مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراثشذور

من أروع الشعر: أنجم السياسة وقصائد أخرى

  من أروع الشعر: أنجم السياسة وقصائد أخرى

  القصيدة الشقراطسية في مدح المصطفى صلى الله عليه وسلم

  فصلة من مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق ج ع س 53 (1399هـ-1979م)

  الأستاذ عبد الله كنون

  لاحظت في كتابي «أدب الفقهاء» أن مدح النبي صلى الله عليه وسلم مما اختص بهم شائخ العلم وأدباء الفقهاء، وأنه بعد شعراء الصحابة الذين عاصروا ظهور الإسلام كحسان بن ثابت وعبد الله بن رواحة، لم يتعاط أحد من شعراء العربية الكبار في العصر الأموي والعصر العباسي هذا اللون من المدح الذي يعد فنا من فنون الشعر العربي، متفردا بما يسجله من صور البطولة والكفاح من أجل إثبات الوجود العربي وإعلان رسالة الإسلام التي أخرجت الناس من الظلمات إلى النور، وأحلت العرب محل الصدارة بين الأمم ذات التاريخ المشرق والمجد العريق، وهو حري أن يصنف في شعر السير والملاحم، ويستظهر به في مقابل الشعر القصصي الذي يؤخذ على شعرنا القديم خلوه منه، لا سيما والكثير منه يقع في مطولات رائعة تستوعب ذكر أحداث السيرة النبوية، بأسلوب أدبي ممتع يتخلله الانطباع النفسي للشاعر وتجاوبه مع هذه الأحداث، مما جعل الناس يتغنون به ويتناشدونه في المناسبات القومية والاجتماعية.

  وأن ينتشر هذا الشعر في جميع الأوساط، ويحتفل الناس به هذا الاحتفال، دليل على أنه يمس أوتار القلوب، ويعكس شعور الأمة التي قيل فيها، وأنه متميز في بابه، فهو وإن كان مدحا، ليس كسائر الأمداح، لأنه سجل حافل بالمفاخر والمآثر التي يدرك الجميع وكل فرد فرد أنها مفاخره ومآثره هو نفسه.

  ومن أوائل مطولات هذا الشعر التي أشرت إليها هناك القصيدة الشقراطسية.

  القصيدة وصاحبها

  الشقراطسية قصيدة لامية من بحر البسيط في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم واستعراض وقائع السيرة النبوية وحياة الدعوة الإسلامية منذ انبلاج فجرها إلى أن عمت أقطار المعمورة، وذلك بأسلوب شعري جميل يتراوح بين التقرير والتخييل، والتصوير والتسجيل. وهي تقع في (133) بيتا، وشهرت بالنسبة إلى ناظمها أبي محمد عبد الله بن يحيى التوزري المعروف بالشقراطسي، نسبة إلى قلعة قديمة كانت بالقرب من قفصصة في تونس تسمى شقراطس، على أنه عاش في مدينة توزر، وكان من فقهائها ونبغ في الأدب والشعر، وله كتاب «الإعلام في معجزات خير الأنام» وغيره من الأوضاع وأخذ عنه جماعة من أهل العلم كأبي الفضل ابن النحوي، وحج وزار وأنشد قصيدته هذه بالمدينة المنورة اتجاه الروضة الشريفة، وكانت وفاته في ربيع الأول سنة466هـ.

  وتمتاز الشقراطسية بأنها من الملاحم المطولة التي فتحت باب نظم السيرة واقتحمت معركة الشعر التاريخي بنجاح، فنالت بذلك شهرة كبيرة، وتلقاها الناس بالقبول، ولم يقلل من انتشارها إلا ظهور قصيدتي البردة والهمزية للإمام البوصيري الذي تقفى خطوات الشقراطسي ونسج على منواله، ولكن تاريخ الأدب نسيه أو تجاهله.

  تقريظ الناس لها واهتمامهم بها

  كثر الثناء على الشقراطسية والتنويه بها من جهابذة العلم وعباقرة الأدب، وقدروا مجهود صاحبها، سواء من ناحية السبك والصياغة، أو من ناحية المؤدى والمضمون، وهي في الحقيقة حرية بذلك وأجدر بما قيل فيها. فهذا الرحالة العبدري المعروف بعلو كعبه في الأدب والنقد يقول بعد ما أوردها كاملة في رحلته ما نصه: «قلت أبدع هذا الناظم رحمه الله فيما نظم، وشرف هذه القصيدة بقصده الجميل فيها وعظم، فراقت معنى ومنظرا، وشاقت حسا ومخبرا، فهي كما وصفها أبو عبد الله المصري حين قال(يئست عن معارضتها الأطماع، وانعقد على تفضيلها الإجماع، وطبقت أرجاء الأرض، وأشرقت منها في الطول والعرض).

  وأبو عبد الله المصري الذي ورد ذكره في كلام العبدري بلدي الشقراطسي من توزر ولكنه شهر بالمصري ويعرف بابن الشباط، وقد كان محتفلا بهذه القصيدة رواها بالسند المتصل إلى ناظمها، ورويت من طريقه وشرحها وخمسها وسمى تخميسه بـ«سمط الهدي في الفخر المحمدي» وذكر العبدري مطلعه وهو هذا:

  إبدأ بحمد الذي أعطى ولا تسـل وذد به ريب رين الأين والكسل

  فالحمد أحلى جنى من طيب العسل (الحمد لله منا باعث الرسل

  هدي بأحمد منا أحمد السبل)

  وذكر العبدري أيضا من خمسها الفقيه القاضي أبا عمر وعثمان بن عتيق المعروف بابن عريبة قال عنه إنه من المشاهير بإفريقية (يعني تونس) وهذا أوله:

  أربع من العلم الأسنى على طلل فكم ضحيت ولم تفزع إلى ظلل

  وإن عضوت إلى نار الهدى فقل (الحمد لله منا باعث الرسل

  هدي بأحمد منا أحمد السبل)

  وخمسها الشيخ العلامة أبو بكر محمد بن حبيش أحد أعلام تونس ممن لقيهم الرحالة الشهير ابن رشيد الفهري وأخذ عنه ونوه به كثيرا وذكر أنه كان كثير العناية بهذه القصيدة وتصرف فيها على أوجه كثيرة من تخميس وغيره وكرر تخميسها ثلاث مرات وسماها القرب الثلاث، وهذا مطلع أحد هذه التخميسات:

عزل الشباب إن المشيب ولي فما التغزل من قولي ولا عملي

حمد الإله ومدح المصطفى أملي (الحمد لله منا باعث الرسل

هدي بأحمد منا أحمد السبل)

  وقد أثنى العبدري على هذا المطلع وحكم له بالإجادة وهو كذلك، ولا يستغرب من ابن حبيش فإنه كان على تضلعه في العلوم راسخ القدم في الأدب وله شعر ينم عن ذوقه وانطباعه.

  وممن أثنى على الشقراطسية ثناء عاطرا، الشيخ أحمد بن عمار صاحب كتاب نحلة اللبيب بأخبار الرحلة إلى الحبيب، نقل عن الرصاع كلاما في الاحتفال بالمولد النبوي الشريف. وما يستحسن إنشاده من الشعر، ومنه هذه القصيدة، وذكر أبياتا منها في هذا الغرض، فعقب عليه ابن عمار بقوله فيها: «وهي من القصائد العظام، البديعة النظام، الرائقة المعاني، الوثيقة المباني، وهي من الطراز الأول، وعليها في هذا الباب المعول، وقد رأيت أن أثبتها هنا برمتها، لانقياد البلاغة في أزمتها، ولكونها فتحت للفتتان أبوابا، وأحكمت من نسج البديع أثوابا، وطار صيتها في الآفاق، وانعقد على بركتها الإجماع والاتفاق» ثم أتى بها كاملة، وأعقبها بكالم الناس فيها وما سبق إيراده من أمثلة التخميسات التي وضعت عليها وغير ذلك.

  على أن من الأدباء من شطرها ومنهم من عشرها، وتنبع ذلك يطول، وأما عن شروحها من غير ما ذكر فكثير. وهذا دليل ناصع على ما كان لها من شهرة واسعة وأنها اعتبرت نسيجة وحدها لما ظهرت، كما ألمعنا لذلك من قبل وأشار له الشيخ ابن عمار في سجعاته المذكورة آنفا.

  نقد العبدري لها:

  قدمنا ما قرظ به العبدري هذه القصيدة، ونورد أيضا ما لاحظه على بعض أبياتها، إذ كان ناقدا قلما يسلم من وخزاته أحد. وإليك ما قاله بإثر كلامه السابق في نقدها: «على أنه رحمه الله تعالى قد أكثر فيها لأجل الصناعة التصنع، وتكلف منها ما هو بعيد المرام، شديد التمنع، واعترض في كل معنى عرض، وربما أغرق النزع فخالف الغرض، كقوله: (فويل مكة من آثار وطأته) البيت، وقوله: (وحل بالشام شؤم غير مرتحل) وما جرى هذا المجرى من كلامه رحمه الله ولكن قصيدته بالجملة قد حلت من البلاغة في حصن ممنع، وجلت وجها زهاه الحسن أن يتقنع(*)، فإن أنكرت من وصفها قولا، أو سمعت في مدحها تخصيص لولا، أحردت متأملة، أنشدت متمثلة:

ما سلم البدير على حسنه كلا ولا الظبي الذي يوصف

البدر فيه كلف‘، ظاهر والظبي فيه خنس يعرف…»

  وهذا الذي انتقده العبدري من قول الشقراطسي لا يتوجه عليه إذ استحضرنا أنه يتكلم على مكة، وهي في قبضة المشركين، فالويل منصرف إليهم وليس لها، وكذا القول في الشام، ما حل بها من الشؤم، إنما هو لمن حل بها من الروم لا بها، أما التصنع ويعني به صناعة البديع فإنه كان حلية الكلام، وحلبة التباري بين الأدباء في تلك العصور، والناقد نفسه لم يسلم منه في كثير من كلامه، وقد رجع فأقر بتفوق القصيدة في مجال البلاغة، والحق هو هذا الذي وقع عليه الانفصال.

  نسخ القصيدة التي قابلناها عليها:

  بيدنا للشراقطسية ثلاث نسخ كاملة، إحداها مخطوطة من القرن التاسع الهجري أو العاشر على الأكثر فيما يظهر، وهي في خمس صفحات كبيرة من ستة وعشرين وسبعة وعشرين سطرا. ومدادها فاتح، وبعض أبياتها وهي التي تكون بمثابة الفصل بين موضوع وآخر، مكتوبة بالأحمر وكذا بعض الأعلام واسم الجلالة بالخصوص، وبعضها الآخر بالأخضر، وهي مشكولة شكلا تاما وصحيحا وبهامشها كلمات تشير إلى اختلاف النسخ في بعض الأبيات، مما يدل على أنها نسخة مقابلة بغيرها فيمكن اعتمادها باطمئنان.

  والثانية والثالثة هما نسختا رحلتي ابن عمار والعبدري، والأولى مطبوعة في الجزائر سنة1322هـ -1904م والثانية مطبوعة في الرباط سنة 1968م بتحقيق الأستاذ الكبير محمد الفاسي.

  وثم قطع من القصيدة مخطوطةوقفنا عليها في بعض المجامع وشروح السيرة النبوية وكتب الأمداح، ومطبوعة في بعض هذه الشروح والكتب المنشورة كشرح الزرقاني على المواهب ذكرت على سبيل الاستشهاد، وقد راجعناها عند المقابلة استئناسا بها كأنها نسخة رابعة. وتم بذلك إخراج النسخة التي نقدمها للقارئ وتصحيحها بقدر الوسع والطاقة، مع الإشارة في ذيول الصفحات إلى الاختلافات الواقعة بين هذه النسخ في الجملة، وإن كان بعضها قد يعد من خطأ الطبع في المطبوع منها، والكمال لله.

  نص القصيدة:

1- الحمد لله، منا، باعث الرسل

هدى (بأحمد) منا، أحمد السبل

2- خير البرية من بدو ومن حضر

وأكرم الخلق من حاف ومنتعل

3- توراة موسى أتت عنه فصدقها

إنجيل عيسى بحق غير مفتعل

4- أخبار أحبار أهل الكتب قد وردت

عما رأوا أو رووا في الأعصر الأول

5- ضاءت بمولده الآفاق واتصلت

بشرى الهواتف في الإشراق والطفل

6- وصرح كسرى تداعى من قواعده

وانقض منكسر الأرجاء ذا ميل

7- ونار فارس لم توقد وما خمدت

مذ ألف عام ونهر القوم لم يسل

8- ومنطق الذيب بالتصديق معجزة

مع الذراع ونطق العير والجمل

9- خرت لمبعثه الأوثان وانبعثت

ثواقب الشهب ترمي الجن بالشعل

10- وفي دعائك بالأشجار حين أتت

تمشي بأمرك في أغصانها الذلل(1)

11- وقلت عودي فعادت في منابتها

تلك العروق بإذن الله لم تمل

12- والسرح بالشام لما جئتها سجدت

شم الذوائب من أفنانها الخضل

13- والجذع حنّ لأن فارقته أسفا

حنين ثكلى شجتها لعة الثكل

14- ماصبر من صار من عين إلى أثر(2)

وحال من حال من حلي(3) إلى عطل

15- حيي(4) فمات سكونا ثم مات لدن

حيي حنينا فأضحى غابة المثل

16- والشاة لما مسحت الكف منك على

جهد الهزال بأوصال لها قحل(5)

17- سحت بدرة شكري(6) الضرع حافلة

فروت الركب بعد النهل بالعلل

18- وآية الغار إذ وقيت في حجب

عن كل رجس لرجس الكفر منتحل

19- وقال صاحبك الصديق كيف بنا

ونحن منهم بمرأى الناظر العجل

20- فقلت لا تحزن إن الله ثالثنا

وكنت في حجب ستر منه منسدل

21- حمت لديك حمام الوحش جاثمة

كيدا أكل غوي القلب مختبل

22- والعنكبوت أجادت حودك حلتها

فما يخال خلال النسج من خلل

23- قالوا وجاءت إليه سرحة سترت

وجه النبي بأغصان لها هدل

24- وفي سراقة آيات مبينة

إذ ساخت الحجر في وحل(7) بلا وحل

25- عرجت تخترق السبع الطباق إلى

مقام زلفى كريم قمت فيه عل

26- عن قاب قوسين أو أدنى هبطت ولم

تستكمل الليل بين المر والقفل

27- دعوت للخلق عام المحل مبتهلا

أفيدك بالخلق(8) من داع ومبتهل

28- صعدت كفيك إذ كف الغمام فما

صوبت إلا بصوب الواكف الهطل

29- أراق بالأرض ثجأ صوب ريقه

فحل بالروض نسجا رائق الحلل

30- زهر من النور حلت روض أرضهم

زهرا من النور ضافي النبت مكتهل

31- من كل غصن نضير مورق خضر

وكل نور نضيد مونق خضل

32- تحية أحيت الأحياء من مضر

بعد المضرة تروي السبل بالسيل

33- دامت على الأرض سبعا غير مقلعة(9)

لولا دعاؤك بالإقلاع لم تزل

34- ويوم زورك بالزوراء(10) إذ صعروا

من يمن كفك عن أعجوبة مثل

35- والماء ينبع جودا من أناملها

وسط الإناء بلا نهر(11) ولا وشل

36- حتى توضأ منه القوم واغترفوا

وهم ثلاث مئين جمع محتفل

37- أشبعت بالصاع ألفا مرملين كما

رويت ألفا ونصف الألف من سمل(12)

38- وعاد ما شبع الألف الجياع به

كما بدوا فيه لم ينقص ولم يحل

……….

39- أعجزت بالوحي أرباب البلاغة في

عصر البيان فضلت أوجه الحيل

40- سألتهم سورة في مثل حكمته

فتلهم عنه حين العجز حين تلي

41- فرام رجس‘، كذوب أن يعارضه

بسخف إفك فلم(13) يحسن ولم يكل

42- مثبج بركيك الإفك ملتبس

ملجلج بزري(14) الزور والخطل

43- يمج أول حرف سمع سامعه

ويعتريه كلال العجز والملل

44- كأنه منطق الورهاء شذ به

لبس‘، من الخبل(15) أو مس من الخبل

45- أمرت البير بل غارت لمجته

فيها وأعمى بصير العين بالثقل

46- وأيبس الضرع منه شؤم راحته

من بعد إرسال رسل منه منهمل

47- برئت من دين قوم لا قوام لهم(16)

عقولهم من وثاق الغي في عقل

48- يستخبرون خفي الغيب من حجر

صلد، ويرجون غوث النصر من هبل

49- نالوا أذى منك لولا حلم خالقهم

وحجة الله بالإعذار لم تنل

50- واستضعفوا أهل دين الله فاصطبروا

لكل معضل خطب فادح جلل

51- لاقى بلال بلاء من أمية قد

أحله الصبر فيه أكرم النزل

52- إذ أجهدوه بضنك الأسر وهو على

شدائد الإزل(17) ثبت الأزر لم يزل

53- ألقوه بطحا برمضاء البطاح وقد

عالوا عليه صخورا جمة الثقل

54- يوحد الله إخلاصا وقد ظهرت

بظهره كندوب الطل في الطلل

55- إن قد ظهر ولي الله من دبر

قد قدّ قلب عدو الله(18) من قبل

………….

56- نفرت في نفر لم ترض أنفسهم

إذ نافروا الرجس إلا القدس من نفل

57- بأنفس بدلت في الخلد إذ بذلت

عن صدق بذل ببدر، أكرم البدل

58- من كل مهتصر، لله منتصر

بالبيض مختصر، بالسمر معتقل

59- يمشي إلى الموت(19)عالي الكعب معتقلا

أظمى الكعوب كمشي الكاعب الفضل

60- قد قاتلوا دونك الأقيال عن جلد

وجالدوا بجلاد البيض والجدل

61- وصلتهم وقطعت الأقربين معا

في الله لولاه لم تقطع ولم تصل

62- وجاء جبريل في جند له عدد‘،

لم تبتذ لها أكف الخلق بالعمل

63- بيض من العونلم تستل من غمد

خيل من الكون لم تستن في طيل

64- أحبب بخيل من التكوين قد جنبت(20)

لجانب عن جناب الحق معتزل

65- أعميت جيشا بكف من حصى فجثوا

وعقلوا عن حراك النقل بالنقل

66- ودعوة بفناء البيت صادقة

غدا أمية منها شر منخذل(21)

67- غادرت جهل أبي جهل بمجهلة

وشاب شيبة قبل الوقت(22) من وجل

68- وعتبة الشر لم يعتب فتعطفه

منك العواطف قبل الحين في مهل

69- وعقبة الغمر عقباه لشقوته

أن ظل(23) من غمرات الخزي في ظلل

70- وكل أشوس عاتي القلب منقلب

جعلته بقليب البئر كالجعل

71- وجاثم بمثار النقع مشتغل

بجاحم من أوار الثكل مشتعل

72- عقدت بالخزي في عطفي مقلده

طوق الحمامة باق غير منتقل

73- أمسى خليل صغار بعد نخوته

بالأمس في خيلاء الخيل والخول

74- دام يديم زفيرا في جوانحه

جنح‘، من الشك لم يجنح ولم يمل

75- يقاد في القد خنقا مشربا حنقا

يمشي به الذعر مشي الشارب الثمل

76- أوصاله من صليل الغل في علل

وقلبه من غليل الغل في غلل

77- يظل يحجل ساجي الطرف خافضه

لمسكة الحجل لا من مسكة الخجل

78- أرحت بالسيف ظهر الأرض من نفر

أزحت بالصدق منهم كاذب العلل

79- تركت بالكفر صدعا غير ملتئم

وآب عنك بقرح غير مندمل

80- وأفلت السيف منهم كل ذي أسف

على الحمام حماه آجل الأجل

81- قد أعتقته عتاق الخيل وهو يرى

به إلى رق موت رقة الغزل

82- فكم ببكة من باك وباكية

بفيض سجل من الآماق منسجل

83- وكاسف البال بالي الصبر جدت له

بوابل من وبال الخزي متصل

84- فؤاده من سعير الغيظ في غلل

وعينه من غزير الدمع في غلل

85- قد أسعرت منه صدرا غير مصطبر

وحملت منه صبرا غير محتمل

……………

86- ويوم مكة إذ أشرفت في أمم

يضيق منها فجاج الوعث والسهل

87- خوافق‘، ضاق ذرع الخافقين بها

في قاتم من عجاج الخيل والإبل

88- وجحفل قذف الإرجاء ذي(24) لجب

عرمرم كزهاء السيل(25) منسجل

89- وأنت صلى عليك الله تقدمهم

في بهو إشراق نور منك مكتمل

90- ينير فوق أغر الوجه منتجب(26)

متوج بعزيز النصر مقتبل

91- يسمو أمام جنود الله مرتديا

ثوب الوقار لأمر الله ممتثل

92- خشعت تحت بهاء العز حين سمت

بك المهابة فعل الخاضع الوجل

93- وقد تباشر أملاك السماء بما

ملكت إذ نلت منه غاية الأمل

94- والأرض ترجف من زهو ومن فرق

والجو يزهر إشراقا من الجذل

95- والخيل تختال زهوا في أعنتها

والعيس تنثال رهوا في ثنى الجدل

96- لولا الذي خطت الأقلام من قدر

وسابق من قضاء غير ذي حول

97- أهل ثهلان بالتهليل من طرب

وذاب يذبل تهليلا من الذبل

98- الملك لله هذا عز من عقدت

له النبوة فوق العرش في الأزل

99- شبعت صدع قريش بعدما قذفت

بهم شعوب شعاب السهل والقلل

100- قالوا محمد قد زارت كتائبه

كالأسد تزأر في أنيابها العصل

101- فويل مكة من آثار وطأته

وويل أم قريش من جوى الهبل

102- فجدت عفوا بفضل العفو منك ولم

تلملم ولا بأليم اللوم والعذل

103- أضربت بالصفح صفحا عن طوائلهم

طولا أطال مقيل النوم في المقل

104- رحمت واشج أرحام أتيح لها

تحت الوشيج نشيج الروع والوجل(27)

105- عاذوا بل كريم العفو ذي لطف

مبارك الوجه بالتوفيق مشتمل

106- أزكى الخليقة أخلاقا وأطهرها

وأكرم الناس صفحا عن ذوي الزلل

107- ذان الخشوع وقار‘، منه في خفر

أرق من خفر العذراء في الكلل

108- وطفت بالبيت محبورا وطاف به

من كان عنه قبيل الفتح في شغل

109- والكفر في ظلمات الخزي مرتكس‘،

ثاو بمنزلة البهموت من زحل

110- حجزت بالأمن أقطار الحجاز معا

وملت بالخوف عن خيف وعن ملل

111- وحل أمن‘، ويمن‘، منك في يمن

لما أجابت إلى الإيمان عن عجل

112- وأصبح الدين قد حفت جوانبه

بعزة النصر واستولى على الملل

113- قد طاع منحرف‘، منهم لمعترف

وانقاد منعدل‘، منهم لمعتدل

114- أحبب بخلة أهل الحق في الخلل(28)

وعز دولته الغراء في الدول

115- أم اليمامة يوم‘، منه مصطلم

وحل بالشام شؤم‘، غير مرتحل

116- تعرقت منه أعراق العراق لم

يترك من الترك عظم‘، غير منتشل(29)

117- لم يبق للفرس ليث‘، غير مفترس

ولا من الحبش جيش‘، غير منجفل

118- ولا من الصين صون‘، غير مبتذل

ولا من الروم مرمى غير منتضل

119- ولا من النوب جذم(30) غير منجذم(31)

ولا من الزنج جذل غير منجذل

120- ونيل بالسيف سيف النيل واتصلت

دعوى الجنود فكل بالجلاد صلي

121- وسل بالغرب غرب السيف إذ شرقت

بالشرق قبل صدور البيض والأسل

122- وعاد كل عدو عز جانبه

قد عاذ منك ببذل غير مبتذل(32)

123- بذمة الله والإيمان متصل

أو من شبا النصل بالأموال منتصل

……………..

124- يا صفوة الخلق قد أصفيت فيك صفا

صفو الوداد بلا شوب ولا دخل

125- ألست أكرم من يمشي على قدم

من البرية فوق السهل والجبل

126- وأزلف الخلق عند الله منزلة

إذ قيل في مشهد الأشهاد والرسل

127- قم يا محمد فاشفع في العباد وقل

تسمع وسل تعط واشفع عائدا وسل

128- والكوثر الحوض يروي الناس منظمأ

برح وينقع منه لافح الغلل

129- أصفى من الثلج إشراقا مذاقته

أحلى من اللبن المضروب بالعسل

130- نحلتك الود علي إذ نحلتكه

أحبى بحبك منه أفضل النحل

131- فما بجلدي لنصج النار من جلد

ولا لقلبي بهول الحشر من قبل

132- يا خالق الخلق لا تخلق بما اجترمت

يداي وجهي من حوب ومن زلل

133- واصحب وصل وواصل كل صالحة

على صفيك في الإصباح والأصل

…………………………………………………..

(*). هذا تعبير مقتبس من عمر بن أبي ربيعة في بيت من قصيدة عينية يقول فيه: ولما تفاوضنا الحديث وأسفرت وجوه زهاها الحسن أن تتقنعا

(1). في العبدرية: «الدلل» بإهمال الذال.

(2). في العمارية: «على».

(3). في العمارية: حال.

(4). في الحمارية والعبدرية «حي» والتصحيح من نسختنا.

(5). في العبدرية: نحل، ومعناهما واحد.

(6). في العمارية: شكوى وفي العبدرية: شكر والتصحيح من نسختنا.

(7). في العبدرية: رجل والحجر بكسر الحاء: أنثى الخيل.

(8). في نسختنا: للخلق.

(9). في العبدرية: مغلقة.

(10). في العبدرية: فلا نهر. والزوراء المذكورة في هذه الأبيات موضع بالمدينة وهو حديث أنس عن هذه المعجزة كما في الصحيحين: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالزوراء وحانت العصر، الحديث.

(11). في العبدرية: فلا نهر.

(12). السمل بقية الماء في الإناء.

(13). في العمارية: لم، وهو كذلك لا يتزن.

(14). في العبدرية: بردي.

(15). في نسختنا: الحبل بالمهملة، والخبل بالسكون الفساد وبالفتح الجن.

(16). في طرة نسختنا إشارة إلى نسخة أخرى فيها: له، وهي أنسب.

(17). الداهية والأمر الشديد.

(18). يريد به أمية بن خلف الذي كان يعذب بلالا بمكة فقتله بلال في بدر.

(19). في طرة نسختنا: إشارة إلى نسخة فيها: إلى الحرب.

(20). في العبدرية: حبيت.

(21). في العمارية: منخزل، والدعوة المشار إليها يعني ما جاء في الصحيح من قوله صلى الله عليه وسلم: اللهم عليك الملأ من قريش وسمى نفرا منهم: أبا جهل وأمية بن خلف وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأخاه الوليد فصرعوا كلهم في بدر.

(22). في العمارية: الموت.

(23). في العمارية: طال، والمراد بعقبة: ابن أبي معيط وهو الذي ألقى سلا الجزور على النبي عند سجوده فدعا عليه وعلى رفاقه.

(24). في العبدرية: «في لجب».

(25). في العمارية: «الليل»، وفي العبدرية: «النسيل المنسحل»، وهو تصحيف.

(26). في العبدرية: «منتخب».

(27). في العبدرية: والخجل. والتصحيح من نسختنا.

(28). في العبدرية «خلل».

(29). في العبدرية: منشثل.

(30). في العبدرية: جزم وهو تصحيف.

(31). في العبدرية: منجرم.

(32). في العبدرية: ببكل منه مبتذل، ولا يظهر لها معنى.

انتقاء: ذة. نادية الصغير.

Science

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. خاتمت القصيدة في الموسوعة الشعرية بهذين البيتين:
    واغفر لعبد هفا في الإثم والزلل * وافاك مستعطفا والعقد لم يحل
    أذنبت لكن عسى والفضل منك عسى* حبّ النبيّ وحبّ الصحب يشفع لي

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق