مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةدراسات عامة

من أحداث السيرة في شوال: غزوة حمراء الأسد

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه

تمهيد:

الحَمْد لله رَب العَالمين، والصَّلاة والسَّلام على المبْعُوث رَحْمةً للعَالمين، وعَلى آله الطَّاهرين الطَّيبين، وأصْحَابه الغُرِّ  الميامين.

وبعد؛ فشهر شوال من الشهور المباركة التي اجتهد فيها النبي ﷺ وأصحابه الكرام في نشر الدعوة الإسلامية في ربوع الجزيرة العربية، حيث وقعت في هذا الشهر الفضيل مجموعة من الأحداث، والوقائع، والبعوث، والسرايا في تاريخ صدر الإسلام منها: غزوة حمراء الأسد. ولأهمية هذا الغزوة ارتأيت أن أفردها بهذا المقال للحديث عن تاريخ وقوعها، وسببها، وأحداثها، وما يستفاد منها من عبر.

وقبل الشروع في المقصود أعرف بحمراء الأسد:

وحمراء الأسد موضع: من المدينة على بعد ثمانية أميال عن يسار الطريق إذا أردت ذا الحليفة… كذا[1].  وتبعد منطقة حمراء الأسد بعشرين كيلومتر جنوب المدينة المنورة[2].

تاريخ الغزوة:

وقعت هذه الغزوة في السنة الثالثة من الهجرة النبوية في شهر شوال، قال ابن سيد الناس اليعمري:”غزوة حمراء الأسد وهي صبيحة يوم الأحد عند ابن إسحاق، لست عشرة مضت من شوال. وعند ابن سعد: لثمان خلون من شوال، من صبيحة أحد، والخلاف عندهم في أحد كما سبق”[3].

سبب الغزوة:

وسببها: أنه بعد انتهاء غزوة أحد وانصراف المشركين إلى مكة، تلاوم بعضهم أنهم لم يقضوا على الوجود الإسلامي بالمدينة المنورة، فقرروا الرجوع لملاقاة المسلمين من جديد ، فعلم بخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم، فقرر ملاقاتهم في حمراء الأسد. 

قال ابن إسحاق:” وكانت خزاعة، مسلمهم ومشركهم عيبة نصح لرسول الله صلى الله عليه وسلم، بتهامة، صفقتهم معه، لا يخفون عنه شيئا كان بها، ومعبد يومئذ مشرك، فقال: يا محمد، أما والله لقد عز علينا ما أصابك، ولوددنا أن الله عافاك فيهم، ثم خرج ورسول الله صلى الله عليه وسلم بحمراء الأسد، حتى لقي أبا سفيان بن حرب ومن معه بالروحاء، وقد أجمعوا الرجعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وقالوا: أصبنا حد أصحابه وأشرافهم وقادتهم، ثم نرجع قبل أن نستأصلهم! لنكرن على بقيتهم، فلنفرغن منهم. فلما رأى أبو سفيان معبدا، قال: ما وراءك يا معبد؟ قال: محمد قد خرج في أصحابه يطلبكم في جمع لم أر مثله قط، يتحرقون عليكم تحرقا، قد اجتمع معه من كان تخلف عنه في يومكم، وندموا على ما صنعوا، فيهم من الحنق، عليكم شيء لم أر مثله قط، قال: ويحك! ما تقول؟ قال: والله ما أرى أن ترتحل حتى أرى نواصي الخيل، قال: فو الله لقد أجمعنا الكرة عليهم، لنستأصل بقيتهم: قال: فإني أنهاك عن ذلك، قال: والله لقد حملني ما رأيت على أن قلت فيهم أبياتا من شعر…” [4].

ومر بأبي سفيان ركب من عبد القيس يريدون المدينة لأجل الميرة، فقال لهم:” فهل أنتم مبلغون عني محمدا رسالة أرسلكم بها إليه، وأحمل لكم هذه غدا زبيبا بعكاظ إذا وافيتموها؟ قالوا نعم، قال: فإذا وافيتموه فأخبروه أنا قد أجمعنا السير إليه وإلى أصحابه لنستأصل بقيتهم، فمر الركب برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بحمراء الأسد، فأخبروه بالذي قال أبو سفيان، فقال: حسبنا الله ونعم الوكيل”[5]

أحداث الغزوة:

قال ابن سعد:” لما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحد مساء يوم السبت بات تلك الليلة على بابه ناس من وجوه الأنصار وبات المسلمون يداوون جراحاتهم، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح يوم الأحد أمر بلالا أن ينادي أن رسول الله يأمركم بطلب عدوكم، ولا يخرج معنا إلا من شهد القتال بالأمس، فقال جابر بن عبد الله: إن أبي خلفني يوم أحد على أخوات لي فلم أشهد الحرب فأذن لي أن أسير معك، فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يخرج معه أحد لم يشهد القتال غيره. ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بلوائه، وهو معقود لم يحل، فدفعه إلى علي بن أبي طالب، ويقال: إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنهما وخرج وهو مجروح في وجهه، ومشجوج في جبهته، ورباعيته قد شظيت، وشفته السفلى قد كلمت في باطنها، وهو متوهن منكبه الأيمن من ضربة ابن قميئة وركبتاه مجحوشتان، وحشد أهل العوالي ونزلوا حيث أتاهم الصريخ وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسه، وخرج الناس معه فبعث ثلاثة نفر من أسلم طليعة في آثار القوم فلحق اثنان منهم القوم بحمراء الأسد وهي من المدينة على عشرة أميال طريق العقيق متياسرة عن ذي الحليفة إذا أخذتها في الوادي، وللقوم زجل وهم يأتمرون بالرجوع وصفوان بن أمية ينهاهم عن ذلك، فبصروا بالرجلين فعطفوا عليهما فعلوهما ومضوا ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه حتى عسكروا بحمراء الأسد، فدفن الرجلين في قبر واحد وهما القرينان وكان المسلمون يوقدون تلك الليالي خمسمائة نار حتى ترى من المكان البعيد، وذهب صوت معسكرهم ونيرانهم في كل وجه فكبت الله تبارك وتعالى بذلك عدوهم فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فدخلها يوم الجمعة وقد غاب خمس ليال وكان استخلف على المدينة عبد الله ابن أم مكتوم”[6].  

ما يستفاد من الغزوة:

في هذه الغزوة تحققت مجموعة من المقاصد والغايات منها:

1-بيان مكانة الصحابة وفضلهم رضوان الله عليهم؛ لأنهم استجابوا لله ولرسوله حين دعاهم للخروج لهذه الغزوة؛ على الرغم من جراحهم بعد غزوة أحد. قال تعالى: (الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين احسنوا منهم أجر عظيم) [7].

قال القرطبي في المفهم :” أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لما رجع إلى المدينة من أحد بمن بقي من أصحابه، وأكثرهم جريح، وقد بلغ منهم الجهد، والمشقة نهايته، أمرهم بالخروج في أثر العدوِّ مرهبًا لهم، وقال: لا يخرجن إلا من كان شهد أحدًا، فخرجوا على ما بهم من الضَّعف  والجراح، وربما كان فيهم المثقل بالجراح لا يستطيع المشي، ولا يجد مركوبًا، فربما يحمل على الأعناق، كل ذلك امتثالٌ لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم”[8].

2-محو آثار الهزيمة التي لحقت الصحابة رضوان الله عليهم في أحد، وقدرتهم على لملمت جراحهم، والعودة من جديد لقتال المشركين خارج أسوار المدينة، فازدادوا عزة وقوة مما جعل أعداءهم يحسبون لهم ألف حساب، وقد بين الله تعالى هذا الموقف في القرآن الكريم فقال: (الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم)[9]. وقد لخص هذا المغزى  الدكتور علي الصلابي حين قال: ” ألا يكون آخر ما تنطوي عليه نفوس الذين خرجوا يوم أحد هو الشعور بالهزيمة “[10].

3-خروج الصحابة رضوان الله عليهم لهذه لغزوة كان له الأثر في رفع معنويات الصحابة، وبث الخوف في معنويات العدو قال ابن إسحاق:” وإنما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مرهبا للعدو، وليبلغهم أنه خرج في طلبهم ليظنوا به قوة، وأن الذي أصابهم لم يوهنهم عن عدوهم”[11].

4 – إعلام الصحابة رضوان الله عليهم أن ما أصابهم في ذلك اليوم إنما هو محنة وابتلاء اقتضتها إرادة الله وحكمته، وأنهم أقوياء، وأن خصومهم الغالبين في الظاهر ضعفاء[12]

*********************

هوامش المقال:

 [1]  معجم ما استعجم للبكري 2 /468  

[2]  معجم المعارك التاريخية ص: 198.

[3]  عيون الأثر (2/ 57).

[4]  سيرة ابن هشام (3 /67-68).

[5]  سيرة ابن هشام (3/ 69).

[6]  الطبقات الكبر (2 /49).

[7]  آل عمران: 172.

[8]  المفهم (6 /291-292)

[9]  آل عمران: 172 – 173 – 174.

[10]  السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث (ص: 507).

[11]  السيرة النبوية (3/ 66).

[12]  السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث (ص: 507).

**********************

 لائحة المصادر والمراجع:

  1. السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث، للدكتور علي محمد الصلابي، دار المعرفة، بيروت، الطبعة السابعة، 1429هـ/2008م.
  2. السيرة النبوية، لعبد الملك بن هشام بن أيوب الحميري المعافري، أبو محمد، جمال الدين ، تحقيق: مجدي فتحي السيد، دار الصحابة للتراث بطنطا، الطبعة الأولى، 1416هـ/1995م.
  3. الطبقات الكبرى، لأبي عبد الله محمد بن سعد بن منيع الهاشمي بالولاء، البصري، البغدادي المعروف بابن سعد، ت: إحسان عباس، دار صادر – بيروت، (د.ت).
  4. عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير، لأبي الفتح محمد بن محمد ابن سيد الناس اليعمري، ت: د. محمد العيد الخطراوي، ومحيي الدين مستو، مكتبة دار التراث، المدينة، ودار ابن كثير، دمشق، بيروت، (د.ت).
  5. معجم المعارك التاريخية، لنجاة سليم محمود محاسيس، دار زهران، عمان، الطبعة الأولى 1432هـ/2011م.
  6. معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع، لأبي عبيد عبد الله بن عبد العزيز البكري، ت: مصطفى السقا، عالم الكتب، بيروت. (د.ت).
  7. المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، لأبي العباس أحمد بن عمر بن إبراهيم القرطبي ت: محيي الدين ديب ميستو – أحمد محمد السيد – يوسف علي بديوي – محمود إبراهيم بزال الناشر: (دار ابن كثير، دمشق – بيروت)، (دار الكلم الطيب، دمشق – بيروت)، الطبعة: الأولى، 1417 هـ – 1996م.

راجع المقال الباحث: عبد الفتاح مغفور

د. محمد بن علي اليــولو الجزولي

  • أستاذ باحث مؤهل بمركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة النبوية العطرة بالعرائش، التابع للرابطة المحمدية للعلماء بالرباط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق