مركز الإمام الجنيد للدراسات والبحوث الصوفية المتخصصةأخبار

مناقشة لأطروحة متميزة حول التصوف المغربي ومحبة الرسول صلى الله عليه وسلم

    نوقشت يوم الإثنين 08 رجب 1439هـ، الموافق لـ 26 مارس 2018م، بقاعة العميد محمد الكتاني بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بتطوان أطروحة جامعية لنيل درجة دكتوراه الدولة، أعدتها الطالبة الباحثة فريدة بن عزوز بعنوان: «الهوية الإسلامية في الأدب الموريسكي: التصوف ومحبة الرسول صلى الله عليه وسلم أنموذجا»، ابتداء من العاشرة صباحا إلى الواحدة بعد الزوال.

 وتكونت لجنة المناقشة من السادة الأساتذة الفضلاء:

 – الدكتور أحمد عبادي رئيسا.

  – الدكتور محمد الحافظ الروسي مشرفا ومقررا.

 – الدكتور عبد اللطيف شهبون مشرفا ومقررا.

 – الدكتور أحمد هاشم الريسوني عضوا.

 – الدكتور رشيد الحر عضوا.

    وأسفرت المناقشة عن نيل الطالبة الباحثة فريدة بن عزوز درجة دكتوراه الدولة بميزة حسن جدا، مع التوصية بطبع البحث، بالاشتراك بين كلية الآداب والعلوم الإنسانية بتطوان والرابطة المحمدية للعلماء، في إطار الشراكة المنعقدة بين هاتين المؤسستين العلميتين.

    افتتحت المناقشة، برئاسة الدكتور أحمد عبادي الذي أسند الكلمة إلى الطالبة الباحثة فريدة بن عزوز للحديث عن بحثها، وفيما يلي النص الذي قَدَّمَتْ به الباحثة عملها:

 بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله على ما يسره لي من أسباب إنجاز هذه الرسالة، وتجاوز الصعوبات التي لحقت الإنجاز ذاته. وبعد الترحم الواجب على الأستاذة ميلودة الحسناوي التي قبلت منذ عشرين سنة الإشراف على هذه الرسالة، فإني أتوجه بجزيل الشكر إلى الأستاذ الدكتور عبد اللطيف شهبون، والأستاذ الدكتور محمد الحافظ الروسي، اللذين استأنفا الإشراف على الرسالة ذاتها، وأنفقا من وقتهما وعلمهما وجهدهما بسخاء في سبيل إرشادي وتوجيهي، وتنبيهي على مواطن التقصير والخطأ التي كانت تلحق عملية الإنجاز المذكور. جزاهما الله عني خيرا، وحفظهما لرحم العلم والعلماء. والشكر موصول إلى الأفاضل الأساتذة الدكاترة الأجلة الذين تفضلوا  بفحص هذه الرسالة، وتحملوا عبء مناقشتها، وإلى العالمات والعلماء الذين شجعوني على المضي في هذا البحث، فلم يبخلوا علي ببعض مواده ومصادره ووثائقه.

    وبعد، فبعد التحاقي بشعبة اللغة العربية وآدابها، لم يكن من الممكن أن أغرد خارج سرب أهل الأدب الأندلسي. واخترت أن أهتم بأدب أندلسي آخر لم يحظ بالعناية التي يستحقها، لدواع متعددة أشرت إليها في مقدمة هذه الرسالة. يتعلق الأمر بالأدب الأندلسي المتأخر، المسمى بين الغربيين الذين اشتغلوا ويشتغلون به إلى اليوم بالأدب الموريسكي. كان ذلك عندما وقفت على بعض مقالات هؤلاء في الأدب ذاته، وعلى بعض الأعمال الموريسكية التي وقعها أصحابها باسم الأندلسي. دفع بي هذا الأمر إلى إعادة النظر في الأدب الأندلسي وموضوعاته، من خارج التأريخ الذي أخضعه إليه عموم مؤرخيه ودارسيه، وخاصة المسلمين والعرب منهم. فمن المعروف بأنهم قد دأبوا على تناوله ضمن حقبة زمنية امتدت من الفتح الإسلامي لشبه جزيرة إيبرية إلى نهاية الحكم العربي الإسلامي بها؛ وكأن هذا الأدب قد سقط بسقوط مملكة غرناطة، في يناير 1492، وانطفأت جذوته، وتوقف أهله عن إصداره وقراءته واستخدامه. ومن المعلوم أنه بعد تحقق هذا الواقع التاريخي، الذي عد كارثة عظمى بالنسبة إلى المسلمين، لم يرحل جميع الأندلسيين عن هذه الجزيرة، فسماهم النصارى بالموريسكيين تحقيرا لهم، ثم نصروهم عنوة، قبل أن يطردوهم، بصفة نهائية، من بلادهم؛  كما أنه من المعروف بأنهم لم يدخروا جهدا في التشبث بالإسلام بوصفه دينهم الأصلي، وبالثقافة التي يشكل هذا الدين خيطها الناظم؛ على الرغم من الجهود التي استفرغتها محاكم التفتيش وغيرها من السلطات الدينية والسياسية والمدنية الإسبانية لسلخهم عن هذه الثقافة وذاك الدين، وإلحاقهم بدينها وبثقافتها. وإذ يطرح هذا الأمر أسئلة عديدة في مقدمتها سؤال يتعلق بمقاومتهم لتلك الجهود وتمنعهم عن هذا السلخ، فإنه يطرح أسئلة أخرى تتعلق بالوسائل اللامادية التي سمحت لهم بالاندراج ضمن هذه المقاومة، وتدبير شؤونها ومواكبتها بالتعبير عنها.  وبعبارات  أخرى: هل استمر هؤلاء الموريسكيون، أو بالأحرى الأندلسيون المتأخرون في إنتاج آداب ما؟ وما هي العلاقة التي يمكن أن تكون لهذا الإنتاج بمقاومتهم لتنصيرهم المذكور، وتوفقهم في المحافظة على الإسلام حيا بقلوبهم؟ فإن قلنا إنهم لم يتوقفوا أبدا عن هذا الإنتاج، ناسجين علاقات عضوية بينه وبين توفقهم المذكور، فكيف يمكن أن نفهم إعراض عموم المؤرخين والدارسين المسلمين والعرب وغيرهم عنه؟ صحيح أنه يصعب على المرء، من الوهلة الأولى، أن يقبل إمكان الحديث عن استمرار ما للأدب الأندلسي، المسمى بالأدب الموريسكي، من دون بقاء الأندلس التي انتهت بالسقوط المذكور، فكانت فردوسا مفقودا، في الوقت الذي كان يجب أن تبقى فيه فردوسا موعودا. كما يصعب على أي امرئ القول بهذه الاستمرار، إذا علم بأن معظم نصوص هذا الأدب الموريسكي، لم تأت باللغة العربية التي جاء بها الأدب الأندلسي، بل باللغة الإسبانية المرسومة تارة بحروفها اللاتينية، والمكتوبة في معظم الأحيان بالحروف العربية أو بالألخميادية. فكيف يمكن الحديث عن الأدب الموريسكي الذي أنتج وتدوول بهذه اللغة بوصفه أدبا أندلسيا؟ علما بأن الأدب الأندلسي هو أصلا أدب إسلامي وعربي؟ وحتى إن كانت الإسبانية، مثل غيرها من اللغات الأخرى، قادرة على إنتاج آداب إسلامية، فكيف أمكنها إنتاج آداب عربية، علما  بأن العلاقة بين اللغة والأدب هي علاقة عضوية، بحيث يصعب تمثله من خارجها؟ غير أنه إن لم ننظر في هوية الأدب الموريسكي من جهة لغته فقط، لنتمثله ضمن مختلف الشروط التاريخية والثقافية التي أدت إلى ظهوره وتطوره بمضامينه وقيمه وروحه ورهاناته الهوياتية، التي كانت إسلامية أولا، ثم عربية ثانيا، من دون أن يعني ذلك بأنها لم تكن إسبانية في نفس الوقت، فإنه سيصبح من المشروع، بل من الواجب، علميا وحضاريا وثقافيا، إدراجه ضمن الأدب الأندلسي، وهو الأدب ذاته الذي أراد به الموريسكيون المحافظة على هويتهم الدينية والثقافية المهددة، والتعبير عنها، حتى بهذه اللغة الإسبانية التي فرضتها إسبانيا عليهم، من بعد منعهم من استخدام لغتهم العربية الأصلية، فجعلوا منها “غنيمة حرب”، لم تنتهك أبدا هويتهم الإسلامية والعربية والأندلسية، بل أسهمت، بعد تطويعها من لدنهم، في تأسيس هذه الهوية، وفي الدفاع عنها، مما ينتفي به أي احتمال للاعتراض بها على أندلسية الأدب الموريسكي.

    وبذلك فلم أدافع فقط عن استمرار الأدب الأندلسي بين هؤلاء وعن تعبيرهم به عن التشبث ذاته ومواكبته، بل نافحت عن أطروحة مركزية استقطبت جميع فصول هذه الرسالة ومباحثها؛ مؤداها أن توسلهم بالتصوف ومحبة الرسول صلى الله عليه وسلم، كان له دور حاسم في بقائهم على الإسلام، ومقاومة جميع الأشكال التي اعتمدتها إسبانيا لاقتلاعهم من هذا الدين، وعن هويتهم الثقافية العامة. لقد سمح لهم هذا الأمر بتمرين قلوبهم، المترعة بحب نبيهم صلوات الله عليه، على العروج إلى ربهم تعالى وتبارك، فتوفقوا في الحفاظ على إسلامهم بداخلها؛ لأنه لم يكن من الممكن لهم إظهاره، توقيا لمتابعات محاكم التفتيش وغيرها من السلطات الدينية والسياسية والمدنية الإسبانية لهم.

    واسمحوا لي قبل الانتقال إلى الحديث عن هيكل هذه الرسالة، أن أعود إلى مصطلح الموريسكي. فبالإضافة إلى ما ذكرته آنفا، فإن التعريفات التي أعطيت للموريسكيين تختلف باختلاف المنظورات الإسطغرافية لهذا المصطلح الذي ميزت به إسبانيا بين النصارى الجدد من أصل إسلامي الذين لم يتنصروا بالفعل، وبين النصارى القدماء، أو الإسبانيين الخلص، من منظورها، بوصفهما فئتين اجتماعيتين مختلفتين من رعاياها؛ باختلاف أصولهم الدينية والعرقية والثقافية، وبما يترتب عن هذا الاختلاف من تمييز في الاعتبارات والحقوق والواجبات وغير ذلك. لقد أسهمت الإسطغرافية الإسبانية التقليدية في تأسيس هذا المنظور وواكبته وعبرت عنه؛ ضامنة بذلك ديمومته واستمراره، في التاريخ الإسباني وفي الذاكرة التاريخية لمعظم الإسبانيين حول الموريسكيين وطردهم. بيد أننا لا نعدم في مقابل هذا المنظور التقليدي والسائد، بعض المجهودات التي بذلت وتبذل في مراجعته ونقده لدحضه. بيننا اليوم مؤرخون ودارسون إسبان، ممن يدافعون عن تصور مخالف لهؤلاء الأندلسيين المتأخرين، يتقاطع مع المنظور الإسلامي لهم من وجوه، ويختلف معه من وجوه أخرى. فهم يرون أن إسبانيا قد نحتت مصطلح الموريسكي للتدليل على مدلول لم يكن موجودا بالفعل، بل اخترعته اختراعا لتمييز قسم من رعيتها عن أقسامها الأخرى؛ ضمن الاستراتيجية التي اعتمدتها لتأسيس هويتها، بصناعتها لنقيض جعلت منه عدوا لها. وانطلاقا من منظور الدراسات ما بعد الاستعمارية، فإن منهم من  توفق في الكشف عن المصطلحات التي أنتجتها إسبانيا، وعن الآليات التي اعتمدتها، والمسوغات التي لجأت إليها لتغريب أهلها؛ أي لتجعل منهم، وهم أصحابها الأصليون، مجرد دخلاء عليها. ومن تلك المصطلحات: مصطلح الاسترداد، بوصفه المصطلح الإيديولوجي المشهور الذي اخترعته الإسطغرافية الإسبانية في  القرن التاسع عشر، لتعبر به عن المعارك التي خاضها النصارى قرونا قبل هذا التاريخ لأخذ الأندلس من أهلها الأصليين. ومن هذه الآليات: آليات اختزال إسبانيا للموريسكيين في مجموعة بشرية واحدة وموحدة ومتجانسة، ومتشبثة باختلافها الجذري عن بقية الإسبان، ومستعصية على سياساتها في إعادة تربيتها واستيعابها وتنصيرها؛ مما يجعل من طردها أمرا مشروعا للدفاع عن الوحدة الدينية والثقافية للأمة النصرانية الإسبانية. 

    قاوم هؤلاء الأندلسيون ذاك الاستيعاب وهذا التنصير القسري بالرجوع إلى ربهم عز وجل، وإلى نبيهم   لملئ قلوبهم بهما وبمحبتهما، فمارسوا، بهذا المعنى تصوفهم ومحبتهم لهذا النبي الكريم لمقاومة التطهيرين المذكورين، وتثبيت أنفسهم وأهلهم على هذه المقتضيات الأخيرة، وتابعوا إنتاج آدابهم فيهما، إلى جانب متابعتهم لإنتاج أنواع وأغراض أدبية أخرى. ولا يعني هذا بأنهم لم يكونوا على ذاك التصوف وهذه المحبة قبل حلول هذا التاريخ، ووقوعهم في هذه المحنة الهوياتية، بقدر ما يعني بأنهم وجدوا فيهما وسيلة الوسائل، لتدبير شؤون المقاومة المذكورة، واستمداد العون على تحمل هذه المحنة وعلى تجاوزها، ولمواكبة كل ذلك والتعبير عنه.

    وإذ لا يمكن أن أتناول في هذا العرض جميع المفاهيم والمصطلحات الأخرى التي أسهمت في تأسيس أطروحة هذه الرسالة، فسأحتفظ بما تبقي لي من الوقت المتاح لاقتضاب الحديث الواجب، عن مقدمة هذه الرسالة ومداخلها وبابيها وفصولهما ومباحثهما المختلفة.

    طرحت في مقدمة هذه الرسالة فرضيتها الرئيسة، وقدمت أهم مضامينها ضمن هيكلها. وجاء المدخل العام للرسالة في مباحث ثلاثة: أشرت في أولها إلى منظوري لأهم المصطلحات والمفاهيم التي استخدمتها فيها، واستأنفت القول في ثانيهما، عن أطروحتها، وناقشت في ثالثها، ضروب المقاربات المنهجية الكفيلة بمعالجة طبيعة نصوص الأدب الموريسكي، وتعقيدات أشكاله التعبيرية، ورهاناته الهوياتية، ضمن سياقاتها التاريخية والثقافية، فذكرت بأني سأتوسل بمقاربات منهجية مختلفة ومتكاملة في الوقت نفسه، ومنها المنهج التاريخي والمنهج الفيلولوجي، فضلا عن منهج النقد الثقافي، لنجاعته في معالجة مثل هذه السياقات. جاء الباب الأول من هذه الرسالة بعنوان: التصوف بين الموريسكيين لتجاوز تنصيرهم القسري. تناولت فيه ممارسة الموريسكيين للتصوف، وكتابتهم فيه بوصفهما وسيلتين هامتين لتجاوز تنصيرهم القسري بإسبانيا، واستعادة هويتهم الإسلامية، وترميم شروخها بعد خروجهم من هذه البلاد. لذلك وزعته على مدخل وأربعة فصول. وسمت أولها بالتصوف بين الموريسكيين، من خلال نصوصهم التعبدية الأصلية التي استودعوها أوراق مخطوطتهم، بلغتهم الألخميادية، لتسهم في تعمير قلوبهم بحب الله طيلة أسرهم بإسبانيا. وعالجت في ثانيهما إعادة إنتاج الموريسكيين لوظيفة سيدي إبراهيم التازي، وتوظيفها على أنفسهم بوصفها علامة بارزة على ممارستهم للتصوف بشكل جماعي وسري. ولما تبين لي بأن الموريسكيين أكثروا من التأليف في أسماء الله الحسنى تعبيرا منهم عن الواردات الروحية التي كان يتركها فيهم تعبدهم بهذه الأسماء وتخلقهم بمعرفتها وإنشادها، خصصت الفصل الثالث من هذا الباب نفسه لدراسة هذا الأمر عندهم بالعنوان التالي: الأدعية الموريسكية بأسماء الله الحسنى، وقسمته إلى قسمين. تناولت في أولهما حضور رسالة سيدي محمد ابن عباد الرندي في أدعيته المرتبة على أسماء الله الحسنى بينهم واستنساخهم لها بلغتهم الألخميادية. واعتنيت في ثانيهما: بأدعية شاعر الموريسكيين محمد ربضان بالأسماء ذاتها.

    وعندما اتضح لي بأن السلطات الإسبانية قد تمكنت من إحداث بعض الشروخ في الهوية الإسلامية للموريسكيين، بدفعهم إلى رقة الدين، شرعت في بحث الأدوار الحاسمة التي افترضتها للتصوف ودراستها، ليس في التشبث بهذه الهوية فحسب، بل في إعادة تأسيسها بترميم تلك الشروخ، وتجاوز هذه الرقة. وبالفعل فلقد وجدت في كتاب الموريسكي المجهول الموسوم: على سبيل النهجين ما يمكن أن يشكل في ذاته وفي السياقات التاريخية والثقافية لتأليفه، دليلا على هذا الدور المخصوص الذي اضطلع به التصوف بين هؤلاء الأندلسيين المتأخرين. لذلك جاء الفصل الرابع والأخير من هذا الباب الأول بعنوان: التصوف لاستعادة الهوية الإسلامية بين الموريسكيين من خلال كتاب: على سبيل النهجين. وقد تضمن هذا الفصل أربعة مباحث. حمل أولها عنوان: إغاثة سيدي أبي الغيث القشاش للموريسكيين وإدماجهم بتونس، ودرست فيه كيف ألحق هذا الولي المهاجرين إليه بطريقته الصوفية ونظمهم ورباهم بزاويته. واستعرضت في ثانيها، إشكالات تحديد اسم مؤلف هذا الكتاب، وناقشتها، قبل أن أتناول بالدرس أهم الإشكالات التي يطرحها هذا الكتاب، المتعلقة بإشكال الهوية اللسانية للموريسكيين بتونس، الذين كان أغلبهم قد نسي اللغة العربية، بعدما عوضها باللغة بالإسبانية.

    وقاربت من الإشكالات نفسها؛ إشكال نمط الكتابة التي جاء عليها هذا الكتاب، وتنوع مضامينه واختلافها البين بين قسمه الأول؛ الذي اقتسم فيه مؤلفه مع زملائه الإسبان الحساسيات الأدبية والقيم الثقافية للقرن الذهبي للأدب الإسباني، وقسمه الثاني الذي اقتسم فيه مع طائفة من أعلام المسلمين، وبخاصة متصوفتهم، رهاناتهم الروحية والهوياتية. وهي الرهانات التي درستها في المبحث الثالث بعنوان: التماثل بين قلب المؤمن والمدينة المحصنة، وعالجت في المبحث الرابع: الأصول الصوفية لهذا التماثل بين قلب المؤمن والمدينة المحصنة، وخصصت المبحث الخامس لعبادة الوضوء بين الشريعة والحقيقة. وذلك قبل أن أنتهي إلى أن النخبة الموريسكية، التي يتوجه إليها هذا الكاتب المجهول، قد اعتمدت التصوف لتدعيم الإسلام بقلوب أهلها، وإنعاشه بينها لاستعادة جذوته التي كادت تخبو، خلال العقود الأخيرة لوجودهم بإسبانيا، أو بعد رحيلهم عنها وتشتتهم بمهاجرهم.

    وإلى جانب توسل هؤلاء الموريسكيين أو الأندلسيين المتأخرين بالتصوف، توسلوا كذلك بالدفاع عن صحة نبوة  محمد صلى الله عليه وسلم وتمسكهم بسيرته واعتصامهم بمحبته، لتحقيق الغرض نفسه.  لذلك جاء الباب الثاني من هذه الرسالة بهذا العنوان؛ حيث تابعت فيه تأسيس أطروحتها العامة، والمنافحة عنها بتدعيم بنائها بمواد أخرى من الأدبيات الموريسكية. تضمن الفصل الأول من الباب الذي يرد تحت عنوان: الرهانات الموريسكية على محبة سيد الخلق أجمعين  مباحث أربعة. وسمت أولها: بالشروط التاريخية والثقافية العامة لهذه المحبة وخصوصياتها؛ التي جعلوا منها عين هذه المقاومة. وعنونت ثاني هذه المباحث: بدفع اعتراضات النصارى على صحة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم  بأدلة مخصوصة من أناجيلهم. وحصرت اهتمامي في ثالثها في اعتماد الموريسكيين على أدلة أسلافهم المدجنين لدفع أباطيل النصارى في محمد صلى الله عليه وسلم. وبما أن الموريسكيين لم يكتفوا بمثل هذا الجدل العالم في رد اعتراضات النصارى ودحضها، وسمت المبحث الرابع من الفصل ذاته: بأشكال جدالية أخرى لمواجهة الإساءات النصرانية لمحمد صلى الله عليه وسلم.

    في ترجمة أحمد بن قاسم الحجري لشفا القاضي عياض. لا شك أن الموريسكيين انتفعوا خير انتفاع بهذه الترجمة التي وظفوها في تجاوز آثار النصرانية فيهم، وتخلصهم النهائي منها. ولقد أدى اعتصام الموريسكيين بمحبة محمد صلوات الله عليه، ودفاعهم عن صحة نبوته الكريمة إلى استفراغهم الجهد في تخليد معجزاته، بما أبدعوه من أشكال تعبيرية مختلفة ومتنوعة. ولبحث ذلك ودراسته، ضمن الأطروحة العامة لهذه الرسالة، خصصت الفصل الثاني من هذا الباب لبحث هذا الغرض ولدراسته بعنوان: تخليد الموريسكيين لمعجزات الرسول صلى الله عليه وسلم، وقسمته إلى قسمين. طرحت في أولهما السؤال الآتي: لماذا اهتم الموريسكيون بتخليد معجزات المصطفى صلى الله عليه وسلم؟ وعالجت في ثانيهما: توسل الموريسكيين بالحكاية الشعبية لتخليد معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم. وقد جاء المبحث الأول من القسم الأول بعنوان: التعريف ببعض نصوص الموريسكيين في معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم، ووسمت مبحثه الثاني: بالسياق الثقافي العام لترجمة أحمد بن قاسم الحجري لما جاء في كتاب الشفا للقاضي عياض عن معجزاته صلى الله عليه وسلم، حيث تعلق الأمر فيه بنص آخر من نصوص فن الدلائل لدى الموريسكيين، اقتطفه لهم الحجري من الشفا، وترجمه لهم إلى الإسبانية، وزودهم به بعد خروجهم من إسبانيا واستقرارهم بتونس. أما المبحث الثالث فقد جاء بالعنوان الآتي: عناية الموريسكيين بكتاب الشفا للقاضي عياض، وبالنظر إلى أهمية هذه الترجمة بالنسبة إلى الموريسكيين، عدت إليها في المبحث الرابع من هذا القسم بعنوان: لماذا ترجم أحمد بن قاسم الحجري ما تضمنه كتاب الشفا عن معجزات الرسول  صلى الله عليه وسلم؟ قبل أن أنتهي منه بمبحثه الخامس بعنوان: نماذج مختلفة عن معجزات محمد صلى الله عليه وسلم.

    وإضافة إلى هذه الأعمال العالمة في تخليد معجزات المصطفى صلى الله عليه وسلم، فإن للموريسكيين إنتاجات أدبية أخرى  متميزة في التخليد ذاته، من حيث توسلها بفن القص، وبأهم مقوماته المتمثلة في التخييل والتشويق. ولبحث هذا الأمر ودراسته جاء القسم الثاني من هذا الفصل بعنوان: توسل الموريسكيين بالحكاية الشعبية لتخليد معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم. وسمت مبحثه الأول: بمعجزة انشقاق القمر بين الواقع التاريخي والحكاية الشعبية. وعنونت مبحثه الثاني: بالوحدات السردية لحكاية معجزة انشقاق القمر بين الموريسكيين. ووسمت مبحثه الثالث: برهانات الراوي الموريسكي على المروي لهم بحكاية معجزة انشقاق القمر. وعنونت مبحثه الرابع: بالمماثلة بين محنة الموريسكيين وواقع المسلمين قبيل تأييد رسول الله  صلى الله عليه وسلم بمعجزة الإسراء والمعراج. ووسمت مبحثه الخامس: بنماذج من الوحدات الحكائية المفصلية في رواية الموريسكيين لمعجزة الإسراء والمعراج. أما المبحث السادس من القسم ذاته فلقد وسمته: بحكاية معجزات الإسراء والمعراج الموريسكية بين راويها والمروي لهم.

    وإن كانت المحبة المذكورة قد شكلت في ذاتها طاقة حركت دفاع هؤلاء الأندلسيين المتأخرين عن صحة نبوة هذا النبي الكريم  صلى الله عليه وسلم وتخليدهم لمعجزاته، فإن ذراتها تفجرت، في تعبيراتهم الأدبية المتنوعة عن فرحهم بمولده صلى الله عليه وسلم، وما خلدوه من مظاهر احتفالهم بالمولد ذاته وورثوه لورثتهم الثقافيين، وفي تغنيهم بسيرته صلى الله عليه وسلم، وبصفاته وشمائله التي وقفت عليها في كثير من أمداحهم له. لذلك جاء الفصل الثالث، والأخير، من هذا الباب الثاني بعنوان: الفرح بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم والتغني بشمائله.  ووسمت المبحث الأول منه: بتوثيق المتون الموريسكية في المولد النبوي الشريف. وجعلت مبحثه الثاني بعنوان: السياقات الموريسكية لإعادة إنتاج كتاب الأنوار ومصباح السرور والأفكار وذكر نور محمد المصطفى المختار. درست فيه أهم ثوابت هذه السياقات التي تمثلت في استخدام الموريسكيين لهذا الكتاب للاحتفال بعيد المولد النبوي الشريف الذي شكل لهم تعاقبه عليهم، بغربتهم بإسبانيا، مناسبة لاستمداد القوة على التشبث بإسلامهم ومواجهة جميع المحاولات التي صرفتها الدولة الإسبانية التيوقراطية في تنصيرهم واجتثاثهم عن ثقافتهم الإسلامية والعربية. كما وقفت فيه على مختلف طقوس احتفال هؤلاء الموريسكيين بليلة هذا العيد ورسوم فرحتهم بها بإسبانية.

    وعالجت في المبحث الثالث من هذا الفصل تحت عنوان: كتاب الأنوار في نسخه الموريسكية، كيف ترجم رواة الموريسكيين هذا الكتاب إلى لغتهم الألخميادية، وكيف أعادوا تأسيس مضامين حكاياته، أو بالأحرى كيف اصطنعوها من جديد؛ بالإضافة والحذف والتقديم والتأخير والانزياح والتحوير، ولم وكيف ركزوا كثيرا على الحقيقة النورانية لنبيهم ونبي العالمين صلوات الله عليه. ودرست في مبحثه الرابع الذي جاء بعنوان: مراحل ولادة الرسول صلى الله عليه وسلم في كتاب الأنوار الموريسكي، الوحدات السردية التي سجلت رواية الراوي الموريسكي لأهله وقائع هذه الولادة الشريفة والمعجزات التي رافقتها. لقد اصطنع فيها الراوي وقائع أخرى عن هذه الولادة ليساعد أهله على مقاومة التنصير القسري. وفي المبحث الخامس من هذا الفصل الذي وسمته: بالتغني بشمائل الرسول  صلى الله عليه وسلم وقفت على نسخ الموريسكيين  لبردة الإمام البوصيري، وبينت أوجه الاصطناع فيها، التي توزعت بين إعادة رسمها بلغتها العربية، وإعادة توزيع أبياتها بتربيعها، وترجمتها ثم شرحها وتفسيرها بالأخميادية. كما وقفت كذلك على نسخ لنصوص أخرى لهم في الأمداح النبوية؛ منها ما اصطنعوه من أعمال سابقة ومنها التي نظموها ابتداء. ولقد وثقتها كما وثقت جميع النصوص الأخرى التي عدت إليها؛ بحيث ذكرت تواريخ اكتشافها الذي يتم غالبا عند هدم البيوت القديمة بإسبانيا أو ترميمها، ومواطن حفظها، وتحقيقاتها والدراسات التي عرفتها، ونبهت إلى أن معظمها جاء على قواعد بحر مخصوص في قرض الشعر في الآداب الإسبانية، حتى يتيسر للموريسكيين ترديدها مع الرواة الذين ينشدونها لهم، والاستمتاع بها، بمشاركتهم التغني بما فيها من الدلائل والشمائل المحمدية، التي كانت خير عون لهم على تشبثهم بهويتهم الإسلامية والأندلسية.

 وبما أنني اقتصرت في هذه الأطروحة على التمثيل للأدب الموريسكي ببعض نصوصه في التصوف ومحبة الرسول صلى الله عليه وسلم، ارتأيت أن أضمن خاتمتها  مبحثا بعنوان ما بعد الخاتمة، عرفت فيه ببعض الأعمال الأدبية الموريسكية الأخرى، التي لو أطال الله في العمر، عدت إليها، وعاد إليها غيري من الذين قد يرون معي بأن الأدب الموريسكي، أدب أندلسي إسلامي وعربي، شكل في ذاته حقبة مخصوصة ومجهولة من حقب التاريخ العام لهذا الأدب.

    صحيح أنه كان يمكن أن لا تتضمن هذه الرسالة المبحث الذي جاء في خاتمتها بعنوان ما بعد الخاتمة. لكني تعمدت ألا أكتم ما يسره الله لي من علم بنصوص الموريسكيين في القصة والرواية والملحمة والرحلة، التي أخفوها عن عيون محاكم التفتيش بتجاويف جدران بيوتهم، التي استخرجها ويستخرجها اليوم منها الإسبانيون ويعرفون بها، لأعرف بها بدوري بين الدارسين العرب والمسلمين للأدب الأندلسي، لعلهم يقتنعون بأهمية العمل على دراستها، بوصفها نصوصا مجهولة من المتن العام للأدب الأندلسي.

    ولن أنهي هذا التقديم دون التوجه مرة أخرى بالشكر الجزيل إلى الأساتذة الدكاترة أعضاء لجنة هذه المناقشة، على ما بذلوه من جهود في قراءة هذه الأطروحة. كما لا يفوتني أن أتوجه بالشكر إلى زميلاتي وزملائي الأساتذة وإلى كل الحاضرين بغاية متابعة أطوار هذه المناقشة.

    وتلت كلمة الطالبة الباحثة في دفاعها عن بحثها كلمة أعضاء لجنة المناقشة؛ بدء بالدكتور محمد الحافظ الروسي الذي أثنى على البحث وعلى صاحبته ثناء حسنا، ووصف الباحثة  بكونها قادرة على الكشف عن قضايا لا يقدر أن يكشف عنها إلا من يعرف اللسان العربي والفرنسي والإسباني، وهي تتقنهم جميعا، وذكر أن لهذا البحث فضل السبق والكشف والتأسيس حتى تكاد تكون كل كلمة في البحث أمرا غير مسبوق أو رأيا تفردت به صاحبته، ومن أهم ما جاء في كلمته أن هذا البحث يدخل تحت أدب الأندلس الذي سماه أدب المظلومين والمقموعين؛ وهو أدب نشأ في زمن المحن والنزاعات، وهو أيضا أدب ذو طبيعة خاصة.

    ثم انتقلت الكلمة إلى الدكتور عبد اللطيف شهبون الذي أثنى بدوره على هذا العمل، ووصفه بالجدة والجودة، وبكونه عملا مؤسسا لم يُسْبَقْ إليه، وسطر في مداخلته أهم القضايا المتناولة في ثنايا هذا البحث، ومنها:

 – مركزية التصوف.

 – معضلة الردة القسرية.

 – تأثير التصوف الإسلامي في التصوف المسيحي.

 – النص الصوفي الموريسكي.

 – النفس الحجاجي في الأطروحة.

 – استفادة الموريسكيين من التصوف المغربي.

 – موضوع المحبة في الأدب الموريسكي.

    وتلت كلمة الدكتور شهبون كلمة الدكتور أحمد هاشم الريسوني عضو لجنة المناقشة، الذي أشار بدوره إلى تَفَرُّد الأطروحة وجِدَّتِهَا، وأهم ملاحظات الدكتور الريسوني حول الأطروحة المناقشة تخص مسألة المنهج الذي اعتمدته الباحثة وهو المنهج الفيلولوجي والمنهج الثقافي، ووصف البحث بنوع من التقصير في سريان هذا المنهج على بعض النصوص، وإغفاله في نصوص أخرى، ومن ملاحظاته أيضا كثرة اعتماد الباحثة على النصوص الموريسكية التونسية وإغفالها النصوص الموريسكية المغربية، غير أنه عَلَّلَ الأمر بوفرة الإنتاج الموريسكي التونسي مقارنة بالإنتاج الموريسكي المغربي.

    ثم انتقلت الكلمة إلى الدكتور رشيد الحر عضو لجنة المناقشة الذي هنأ في البداية الباحثة على بحثها، وقد عَدَّد الدكتور مزايا هذا البحث، ومنها: تأكيد الباحثة في بحثها على استمرارية الأدب الأندلسي أو الموريسكي بعد سقوط غرناطة، وتأكيدها أيضا على أن هذه الاستمرارية كانت بفضل التصوف الذي أدى دورا مهما في خلق الهوية الموريسكية، بالإضافة إلى تأثير التصوف المغربي في الأندلس.

    وأكد على توفر الباحثة على أدوات لسانية وفكرية وتاريخية أسهمت في تحديد جودة هذا البحث، بالإضافة إلى إشادته بالأسلوب الجيد الذي كتبت به الرسالة، إلى جانب تفوقها في احترام المناهج العلمية المعتمدة في البحث. 

    وخُتِمَتْ كلمة لجنة المناقشة بكلمة الدكتور أحمد عبادي الذي أشادَ بمجهود الباحثة ونوهَ ببحثها، وتحدث عن ثلة من القضايا المتعلقة به، وأولها أن البحث حين ينجز لخدمة قضية، وينجزُ أيضا بلوعة، تكون له القدرة على تجلية وكشف الأمور المكنونة والمستورة، والقدرة على إظهار مفاصل تأسيسية كانت عازبة عن أنظار وأقلام الباحثين من قبل، وأن هذا البحث أيضا يعد من الملفات الدفاعية الوازنة في أيدي المسلمين والمسلمات لتوضيح ما تعرض له أهل الدين الإسلامي من مضايق في تاريخهم الطويل، لا سيما في الديار الأندلسية. ومن هذه القضايا أيضا قضية الدفع نحو رقة الدين، واعتبر أن الدخول من مدخل التصوف ومحبة الرسول صلى الله عليه وسلم كان فتحا جديدا، كما أثنى على توفق الباحثة في تجلية وظيفة المحبة،  أي محبة الرسول صلى الله عليه وسلم-في بحثها. 

    وجاء في رد الباحثة على شهادات أعضاء لجنة المناقشة وملاحظاتهم ما يلي: «استمعت بكل سعادة وحبور إلى الشهادات الإيجابية التي تكرمتم بها في حق هذه الرسالة، وأنصت ببالغ الاهتمام والتقدير إلى ملاحظاتكم وتعليقاتهم عليها. ولا شك أن كل هذا وذاك سيسهم في تماسك الأطروحة المركزية وفي اتساقها. وهي الأطروحة التي دافعت بمقتضاها على أن أدب الموريسكيين أو الأندلسيين المتأخرين الغرباء والقرباء، هو أدب أندلسي، كان لما جاء فيه من التصوف ومحبة الرسول صلى الله عليه وسلم دور حاسم في مواكبة تشبثهم بهويتهم الإسلامية والتعبير عنها، من غير أن يعني ذلك بأن بقية أجناسه وأنواعه الأخرى لم تندرج ضمن هذه الغاية.

    أكرر شكري لكم جميعا، وامتناني وترحيبي بتقويمكم لهذه الأطروحة، وأعدكم بالاستفادة منه عند تقديمها للطبع والنشر. بارك الله فيكم، وأحسن إليكم، والسلام عليكم ورحمته وبركاته.

    ثم رفعت الجلسة للمداولة، وقد أسفرت مداولة أعضاء لجنة المناقشة والسيد عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية بتطوان عن نيل الطالبة فريدة بن عزوز درجة دكتوراه الدولة بميزة حسن جدا مع التوصية بالطبع.

د. طارق العلمي

  • أستاذ باحث في الرابطة المحمدية للعلماء، متخصص في المجال الصوفي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق