مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكقراءة في كتاب

قراءة في كتاب منهاج العابدين إلى جنة رب العالمين لحجة الإسلام أبي حامد الغزالي(ت505هـ)

بين يدي كتاب منهاج العابدين الى جنة العالمين:

كتاب منهاج العابدين إلى جنة رب العالمين من أواخر الكتب التي ألفَّها الإمام الغزالي رحمه الله وهذا يعني أنه كان مثل عصارة فكره، وزبدة معارفه وتجاربه لذا فإنه قد شمل من العلم والخبرة والإتقان ما لم يشمله كتاب آخر من كتبه وقد أراد الغزالي من هذا الكتاب شرح كيفية سلوك طريق الآخرة، وذلك بالعبادة التي هي ثمرة العلم وطريق الأتقياء ومنهاج الجنة حتى ينتفع به المبتدئ والمنتهي والقوي والضعيف فهو للعامة وليس للخاصة كما هو كتاب القربة الى الله تعالى أو كتاب أسرار معاملات الدين الذي لا ينتفع به إلا فحول العلماء الراسخون في العلم

لذا يقول الغزالي “فاقتصرت في هذا الكتاب الشريف على نكت وجيزة اللفظ غزيرة المعنى تقنع من تأملها وتدعه على واضحة من الطريق إن شاء الله” ولعل الغزالي تعب في آخر أيامه من الاختلاف مع العلماء والمحدثين فأراد أن يكتب كلاما واضحا سهلا مفهوما لا يتعاص على أحد،. يقول: ” فابتهلت إلى من بيده الخلق والأمر، أن يوفقني لتصنيف كتاب يقع عليه الإجماع ولا يعترض عليه معترض” من هنا تبرز أهمية كتاب منهاج العابدين من بين كتب الغزالي التي ألفها في الموضوع ذاته أو في مواضع أخرى.

ويتناول الكتاب كذلك النفس البشرية بالوصف والعلاج مما علق أو يعلق بها من شرور وآثام أو ميل نحوها. يقول: “فقد سألت الله أن يطلعني على سر معالجة النفس وأن يصلحني ويصلح بي” وقد حدد الإمام الغزالي رحمه الله العقبات التي تعترض سبيل السالك ولخصها في سبع عقبات هي: عقبة العلم، ثم عقبة التوبة، ثم عقبة العوائق، ثم عقبة العوارض، ثم عقبة البواعث، ثم عقبة القوادح، ثم عقبة الحمد والشكر، وشرح كل عقبة وفصل المقال فيها، ودلَّ على الطريق الصحيح؛ لتخطي العقبات جميعاً.

ويظهر الغزالي كرجل عالم بالأخلاق عظيم قابض على زمام موضوعه تماما دقيق إلى الغاية نفساني ذرب مصنف عجيب في ضروب الأخلاق يعرب عن أفكاره بفيض وحرارة تفرضان على قارئة الاعجاب به، إنه يقرر نظرية معتدلة عن التصوف الإسلامي الذي يبعد مذهب وحدة الوجود والحلولية وغيرها مما أخذ على بعض رجال الصوفية “[7].

فالغزالي يمسك التصوف ضمن حدود مرسومة بدقة وعناية متناهيتين، ويجعل منه مدرسة رائعة لإيمان متواضع وقلب ملؤه النقاوة والصفاء ينعكسان خلقا إسلاميا مثاليا ولم يخرج الغزالي عن جادة السنة وإنما رغب في أن يجعل لتعاليمها وأحكامها تأثيرا مباشرا على حياة المسلم، أعظم نبلا وأوثق اتصالا بالقلب.

منهج الغزالي وأسلوبه في هذا الكتاب:

يقر الغزالي أن المنهج الذي اتبعه في هذا الكتاب كان بإلهام من الله تعالى وهو ترتيب فريد لم يذكره في غير هذا الكتاب يقول: “وألهمني فيه ترتيبا فريدا لم أذكره في المصنفات التي تقدمت”، ثم يبين الغزالي هذا الترتيب الذي ألهمه إياه مولاه في طريق العبادة فرأى أن فيها سبع عقبات: عقبة العلم، عقبة التوبة، عقبة العوائق، عقبة العوارض، عقبة البواعث، عقبة القوادح، عقبة الحمد والشكر، وبتمامها يتم كتاب منهاج العابدين إلى الجنة، بعد ذلك يتتبع الغزالي هذه العقبات بشرح يقتصر على نكت وجيزة اللفظ غزيرة المعنى تقنع من تأملها وتدعه على واضحة من الطريق إن شاء الله ، والكلمة عند الغزالي تجري من بين شفتيه من غير أن تجف لما يهبها من حياة وعاطفة صادقة وتتدفق الكلمات والعبارات بغزارة لا تنافي الرقة واللطافة وسرعة الانسياب والتأثير في القلوب والنفوس[8].

           لقد بذل علماؤنا الأفذاذ جهودا في التأليف، والتصنيف، والاختصار والشرح والنظم، مسخرين في ذلك كل ما يمكن أن يُسهم في خدمة العلم وأهله، تكشف عن الثراء المعرفي والفكري الذي تميزوا به على اختلاف الأزمنة والفترات والظروف والأحوال، وتنبئ عن عمل دؤوب ومتواصل للتقريب والتيسير والتسهيل ما أمكن، وتسخير كل ما من شأنه تحقيق ذلك، وتقديمه للمبتدئ في طلب العلم كالمنتهي أو المواصل في طلبه على حد سواء، فما أحوج مجتمعاتنا اليوم إلى ربط الحاضر بالماضي، والعمل الجاد على إحياء وتقريب جهود علمائنا وشيوخنا وما خلفوه من مصنفات وذخائر وذلك بإعادة قراءتها قراءة تكون خادمة لكل ما يخص الأفراد والمجتمعات وجميع الأصعدة وفي جميع الميادين باعتبار أن الدين يشمل جوانب عدة، ما هو فردي ومجتمعي واقتصادي وسياسي وأمني وفكري و روحي وأخلاقي وسلوكي.

الهوامش:


[1]– المنقذ من الضلال 178.

[2]– سير أعلام النبلاء 14/267، رقم: 4627، معجم المؤلفين11/266، الفكر السامي2/658، هدية العارفين2/71 رقم: 5889                                                                                               

[3] – نوابغ العرب: أبو حامد الغزالي ص93.

نوابغ العرب: أبو حامد الغزالي ص94.  [4]

نوابغ العرب: أبو حامد الغزالي ص 95 وما بعدها.[5]

[6] – أنظر نوابغ العرب أبو حامد الغزالي 93 وما بعدها.

[7]– مقدمة المحقق ص 24.

[8] – نوابغ العرب أبو حامد الغزالي ص 26.

الصفحة السابقة 1 2

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق