مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةدراسات عامة

من أعلام الرواية الحديثية في الغرب الإسلامي: ابن الفرضي، السراج، المنتوري، الكتاني أنموذجا

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على سيدنا  محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين

سطع نجم علماء الغرب الإسلامي في الرواية الحديثية منذ القديم، وتمكنوا في هذا الفن، وبلغت شهرتهم الآفاق، وأصبحوا عمدة في طلب الرواية، واستجازة علماء البلدان منهم، وها أنا ذا أذكر أربعة أعلام من الغرب الإسلامي، الذين لهم قدم السبق في هذا المضمار، مرتبين على سني وفياتهم، مع بعض مؤلفاتهم الحديثية، وعدد الكتب المروية:

أبو الوليد ابن الفرضي القرطبي (المتوفى عام: 403هـ)

هو: أبو الوليد عبد الله بن محمد بن يوسف بن نصر الأزدي القرطبي، ترجم له جلة من العلماء في كتب التراجم، وقد خصه بالدراسة الأستاذ أحمد اليزيدي بكتاب في جزأين بعنوان: أبو الوليد ابن الفرضي القرطبي: حياته وآثاره العلمية، محدثا ناقدا، وفقيها، ومؤرخا- عرض لشيوخه ومروياته، وتحقيق كتابه: الألقاب.

كان عمر ابن الفرضي من الأعمار المتوسطة، ولم يشرع في تلقي العلم عن الشيوخ إلا في سن متقدمة شيئا ما، فقد كان بداية سماعه من شيوخه في سن الخامس عشرة من عمره[1]، ومع ذلك فقد كانت همته عالية في الرحلة إلى طلب العلم داخل الأندلس وفي المشرق، وقد كان حريصا على الإسناد فهو أساس كل علم، فهو لا ينقل حقيقة أو خبرا إلا بادر إلى إسنادها لقائلها، إذا لم تكن من بنات فكره، ولذلك زخرت مؤلفاته بالأخبار المسندة[2].

فمن مؤلفاته في الحديث:

1-الألقاب[3].

2-المؤتلف والمختلف[4].

3-مشتبه النسبة أو المتشابه في أسماء الرواة وكناهم وأنسابهم[5].

ومن مروياته: (90) كتابا يتعلق الأمر بنحو: (33) كتابا في الحديث وعلومه ورجاله، ونحو: (22) كتابا في التاريخ والطبقات والفهارس، و(11) كتابا في الفقه، و(10) كتب في القرآن وتفسيره وعلومه، و(6) كتب في الأدب والشعر واللغة والنحو، و(4) كتب في الزهد والرقائق، و(2) كتابا في الردود[6].

وابن الفرضي هو الراوية كما حلاه كثير ممن ترجم له، أو نقلوا عنه، أو أحالوا عليه، وميلاد ابن الفرضي كان مزامنا لميلاد علم مصطلح الحديث، والمعروف أن أي موجود لم يوجد كاملا مستويا لأول مرة، فلم يكن إذن ينتظر من ابن الفرضي أن يكون دوره في ميدان علم الرواية التعريف بها، أو الحديث عنها، كعلم له قواعده ومصطلحاته، وإنما كان دوره كغيره، التصرف الطبيعي المتمثل في الاستعمالات المختلفة لصيغ الرواية، تلك الاستعمالات التي اعتبرت الأرض الخصبة التي استخرج منها واضعوا علم المصطلح قواعد هذا الفن وأصوله[7].

أبو زكريا السراج الفاسي (المتوفى عام: 803هـ)

هو: الإمام، الحافظ، المحدث، الرواية أبو زكريا يحيى بن أحمد بن محمد بن حسن النفزي الفاسي السراج، له ترجمة موسعة في كتب التراجم، ذكرت جملة منها  الدكتورة نعيمة بنيس في مقدمة تحقيق فهرسته[8].

نشأ السراج تنشئة علمية على يد والده، ثم أخيه الأكبر، فقد أقبل على كتاب الله وتعلم علومه، واهتمامه بحفظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وروايته، وولعه على أصول المرويات وضبط نسخها وتصحيحها، وقل ما تجد في كتب المغرب كتابا ليس عليه خطه، فقد كان مكثرا من الرواية عن شيوخه الذين أخذ عنهم من أهل فاس أو الذين حلوا بها، وقد حصلت له رواية واسعة رغم قلة شيوخه وعدم رحلته[9]، ولعل هذا سببا من أسباب عدم اتجاهه للتأليف لانشغاله بالرواية.

فمن مؤلفاته في الحديث:

1-الأذكار المنقولة بالليل والنهار[10].

2-فهرسة[11].

ومن مروياته: (107) كتابا: ففي الحديث وغيره: (89) كتابا، والبرامج والفهارس والمشيخات والرحلات: (18) كتابا، فهذه المرويات على كثرتها، ليست هي كل ما تحمله السراج ورواه، بل هي أكثر من ذلك بكثير[12].

أبو عبد الله المنتوري (المتوفى عام: 834هـ)

هو: الإمام العلامة، الراوية، المسند أبو عبد الله محمد بن عبد الملك بن علي القيسي المنتوري الغرناطي، تناوله بالترجمة الدكتور محمد بنشريفة، معتمدا على عدد ممن ترجمه في كتب التراجم[13].

تكوَّن المنتوري تكوينا علميا عاليا، نتيجة دراسته على عدة من الشيوخ الكبار، سواء في موطنه أو في المغرب والمشرق، مما أوصله إلى مكانة علمية رفيعة، وهي تتويجا لجهوده العلمية، وتحقيقا لولوعه بعلو الإسناد، كما برز في التأليف[14].

فمن مؤلفاته في الحديث:

1-الأحاديث العوالي[15].

2-فهرسة[16].

3-الفوائد النومية[17].

4-المسلسلات[18].

ومن مروياته: (269) كتابا: ففي علوم القرآن: (98) كتابا، وفي الحديث وعلومه: (40) كتابا، وفي السيرة النبوية: (9) كتب، وفي الرقائق والتصوف: (27) كتابا، وفي الأصلين: أصول الدين، وأصول الفقه: (5) كتب، وفي النحو: (20) كتابا، وفي الأدب: (11) كتابا، وفي الفوائد: (20) كتابا، وفي الطبقات والتراجم: (6) كتب، وفي البرامج: (33) كتابا[19].

أبو الإسعاد محمد عبد الحي الكتاني (المتوفى عام: 1382هـ)

هو: الإمام، المسند، الراوية أبو الإسعاد محمد عبد الحي بن عبد الكبير بن محمد الحسني الكتاني الفاسي، ترجمته مشهورة، ومنتشرة مُلئت كتب التراجم بها، وقد خصه من الكتانيين العلامة: عمر بن الحسن بكتاب في ترجمته سماه: مطالع الأفراح والتهاني وبلوغ الآمال والأماني في ترجمة الشيخ عبد الحي الكتاني، أو طلب الإمداد من رب العباد في ترجمة الشيخ أبي الإسعاد[20].

تربى في كنف والده الإمام عبد الكبير، ونشأ في زاويتهم الكتانية المكتظة على الدوام برجال العلم، ولقد تصدر في زاويتهم لدرس كتب الحديث، وهو لا زال لم يحلم، ولا تراه إلا متأبطا لكتاب أو عدة كتب، ويبيت الليالي العديدة مكبا على المطالعة، وأول ما حبب الله تعالى إليه من العلوم: علم الحديث السيرة النبوية بسبب حضوره دروس والده الإمام فيهما، كما كان يتردد على مسندي المغرب وشيوخ الرواية بفاس بقصد الرواية والعلو في السند [21].

فمن مؤلفاته:

أيزيد من مائة وثلاثين (130) كتابا أغلبها في: الحديث[22]، ومن أشهرها: فهرس الفهارس والأثبات، ومعجم المعاجم والمشيخات والمسلسلات[23]، هذا الكتاب العظيم الشأن الذي ينبئ أولا عن سعة وكثرة مؤلفات علماء الإسلام في شوارد أبواب التاريخ الإسلامي؛ لأن باب الفهارس باب قليل الطروق، ومع ذلك جمع في الفهرس المذكور ذلك العدد العديد الهائل وهو ما يقرب من ثلاثة عشر ومائة فهرس[24].

وفي ختام الكتاب قال: “أقول منبها لهم ومرشدا إلى قول أبي سالم العياشي بعد سياقه في فهرسته لإسناد نحو السبعة عشر فهرسا: وهذه الفهارس المتقدمة تجمع غالبا ما وجد من كتب الأمة المشرفة، فمن اتصل سنده بها، اتصل بحبل الكتب الإسلامية على اختلاف أنواعها اهـ.

وإلى قول أبي الحسن علي النوري الصفاقصي في فهرسته بعد أن أحال على فهارس عشرة: فالغالب لا تجد كتابا للمتقدمين ولا للمتأخرين في جميع العلوم إلا ولنا به اتصال إلى مؤلفه إما بسماع، أو بقراءة كله أو بعضه، أو لحضورنا لمن يقرؤه كذلك، أو بإجازة خاصة أو عامة، أو بكتابة اهـ.

وإلى قول الحافظ الشوكاني في ثبته بعد أن ذكر أسانيده لنحو اثني عشر ثبتا، قال: وبالجملة فهذه الأسانيد التي أشرنا إليها، قد اشتملت على أسانيد كتب الإسلام في جميع الفنون اهـ.

قلت: فليت شعري ماذا يقول من اتصل سنده بهذه الفهارس الاثني عشر مائة كلها، ووصل حبله بهؤلاء الأعلام مؤلفيها”[25].

وختاما فهذا قل من كثر مما عرفه قطر الغرب الإسلامي، من كثرة الرواة وشهرتهم بين العلماء، وقد تعددوا في قطرنا العزيز، واكتفيت بما ذُكر أعلاه، لعل القادم من الأيام أسلط الضوء على أعلام آخرين برزوا في الرواية الحديثية.

 *************

هوامش المقال:

[1] ) أبو الوليد ابن الفرضي القرطبي: حياته وآثاره العلمية محدثا ناقدا، وفقيها، ومؤرخا 1/ 95.

[2] ) أبو الوليد ابن الفرضي القرطبي: عرض لشيوخه ومروياته، وتحقيق كتابه: الألقاب 2/ 123.

[3] ) نشر الأستاذ أحمد اليزيدي مختصرا منه في كتابه: أبو الوليد ابن الفرضي القرطبي: عرض لشيوخه ومروياته، وتحقيق كتابه: الألقاب 2/193_326، وفي دار الجيل، بتحقيق: محمد زينهم محمد عزب ونشر منتخبا إياه: أبو القاسم ابن حبيش الأندلسي، ثم في دار الفاروق الحديثة، بتحقيق: محمود بن عبد الفتاح النحال.

[4] ) انظر الكلام عنه في كتاب: أبو الوليد ابن الفرضي القرطبي: حياته وآثاره العلمية محدثا ناقدا، وفقيها، ومؤرخا 1 /384_386.

[5] ) انظر الكلام عنه في كتاب: أبو الوليد ابن الفرضي القرطبي: حياته وآثاره العلمية محدثا ناقدا، و فقيها، و مؤرخا 1 /387_390.

[6] ) أبو الوليد ابن الفرضي القرطبي: حياته وآثاره العلمية محدثا ناقدا، وفقيها، ومؤرخا 1 /313.

[7] ) أبو الوليد ابن الفرضي القرطبي: حياته وآثاره العلمية محدثا ناقدا، وفقيها، ومؤرخا 1 /195.

[8] ) فهرسة الإمام الحافظ أبي زكريا يحيى بن أحمد السراج الفاسي ص: 58، الهامش: 1.

[9] ) فهرسة الإمام الحافظ أبي زكريا يحيى بن أحمد السراج الفاسي ص: 61_78.

[10] ) فهرسة الإمام الحافظ أبي زكريا يحيى بن أحمد السراج الفاسي ص: 88.

[11] ) نشرت في دار الحديث الكتانية،  بتحقيق: نعيمة بنيس.

[12] ) فهرسة الإمام الحافظ أبي زكريا يحيى بن أحمد السراج الفاسي ص: 71_76.

[13] ) فهرسة المنتوري ص: 11_39.

[14] ) فهرسة المنتوري ص: 14.

[15] ) فهرسة المنتوري ص: 31.

[16] ) نشرت بتحقيق: محمد بنشريفة، عن الرابطة المحمدية للعلماء.

[17] ) فهرسة المنتوري ص: 14.

[18] ) فهرسة المنتوري ص: 14.

[19] ) فهرسة المنتوري ص: 33.

[20] ) نشرت في دار الحديث الكتانية،  بتحقيق: خالد السباعي.

[21] ) مطالع الأفراح والتهاني وبلوغ الآمال والأماني في ترجمة الشيخ عبد الحي الكتاني ص: 109-111.

[22] ) فهرس الفهارس والأثبات ومعجم المعاجم والمشيخات والمسلسلات 1 /24_32، مطالع الأفراح والتهاني وبلوغ الآمال والأماني في ترجمة الشيخ عبد الحي الكتاني ص: 259_461.

[23] ) نشر في عدة طبعات، منها نشرة دار الغرب الإسلامي، بتحقيق: إحسان عباس.

[24] ) فهرس الفهارس والأثبات ومعجم المعاجم والمشيخات والمسلسلات 1 /32، مطالع الأفراح والتهاني وبلوغ الآمال والأماني في ترجمة الشيخ عبد الحي الكتاني ص: 429.

[25] ) فهرس الفهارس والأثبات ومعجم المعاجم والمشيخات والمسلسلات 2 /1168.

*************

جريدة المراجع

أبو الوليد ابن الفرضي القرطبي: حياته وآثاره العلمية، محدثا ناقدا، وفقيها، ومؤرخا- عرض لشيوخه ومروياته، وتحقيق كتابه: الألقاب لأحمد اليزيدي، منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، مطبعة فضالة، المحمدية، المغرب، 1415/ 1995.

فهرس الفهارس والأثبات ومعجم المعاجم والمشيخات والمسلسلات لأبي الإسعاد محمد عبد الحي بن عبد الكبير الكتاني، اعتناء: إحسان عباس، دار الغرب الإسلامي، بيروت، الطبعة الثانية: 1402 /1982.

فهرسة الإمام الحافظ أبي زكريا يحيى بن أحمد السراج الفاسي، تحقيق: نعيمة بنيس، دار الحديث الكتانية، طنجة- المغرب، مكتبة نظام يعقوبي الخاصة، البحرين، الطبعة الأولى: 1434 /2013.

الفهرسة لأبي عبد الله محمد بن عبد الملك القيسي المنتوري، تحقيق: محمد بن شريفة، منشورات الرابطة المحمدية للعلماء، مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراث، دار الأمان، الرباط- المغرب، الطبعة الأولى: 1432 /2011.

مطالع الأفراح والتهاني وبلوغ الآمال والأماني في ترجمة الشيخ عبد الحي الكتاني، أو طلب الإمداد من رب العباد في ترجمة الشيخ أبي الإسعاد لعمر بن الحسن الكتاني الحسني، تحقيق: خالد السباعي، ، طنجة- المغرب، الطبعة الأولى: 1436/ 2015.

*راجعت المقال الباحثة: خديجة أبوري

Science

يوسف أزهار

  • باحث بمركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسير ة النبوية العطرة بالعرائش، التابع للرابطة المحمدية للعلماء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق