مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبيةدراسات عامة

من أدب الإعراب

كتبه: أبو مدين شعيب تياو الأزهري الطوبوي
الباحث بمركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية
للأدب مكانة مرموقة في الدين، وحضور لافت للنظر في تعاليم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فكان صحابته ـ رضي الله عنهم ـ، يقتبسون من هدْيهِ ويأخذون من أدبه قبل علمهِ. كما عمل على شاكلته ـ صلى الله عليه وسلم ـ ورثتُهُ العلماءَ، فجمعوا بين الأدبين: الأدبِ مع الحقّ والأدبِ مع الخلق، وَراعَواْ ذلك في مجالسهم ومؤلفاتهم.
  ومن مظاهر أدبهم الرفيع تأدّبُهم في إعراب الجمل والتراكيب، التي لها ارتباط وعلاقة بالذات الإلهية وبكتابه العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، حتى إنَّ بعضَ النحاةِ زهدوا في بعض المصطلحات الإعرابية واستبدلوا بها أخرى، وإذا رجعت إليها البصر كَرَّتين ألفيتَ أَنَّ السببَ هو مراعاة الأدب مع الله سبحانه وتعالى.
ومن ذلك تسمية بدلِ الكل من الكلّ بالبدلِ المطابقِ(1)، وهو:”بدل الشي مما هو طبق معناه(2)”، كما فعل ابن مالك ـ رحمه الله ـ في «خُلَاصَتِهِ»، وخالف في ذلك جماعة النحاة، وذلك لوقوع هذا النوع من البدل في اسم الله تعالى كقوله:(إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ، اللَّهِ)[إبراهيم:1-2]، فيمن قرأ بالجرّ؛ فـ«الله» بدل من «العزيز» بَدلٌ مطابقٌ. ولا يقال فيه: بدل كلٍّ من كلٍّ، وإنما لم يُقلْ ذلك، لأن كلا إنما يطلق على ذي أجزاءٍ، وذلك ممتنع هنا، لأن الله تعالى منزه عن التَّجزيءِ(3)
ومن ذلك قولهم: إنَّ «عسى» من الله يفيد التحقيق، قال الطبري:”وعسى من الله حق(4)”، وقال في «اللباب»:” اتفق المفسرون على أنَّ كلمة «عسى» من الله واجبٌ. قال أهل

للأدب مكانة مرموقة في الدين، وحضور لافت للنظر في تعاليم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فكان صحابته ـ رضي الله عنهم ـ، يقتبسون من هدْيهِ ويأخذون من أدبه قبل علمهِ. كما عمل على شاكلته ـ صلى الله عليه وسلم ـ ورثتُهُ العلماءَ، فجمعوا بين الأدبين: الأدبِ مع الحقّ والأدبِ مع الخلق، وَراعَواْ ذلك في مجالسهم ومؤلفاتهم.

  ومن مظاهر أدبهم الرفيع تأدّبُهم في إعراب الجمل والتراكيب، التي لها ارتباط وعلاقة بالذات الإلهية وبكتابه العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، حتى إنَّ بعضَ النحاةِ زهدوا في بعض المصطلحات الإعرابية واستبدلوا بها أخرى، وإذا رجعت إليها البصر كَرَّتين ألفيتَ أَنَّ السببَ هو مراعاة الأدب مع الله سبحانه وتعالى.

ومن ذلك تسمية بدلِ الكل من الكلّ بالبدلِ المطابقِ(1)، وهو:”بدل الشي مما هو طبق معناه(2)”، كما فعل ابن مالك ـ رحمه الله ـ في «خُلَاصَتِهِ»، وخالف في ذلك جماعة النحاة، وذلك لوقوع هذا النوع من البدل في اسم الله تعالى كقوله:(إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ، اللَّهِ)[إبراهيم:1-2]، فيمن قرأ بالجرّ؛ فـ«الله» بدل من «العزيز» بَدلٌ مطابقٌ. ولا يقال فيه: بدل كلٍّ من كلٍّ، وإنما لم يُقلْ ذلك، لأن كلا إنما يطلق على ذي أجزاءٍ، وذلك ممتنع هنا، لأن الله تعالى منزه عن التَّجزيءِ(3)

ومن ذلك قولهم: إنَّ «عسى» من الله يفيد التحقيق، قال الطبري:”وعسى من الله حق(4)”، وقال في «اللباب»:” اتفق المفسرون على أنَّ كلمة «عسى» من الله واجبٌ. قال أهل المعاني: لأنه لفظٌ يفيدُ الإطماع، ومن أطمع إنساناً في شيء، ثم حَرَمَهُ، كان عاراً، والله تعالى أكرمُ من أن يُطْمِعَ وَاحداً في شيءٍ، ثم لا يُعطيه(5)”، وذلك كقول تعالى:(عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا)[النساء:84]، فهو إطماعٌ، والإطماعُ من الله عز وجل واجب(6).

ومن ذلك التَّورعُ من القول في حرفٍ من القرآن إنه حرفٌ زائدٌ، إجلالًا لكلام الله واحتراماً لهُ وملازمة الأدبِ معه تعالى، كقوله:(لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)[الشورى:11] فالكافُ صلةٌ، أو حرف توكيدٍ. قال ابن هشام:”وينبغي أن يجتنب المعْرِبُ أن يقول في حرفٍ في كتاب الله تعالى: إنه زائدٌ، لأنه يسبق إلى الأذهان أنَّ الزائدَ هو الذي لا معنى له، وكلامُه سبحانه مُنزَّهٌ عن ذلك (7)”. وقال:”وكثيرٌ من المتقدمين يُسمون الزَّائدَ صلةً(8)، وبعضهمُ يُسميه مُؤكِّدًا(9)، وبَعضهم يُسَمِّيه لغوًا، لكن اجتناب هذه العبارةِ [أي: الأخيرة] في التنزيل واجبٌ(10)”؛ لأنه يتبادر إلى الأذهان من اللَّغو الباطلُ، وكلامُ الله تعالى مُنزَّهٌ عن ذلك(11). ونظم ذلك الزواوي فقال:[من الرجز]

وَلْتَجْتَنِبْ يَا صَاحِ أَنْ تَقولَ في = حــرْفٍ مِنَ القُرآنِ زَائدٌ تَفِي

إِذْ تَسبقُ الأذْهانُ لِلإهـْـمالِ = وَهْو عَلى القُرآنِ ذُو اسْتِحَالِ

وَإِنَّماَ الزَّائـــــدُ مَا دَلَّ عَلى = مُجَرَّدِ التَّوْكِيدِ لَا مَا أُهْـــمِلَا

ومن ذلك قولهم: في نحو قوله تعالى:(خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ)[الأنبياء:37]، خُلِقَ: فعل ماض مبنيٌّ لما لم يسمَّ فاعله، بدل:مبنيّ للمجهُول. وفي نحو قوله: (واتَّقُوا اللهَ)[البقرة:189]، وأستغفر اللهَ: لفظ الجلالة منصوبٌ على التعظيم، بدل: مفعول به، لأن الله الفاعلُ المختارُ، وقوله:(اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ)[الفاتحة:6]، اهدنا:فعل دُعَاءٍ، أو فعل طلبٍ، بدل فِعل أمر، ونحو:(لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ)[الزخرف:77] اللام: حرف دعاء، ونحو:(لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا)[البقرة:286]، لا:حرف دعاء.

ومن ذلك أيضاً أن يكون المقصود بالكتاب عند الإطلاق القرآن الكريم لا كتاب سيبويه ـ رحمه الله ـ، ومنعُ تصغير أسماء الله الحسنى، وترخيمها، وتثنيتها وجمعها، وكون «كان» في نحو قوله:(وَكَانَ الله غَفُوراً رَّحِيماً)[النساء:96] غير مقيد بزمنٍ ماضٍ أو حاضرٍ أو مستقبلٍ، بل” كان ولا يزال غفوراً رحيماً؛ لأن الاختلاف في زمن الحدث إنما يَنْشَأُ مِن صَاحبِ الأغْيارِ، والحقُّ سبحانَهُ لا يَطرأُ عليه تغييرٌ(12)”، وَهَلمَّ جرّا…

وقد نبه إلى جملةٍ من تلك الآداب زينُ الدِّين شعبانُ بن محمد القرشي الآثاريُّ ـ رحمه الله ـ في ألفيته المسمَّاة بـ«كِفاية الغلام في إعراب الكلام»، وقال(13):[من الرجز]

خاتمةُ الفُصولِ: إعـرابُ الأدبْ = مـع الإلهِ ، وهْو بعضُ مــا وَجَبْ

فالربُّ مَسْؤُولٌ بأفعالِ الطَّلَـبْ = كَـ(اغْفِرْ لَنَا)، والعبدُ بالأمرِ انتَدبْ

وَفِي:«سَأَلْتُ اللهَ» في التَّعليــمِ = تَقولُ: منصوبٌ على التَّعظيــمِ

فَقِسْ عَلَى هَذَا ، وَوَقِّـعْ بِلَعَـلّْ = مِنْهُ، وَحَقِّقْ بِعَسَى تُعْطَ الْأَمَــــلْ

بِاللهِ طَالبٌ وَمطلـوبٌ عُلِمْ = «قَدْ يَعْلَمُ اللهُ» بِمَعْنَــى: قَدْ عَلِـمْ

وَامْنَعْ مِنَ التَّصغيرِ ثُمَّ التَّثْنِيَـهْ = وَالجمعِ والتَّـرخيمِ خيرَ التَّسْمِيَــهْ

وَشَاعَ فِي لَفْظٍ مِنَ التَّعجــبِ = (ما أكرمَ الله) ، وفي معنًى أُبِــي

وحيثما قيلَ«الكِتابُ» انهَضْ إليهْ = كتابُ رَبِّي ، لَا كتابُ سِيبويـــهْ

لأنـَّـهُ بِكـلِّ شَــيْءٍ شَاهـدُ = وَلَا تَقُلْ:ذَا الحرْفُ منهُ زَائــدُ

بَلْ هُوَ تَوْكيدٌ لـمَعنًى ، أو صِلَـهْ = لِلَّفْظِ في آياتِــه المفصَّلَـــــهْ

أو لمعـانٍ حُقِّقـتْ عمـن رَوَى = كَهَلْ، وَنَحْو: بَلْ لِـمَعْنًى، لا سِـوى

ومنْ يقلْ بأنَّ ما زاد سَقَـطْ = أَخطأَ فِي القَولِ، وَذَا عينُ الغَلَــطْ

كَمِثْلِ “أنْ” مُفيـدة الإمْهـالِ = وَكَافِـــهِ نافـيـة الأمثــــالِِ

ولا تكن مُستشهدًا بـ«الأَخْطـلِ» = فِيهِ، وَلَا سِـوَاهُ كَـ«السَّمـوألِ»

وَغَالبُ النُّحاةِ عن ذَا البـابِ = في غَفْلةٍ، فانحُ على الصَّــــوابِ

تَكُنْ كمنْ بلغـةِ العَدنانــي = أعربَ ، وهْيَ لغــةُ القــرآنِ

والأخذُ فيه عن قُريشٍ قد وَجبْ = لأنهمْ أشـرفُ بيـتٍ في العـَــربْ

فَكُنْ كَمَنْ بقولِهم قدِ اكتفَـى = وَحسبُـنا الله تعَـالـى وكفَى

وكل ذلك إنَّما هو من باب التَّأدب والتعظيم والاحترام، لا من بابِ التَّنطع أو الوُجوب والإلزام.

ـــــــــ

الهوامش:

(1)  قال في الخلاصة في باب البدل:

التَّابِعُ المَقْصُودُ بِالحُكْمِ بِلاَ = وَاسِطَةٍ هُوَ المُسَمَّى بَدَلاً

مُطَابِقَاً، أَو بَعْضَاً، اَو مَا يَشْتَمِل = عَلَيْهِ يُلفَى أَو كَمَعْطُوفٍ بِبَل

(2)  أوضح المسالك، 3/364.

(3)  أوضح المسالك، 3/364، التصريح، 2/192.

(4)  تفسير الطبري، 17/385.

(5)  اللباب في علوم الكتاب، 12/363.

(6)  تفسير القرطبي، 5/294.

(7)  الإعراب عن قواعد الإعراب، ص:108.

(8)  لكونه يتوصل به إلى نيل غرض صحيح كتحسين الكلام وتزيينه، [موصل الطلاب، ص:172]

(9)  لأنه يعطي الكلام معنى التأكيد والتقوية، [موصل الطلاب، ص:172]

(10)  الإعراب عن قواعد الإعراب، ص:109.

(11)  موصل الطلاب إلى قواعد الإعراب، ص:172.

(12)  تفسير الشعراوي، 19/11931.

(13) ألفية الآثاري: كفاية الغلام في إعراب الكلام ، ص:109-110.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق