مركز الإمام أبي عمرو الداني للدراسات والبحوث القرائية المتخصصةشذور

من تحقيقات الحافظ في تفسير بعض ظواهر الأداء

حقيقة الإشمام في نحو (سيء) و (قيل) و نظائرهما عنده

معرفة حقيقة الإشمام في قوله : (سيء) و (سيئت) و (قيل) و (حيل) و (سيق) و (غيض) و (جيء) في مذهب من أشم الضم في أول ذلك دلالة على أصل فاء الفعل.

وحقيقة الإشمام في ذلك أن تمال كسرة فاء الفعل  في ذلك وينحى بها نحو الضمة، فتميل الياء الساكنة بعدها نحو الواو قليلا؛ إذ هي تابعة لحركة ما قبلها، فيدخلها من الإنحاء والشوب نحو ما يدخلها؛ لأن ذلك عند سيبويه وغيره كالممال سواء، وبذلك شبهوه، فكما أنا إذا أملنا فتحة الهاء والنون في قوله: (هار) و (نار) وشبههما نحونا بها نحو الكسرة فمالت الألف بعدها نحو الياء، كذلك إذا أشممنا فاء الفعل فيما تقدم نحونا بها نحو الضمة فمالت الياء بعدها نحو الواو قليلا.

من الدليل على صحة ذلك أنهم رسموا في المصاحف كلها : (الصلاة) و (الزكوة) ونحوهما بالواو، وذلك عند علمائنا من النحويين على مراد الإفراط في التفخيم للام والكاف وشبههما، إذ ذلك مذهب عامة أهل الحجاز وهم الفصحاء، فمن شدة إفراطهم في تفخيم الفتحة نحت نحو الضمة، فمالت الألف بعدها لذلك نحو الواو اتباعا لها. ورسم ذلك بالواو على هذه اللغة كما رسموا (موليه) و (مثويه) بالياء على الإمالة. وإن كان لا إمام لهذا من أئمة القراءة، فقد سلكت في الرسم واتبعت، وعمل عملها فيه، فبان بذلك صحة ما قلناه من أن ما بعد المشم المشبه بالممال ـ من حيث [إنهما ]يمتنعان من الإخلاص الصحيح، [و] يمتنع ما بعدها من القلب التام ـ تابع له.

وقد زعم بعض من يشار إليه بالمعرفة ـ وهو بمعزل عنها وخال منها ـ أن حقيقة الإشمام فيما تقدم: أن يكون إيماء بالشفتين إلى ضمة مقدرة، مع كسر فاء الفعل كسرا خالصا قال: وإن شئت أومأت بشفتيك قبل اللفظ بالحرف المشم، وإن شئت بعده، وإن شئت معه.

وهذا كله خطأ وباطل لاشك فيه؛ من قِبَل أن الإيماء قبل اللفظ بالحرف المشم الذي [يومأ إلى حركته غير متمكن؛ إذ لم يتحصل قبل ملفوظا به، فكيف] يومأ إلى حركته وهو معدوم في النطق أيضا؟ هذا مع تمكن الوقوف على ما قبله و الابتداء [به]، فيلزم [أن يكون] ابتداء المبتدئ بذلك إعمال العضو وتهيئته قبل النطق، ولم يسمع بهذا قط، ولا ورد في لغة، ولا جاء في قراءة، ولا صح في قياس، ولا تحقق في نظر.

وأما الإيماء بعد اللفظ به مكسورا محضا فغير مستقيم ولا متمكن أيضا، وكذلك الإيماء معه في تلك الحال؛ إذ لو كان ذلك كذلك لوجب أن يستعمل للنطق بذلك كذلك عضوان: اللسان للكسرة، والشفتان للإشارة، ومحال أن يجتمعا معا على حرف واحد في حال تحريكه بحركة خالصة، إذ ليس في الفطرة إطاقة ذلك.

وإنما حمل القائل لهذا على هذا القول القياس منه على كيفية الإشمام عند الوقف على أواخر الكلم، إذ يؤتى به بعد سكون الحرف والفراغ منه هناك. وبين المكانين فرقان غير مشكوك فيه على ما بيناه.

وزعم قوم من أهل الأداء أن حقيقة الإشمام في ذلك: أن يضم أوله ضما مختلسا، وهذا باطل؛ لأن ما يختلس من الحركات لا يتم الصوت به كهمزة بين بين وغيرهما، ولا يقع أبدا أولا بإجماع [في] ذلك؛ من حيث يقرب التضعيف والتوهين من الساكن المحض، فكما لا يقع الساكن أولا لذلك لا يقع ما يقرب منه.

وزعم آخرون أن حقيقته في ذلك: أن يضم أوله ضما مشبعا، ثم يؤتى بالياء الساكنة بعد تلك الضمة الخالصة، وهذا أيضا باطل؛ لأن الضمة إذا أخلصت ومطط اللفظ بها انقلبت الياء بعدها واوا محضة، لا تصح ياء بعد ضمة خالصة، كما لا تصح واو بعد كسرة خالصة. وبالله التوفيق.

المصدر:

شرح قصيدة أبي مزاحم الخاقاني في القراء وحسن الأداء للإمام أبي عمرو الداني الداني (ت 444) ، دراسة وتحقيق غازي بن بنيدر بن غازي العمري الحربي ، المجلد 2 / ص 313 إلى 315

ذ.سمير بلعشية

  • باحث بمركز الإمام أبي عمرو الداني للدراسات والبحوث القرائية المتخصصة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق