وحدة المملكة المغربية علم وعمرانفنون وعمرانغير مصنف

من روائع العمارة الدينية بالجنوب المغربي : زاوية تيمكيدشت بنواحي تافراوت

تقع زاوية  تيمكَيدشت في محيط تافراوت -قريبا من واحة آيت منصور- وتبعد عن تزنيت بنحو 120 كلم شرقا ([1]). بها مشهد سيدي ميمون الكَسيمي ومدرسة ([2])، وزاوية مؤسسها هو سيدي أحمد بن محمد (ت1274هـ)  الذي نزل تيمكَيدشت بأمر من شيخه الحاج محمد بن عبد الكريم الواييغدي، ([3])، منتقلا إليها من ايمي نتالات حيث أصل أسلافه ([4])،وكان التأسيس المبارك لهذه الزاوية العلمية الإصلاحية في عهد السلطان مولاي عبد الرحمان بن هشام سنة 1220 هجرية،  و قد تابع سيدي الحسن ابن الشيخ المؤسس (ت1297هـ)  الاهتمام بعمارة الزاوية حيث كان لمريده الوزير عبد الله بن أحمد يد في بناء القبة الكبرى التي في تيمكَيدشت خلال إحدى وفاداته إلى الزاوية صحبة العربي المشرفي الفاسي، ولعله أضاف إلى ذلك بناء آخر ([5]).

قبة الضريح- الزاوية التي ساهم في بنائها الوزير عبد الله بن أحمد مريد الشيخ سيدي لحسن

لقد آمن مؤسسو زاوية تيمكيدشت بمشروع عمراني اعتمد بالأساس على المدرسة العلمية التي نشرت العلم والصلاح في ربوع المناطق السوسية  والدرعية والصحراوية وكان لها أتباع ومريدون من حواضر المغرب المختلفة مثل مراكش وفاس..  بعد تأسيس حرم الزاوية امتدت أحوازه في علاقة جدلية مع ازدهار العلم والعمران في الزاوية، فإلى جانب أملاك سيدي الحسن التيمكَيدشتي، كان بالزاوية ماء وساقية ([6]). وكان لأبيه سيدي أحمد التيمكَيدشتي بها أملاك ([7])، وظل سكان جهتها يخدمونها حراثة وحصادا ورعيا([8]). ويقومون بمؤونة طلبتها المنقطعين([9]). ونفذت لها أعشار (تازالاخت) و(ايرازان) ([10])، وزكاة وأعشار بني ميمون القاطنين ب(إيسى) أو النازلين ب(هوزالة) و(هشتوكة) ([11])، وزكاة وأعشار قبيلة (هرغة) من أملاكهم التي لهم وسط قبيلة (هوزالة) والذراع التحتاني، وزكاتهم وأعشارهم أينما كانوا وحلوا، وكانت تصلها أحمال الميرة ([12]) والهدايا ([13]).

صومعة الزاوية التي تحاكي صومعة الكتبية

زخرفة الصومعة تبرز بوضوح الاستلهام من العمارة الموحدية

المدرسة العلمية بتيمكيدشت بعد تجديدها وتهيئة ساحتها

ويدل ما تبقى من عمارة الزاوية اليوم على ماض عمراني عريق، إذ صارت المدينة-الزاوية في عهد مؤسسها وخصوصا في عهد ولده سيدي لحسن عامرة مستقرة تقوم الحياة فيها على ربط وثيق بين نشر العلم والصلاح وازدهار العمران.. ولعل عمارة المسجد الجامع بها وقبة ضريح الشيخ المؤسس وأسرته وصومعة المسجد التي تحاكي منارة جامع الكتبية الموحدي وبناء القصور والدور والدروب بها بشكل يراعي ظروف البيئة المحلية تشهد على القصد العمراني الذي كان يحرك هؤلاء الفضلاء..

الزاوية وضريح الشيخ التيمكيدشتي وابنه ويبدو تأثير أضرحة سبعة رجال مراكش في عمارتها واضحا خصوصا ضريح أبي العباس السبتي

قبة الضريح من الداخل

والحال، أن زاوية تيمكيدشت وعمارتها تحتاج إلى عناية وترميم واستثمار، ورغم الجهود التي بذلت في السنوات الأخيرة كتجديد المدرسة العلمية وتهيئة ساحتها إلا أن المدينة-الزاوية تحتاج إلى مقاربة عمرانية شاملة تليق بقيمتها العلمية وبدورها التاريخي في نشر العلم والصلاح في هذه المنطقة الصحراوية البعيدة عن مراكز الإشعاع العلمي التقليدية بالمغرب…

مسجد الزاوية وجزء من صحنه:  تحفة معمارية بالجنوب المغربي

[1]– المعسول، ج6، محمد المختار السوسي، 1380 هـ- 1960 م، الدار البيضاء، مطبعة النجاح، ص172.

[2]– المعسول، ج6، ص173، وص187، وص189، وص270.

[3]– المعسول، ج6، ص170، وص174، وص187، وص189، وص270.

[4]– المعسول، ج6، ص170، وص174، وص187.

[5]– المعسول، ج6، ص265.

[6]– المعسول، ج6، ص180.

[7]– المعسول، ج6، ص189.

[8]– المعسول، ج6، ص58، وص181، وص201.

[9]– المعسول، ج6، ص58.

[10]– المعسول، ج6، ص278.

[11]– المعسول، ج6، ص306، وص307.

[12]– المعسول، ج6، ص181.

[13]– المعسول، ج6، ص202.

د. جمال بامي

  • رئيس مركز ابن البنا المراكشي للبحوث والدراسات في تاريخ العلوم في الحضارة الإسلامية، ومركز علم وعمران بالرابطة المحمدية للعلماء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق