مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةدراسات عامة

منتخبات من أحداث السيرة التي وقعت في شهر ذي القعدة

بسم الله الرحمن الرحيم

 تقديم:   

    يعد شهر ذي القعدة الشهر الحادي عشر في التقويم الهجري، يسبق شهر ذي الحجة، ويأتي بعد شهر شوال، وهو من الأشهر الحرم التي جاء التنويه بها وبفضلها في كتاب الله تعالى؛ حيث قال سبحانه: (إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم) ([1])،وقد حذرت هذه الآية الكريمة عباده من ظلم أنفسهم في هذه الأشهر الحرم  والتي عينت في سنة النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث أبي بكرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم:  قال: “الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض، السنة اثنا عشر شهراً، منها أربعة حرم، ثلاثة متواليات: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب مُضَر، الذي بين جمادى وشعبان([2])،  ثم إن هذا الشهر كغيره من الشهور وقعت فيه  بعض الأحداث الخاصة بالسيرة النبوية؛ ولأهمية هذا الموضوع أحببت أن أذكِّر نفسي وإياكم ببعض هذه الأحداث بإيجاز، منتقية منها الأحداث المتفق عليها غالبا، والتي وقعت في هذا الشهر  الفضيل، دون التطرق إلى تلك التي وقع فيها الخلاف، وهذا أوان الشروع في الموضوع فأقول وبالله أستعين: 

من أحداث السيرة  النبوية التي وقعت في شهر ذي القعدة أذكر الآتي:

أولا: حلف الفضول:

وقع حلف الفضول بعد حرب الفجار؛ وذلك في شهر ذي القعدة قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم بعشرين سنة([3])، ويسمى كذلك حلف المطيبين، وقد شهده النبي صلى الله عليه وسلم وهو غلام قال: ” شهدت حلف المطيبين مع عمومتي وأنا غلام، فما أحب أن لي حمر النعم، وأني أنكثه”([4]).

ومختصر أحداثه كما روى ذلك ابن هشام قال: ” تداعت قبائل قريش إلى حلف، فاجتمعوا في دار عبد الله بن جُدعان … لشرفه وسنه، فكان حلفهم عنده: بنو هاشم، وبنو المطلب، وأسد بن عبد العزى، وزُهرة بن كلاب، وتيم بن مُرة، فتعاقدوا وتعاهدوا على أن لا يجدوا بمكة مظلوما من أهلها، وغيرهم ممن دخلهما من سائر الناس إلا قاموا معه، وكانوا على من ظلمه حتى ترد عليه مظلمته، فسمت قريش ذلك الحلف: حلف الفضول”([5]).

ثانيا: زواجه من زينب بنت جحش رضي الله عنها

في شهر ذي القعدة تزوج النبي صلى الله عليه وسلم بالسيدة زينب بنت جحش؛ قال ابن القيم: “وقد ذكر أرباب التواريخ أن تزويجه بزينب كان في ذي القعدة سنة خمس “ ([6]).

قال ابن كثير:” و في صبيحة عرسها نزل الحجاب..” ([7])، وكانت رضي الله عنها تفخر على نساء النبي صلى الله عليه وسلم وتقول: الله عز وجل أنكحني من السماء؛  فعن أنس رضي الله عنه قال: “جاء زيد بن حارثة يشكو فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول: اتق الله وأمسك عليك زوجك، قال أنس: لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كاتما شيئا لكتم هذه ، قال: فكانت زينب تفخر على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم تقول: زوجكن أهاليكن، وزوجني الله تعالى من فوق سبع سموات”([8]).

ثالثا: صلح الحديبية

في السنة السادسة من الهجرة في شهر ذي القعدة استطاع النبي صلى الله عليه وسلم أن ينتزع من قريش صلحاً سمي بـ: صلح الحديبية ؛ وذلك بعدما خرج النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة قاصدا مكة لأداء العمرة، فصدته قريش عن ذلك ، فوقعت بيعة الرضوان . ثم صلح الحديبية مدة عشر سنين، ورغم ما كان من  بنود  مجحفة بالمسلمين في هذا الصلح؛ إلا أن ذلك عاد بالنفع عليهم ([9]).

رابعا: زواجه بميمونة بنت الحارث رضي الله عنها:

في السنة السابعة في شهر ذي القعدة كذلك وبعد عمرة القضية تزوج النبي صلى الله عليه وسلم بالسيدة ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها  . قال موسى بن عقبة، عن ابن شهاب قال: “ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من العام القابل من عام الحديبية معتمرا في ذي القعدة سنة سبع، وهو الشهر الذي صده فيه المشركون عن المسجد الحرام، حتى إذا بلغ يأجج وضع الأداة كلها: الحجف، والمجان، والرماح، والنبل، ودخلوا بسلاح الراكب … وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه بين يديه إلى ميمونة بنت الحارث بن حزن العامرية رضي الله عنها فخطبها عليه، فجعلت أمرها إلى العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه، وكانت تحته أختها أم الفضل بنت الحارث رضي الله عنها، فزوجها العباس رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ..” ([10]).

خامسا: اعتماره صلى الله عليه وسلم:

ثبت أن عُمَرَه صلى الله عليه وسلم جميعها كانت في شهر ذي القعدة، فقد اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم أربع عمر ؛ فعن أنس رضي الله عنه أخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع عُمَر، كلهن في ذي القعدة، إلا التي مع حجته، عمرة من الحديبية أو زمن الحديبية في ذي القعدة، وعمرة من العام المقبل في ذي القعدة، وعمرة من جعرانة ؛حيث قسم غنائم حنين في ذي القعدة، وعمرة مع حجته “ ([11]).

الخاتمة:

وفي ختام هذا المقال أخلص إلى الآتي:

1-يعد شهر ذي القعدة من الأشهر الحرم التي جاء التنويه بها وبفضلها في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

2-أنه شهر وقعت فيه عدة أحداث من السيرة النبوية،  وقد انتقيت في المقال بعض الأحداث المتفق على وقوعها فيه غالبا ، دون التطرق إلى تلك التي وقع فيها الخلاف في شهر وقوعها، ومن هذه الأحداث:

أ-حلف الفضول الذي شهده النبي صلى الله عليه وسلم وهو غلام.

ب-زواجه صلى الله عليه وسلم بالسيدة  زينب بنت جحش رضي الله عنها.

ت-زواجه صلى الله عليه وسلم بالسيدة ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها.

د-عقده لصلح الحديبية.

3- أنه موسم عُمَر النبي صلى الله عليه وسلم؛ وقد ثبت أن عمره جميعا كانت في هذا الشهر الفضيل.

والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

*******************

هوامش المقال:

([1]) سورة التوبة الآية (36).

([2])  أخرجه البخاري في صحيحه (2 /419)، كتاب: بدء الخلق، باب: ما جاء في سبع أرضين، برقم: (3197)، ومسلم في صحيحه (2/799)، كتاب: القسامة والمحاربين والقصاص والديات، باب: تغليظ تحريم الدماء والأعراض والأموال برقم:  (1679).

([3])  الروض الأنف (1 /169).

([4])  أخرجه أحمد في مسنده (3/ 193)، برقم: (1655).

([5])  سيرة ابن هشام (1 /153-154).

([6])  زاد المعاد (3/ 195).

([7])  الفصول في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم (ص: 246).

([8])  أخرجه البخاري في صحيحه (4 /388)، كتاب: التوحيد، باب: (وكان عرشه على الماء)، برقم: (7420).

([9])  راجع أحداث الصلح في سيرة ابن هشام (3/ 255 فما بعدها).

([10])  مغازي موسى بن عقبة (ص: 260-261).

([11])  أخرجه مسلم في صحيحه (1/ 572) ، كتاب: الحج، باب: بيان عدد عمر النبي صلى الله عليه وسلم وزمانهن، برقم: (1253).

**********************

لائحة المصادر والمراجع المعتمدة:

الجامع الصحيح. أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، قام بشرحه، وتصحيحه ، وتنقيحه: محب الدين الخطيب، ورقم كتبه، وأبوابه، وأحاديثه: محمد فؤاد عبد الباقي، وراجعه، وقام بإخراجه، وأشرف على طبعه: قصي محب الدين الخطيب، المطبعة السلفية القاهرة. ط 1/ 1400هـ..

الروض الأنف والمشرع الروى فيما اشتمل عليه كتاب السيرة. لأبي القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد السهيلي . طبعة مقابلة على نسخ خطية. اعتنى به: حسين محمد شكري دار الكتب العلمية بيروت. 2015مـ.

زاد المعاد في هدي خير العباد. لأبي عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب المعروف بابن القيم الجوزية. تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا. دار الكتب العلمية بيروت لبنان 2006مـ.

السيرة النبوية. لابن هشام . علق عليها وخرج أحاديثها وصنع فهارسها: عمر عبد السلام تدمري. دار الكتاب العربي بيروت. ط3/ 1410هـ- 1990مـ. 

صحيح مسلم. وفي طليعته: غاية الابتهاج لمقتفي أسانيد كتاب مسلم بن الحجاج لمحمد بن محمد مرتضى الزبيدي.دار طيبة. الرياض. ط1/ 1427هـ-2006مـ.

الفصول في سيرة الرسول. لأبي الفداء إسماعيل ابن كثير الدمشقي. تحقيق: محمد العيد الخطراوي- محيي الدين مستو. . مؤسسة علوم القرآن بيروت. ط3/1402-1403هـ.

المسند. لأحمد بن حنبل الشيباني (ج3). حقق هذا الجزء: شعيب الأرنؤوط – عادل مرشد. مؤسسة الرسالة. (د.ت).

المغازي. لموسى بن عقبة. جمع ودراسة وتخريج: محمد باقشيش أبو مالك. منشورات جامعة ابن زهر أكادير.  1994مـ.

*راجع المقال: محمد إليولو

Science

دة. خديجة أبوري

  • أستاذة باحثة مؤهلة بمركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرة بالعرائش، التابع للرابطة المحمدية للعلماء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق