مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراثقراءة في كتاب

منظوم الدرر في شرح كتاب المختصرلأبي بكر ابن الفخار الجذامي الأركشي تـ723هـ

  يعد كتاب المختصر لأبي الحسن علي بن عيسى بن عبيد الطليطلي، أحد أعمدة الدرس الفقهي ببلاد الأندلس خلال القرن الرابع الهجري؛ إذ شاع وذاع، وتلقاه الناس بالقبول، وبادره أهل العلم بالشرح والتحليل، فكان من أبرز وأهم شروحه النافعة والماتعة، كتاب :«منظوم الدرر في شرح كتاب المختصر»، لمؤلفه العلامة الفقيه المحدث اللغوي، أبي بكر محمد بن علي بن محمد ابن الفَخَّار الجُذَامي الأرْكُشِي الشَّرِيشِي المَالَقي(ت723هـ)، وهو أحد دهاقين العلم الذين أنجبتهم بلاد الأندلس العزيزة، جادت قريحته بزهاء ثلاثين كتاباً في علوم شتّى، ولا غرو أن يثني عليه لسان الدين ابن الخطيب بقوله:«بالغ الناس في تعظيمه مبلغاً لم ينله مثله، وانْتُفِع بعلمه واستفيد منه، وقلَّ أن يقرأ عليه أحدٌ إلا نجب».

  لم يستهل ابن الفخار كتابه كعادة المصنفين بمقدمة ممهدة، بل بدأ  بالشرح والتحليل، مقتصراً على الأبواب الفقهية العامة التي تناولها صاحب المختصر، يتعلق الأمر بأحكام العبادات من طهارة، وصلاة، وزكاة، وصيام، وحج، وغيره، وبعض أحكام المعاملات مثل: الربا، وبعض أنواع البيع، ملتزماً في ذلك بما هو مقرَّر في المذهب المالكي، حريصاً على تقرير المشهور فيه، والاستدلال بأقوال فقهاء وفطاحل المالكية، ذاكراً القواعد الفقهية والأصولية، وما تقتضيه الصنعة الفقهية، ولم يغفل المؤلف تأصيل المسائل الفقهية المشروحة ضمن أصولها من الكتاب والسنة.

  ونظم مادة الكتاب بأسلوب رصين وطيد، وفي الآن نفسه سهل وميسر، يستهوي القارئ ويستميله، بجمال العبارة، وبما أوضحه من غوامض، وما حلّه من مشكلات، فجاء شرحه ماتعاً بديعاً، ليس بالطويل المُمِلّ، ولا بالمختصر المخلّ، حوى بين طياته نفائس ودرراً، وزيادات وفوائد، وتنبيهات وتقريرات، لا يسع المنتسب للمالكية جهلها.

  وقد اعتمد ابن الفخار على مظان كثيرة في تحرير هذا الشرح، منها مـا لم يصرّح به؛ وهو الأقل، مثل المدونة، ومنها مـا صرَّح به؛ وهو الأغلب، نذكر منها: موطأ مالك، وصحيح مسلم، وواضحة ابن حبيب، وتمهيد ابن عبد البر، وتبصرة اللخمي، وتفريع ابن الجلاب، وتهذيب البراذعي، ومعونة القاضي عبد الوهاب، وغيرها.

  ويكتسب الشرح قيمته بكونه الوحيد الذي ذاع صيته من شروح مختصر الطليطلي، وتعدّدت نسخه، حتى درسه الخاصة والعامة، ونهل منه الطلبة والعلماء، بل وعُدّ أصلا للنقل في أمور بعينها، مثل «مسألة من أدرك الإمام رافعا من الركوع»، وهو ما نجده في شرح الرسالة لزروق البرنسي (1/279)، وفي مواهب الجليل للحطاب (2/132).

  وبالجملة فالكتاب مرجع فقهي على المذهب المالكي، قمينٌ بكل عناية ودراسة.

  وقد طبع سنة 1432هـ/2011م في دار ابن حزم ببيروت ومركز التراث الثقافي بالدار البيضاء، بعناية أبي الفضل الدمياطي، وهي عناية مشكورة، لكن شابتها تصحيفات وتحريفات عديدة لا ترقى إلى مستوى التحقيق الأمثل للكتاب، ثم طبع بمركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراث بالرابطة المحمدية للعلماء بالرباط سنة 1433هـ/2012م، دراسة وتحقيق: طارق طاطمي ورشيد قباظ، وقد اعتمد المحققان جميع النسخ الخطية المتوفرة، واجتهدا في ضبط النص وخدمته والتعليق عليه، وقدّماه بدراسة ضافية عن المؤلف والكتاب.

  الكتاب: منظوم الدرر في شرح كتاب المختصر.

  المؤلف: أبو بكر محمد بن علي بن محمد ابن الفخار الجذامي الأركشي تـ723هـ.

  من مصادر ترجمته: الإحاطة في أخبار غرناطة:(3/91-95)، درة الحجال:(2/83-126)، شجرة النور الزكية:(1/305).

  الطبعة: مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراث بالرابطة المحمدية للعلماء، سلسلة نوادر التراث(17)، الرباط، سنة 1433هـ/2012م.

  تحقيق: طارق طاطمي ورشيد قباظ.

إنجاز: د. طارق طاطمي

Science

الدكتور طارق طاطمي

باحث مؤهل متعاون مع مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراث، التابع للرابطة المحمدية للعلماء بالرباط

منسق تحرير مجلة لسان المحدث التابعة للرابطة المحمدية للعلماء

منسق تحرير موقع مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراث

أستاذ السيرة النبوية بمؤسسة دار الحديث الحسنية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق