وحدة المملكة المغربية علم وعمرانمعالم

من المكتبات الشخصية بشمال المغرب: المكتبة القيسيَّة

 

 

للأستاذ والمؤرخ الحاج عبدالسلام القيسي الحسني بمدينة القصر الكبير

    بقلم : عبد القادر الغزاوي


                تعتبر المكتبة سواء منها العمومية أو الشخصية مرجعا لانتشار الثقافة والفكر ، و(مركز إشعاع ثقافي) ([1])، وقد احتلت مكانة مهمة في المجتمع وفي الأسرة ولدى مالكيها والمترددين عليها من الباحثين والدارسين والمثقفين، وكل محبي العلم والثقافة، حيث كل يبحث عن مقصده ومبتغاه. وأصبحت المكتبة الشخصية ركنا من أركان البيت  وتحتل فيه مكانا مميزا ولافتا، فساهمت في حفظ الكتاب بشتى أنواعه وأشكاله.

 

                   وقد اهتم بعض علماء ومفكري مدينة القصر الكبير التي (تعتبر أول حاضرة في المغرب ما زالت قائمة … وقد كانت مهبط رجالات العلم والفكر والتصوف في إفريقيا الشمالية في مختلف العصور)([2])، اهتموا بإنشاء مكتبات شخصية بمنازلهم وخصصوا لها زاوية أو ركنا في البيت ، ومنهم الأستاذ والمؤرخ  عبد السلام بن محمد بن الحاج المختار القيسي الحسني الذي ينحدر من أسرة عريقة ذات حسب ونسب وعلم وثقافة، يعود أصلها إلى العائلات العربية التي وفدت على المغرب بعد خروجها من الأندلس.(عائلة القيسي من جهة الأب وعائلة الجزار من جهة الأم). و(القيسيون من العرب العدنيين: القيسيون كانوا يقطنون بكثرة في اشبيلية وبلنسية، وعنهم تفرعت عشائر كثيرة محترمة مثل:بنو سليم، بنو بكر، بنو نمير، الاشجعيون، الثقافيون)([3]). فهو شريف النسب، وأندلسي الأصل، وقصري المولد والإقامة.

 

      1-  المولد والتكوين :

 

      جاء في كتابه (مدينة القصر الكبير) الترجمة التالية  : (ولد بمدينة القصر الكبير يوم الأربعاء 22 جمادى الأول عام 1349ه الموافق ل 15 اكتوبر سنة 1930م. تلقى تعليمه الأولي في كتاب الفقيه الجليل السيد محمد الغافقي الجزار رحمه الله بحي القطانين وهو من عائلة والدته ، فحفظ به جزءا من كتاب الله العزيز.

               كان من أوائل الملتحقين بأول مدرسة حرة أسست بالمدينة وهي المدرسة الأهلية الحسنية بحي سيدي قاسم بن الزبير بفندق بنيس سنة 1939م .وتلقى بها دراسته الإ بتدائية على ثلة من الأساتذة  المخلصين الذين تطوعوا لتعليم تلاميذ المدينة الذين نالوا الشهادة الابتدائية صيف سنة 1944م.  وتابع دراسته وحفظ القرآن والتحق لإتمام دراسته بالمعهد الديني الذي أحدث آنذاك وكانت الدروس تلقى بالمسجد الأعظم بالمدينة من طرف علماء الوقت الأجلة. والتحق للتدريس بالمدرسة الأهلية التي تعلم وتربى بها وذلك سنة 1948م. ودخل ميدان النضال الوطني ضد الاستعمار فأطر الشبان وأسس النقابة وأشرف على الكشفية الحسنية وخطب وحاضر في المناسبات الوطنية. واضطهد لأفكاره ونشاطه وأوذي في سبيل عمله من طرف الاستعمار وأعوانه. وتولى إدارة المدرسة الأهلية التي يعمل بها إلى أن أدمجت في التعليم الرسمي مع معظم أطرها ، وذلك من سنة 1956م إلى سنة 1963م. بعد إعلان الاستقلال  تقلد وظيفة الكاتب الأول بالباشوية ثم انتقل للعمل بالبلدية فنظم الأقسام الإدارية بهما وعرب مرافقها وعمل على ملء الفراغ الذي تركه الإسبان بعد رحيلهم. ومنح وسام الرضى من الدرجة الأولى بكتاب حسني سنة 1973م. وعين خليفة بالباشوية  ثم رقي لدرجة قائد سنة 1979م. 

                عمل بجد وتضحية وإخلاص ووفاء لمهامه في سبيل الصالح العام إلى أن وصل سن التقاعد سنة 1990م. يواصل الآن مسيرته في اكتساب العلم والمعرفة في راحة الضمير ونقاء السريرة ، معترفا بفضل الله عليه شاكرا لنعمه إلى أن يحين أجله إن شاء الله)([4]).

       ويرجع له الفضل في إنجاز (عدة أبحاث عن مدينة القصر الكبير، تناولت تاريخها ومجتمعها وأعلامها في مختلف مراحل تاريخها ووجودها)([5]). وكذا كتابة اللوحات الرخامية للتعريف ببعض مشاهير أولياء وصلحاء مدينة القصر الكبير، منهم على الخصوص :

      ولي المدينة  أبو الحسن علي بن خلف بن غالب بن مسعود الأنصاري الأندلسي ألقصري.(توفي سنة  568 ه). ويعرف عند سكان المدينة  بسيدي علي بوغالب.

          وسيدي الرئيس أبو محمد عبد الله بن إشقيلولة التجيبي الأندلسي.(توفي سنة695 ه).    

 وسيدي جميل القصري أبو عبد الله محمد بن جميل القصري  المعلم.(وفاته غير معروفة، كان معاصرا لعهد الموحدين).

       والشيخ الحسين المصمودي أبو علي. (توفي سنة 940 ه).

 

 وكذلك اللوحة الرخامية التي تحمل اسم شارع محمد الخامس فهو الذي (من خططها وكتب حروفها ورسم على جانبها مشعلا يحمل شعلة متوهجة، تعبيرا ورمزا لمشعل الاستقلال والوحدة الذي حمله العاهل الكريم لشعبه الوفي)([6]).

  وهو عضو مؤسس لجمعية البحث التاريخي والاجتماعي بمدينة القصر الكبير، وهو من وضع اسمها.  

  وقد كانت تربطه علاقة وطيدة ببعض الشخصيات الوطنية والأدبية والتاريخية والسياسية، أمثال السادة علال الفاسي، وعبدالخالق الطريس، ومحمد التازي ، وعبدا لهادي التازي وغيرهم. 

    بالإضافة أنه يتمتع  بأخلاق حميدة وسمعة طيبة بين أهالي مدينة القصر الكبير. وهو لا زال على قيد الحياة، أطال الله عمره، ويعتبر من الذين بذلوا جهدا في باب التوثيق والتأريخ لمدينة القصر الكبير .

 

             2- المكتبة الشخصية :

 

       يملك الأستاذ القيسي مكتبة شخصية بمنزل إقامته تضم مجموعة من الكتب الثمينة والمخطوطات النادرة في أصناف المعرفة والعلم ، وتشتمل على أسفار ذات أهمية فكرية منها المطبوع والمخطوط والحجري والمصور ، بالإضافة إلى المجلات والجرائد والمطبوعات والوثائق في شتى مجال الفكر والأدب واللغة العربية والنحو والفقه والتصوف والدراسات الإسلامية والفلسفة والتاريخ العربي والإسلامي خاصة المغربي والأندلسي، بالإضافة إلى التراجم والموسوعات والمعاجم، وكذا مختلف الصور الشخصية والوطنية والتاريخية سواء للأشخاص أو المدن والمآثر التاريخية، إلا أن المكتبة لا تتوفر على فهرس لهذه الذخائر.

               وهي من الناحية العددية تضم ما يزيد عن سبعة ألف كتاب(7000)،منها عدد مهم من المخطوطات والمطبوعات الحجرية في التصوف والفقه والتاريخ.

              ونظرا لأهمية هذه الثروة الثقافية فإن باب منزل الأستاذ القيسي أصبح مزارا لطلاب العلم والفكر ولكل راغب في البحث والاطلاع، منهم الطالب والباحث والكاتب والدارس قصد الحصول  على هدفهم من شتى مجالات المعرفة، فأصبح صيتها معروفا لدى عموم المثقفين والدارسين ، فنجد صاحبها دائما في خدمتهم ورهن إشارتهم، فلا يبخل عليهم بمدهم بما يطلبون من الكتب والمراجع والمساعدة والتوجيه والإرشاد، قصد المستطاع،مع السعي إلى إرضائهم، دون كلل أو ملل أو اعتذار، فأصبح منهم من له مكانة في عالم المعرفة والثقافة بالمغرب.

 

      إن الثروة الفكرية  والأدبية التي تزخر بها هذه المكتبة، نجدها متراصة فوق بعضها في الرفوف وفي مختلف أركان البيت،  حيث أن استعراضا قصيرا لمجموعة الكتب المتوفرة عليها والموجودة بها، تجعل المستعرض يذهل من ضخامة ما تحتويه وما يوجد بها ، ويقف على تعدد وتنوع وتباين التصنيفات والموضوعات، وقد أفلح الأستاذ في اختيار وانتقاء الكتب من المكتبات عند الاقتناء وعند البحث عنها. وتدخل هذه العملية في سياق اهتمامه المفرط الذي يملأ قلبه وعقله، ويسكنه هاجس الاقتناء والقراءة والتلخيص والكتابة على الهامش، وتدوين الآراء والخواطر والملاحظات. ولا زال مداوما على عادته هذه (ويبدو أن ولوعه بالمطالعة لازمه منذ الحداثة، مارسها ويمارسها فعلا حياتيا لا غنى عنه، وهى ممارسة لم يعترها الفتور في أي لحظة….وتعد مكتبته اليوم من أهم المكتبات الخاصة بمدينة القصر الكبير )([7])، لما تحتويه من نوادر المخطوطات ونفائس الكتب والآثار.

      ولا غرو أن هذه المكتبة ساهمت في نشر العلم والفكر بما تحتويه من ذخائر ثمينة ومراجع هامة ووثائق نادرة، وما يقدمه صاحبها من خدمات ثقافية، التي ستبقى حاضرة بيننا وفي عقولنا. وإ نها تعتبر صدقة جارية فعلا.

      ناهيك عن المساهمات القيمة في الأنشطة الثقافية والفكرية، منها محاضرات ألقيت في مهرجانات أو ندوات، إضافة إلى كتاباته ومقالاته المتنوعة، منها ما نشر ومنها مالم ينشر، خاصة التي تعنى بتاريخ مدينة القصر الكبير وعلمائها وأعلامها، حيث وجه اهتمامه إلى الجانب التاريخي والاجتماعي للمدينة، وقد أنجز في ذلك دراسات عديدة ومتنوعة منها دراسة عن مشاهير أولياء مدينة القصر الكبير وهو مخطوط ضمن وثائقه بالمكتبة، وقدر صدر له كتاب سنة 2006م يحمل عنوان :   القصر الكبير   – تاريخ ومجتمع ووثائق-  .

      فلا يسعنا في الأخير إلا أن نمنحه ما يستحقه من احترام وتقدير وشكر، حتى يبقى مواصلا مسيرته الثقافية في خدمة العلم والمعرفة، فجزاه الله خيرا وبارك في عمره ومتعه بمزيد من الصحة والعافية.  



[1] – الأستاذ محمد القاضي.مجلة أحوال الثقافة. العدد55. ابريل 2009.

[2] – الأستاذ عبدا لعزيز بنعبدالله.القصر الكبير أول حاضرة بالمغرب.مجلة المناهل.العدد الأول.السنة 1974.

[3] – التهامي الراجي الهاشمي. مجلة المناهل. العدد 29 . السنة11.مارس 1984.

[4] – الأستاذ عبدا لسلام القيسي الحسني.كتاب القصر الكبير-تاريخ ومجتمع ووثائق- الطبعة الأولى. السنة 2006.(الغلاف الأخير).

[5] – نفس المرجع.الصفحة 10.

[6] – نفس المرجع. الصفحة 165.

[7] – الأستاذ محمد العربي العسرى. كتاب أقلام وأعلام من القصر الكبير في العصر الحديث. الجزء الأول. الطبعة الأولى. السنة 2008. الصفحة 178.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق