مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةدراسات عامة

من الهدي النبوي في شعبان: وصاله برمضان في الصيام

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على سيدنا  محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين

إنا على أبواب شهر شعبان، هذا الشهر الذي وردت في فضائله وخصائصه أحاديث نبوية شريفة، مرغبة في اغتنامه، وأخرى مظهرة هدي النبي صلى الله عليه وسلم في صيامه، وهو: وصاله صلى الله عليه وسلم شعبان برمضان في الصيام، فهي تكاد خصيصة من الخصائص النبوية الشريفة.

لقد تعددت خصائص النبي صلى الله عليه وسلم في الفضائل والأحكام، وقد سبق الحديث في مقال سابق عن الفضائل، والحديث في هذا المقال عن خصيصة من الخصائص النبوية في الأحكام، قلما فعلها دون غيره من الأنام، وهي: وصاله  صلى الله عليه وسلم شعبان برمضان، وقد خصه علماء الحديث الشريف بالعناية، فمنهم من عقد له بابا، ومنهم من خرجه في أبواب غير هذا ، وفي مسانيد الصحابة، وفي معاجم كتب الحديث.

فأما علماء الحديث الشريف الذين عقدوا لأحاديث الوصال أبوابا في كتبهم، على ترتيب وفياتهم:

منهم: ابن أبي شيبة (المتوفى سنة: 235 هـ) في: مصنفه[1]، الذي عنونه بـ: من رخص أن يصل رمضان بشعبان، من كتاب: الصيام، أورد فيه حديث: أم سلمة رضي الله عنها، ولفظه: «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصل شعبان برمضان».

ومنهم: الدارمي (المتوفى سنة: 255هـ) في: سننه[2]، الذي عنونه بـ: باب: في وصال شعبان برمضان، من كتاب: الصوم، أورد فيه حديث: أم سلمة رضي الله عنها، ولفظه: «ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صام شهرا تاما إلا شعبان، فإنه كان يصله برمضان ليكونا شهرين متتابعين».

ومنهم: ابن ماجه (المتوفى سنة: 273هـ) في: سننه[3]، الذي عنونه بـ: باب: ما جاء في وصال شعبان برمضان، من كتاب: الصيام، أورد فيه حديث: أم سلمة رضي الله عنها، ولفظه: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصل شعبان برمضان»، وحديث عائشة رضي الله عنها، ولفظه: «كان يصوم شعبان كله، حتى يصله برمضان».

ومنهم: أبو داود (المتوفى سنة: 275هـ) في: سننه[4]، الذي عنونه بـ: باب: فيمن يصل شعبان برمضان، من كتاب: الصوم، أورد فيه حديث: أم سلمة رضي الله عنها، ولفظه: «أنه لم يكن يصوم من السنة شهرا تاما، إلا شعبان يصله برمضان».

ومنهم: الترمذي (المتوفى سنة: 279هـ) في: سننه[5]، الذي عنونه بـ: باب: ما جاء في وصال شعبان برمضان، من أبواب: الصوم، أورد فيه حديث: أم سلمة رضي الله عنها، ولفظه: «ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصوم شهرين متتابعين إلا شعبان ورمضان»، وحديث عائشة رضي الله عنها، ولفظه: «ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في شهر أكثر صياما منه في شعبان، كان يصومه إلا قليلا بل كان يصومه كله».

ومنهم: ابن خزيمة (المتوفى: 311هـ) في: صحيحه[6]، الذي عنونه بـ: باب: إباحة وصل صوم شعبان بصوم رمضان، من كتاب: الصوم، أورد فيه حديث: عائشة رضي الله عنها، ولفظه: «ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم من أشهر السنة أكثر من صيامه من شعبان، كان يصومه كله».

وأما علماء الحديث الشريف الذين خرجوا أحاديث الوصال، في أبواب مختلفة في كتبهم، وفي مسانيد الصحابة، وفي معاجم كتب الحديث، على ترتيب وفياتهم:

منهم: أحمد (المتوفى سنة: 241هـ) في: مسنده[7]؛ في مسند النساء: مسند الصديقة عائشة بنت الصديق رضي الله عنها، ولفظه: «كان أحب الشهور إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصومه شعبان، ثم يصله برمضان»، وحديث أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، ولفظه: «ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صام شهرين متتابعين، إلا أنه كان يصل شعبان برمضان».

ومنهم: النسائي (المتوفى سنة: 303هـ) في: سننه الكبرى[8]؛ في كتاب: الصيام: ذكر حديث أم سلمة في ذلك، ولفظه: «ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم شهرين متتابعين إلا أنه كان يصل شعبان برمضان».

ومنهم: أبو يعلى الموصلي (المتوفى سنة: 307هـ) في: مسنده[9]؛ في: مسند أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، ولفظه: «ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صام شهرا، إلا كان يصل شعبان برمضان».

ومنهم: ابن حبان (المتوفى سنة: 354هـ) في: صحيحه[10]؛ كتاب: الصوم، باب: صوم التطوع: ذكر تحري المصطفى صلى الله عليه وسلم صوم الاثنين والخميس، من حديث عائشة رضي الله عنها، ولفظه: «يصوم شعبان كله حتى يصله برمضان، وكان يتحرى صيام الاثنين والخميس».

ومنهم: الطبراني (المتوفى سنة: 360هـ) في: معجمه الكبير[11]، من حديث: أبي أمامة رضي الله عنه، ولفظه:  «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصل شعبان برمضان»،  ومن حديث: أم سلمة رضي الله عنها، ولفظه: «أن النبي صلى الله عليه و سلم كان لا يصوم شهرا كاملا، إلا أنه كان يصوم شعبان، ويصله برمضان»، ولفظ: «ما صام رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرا كاملا، إلا شعبان كان يصله برمضان» ومن حديث: عائشة، وأم سلمة رضي الله عنهما قالتا: «ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم شهرا سوى رمضان إلا شعبان، فإنه كان يصله برمضان، فيكون شهرين متتابعين»، ومعجمه الأوسط[12]، من حديث: عائشة رضي الله عنها، ولفظه: «كان يصوم شعبان كله حتى يصله برمضان»، ومن حديث: أبي هريرة رضي الله عنه، ولفظه: «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصل شعبان برمضان».

ومنهم: البيهقي (المتوفى: 458هـ) في: سننه الكبرى[13]؛ في كتاب: الصوم، باب: الرخصة في ذلك بما هو أصح،  من حديث أم سلمة رضي الله عنها، ولفظه: «أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يصوم شهرين يجمع بينهما، إلا شعبان ورمضان». لفظ حديث شعبة، وفي رواية سفيان قالت : «ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صائما شهرين متتابعين، إلا أنه كان يصل شعبان برمضان»، ولفظ: «أنه لم يكن يصوم من السنة شهرا تاما إلا شعبان يصله برمضان»، وباب: في فضل صوم شعبان، من حديث: عائشة رضي الله عنها: «كان أحب الشهور إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصومه شعبان، ثم يصله برمضان»، وفي: شعب الإيمان[14]؛ في الصيام، صوم شعبان، من حديث: عائشة رضي الله عنها، ولفظه: «أحب الشهور إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصوم شعبان ثم يصله برمضان».

منتهى الكلام: إن حديث مواصلة النبي صلى الله عليه وسلم شعبان برمضان بمختلف الروايات عن الصحابة، وألفاظها، دلالة على أن أحب الشهور إلى النبي صلى الله عليه وسلم صياما، هو: شعبان، والإيصال خصيصة من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم، إلا أن يجتهد المرء فيتبع سنة النبي صلى الله عليه وسلم في الصيام، لمن يقوى على ذلك، ومرن نفسه على هذا النوع من فضائل الأعمال؛ لئلا يضعف عن صيام الفرض، وهو: رمضان، فيقع في المحذور[15].

 *****************

هوامش المقال:

[1]) السنن 4/ 37، رقم الحديث: 9120.

[2]) السنن 2 /1087، رقم الحديث: 1780.

[3]) السنن 1/ 527-528، رقم الحديث: 1648، ورقم: 1649.

[4]) السنن 4 /23-24، رقم الحديث: 2336.

[5]) السنن 3/ 104-105، رقم الحديث: 736، ورقم: 737.

[6]) الصحيح 2/ 998.

[7]) المسند 42/ 354، رقم الحديث: 25548، 44/ 188، رقم الحديث: 26562.

[8]) السنن الكبرى 3 /119، رقم الحديث: 2496.

[9]) المسند 12 /405، رقم الحديث: 6970.

[10]) الصحيح 8 /404، رقم الحديث: 3643.

[11]) المعجم الكبير 8/ 181، رقم الحديث: 7750، 23 /256-260، رقم الحديث: 527، ورقم: 528، ورقم: 545.

[12]) المعجم الأوسط 3/ 282، رقم الحديث:  3154، 5 /220، رقم الحديث: 5137.

[13]) السنن الكبرى 4 /210-292، رقم الحديث: 8219، ورقم: 8691.

[14]) شعب الإيمان 5 /351-352، رقم الحديث: 3538.

[15]) لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف ص: 337 بتصرف.

********************

جريدة المراجع

الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان لمحمد بن حبان بن أحمد بن حبان البُستي، ترتيب: علاء الدين علي بن بلبان الفارسي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت- بيروت، الطبعة الأولى: 1412 /1991.

الجامع الصحيح (السنن) لمحمد بن عيسى بن سَوْرة الترمذي، تحقيق ج3: محمد فؤاد عبد الباقي، مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده، مصر، الطبعة الثانية: 1388/ 1968.

الجامع لشعب الإيمان لأحمد بن الحسين بن علي البيهقي، تحقيق: عبد العلي عبد الحميد حامد، مكتبة الرشد، الرياض- السعودية، الطبعة الأولى: 1423 /2003.

السنن الكبرى لأحمد بن الحسين بن علي البيهقي، تحقيق: جماعة من العلماء، دار النوادر،  الطبعة الأولى: 1424 /2013، مصورة عن مجلس دائرة المعارف النظامية، حيدر آباد- الهند، الطبعة  الأولى: 1344.

السنن الكبرى لأحمد بن شعيب بن علي النسائي، تحقيق: حسن عبد المنعم شلبي، إشراف: شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت- لبنان، الطبعة الأولى: 1421/ 2001.

السنن لأبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، محمد كامل قره بللي، دار الرسالة العالمية، القاهرة- مصر، الطبعة الأولى: 1430/ 2009.

السنن لمحمد بن يزيد ابن ماجه القزويني، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء الكتب العربية، مصر، (د-ت).

الصحيح لمحمد بن إسحاق بن خزيمة النيسابوري، تحقيق: الدكتور محمد مصطفى الأعظمي، المكتب الإسلامي، الطبعة الثالثة: 1424 /2003.

لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف لعبد الرحمن بن أحمد بن رجب البغدادي، تحقيق: عامر بن علي ياسين، دار ابن خزيمة، الرياض- السعودية، الطبعة الأولى: 1428/ 2007.

المسند (السنن) لعبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، تحقيق: حسين سليم أسد الداراني، دار المغني للنشر والتوزيع، الرياض- السعودية، الطبعة الأولى: 1421 /2000.

المسند لأبي يعلى أحمد بن علي بن المثُنى الموصلي، تحقيق: حسين سليم أسد، مكتبة الرشد ناشرون، الرياض- السعودية، دار المأمون للتراث، دمشق- سوريا، الطبعة الأولى: 1430 /2009.

المسند لأحمد بن محمد بن حنبل الشيباني، تحقيق: جماعة من الباحثين، إشراف: عبد الله بن عبد المحسن التركي، مؤسسة الرسالة، بيروت- لبنان، الطبعة الأولى: 1421 /2001.

المصنف لعبد الله بن محمد بن أبي شيبة العبسي، تحقيق: حمد بن عبد الله الجمعة، محمد بن إبراهيم اللحيان، مكتبة الرشد، الرياض- السعودية، الطبعة الثانية: 1427 /2006.

المعجم الأوسط لسليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني، تحقيق: طارق بن عوض الله بن محمد، وعبد المحسن بن إبراهيم الحسيني، دار الحرمين، القاهرة- مصر، (د-ت).

المعجم الكبير لسليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني، تحقيق: حمدي بن عبد المجيد السلفي، مكتبة ابن تيمية، القاهرة، الطبعة: الثانية، (د-ت).

*راجعت المقال الباحثة: خديجة ابوري 

Science

يوسف أزهار

  • باحث بمركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسير ة النبوية العطرة بالعرائش، التابع للرابطة المحمدية للعلماء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق