق ومنهج التوفيق في مسألة التخليق»[100]. و«اقتباس أنوار الهدى فيما يتعلق ببعض وجوه الأدا»[101].

  توفي رحمة الله عليه ضَحْوَة يوم الخميس29 رجب سنة (1188هـ/ 1774م)، وهو يومها ابن ثلاث وستين سنة، ودفن بعد صلاة العصر من يومه بزاوية جدِّه أبي المحاسن الكائنة بالحضرة الفاسية[102]. وللشعراء في رثائه ومدحه شيء كثير، من ذلك ما قاله تلميذه أحمد ابن عثمان المكناسي:

الدمع يروي عن فؤاد الأكمد      بمسلسل وبمرسل وبمسند

فاجعل حديث الدمع عندك حجة   واطرح مقالة جاهل لم يرشد

وابك العلوم أصولها وفروعها    وابك الدروس ولا تكن كالجلمد

وابك السماحة والصباحة والفصاحة  والبراعة واليراعة تهتدي[103]

 ومما نظم فيه تلميذه أبي   الربيع سليمان الحوات:

هذا ضريح شيخنا الذي عَمَر ربْعَ المغارب أبي حفص عُمَر

وارث كنز السر بعد جدّه  أبي المحاسن الإمام المعتبرْ

حُطَّ الرحال حول بابه وَسَلْ  به تَفُزْ عما قَريب بالوطَرْ

وأبشر بما أنشده تاريخه في   جنة النعيم بان كالقمر

أبو عبد الله محمد بن الحسن الجنوي: الشريف السماتي[104] الحسني التطواني[105]، ولد سنة 1135هـ[106]، درس في فاس وغيرها، وأفتى في النوازل، وكان له مجلس درس في مسجد القرويين بفاس، وقد أخذ عن الشيخ أبي عبد الله الجندوز[107]، والشيخ أبي عبد الله بن سودة [108]. كما أخذ عن قاضي الحرم الشريف المجذوب ابن عبد الحميد الحسني، والشيخ أحمد الورزازي، وشيخ الجماعة محمد جسوس، وأبي حفص الفاسي.  

   كما انتفع به جماعة من العلماء والشيوخ، منهم الشيخ الرهوني[109]، الذي انتفع به وذكره في حاشيته على المختصر، وأثنى عليه كثيرا[110]، وابن عجيبة، ويُعتبر شيخه محمد الجنوي آخر من ترجم لهم في القرن12هـ[111]، وسليمان الحوات العلمي الذي يذكر أنه أخذ عنه زمن إقامته بفاس سنة 1181هـ جملة من صدر الألفية، وفي هذا الصدد يقول: “…واستفدت من بحثه، وتعجبت من حفظه وحسن إملائه بلسان جبلي”[112]، كما أخذ عنه علامة سوس محمد الحضيكي، وقد حصل منه على إجازة ذكرها ضمن مواد كناشته[113]، والحافظ أبي العلاء إدريس العراقي الفاسي الذي أجازه حسب ما أورد العراقي نفسه في فهرسته[114]، وفي هذا الإطار يقول: “…قرأت عليه جميع صحيح البخاري قراءة مني عليه بزاوية وزان حرسها الله، سنة إحدى وثمانين ومائة وألف…، وجميع شمائل الترمذي قراءة مني عليه بها أيضا في السنة المذكورة، وقرأت عليه باقي أوائل الكتب الستة، وأول موطأ الامام مالك، ومنظومة العلامة سيدي العربي الفاسي في اصطلاح الحديث، بشرح المحقق سيدي امحمد ابن علامة عصره سيدي عبد القادر الفاسي، ومختصر الشيخ خليل قراءة تحقيق وتدقيق، وأبحاث رائقة وتحريرات فائقة، والنصف الأول من تحفة العاصمي مرتين: إحداهما بالقرية المذكورة، والأخرى بالحضرة الإدريسية، وألفية ابن مالك مرتين، والسلم المرونق في علم المنطق، وسردت عليه الشرح الصغير للشيخ ميارة على المرشد المعين، والتلخيص بمختصر السعد، وما شاء الله من السبكي، ومن حكم ابن عطاء الله بشرح العارف بالله سيدي محمد ابن عباد، وبعض شروح الشيخ زروق، وما شاء الله من وثائق الإمام ابن سلمون، والمقنع في علم الحساب، وما شاء الله من الرسائل الكبرى للإمام ابن عباد المذكور، وحضرت مجلسه في غير هذا، أدام الله رعايته أن يجيزني جميع ذلك، وما له من مقروء ومسموع ومجاز، طمعا في اللحوق به…”[115].

   ثم انتقل الشيخ محمد بن الحسن الجنوي بأمر من السلطان أبي عبد الله محمد بن عبد الله إلى مكناسة الزيتون، ومنها إلى ثغر طنجة، ومنها إلى تطوان، وكانت تجري عليه مرتبات سنية، وكان قد استدعاه السلطان المذكور لحضرته بمراكش للمباحثة معه، والتمذهب بمذهب السلطان في أمور كان مصمما عليها في حق بعض الأئمة الصالحين، فلما وصل لحضرته وكلمه في جملة من ذلك، لم يتم له ما أراد، إذ كان الشيخ شديد الشكيمة في أمره، صلبا في دينه، ولما قام من بين يدي السلطان توسل إلى الله أن يقبض روحه قبل أن يلقاه مرة ثانية[116]، وفعلا بعد ثلاثة أيام توفي بمدينة مراكش، يوم الإثنين 27 رمضان، قيل سنة 1200/24 يونيو1786[117]، وقيل سنة 1220هـ[118]. وللشيخ محمد بن الحسن الجنوي تقاييد مهمة على الزرقاني على المختصر، والحطاب والمواق ومصطفى الرماصي والبناني، وطرر على شرح ميارة على التحفة وغير ذلك[119].

  وقد حلاه العلامة محمد بن الطيب القادري فقال: “فقيه عالم مدرس جيد الفهم…، دين خير كريم الأخلاق”[120]. وقال عنه محمد مخلوف: “الشيخ الإمام العلامة المحقق المتفنن الفهامة العارف بالله الأمين، المعروف بالصلاح والدين المتين”[121]. وقال عنه تلميذه أبي العلاء إدريس العراقي في فهرسته: “… ومن جملتهم الشيخ الإمام العلامة الهمام الدراكة النقاد، ذو الذهن الوقاد، النحرير المحقق المشارك، الفاضل البركة الناسك، شيخنا وقدوتنا ووسيلتنا إلى ربنا، ذو الخلق الحسن، والهدي المستحسن، أبو عبد الله سيدي محمد بن سيدي الحسن الجنوي الحسني العمراني، أبقاه الله وأدام بركته…”[122].

ب- بسلا :

أبو العباس أحمد بن عبد الله الدكالي الغربي الرباطي: ينتمي إلی أسرة عرفت بالعلم والتصوف، وهو من أكابر علماء المغرب في القرن 12هـ/8م، محدث حافظ وراوية مشارك. وقد ولد بالرباط ودرس بها وبفاس وتطوان وسلا ودرعة ومراكش ومكناسة وغيرها[123]، وبالمشرق، وقد زار مدينة مراكش برفقة أحمد الصقلي. من شيوخه الذين روى عنهم في المغرب عن أبي الحسن علي العكاري الذي لازمه سنين عديدة، وأبي الحسن علي بركة التطواني، والشيخ أبي العباس أحمد ابن ناصر[124]، وأبي العباس أحمد بن يعقوب الولالي[125]، والحسين بن محمد الشرحبيلي (ت 1142ﻫ)، والقاضي أبو مدين السوسي، وعلي بركة التطواني، ويوسف الكبير الناصري وغيرهم. وقد طاف المغرب من شماله إلى جنوبه حسب تعبير الأستاذ المرابط الترغي بحثا عن الشيوخ والاستفادة منهم.

  كما حج سنة 1146ﮬ[126]، فروی عن مشايخ الحرمين الشريفين ومصر، وقدروه واعتنوا به، وقد لقي بالمدينة المنورة أبي طاهر محمد الكوراني[127]، ومحمد بن عبد الله السجلماسي المغربي المدني، وبمكة محمد بن عبد المحسن القلعي، ومحمد بن حسن العجيمي الحنفي، وسالم بن عبدالله البصري، وبمصر رئيس المالكية في عصره أحمد العماوي الدامرداشي الذي لازمه مدة إقامته بمصر، وأحمد الجوهري الخالدي الشافعي، كما لقي سليمان بن أبي سلهام الحصيني، وغيرهم من العلماء المشارقةالذين لقيهم وأخذ عنهم واستجازهم[128]، فأجازوه عامة ما لهم، ومما تلقاه عن شيوخه: دلائل الخيرات علی ‌علي بركة، وسمع عن الكوراني المسلسل بالأولية، وأحاديث من أول البخاري، وقال عنه الغربي: (فاوضته في عدة مسائل مما يتحصل منه أنه ذو باع عريض في علم الحديث واصطلاحه، وعلم الأصول وغير ذلك)[129]، وتلقی التفسير وصحيح البخاري وغيرهما علی القلعي، والموطأ وشرحه للزرقاني علی‌ العماوي، وسمع حديث الأولية عن الجوهري .

  وقد رجع مملوء الوطاب حسب تعبير العلامة عبد الحي الكتاني، فتصدر للتدريس والإسماع، فأكثر معاصروه الأخذ عنه واستجازوه لاتساع رواياته وإسناده، وممن أجاز للمترجم الكوراني والقلعي والعماوي والجوهري وسالم بن عبدالله البصري. وعلی ‌الرغم من كثرة ما تلقاه أحمد الغربي عن شيوخه بالمشرق، فإنه ومع ذلك قال عما حصل عليه من ذلك في إجازته للشيخ التاودي ابن سودة: “وهو وإن كان نزرا يسيرا جدا بالنسبة لما ثبت لسلف الأمة، نستحي من عده شيئا يعبأ به، ولكن لتقاعس الزمان، وتقاصر الهمم عن اقتفاء أثر من سلف، فيجب لذلك الحمد على اليسير النزر منه”[130].

  وقد أجاز الكثيرين؛ منهم ولده الشمس محمد قاضي الرباط[131]، وحافظ المغرب أبي العلاء إدريس بن محمد العراقي الفاسي، والشيخ أحمد بن التاودي ابن سودة[132]، وولده القاضي أبي العباس أحمد، والقاضي أبي القاسم بن سعيد العميري المكناسي[133]، وأبي يعزى ابن أبي الحسن علي الحريشي الفاسي، ومحدث سوس وراويته أبي عبد الله الحضيكي، الذي أورد نص إجازة شيخه أحمد بن عبد الله الغربي الرباطي في كناشته، وهي مصدرة بنص الاستدعاء بخط العلامة الحضيكي[134]، وعبد العزيز بن حمزة المطاعي المراكشي، وعمر ابن محمد بن علي الحساني الطرابلسي، ومحمد بن أبي القاسم السجلماسي الرباطي، ويحيى الجراري السوسي، ومحمد بن علي الورزازي[135]، وغيرهم من الأعلام.

  وفي هذا الإطار نورد كنموذج من إجازاته: الإجازة التي كتبها لتلميذه محمد الورزازي المذكور، عندما زار المترجم مدينة تطوان، واجتمع به الورزازي، فمما جاء فيها قوله: (…فإنه – أي المجاز الورزازي – اجتمع بهذا العبد الفقير وهو علی جناح سفر، فحضر مع جمع من أعيان الفقهاء بثغر تطوان…، فأحضروا بعض ما أمكن من كتب الإسلام الحديثية، أولها الجامع الصحيح من أحاديث رسول الله صلی الله عليه وسلم، لإمام المحدثين المقدم في تحري صحة الحديث علی من سواه، أبي عبد الله سيدي محمد بن إسماعيل البخاري، وكذلك صحيح الإمام مسلم بن الحجاج، وموطأ إمام الأئمة، وعلم الأمة، وعالم المدينة سيدي ومولاي مالك بن أنس، وشمائل الإمام الترمذي، وشفا الإمام القاضي أبي الفضل عياض رضي الله عن الجميع وعنا جميعا، فقرأ أحدهم ومن عداه يسمعون بقصد الرواية من كل ديوان من الكتب المذكورة مواضع عديدة، والتمسوا من هذا العبد إلحاقهم بمن ثبتت لي عنه رواية من أعلام المشايخ المغاربة والمشارقة، وأن أجيز لهم الرواية عنه في جميع ما قرؤوا علي من كتب الحديث وغيرها…[136].

  وقد قال عنه تلميذه العلامة الحضيكي في طبقاته: “سنده اليوم أعلى الأسانيد، وكان يحب الموطأ كثيرا لا يفارقه غالبا حضرا وسفرا”[137]. وقال عنه العلامة الكتاني: “مسند الرباط بل المغرب في عصره”[138]، ووصفه أيضا بأنه: “محدث الرباط”[139]. وحلاه العلامة الحضيكي أيضا في فهرسته، فقال: “هو خاتمة علماء المغرب ومدرسيه ونساكه”[140]. وحلاه ابن التهامي بن عمرو الرباطي في فهرسته بالحافظ. ويشير إلی منزلة أحمد الغربي العالية في العلوم، ما حكاه سليمان الحوات من أن السلطان المولی محمد بن عبد الله لما بويع بالخلافة وزار فاس، سأل عمر الفاسي[141] عن ‌أكابر علماء العصر، فأجابه (الأحمدونَ الثلاثة)، يعني المترجَم له (أحمد الدكالي الغربي، وأحمد الهلالي[142]، وأحمد الورزازي[143]، وقد أيد هذه الشهادة علماء آخرون كانوا حاضرين بالمجلس، من بينهم محمد التاودي ابن سودة[144]. وقد شهد بجلال منصب المترجم العلمي جماعة من شيوخه، فوصفه الكوراني الكوردي بـأنه: “العلامة الأوحد، الفهامة الأمجد”[145]. وقال فيه الجوهري الخالدي: “هو العلامة النحرير، الأستاذ الفاضل الشهير، صاحب التحقيقات اللوذعية، والتدقيقات المنورة المرضية، الجهبذ الليث الهمام، المدقق الفهام، حامل مذهب إمام دار الهجرة علی كامله”[146]. كما أثنی عليه شيخه أحمد العماوي المصري، و أنشد فيه قائلا:

أقسمت بالساريات الغر والنجب    وبالمراشف عن در وعن حبب

لم يبلغ القصد الاعالم شهدت   أهل العلوم له مع جودة النسب

ذاك الذي ملك الدنيا وقيل له:   قل ما تشاء فذاك العز يا ابن أبي

كذي المفدی أبي العباس أحمد من    دانت له رتب العليا، بذاك حبي

لا زال مبقی منقی نافعا حكما  ما بين أرباب أفهام بلا ريب

ودام مغتبطا ما نسمة حملت  نشرا كنشر المحب صادق الرتب[147]

  وللمترجم تآليف وتقاييد[148] وفهرسة، نسبها له سليمان الحوات[149]، تضم مجموع غجازات شيوخه المشارقة، أوردها كل من الحضيكي في كناشته، والعميري في فهرسته[150]. وقد توفي أحمد الغربي رحمه الله بالرباط بعد عودته غليها من تطوان، وذلك سنة 1178ﻫ /1764.[151].

ت- أبي الجعد: 

محمد المعطي الشرقي: هو الإمام العارف الكبير فخر المغرب، أبو الذخائر، أبي عبد الله محمد المعطي بن صالح ابن المعطي بن عبد الخالق بن عبد القادر بن محمد الشرقي (أو الشرقاوي) البجعدي، نشأ وترعرع وتعلم في زاوية والده التي كانت تعج بالعلم والعلماء، كما صحب والده في أسفاره، فكان يعرضه على متصوفة وأشياخ العصر إلى أن صارت حسب العلامة العبدوني: “سيرته مستقيمة، وسريرته طاهرة…، وأسراره جليلة جسيمة”[152]، وقد اشتغل تحت رعاية والده بالتفقه في جميع العلوم حفظا وفهما، فقرأ النحو والتوحيد والفقه على أبيه وعمه سيدي محمد بن المعطي، والأصول والبيان والمنطق على الفقيه أحمد بن زاكور الفاسي، وعلم التصريف واللغة والحساب على الفقيه محمد بن الطيب الفلالي والحديث والسير على الفقيه العافية الصومعي، كما قرأ الطب على يد الفقيه عبد القادر بن شقرون، والتصوف أخذه عن سيدي أحمد بن محمد السريفي، وفي هذا الإطار يقول العلامة العبدوني: “وما دخل في طريق القوم حتى تفقه وقرأ هذه العلوم وعلوما أخرى رقيقة فائقة جليلة دقيقة رائقة…”[153].

  وقد عاصر هذا الشيخ الفتنة الكبرى التي عرفها المغرب عقب وفاة السلطان المولى إسماعيل، فساهم بمجهود كبير في إقرار الأمن والاستقرار بالقطر، كما حافظ على إرث أجداده، وأسهم في استمرار إشعاع الزاوية وتوسيع مجال عملها في مختلف المجالات الاجتماعية والدينية والعلمية، وقد ترجمت حياته الصوفية خلاصة ما أنتجته أسرته من علم وحلم وصلاح وزهد.

  ومن مؤلفاته الشهيرة كتاب (الذخيرة في السيرة النبوية)[154]، الذي عكس حسب الأستاذ أحمد بوكاري أبعاد تأثيروسطه، ونتائج تكوينه المتكامل، ومدى استعداده للاكتساب والتشرب بثقافة وعلوم العصر[155]. وهو حسب العلامة عبد الحي الكتاني: “أعظم الكتب التي فاق بها المغاربة على غيرهم، لأنها في نيف وسبعين مجلدا من القالب الكبير…، وقد اشتهر هذا الكتاب وانتشر، فقل أن تخلو خزانة بالمشرق والمغرب من جزء منه”[156]، وقد قرض هذا الكتاب ومدحه أعلام عصر المؤلف بالحجاز ومصر وتونس وغيرها من بلاد إفريقية…، وعلماء مراكش وسوس وشنكيط وتطوان وتازا وغيرهم[157]، وهذه التقاريض حسب ما ورد عند العلامة عبد الحي الكتاني مجموعة في مجلد يعرف عند آل المترجم بسفر الإجازات. وقضى رحمه الله حياته في التدريس والتأليف، يملي على تلميذه وكاتبه عبد الكريم العبدوني، وتنسب حسب العلامة محمد القادري إلى المترجم كتب أخرى، إلا أنها غير معروفة[158]. وكان من تلامذته العلامة الحضيكي الذي قال عنه في طبقاته: “أجازنيه – أي كتاب الذخيرة – وكتب لي فيه الإجازة بخطه”، ومحمد بن عبد الكريم العبدوني[159] الذي يعتبر مع الحسن الهداجي المعداني[160] مفخرة الزاوية الشرقاوية، باعتبارهما من خيرة ما أنجبته حلقات الدراسة بها، كما تدل على ذلك ثقافتهما وأسلوبهما ومؤلفاتهما، وأهمية معلوماتهما التاريخية.

  وقد قال عنه محمد الأخضر: “محمد المعطي…، صالح ذائع الصيت، وعالم مشارك، وأديب بارع”[161]. وتوفي الشيخ محمد المعطي بن صالح أوائل محرم عام 1180هـ/ 9-18 يونيو 1766م [162]، وفي هذا الإطار يقول العلامة عبد السلام بن سودة: “في يوم الخميس بعد العصر 11 محرم توفي محمد المدعو المعطى بن الشيخ الصالح بن عبد الخالق الشرقي التدلاوي، الشيخ الشهير والإمام الكبير”[163]، ودفن بداره بأبي الجعد قريبا من زاوية جده الشيخ محمد الشرقي[164].

خاتمة

 بعد هذه الرحلة العلمية والصوفية الطويلة التي عرج فيها العلامة الحضيكي على عدد من المدن المغربية، فأخذ عن كبار علمائها ومتصوفتها، واستجاز عددا من شيوخها ورحل إلى المشرق، فنال من علم شيوخه، وأجازه من لقيه منهم، عاد العلامة الحضيكي رحمه الله إلى بلدته فاستقر بقبيلة إسي بزاوية أبي القاسم الفيلالي…، ويقول الأستاذ عبد الله المرابط الترغي في هذا الإطار، أن مجموع إجازات الحضيكي وردت ضمن كناشته، وأغلبها بخطوط أصحابها وتوقيعاتهم، مقرونة بنصوص الاستدعاءات بخطه رحمه الله، ومعقبا على كل إجازة بفهرسة المجيز، إن كانت له فهرسة[165].

  و قد أثنى عليه العلماء والمؤرخون، فقال عنه تلميذه العلامة عبد الرحمان الجشتيمي: “كان رحمه الله عالما بارعا، وللسنة بجده وهمته متابعا، ماهرا بفنون علوم الشرع، كريم الأصل والفرع، وليا كبيرا صفيا شهيرا، تشد الرحال لزيارته، ويتباهى عصره بزينته وعمارته، صالح العلماء، وعالم الصلحاء، علم الأعلام، ومصباح الظلام، انعقد على أفضليته الإجماع، وأيست من معارضته الأطماع، لا يعلق له مبار بغبار، وكان رحمه الله آية من آيات الله الكبرى في زمانه، علما ودينا وعلو همة، وسخاوة نفس، وقناعة قلب، وانتشار صيت.”[166]. و قال عنه تلميذه محمد بن عمر الأسغركيسي في فهرسته: “كان عديم النظير في زمانه ورعا ونزاهة وعلما ونباهة، له اليد الطولى في علم السير والحديث، وإليه المفزغ في ذلك، وانفرد عن أهل زمانه بمعرفة تاريخ الملوك والسير والعلماء، وطبقاتهم ومعرفة أيامهم، بحيث لا يجاري في ذلك ولا يباري، شديد الاتباع للسنة في سائر أحواله حتى في لباسه وأكله وفي أنواع العبادات والعادات، سالكا مسلك ابن أبي جمرة وابن الحاج وأضرابهم، مثابرا على التعليم، مكبا على المطالعة، قائما على البخاري وغيره من كتب الحديث، وقال في محل آخر منه: “كان آية من آيات الله في حفظ السير النبوية والتنقيب على أحوال الصحابة والسلف الصالح، يوشح مجالسه بذلك”[167].

وقال عنه العلامة المسند عبد الحي الكتاني: “العلامة المحدث (…) راوية سوس الأقصى، رحل في طلب هذا الشأن، وجال شرقا وغربا، وكاتب من لم يلقه من سوس إلى تطوان ومكناس وفاس والرباط وبَجَّعْدْ ومصر، وزوايا سوس وغيرها، بحيث يستغرب ذلك من طالع مجاميعه وفهارسه، وفهارس أصحابه من أهل سوس، إذ عليه مدار الإسناد في تلك البقاع”[168].

وحلاه مؤرخ سوس العلامة محمد المختار السوسي: “علامة كبير متفنن مدرس مخرج مؤلف مكثر، وشيخ صوفي مرب، رحل إلى الكبار فأخذ واستجاز، فأحيا الله به ما أحيا”[169]. وقال عنه كذلك: “أن مدرسة الحضيگي مدرسة عجيبة، تخرج منها حفاظ أفذاذ كسيدي الجيلالي السباعي. وورعون كالهوزيوي، وعلماء كبار أفنوا أيامهم في التدريس، ثم أنه مع ذلك رافع لراية الإرشاد ما بين القبائل، فيعظ ويبشر وينذر، وكذلك كان يرسل الرسائل فينبه الناس على البدع، وعلى مخالفة المبتدعين”[170].



[1] فهرس الفهارس، ص: 712.

[2] فهارس علماء المغرب، ص: 413. فهرسة إدريس العراقي، 17. فهرسة التاودي بن سودة، 196.

[3] وتوجد منها نسخة مخطوطة في خزانة العلامة عبد الحي الكتاني حسب ما ورد عنده في فهرس الفهارس

[4] توجد نسخ منه، عليها خط الشيخ الصعيدي بخزانة العلامة عبد الحي الكتاني حسب ما ورد في فهرس الفهارس.

[5] انظر ترجمته في فهرسته المخطوطة بالخزانة العامة بالرباط تحت رقم 323- فهرس الفهارس، 2 /712-713. الإعلام، للمراكشي، 4/ 83-84.

[6] رحلة الحضيكي، ص: 182.

[7] طبقات الحضيكي، ص: 89.

[8] وانظر ترجمته في:- فهرس الفهارس، 1/ 302- الأعلام للزركلي، 1/ 112- معجم المؤلفين، لعمر كحالة، 1/ 185.

[9] رحلة الحضيكي، ص: 186.

[10] فهرس الفهارس، 1/ 302.

[11] انظر ترجمته عند كل من: – الأعلام للزركلي، 2/ 14- سلوة الأنفاس، 1/ 366-367- ومناقب الحضيكي، 1/ 172– ومعجم المطبوعات، لسركيس، ص: 345، وسماه (أحمد بن محمد)- عناية أولي المجد، ص: 60-59- نشر المثاني، 4/ 181-182- الإحياء والانتعاش في تراجم سادات زاوية آل عياش، للعياشي، ص ص: 347-349- تاريخ الأدب العربي، بروكلمان، 2/ 609، والملحق 2، ص: 361– النبوغ المغربي، 2/ 37-39– الحياة الأدبية، لمحمد الأخضر، ص: 290، الهامش 50.

[12] شجرة النور الزكية، ص: 355، رقم 1417.

[13] سلوة الأنفاس، 1/ 366.

[14] المصدر السابق، 1/ 366.

[15] عناية أولي المجد، ص: 60.

[16] انظر: شجرة النور الزكية، ص: 355، رقم 1417– عناية أولي المجد، ص ص: 59- 60 – وقد أورد العلامة محمد الكتاني في السلوة، 1/ 366، أنه رأى  بخط بعض أولاده ما نصه: “الحمد لله، توفي سيدنا الوالد يوم الجمعة بعد صلاة العشاء، الحادي عشر من شعبان، سنة إحدى وثمأنين ومائة وألف…”– ومن خط العلامة سيدي سليمان الحوات وقف العلامة محمد الكتاني في السلوة أيضا، 1/ 367 على ما نصه: “توفي سيدي أبو مدين الفاسي في شعبان سنة إحدى وثمانين ومائة وألف…”.

[17] نشر المثاني لأهل القرن الحادي عشر والثاني، 4/ 181-182.

[18] انظر عن هذه المؤلفات: الحياة الادبية، لمحمد الأخضر، ص ص: 291-295.

[19] ضمن المجموع (1179ك) بالرباط. ونسخة بخطه سنة 1132 (في دار الكتب 7072ح).

[20] سلوة الأنفاس، 1 /366-367.

[21] نشر المثاني، ص: 181.

[22] شجرة النور الزكية، ص: 355، رقم 1417.

[23] وانظر ترجمته عند كل من: أزهار البستان، 202.  أوضح المسالك، 1 /17-18. السلوة، 1 /330-331، (ذكر هناك مراجع لترجمته). الإعلام، 6 /95- 96. شجرة النور الزكية، 355، رقم 1421. الفكر السامي، 4 /124، رقم 792. النبوغ المغربي، 1 /300. معجم المؤلفين، 11 /199. معجم المحدثين، 35. تاريخ التراث العربي، 341. مدرسة الإمام البخاري، 1/ 617- 618. مجلة دار الحديث الحسنية، ع 3، 1402/1982، ص: 92، مجلة دعوة الحق، ع 240،ـ 1404/ 1984، ص: 25. كناشة الحضيكي، 14. فهرسة الحضيكي، 77- فهرسة التاودي ابن سودة، ص: 180- فهرسة محمد بن صادق بن ريسون، ص: 3-  فهارس علماء المغرب، ص: 675.

[24] فهرس الفهارس، 1 /224-227.

[25] المصدر السابق، 1 /342-344.

[26] فهارس علماء المغرب، ص: 675.

[27] مؤرخو الشرفاء، ص: 239.

[28] فهرس الفهارس، 2 /1211- تاريخ تطوان، 6/ 191-194.

[29] فهرس الفهارس، 2/1152.

[30] مؤرخو الشرفاء، ص: 232.

[31] فهارس علماء المغرب، ص: 675.

[32] مؤرخو الشرفاء، ص: 227.

[33] أثبت الرهوني إجازة جسوس للجنوي بعد إيراد نص استدعاء الجنوي لها في أوضح المسالك، 1 /17- 18.

[34] أزهار البستان، ص: 202.

[35] سلوة الأنفاس، 1 /330.

[36] أزهار البستان، ص: 202.

[37] سلوة الأنفاس، 1 /330.

[39] المصدر السابق، 1 /330.

[40] نسختان بخط المؤلف، عدد 283 د، 487 د، ضمن مجموعين، ومخطوطة خاصة تصل إلی أثناء كتاب الصلاة من الصحيح، انظر مجلة دار الحديث الحسنية، ع 3 ـ 1402/ 1982، ص: 92.

[41] طبع بمصر سنة 1346/ 1927.

[42] يحتوي علی‌ تسعة أجزاء، يوجد المجلدان: الثاني والثالث بخزانة المسجد الأعظم بوزان رقم 913، 914. انظر مجلة دعوة الحق، ع 265، 1407/ 1987، ص: 30.

[43] يضم أربعة أجزاء، طبع بفاس.

[44] يضم أربعة أجزاء، طبع بفاس.

[45] طبع بفاس.

[46] ذكر في أزهار البستان، 202- سلوة الأنفاس، 1 /331- شجرة النور الزكية، 355.

[47] كناشة الحضيكي، ص ص: 114-117. وراجع فهارس علماء المغرب، ص: 413.

[48] فهارس علماء المغرب، ص: 675.

[49] سلوة  الأنفاس، 1 /331.

[50] ومن مصادر ترجمته: طبقات الحضيكي، (120-121). كناشة الحضيكي، ص: 79 وما بعدها. سلوة الأنفاس، (1 /150-152)، فهرس الفهارس، 2 /818-825. إتحاف المطالع، (1/30). الأعلام، 1 /280-281. شجرة النور الزكية، 356. الفكر السامي، (2 /621). معلمة المغرب، 18 /6024-6025. فهارس علماء المغرب، ص: 675. مؤرخو الشرفاء، ص: 341، الهامش3، مع قائمة بيبليوغرافية عنه. النبوغ المغربي، 1 /278-279-293. الحياة الأدبية، ص: 295، والهامش67. مع قائمة بيبليوغرافية عن ترجمته.

[51] فهارس علماء المغرب، ص: 676.

[52] تحقيق: بدر العمراني الطنجي، دار ابن حزم، بيروت، 2009، ص ص: 79-80.

[53] صدر في جزئين من منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، المغرب، 2006.

[54] فهرسة الحافظ  أبي العلاء إدريس العراقي الفاسي، ص81 ص: -83.

[55] هو محمد مرتضى بن محمد بن محمد بن عبد الرزاق الحسيني العلوي الزبيدي النسب، هكذا وصفه أعلم الناس به شيخه الوجيه العيدروس في ديوانه (تنميق الأسفار) فقال عنه: “هو المكنى بأبي الفيض وبأبي الوقت، الملقب المرتضى محمد بن أبي الغلام محمد، ابن القطب أبي عبد الله محمد بن الولي الصالح الخطيب، أبي الضياء محمد بن عبد الرزاق الحسيني، من قبيل أبي عبد الله محمد المحدث الكبير بن أحمد المختفي ابن عيسى، مؤتم الأشبال ابن زين العابدين بن الحسين”. وفي  كتاب الإشراف على من بفاس مشاهير الأشراف لابن الحاج: “ومن ذرية  زيد الشهيد يعني ابن علي زين العابدين بن الحسين عليهم السلام، خاتمة الحفاظ بالديار المصرية الشيخ مرتضى الحسيني الواسطي الزبيدي”. ويضيف العلامة عبد الحي الكتاني: “الواسطي العراقي أصلا، الهندي مولدا، الزبيدي تعلما وشهرة، المصري وفاة، النفي مذهبا، القادري إرادة، النقشبندي سلوكا، الأشعري عقيدة. هكذا يصف نفسه في كثير من إجازاته التي وقفت عليها بخطه”. وانظر ترجمته بتفصيل مع سرد بيبليوغرافي بإنتاجه الفكري: إجازة الزبيدي لعبد الواحد الفاسي، تحقيق: خالد صقلي، دار الأمان، الرباط، 2018.

[56] محمد بالضم، وله أخ اسمه محمد بالفتح، وهو أكبر سنا من المترجم، وهو أيضا من كبار العلماء. فهرس الفهارس، 1/ 229.

[57] فهارس علماء المغرب، ص: 677.

[58] تاريخ تطوان، 3/ 363.

[59] فهارس علماء المغرب، ص: 677- فهرس الفهارس، 1/ 228.

[60] فهارس علماء المغرب، ص: 677.

[61] كان عالما محدثا فقيها (ت1214 هـ). سلوة الأنفاس، 1 /204-205–  الفكر السامي، 4 /128– شجرة النور الزكية، 374.

[62] ثمرة أنسي، ص: 84، والهامش 7.

[63] أوردها في كناشته، ص: 265. فهارس علماء المغرب، ص: 414.

[64] مدرسة الإمام البخاري، 2/ 260 – 265.

[65] أوضح المسالك، 1/ 15.

[66] تاريخ تطوان، 6 /218-253.

[67] أزهار البستان، ص: 203.

[68] شجرة النور الزكية، ص: 357.

[69] فهرس الفهارس، 1/ 228.

[70] الإتحاف، 1/ 354-355.

[71] أوضح المسالك،4/ 15-16.

[72] وانظر ترجمته في فهرسته الفقهية، وهي مخطوطة بالخزانة العامة تحت رقم 13003. وفهرسته في العلوم المختلفة، وهي مخطوطة بالخزانة العامة تحت رقم 1189. وعند كل من: أزهار البستان، 203-204– سلوة الأنفاس، 1/ 161 –  دليل مؤرخ المغرب الأقصى، 2/ 320 – الدرر الفاخرة، 59– شجرة النور الزكية، 357، رقم 1426– الفكر السامي، 4/125، رقم 796 – مؤرخو الشرفاء، 104، الهامش5– تاريخ تطوان، 3/ 86-142-163-169-172– معجم المحدثين، 31– جامع القرويين، 3/ 304– مدرسة الإمام البخاري، 2 /460-465، حاشية الرهوني، 1 /15- ثمرة أنسي، ص: 84. فهرسة ابن ريسون، 9- أعلام الزركلي، 6 /91- أوضح المسالك، 1 /16.

[73] فهرس الفهارس، 1/ 227-229 مع قائمة بيبليوغرافية عن ترجمته.

[74] انظر ترجمته عند كل من: طبقات الحضيكي، (2 /523-525)، وسلوة الأنفاس، (1 /384-386)، وشجرة النور الزكية، (357)، وإتحاف المطالع، (1 /1188)، ومقدمة تحقيق كتاب اقتباس أنوار الهدى فيما يتعلق ببعض وجوه الأداء.

[75] سلوة الأنفاس، 1 /339.

[76] عناية أولي المجد، ص: 54.

[77] سلوة الأنفاس، 3 /17. 

[78] فهرس الفهارس، 1 /343-344.

[79] الحياة الأدبية، ص: 257 مع قائمة بيبليوغرافية بمصادر ومراجع ترجمته.

[80] فهرس الفهارس، 1 /224-227. الحياة الأدبية، ص: 253 مع قائمة بيبليوغرافية لمصادر ومراجع ترجمته.

[81] ثمرة أنسي في التعريف بنفسي، ص: 78.

[82] سلوة الأنفاس، 1 /95.

[83] المصدر السابق، 1/ 308.

[84] عناية أولي المجد: ص ص: 70-77– سلوة الأنفاس، 2 /318- فهرس الفهارس، 2 /323-325- معجم المحدثين، 33- الحياة الأدبية، 341-343- دليل مؤرخ المغرب الأقصى، 1 /89- 2-425.

[85] الترجمانة الكبرى، ص ص: 55-56.

[86] كناشة الحضيكي، ص: 49. فهارس علماء المغرب، ص: 413.

[87] الفكر السامي، للحجوي، 4/ 124.

[88] سلوة الأنفاس، 1 /338.

[89] انظر بعض هذه القصائد في النبوغ المغربي، 3/ 166- الحياة الأدبية، 308-310 مع قائمة بيبليوغرافية عن ترجمته.

[90] الحياة الأدبية، ص: 311.

[91] أزهار البستان، ص: 203.

[92] فهرس الفهارس، 2/ 1100- تاريخ تطوان، 3/ 86. 

[93] الحياة الأدبية، ص ص: 310-311.

[94] مخطوطة بمكتبة الملك عبد العزيز آل سعود بالدار البيضاء تحت رقم 623/3.

[95] وهو طبعة حجرية، ومنه عدة نسخ بالمكتبة الوطنية وأخرى بالخزانة الملكية.

[96] النبوغ المغربي، 1/ 208.

[97] دليل مؤرخ المغرب الأقصى، 2/ 390، رقم 1719.

[98] النبوغ المغربي، 2 /285-286.

[99] مخطوطة ضمن مجموع بمركز الملك فيصل بالسعودية تحت رقم ج438/10.

[100] مخطوطة بالمكتبة الوطنية بالرباط ضمن مجموع تحت رقم 329ق.

[101] مطبوع بتحقيق الباحث رشيد الحمداوي، نشر مركز الإمام أبي عمرو الداني التابع للرابطة المحمدية للعلماء.

[102] انظر ترجمة أبي حفص عمر الفاسي عند كل من: عناية أولي المجد، 60-66- مؤرخو الشرفاء، 16-147، وهامش 1، ص: 337– سلوة الأنفاس، 1 /337- 339، وهناك مصادر لترجمته- شجرة النور الزكية، ص ص: 356-357، رقم 1424- الفكر السامي، 4 /124-125 رقم 794- دليل مؤرخ المغرب الأقصى، 2/ 390- أزهار البستان، 203- مختصر تاريخ تطوان، ص: 290- الأدب المغربي، ص: 537 – آسفي وما إليه، ص: 157-  تاريخ الشعر والشعراء، لأحمد النميشي، ص: 8- جواهر الكمال، ص ص: 49-50- الحياة الأدبية، ص ص: 306-311-  الحضيكي في فهرسته، ص: 78- ثمرة أنسي، ص: 20- فهرسة ابن ريسون، ص: 3-  والأعلام للزركلي، 5/ 53.

[103] الإتحاف، 1/ 355.

[104] ثمرة أنسي، ص: 87.

[105] شجرة النور الزكية، ص: 375، رقم 1499.

[106] المصدر السابق، ص: 375، رقم 1499.

[107] هو أبو عبد الله محمد بن الحسن الجندوز أو الكندوز المصمودي، علامة نحوي كبير، وهو الشيخ الشهير الحافظ المحصل المحقق الصالح البركة، كان من العلماء العاملين ومن الصلحاء الفاضلين، له عكوف على تعلم العلم وتعليمه، ومن كريم خلقه أنه لا يستنكف عن القراءة على من هو أصغر منه سنا ومنزلة. يقوم على ألفية ابن مالك بشروحها وحواشيها، ويستظهر كثيرا من الدماميني في شرح التسهيل، وشرح الرضى على كافية ابن الحاجب وغيرها من الكتب، مجلسه مجلس أبهة ووقار. أخذ عن كبار شيوخ المغرب كالشيخ المسناوي وطبقته. قال فيه تلميذه الشيخ العلامة عبد المجيد الزبادي فيما وجده العلامة محمد بن الطيب القادري بخطه ما نصه: “هو الفقيه النبيه الناقد النزيه، الحافظ الدراكة الفهامة، الذي قطع في التعلم والتعليم لياليه وأيامه، نحوي عصره، وشيخ أرباب في قطره ومصره، الجميل الاتصاف بجميل الأوصاف، كالحلم والإنصاف، والإسعاد والإسعاف، والديانة واالصيانة والعفاف…

ثم أضاف: قرأت عليه من مختصر السعد إلى الفن الأول، وحضرت عنده في مجلس ألفية ابن مالك  نحو الثلث منها”، وكان متين الدين، دؤوبا على الذكر لا يفتر عنه مهما انفرد عن الطلبة والتدريس. أخذ عنه العلامة محمد بن الطيب القادري ألفية ابن مالك ختمة كاملة، ومختصر السعد، ومختصر خليل بكلام الزرقاني. توفي الشيخ محمد الجندوز يوم الخميس 3 محرم 1148هـ بفاس، ودفن في عرصة لأبناء بعض أشياخه الشرفاء أهل وزان، واتخذ فيها مقبرة لهم قرب زاويتهم التي بالشرشور من فاس القرويين. وكانت جنازته عظيمة لم يتخلف عنها أحد من عامة فاس وخاصتها، وقد رثاه تلميذه عبد المجيد الزبادي في قصيدة طويلة مطلعها:

قضى في سبيل الله جم الفواضل      محمد الجندوز بحر الفضائل

وانظر: نشر المثاني، 3 /374-378- أزهار البستان في طبقات الأعيان، ص ص: 214-215- سلوة الأنفاس، 1/ 235- الإكليل والتاج في تذييل كفاية المحتاج، لمحمد القادري، تحقيق: مارية دادي، مطبعة شمس، وجدة، 2009، ص ص: 365- 366، رقم 414.

[108] الإكليل والتاج، ص: 377، رقم 434- شجرة النور الزكية، ص: 375، رقم1499.

[109] شجرة النور الزكية، م.س، ص375، رقم1499.

[110] المصدر السابق، ص: 375، رقم 1499.

[111] الإكليل والتاج، ص: 377، الهامش 5.

[112] ثمرة أنسي، ص: 88.

[113] فهارس علماء المغرب، ص: 412.

[114] فهرسة أبي العلاء إدريس العراقي، ص: 139 وما بعدها.

[115] المصدر السابق، ص ص: 140- 141، ويليها مباشرة نص الإجازة.

[116] ثمرة أنسي، ص ص: 88- 89.

[117] – ثمرة أنسي، ص: 89- الإكليل والتاج، ص: 378، الهامش 1.

[118] شجرة النور الزكية، ص: 375، رقم 1499.

[119] المصدر السابق، ص: 375، رقم 1499.

[120] الإكليل والتاج، ص: 377، رقم 434.

[121] شجرة النور الزكية، ص: 375، رقم 1499. وراجع ترجمة الشيح محمد بن الحسن الجنوي عند كل من: – فهرسة الحضيكي، ص: 80-ثمرة أنسي، ص ص: 87-89- – فهرسة ابن ريسون، ص: 5- حاشية الرهوني، 1/ 16 – الإتحاف، 4/ 135- الإعلام للمراكشي، 6/ 93- فهارس علماء المغرب، ص: 412– شجرة النور الزكية، ص: 375– تاريخ تطوان، 3/ 99- أزهار البستان، ص: 227 – الفكر السامي، 4/ 296.

[122] فهرسة أبي العلاء إدريس العراقي، ص: 140 وما بعدها.

[123] فهارس علماء المغرب، ص: 673.

[124] فهرس الفهارس، 2 /677-680.

[125] جاء في فهرس الفهارس، 1/ 119 أنه أحمد بن يعقوب الولالي، وفي مقال الأستاذ أحمد العمراني: المحدّثون في عَهد السلطان المولی محمَّد ابن عبد الله (3)”، أنه  أحمد بن يعقوب الولاتي (ت1128ﻫ).

[126] الإتحاف الوجيز، 124، وفي فهرس الفهارس، 1/ 119 أنه حج سنة 1146، وهو خطأ، لأن الكوراني الذي لقيه المترجم مات سنة 1145ﻫ، أي قبل 1146ﻫ، كذا في فهرس الفهارس نفسه، 1/ 495، كما أنه في الإعلام، 2/ 189 أن الكوراني أجاز المترجم في محرم عام 1140، وهذا كله يدل علی أن أحمد الغربي حج سنة 1140ﻫ، وليس سنة1146ﻫ.

[127] فهرس الفهارس، 1 /494-496.

[128] فهارس علماء المغرب، ص: 673.

[129] فهرس الفهارس، 1/ 495.

[130] المصدر السابق، 1/ 119.

[131] الإعلام، 5/ 116.

[132] انظر عنه الإعلام، 2 /206-209. سلوة الأنفاس، 1/ 115. الفكر السامي، 4/ 130. شجرة النور الزكية، 380.

[133] ولد بفاس سنة 1103هـ، ونشأ بمكناسة، حيث انتقل أبوه لتولي القضاء بها والإمامة بجامعها، وكانت بداية دراسته على يد والده، فقرأ عليه القرآن والتفسير والحديث والنحو واللغة والفقه وغيرها، ثم جلس إلى شيوخ مكناسة كالشيخ البهلول البوعصامي، وعبد القادر بن شقرون، وأحمد الشدادي، كما أخذ الطريقة الصوفية على يد محمد المعطي بن صالح الشرقي. وقد تولى قضاء مكناسة واشتغل بالتأليف والتدريس، وتوفي ببلده بمكناسة سنة 1178هـ. ترك العميري مؤلفات كثيرة منها: – فهرسته الكبيرة؛ وتوجد منها عدة نسخ مخطوطة بالخزانتين العامة والملكية بالرباط- والأمليات الفاشية في شرح العمليات الفاسية؛ وتوجد منه عدة نسخ مخطوطة، منها نسخة بالخزانة العامة بتطوان تحت رقم 649- واختصار شرح ابن الشباط للشقراطيسية، وقد اطلع عليها المراكشي وذكرها في الإعلام، 1/ 389، وكذلك عبد الحي الكتاني في 2/ 210. وانظر ممن ترجم له: -طلعة المشتري، 2/ 150– الاستقصا، 7 /151-152- 157-176– الإتحاف، 5/ 541- مؤرخو الشرفاء، ص: 208، وقد خلط بينه وبين والده– تاريخ تطوان، 3/ 27. فهرس الفهارس، 2/ 831، 2/ 209.

[134] كناشة الحضيكي، ص ص: 110-113. وراجع فهارس علماء المغرب، ص: 413.

[135] فهرس الفهارس، 2/ 1112. تاريخ تطوان 6/ 191- 194.

[136] وهي مؤرخة بشهر صفر سنة 1177ﻫ، وانظر تاريخ تطوان، 3/ 153.

[137] فهرس الفهارس، 1/ 119.

[138] المصدر السابق، 1/119.

[139] نفسه، 2/ 885.

[140] نفسه، 1/ 119، نقلا عن فهرس الحضيكي.

[141] هو الذي ترجمنا له ضمن الشيوخ.

[142] هو الذي ترجمنا له ضمن الشيوخ.

[143] هو الذي ترجمنا له ضمن الشيوخ.

[144] – فهرس الفهارس، 2/ 1100-  تاريخ تطوان، 3/ 86.

[145]  الإتحاف الوجيز، ص: 124.

[146] المصدر السابق، 124.

[147] نفسه، 124.

[148] نفسه، 124-125.

[149] فهرس الفهارس، 2/ 885.

[150] فهارس علماء المغرب، ص: 673.

[151] انظر ترجمته في فهرسته وعند كل  من: فهرس الفهارس، 1/ 119-120- فهرس محمد العثماني، وكان رفيقه في رحلته إلى الحجاز، ص: 212- فهرسة الحضيكي، 77- كناشة الحضيكي، 120–224- فهرسة التاودي بن سودة، 214- فهرسة العميري، 141- طبقات الحضيكي، 1/ 102- ضوء المصباح للجراري، 310- طلعة المشتري، 2/ 143- الإتحاف، 3/ 336- الإعلام، 2/ 189-190-196/885، مع قائمة بيبليوغرافية عن ترجمته- تاريخ تطوان، 3 /86-153- الإتحاف الوجيز، 123-125-106-118-119- الإعلام للمراكشي، 2/385– الاغتباط بتراجم أعلام الرباط، لمحمد بوجندار، تحقيق: عبد الكريم كريم، الرباط،1987، ص: 21-  الموسوعة المغربية لعبد العزيز بن عبد الله، 3/ 110. وفي الإعلام، 2/ 190 أن المترجم توفي سنة 1170، وهو خطأ، لأنه سبق أن عرفنا أن الغربي أجاز للورزازي سنة 1177، وهذا التاريخ أثبته المترجم نفسه في هذه الإجازة.

[152] يتيمة العقود الوسطى في مناقب الشيخ محمد المعطي، للعبدوني، مخطوط توجد نسخة منه بالخزانة العامة بالرباط تحت رقم 305ك، ص: 3.

[153] المصدر السابق، ص: 35.

[154] مخطوط بالخزانة العامة بالرباط، مستوفي في عدة نسخ مخطوطة منها: 2770ك – 2757ك – 2758ك – 2759ك – 2760ك، وقد طبعته وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية.

[155] الزاوية الشرقاوية، أحمد البوكاري، مطبعة النجاح الجديدة، البيضاء، 1985، ص ص: 108-109.

[156] فهرس الفهارس، 2/ 780.

[157] المصدر السابق، 2/ 781.

[158] الحياة الأدبية، ص: 289.

[159] ترجمته عند أحمد بوكاري، الزاوية الشرقاوية، ص ص: 224-226.

[160] المصدر السابق، ص ص: 223-224.

[161] الحياة الأدبية، ص: 289.

[162] المرجع السابق، ص: 290.

[163] إتحاف المطالع، ص: 24.

[164] الحياة الأدبية، ص ص: 288-290.

[165] فهارس علماء المغرب، ص: 192.

[166] الحضيگيون، تحقيق: المجلس العلمي المحلي لتارودانت، ص ص: 46-47، منشورات المجلس العلمي المحلي لتارودانت، 2009.

[167] فهرس الفهارس، 1 /351- 352.

[168] المصدر السابق، 1 /351-352.

[169] رجالات العلم العربي في سوس، ص: 62.

[170] المعسول، 11 /324.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق