مركز الإمام الجنيد للدراسات والبحوث الصوفية المتخصصةدراسات عامة

من تضرعات القوم (10)

     يا إلهي وَصَفَك عبادك بأوصاف أنت أرشدتهم إليها، وعرفوك بنعوت وإشارات أنت دللتهم عليها، فلولاك ما عرفوك، ولولا تنوع مظاهرك ما وصفوك، وإلا فأين الطين من رب العالمين، وأين كثافة الأجسام من لطف الخبير العليم، وأين التراب من رب الأرباب.

     يا إلهي وليس عبادك إلا الذين عرفوك في وحدتك بتجلياتك الذاتية، وظهوراتك المثلية، وأقروا لك بالربوبية الوحدانية، فكانوا بمعرفتها شؤون علمك، وباتباعهم أوامرها خزائن حِكَمك، فخلقت لهم يا إلهي آلة تشاكل مطالبهم وشهواتهم لتعينهم بها على لذَّاتهم ومسراتهم، وتساعدهم بها في حركات شوقهم إليك، وتدلهم بتنوع تغرباتها عليك، فإنهم عبادك المكرمون لديك، أودعتهم دينك جهرا وخفية، وكشفت لهم غيبك سرا وعلانية، فأسروا ما أخفيت لأهله، وأبدوا ما أظهرت لعالِـمه، يا منير العقول يا محيي النفوس، أنت الخفي الظاهر والجلي الباطن، تعاليت يا قدوس يا سبوح يا رب الملائكة والروح، اللهم اشرح لي صدري، ويسر لي أمري، وأوسع رزقي، وحسن خلقي، وطيب خلقي، واحفظني في أهلي ومالي، وأصلح في العقبى مآلي، وأعني على صحبة إخواني وجيراني، وقوني في إسلامي وإيماني، وتوفني وأنت راض عني، ولا تفتني بتخيلي وظني، يا معطي يا مانع، يا ضار يا نافع، يا عزيز يا حكيم، يا واسع يا عليم.

     يا إلهي إن تلفظتُ بالإضافة إليَّ في شيء وأنا تَعَيُّنُكَ، فالإضافة بك إليك، وإذا أشرتُ إلى معنى تُظهرني به وأنا اختراعك، فالإشارة والدلالة عليك، وأنا بالحقيقة لم أكن شيئا مذكورا، وبالمجاز والتضمن عبدا سميعا بصيرا، يا إلهي سوابق علمك فِـي توجبني وتوجدني، ونظري في إلى ذاتي يعدمني ويفقدني، فأنا ظل أوامرك ومحل قضائك وقدرك، فامنن علي بإيجادي في ظهوراتك السَّنية، واهدني إلى الإقرار لك بصحة العبودية في هذه الصورة البشرية، فلقد أشهدتني يا إلهي من سنا بارق أنوارك ما عرفتُ به شرف العبودية، وأبَنتَ لي في مقام تَعيُّني بصورتي المرئية، فآمنت بك فيها وعرفتك بها، وتحققت أني نقطة من سوابغ نعمك، وسوائغ كرمك، ولما امتازت ذاتك العلية بالإيجاد والإبداع والتكوين والاختراع، علمت أنه لا إله لي سواك ولا معبود إلا إياك، فلك العلو الأعلى ولك الآخرة والأولى، يا إلهنا العلي العظيم ومالكنا الرؤوف الرحيم، لا تشغلنا بتدبير الجسد وملابسة أهل الجسد، وقرب لنا إليك الأمد، يا أحد يا صمد، يا من لم يتخذ صاحبة ولا ولد، توفنا مسلمين مؤمنين موقنين آمنين برحمتك يا أرحم الراحمين.

Science

ذ. محمد المنصوري

باحث بمركز الإمام الجنيد للدراسات والبحوث الصوفية المتخصصة بالرابطة المحمدية للعلماء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق