وحدة الإحياءدراسات محكمة

مقاربة نقدية في الأسس التبريرية للفكر المتشدِّد

لا تكمن خطورة التطرف ولوازمه من عنف وتشدد في تجلياته الظاهرية فحسب، بل في الأسس التي يقوم عليها والمسوغات العلمية التي يجعل منها مداخل استدلالية في الوجود والانتشار والاستمرار، لذلك، فإن كل مقاربة لا تبحث في تلك الأسس ومقاربتها علميا لتفكيك الظاهرة وكشف مرتكزاتها في مجالها الإسلامي، تبدو قاصرة ولا تفي بالغرض المطلوب. تحاول هذه الورقة البحث في تلك الأسس والمبادئ وتقريب النظر عبر مداخل من شأنها صياغة مقاربة علمية:

الأولى: عقدية؛ وتبحث في القواعد العقدية التي يجب الاستناد إليها في رد القضايا التشددية والمغالية.

والثانية: فقهية؛ وتكشف عن الأسس الفقهية الاجتهادية التي من شأنها دحض الآراء والأنظار المنتجة للتطرف.

والثالثة: أصولية؛ وتنظر في الأصول والقواعد المنهجية للنظر الفقهي التي تؤسس لفقه التعدد والاختلاف.

مقاصدية: وتبين عن الخلل في النظر المقاصدي في فقه الدين لدى المقولات التطرفية

أولا: مقدمات منهجية

ـ مقدمة أولى؛ تتعدد علل ظهور التطرف ودواعيه؛ فمنها ما هو مرتبط بالواقع الإنساني والعالمي، ومنها ما له علاقة بالإنسان نفسه، ومنها ما له صلة بمجال فقه نصوصه المرجعية وفهم مصادرها، وسأنظر من الزاوية الأخيرة، مع ضرورة استصحاب الاعتبار التكاملي بين كل الزوايا في إنتاج ظاهرة التطرف.

ـ مقدمة ثانية؛ إن حديثي عن ظاهرة التطرف في هذه الورقة متصل بشقه الذاتي المتأصل دون التطرف المسخر؛ أي “التطريف”، لأن هذه الظاهرة بقدر تاريخيتها وامتدادها في الزمان، قد تم استثمارها لأغراض عابرة للمكان ومتجاوزة للإنسان.

ـ مقدمة ثالثة؛ من غير المفيد في تفكيك ظاهرة التطرف والغلو في فهم النصوص وفقهها تتبع قضايا الفروع الفقهية، والإجابة عنها على انفراد؛ لأن النظر في الجزئيات دون الاحتكام إلى الكليات الشرعية وتأصيلها يوسع من الخلاف، ويؤسس للتشدد.

ـ مقدمة رابعة؛ وإن كان السلف الصالح واجه ظاهرة الغلو والتشدد في كل القضايا الإنسانية؛ التي تمس الأديان والنفوس والأعراض والعقول والأموال، فإننا اليوم في حاجة إلى مغالبتها من الجوانب التي تخرم حرمة الأديان والنفوس خصوصا، لما يترتب عن ذلك من مساس بالحياة، كمسألتي الجهاد و التكفير.

ثانيا: في التقريب العلمي لمعالجة ظاهرة التطرف

تتعدد المقاربات الممكنة لمعالجة وتفكيك ظاهرة الغلو والتطرف في سياقنا الإسلامي، بحسب الأبعاد الزمانية والمكانية وحتى الإنسانية، إنما غرضنا هنا الالتفات نحو الزاوية العلمية التي غالبا ما يؤتى منها السلم الأهلي والمدني والأمن الاجتماعي والإنساني، وهي التي يركن إليها في تأصيلها والتأسيس لها نظريا وحتى عمليا، وقد يتسامح في تكريس الظاهرة وتدويم وجودها من حيث الجانب النظري والعلمي، وهذا غير مغفل في التراث المكتوب، وحتى الشفوي، إنما تجاوز ذلك إلى ما هو تنزيلي وعملي هو ما يدق ناقوس الخطر وأجراسه، مما يدفع إلى رده والتعامل معه.

وذلك ما يؤكده حديث النبي صلى الله عليه وسلم: “يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين”[1]، فأمتنا في حاجة إلى أئمة عدول وعلماء أتقياء، يتجندون لنفي كل تحريف لنصوص الشريعة وفهمها من قبل الغلاة، وانتحال المبطلين لأحكامها، وتأويل الجاهلين لأصولها ومقاصدها.

وسوف نقارب الموضوع بناء على تفكيك الظاهرة علميا بالوقوف عند أهم الأسس الناظمة لمعالجتها أي الأسس الكبرى، التي تقف قواعد علمية في وجه التأصيل الفقهي والأصولي للعنف والتطرف.

ولا يفيد النظر في الفروع العلمية؛ سواء الفقهية منها أو العقدية أو الأصولية، أو حتى المقاصدية لتحرير مقاربة شاملة وسليمة من معاودة استقرار الغلو في التدين، بينما تتحقق تلك المزايا الحقيقة بالنظر الكلي في تلك الحقول المتعددة، من خلال الاحتكام إلى الكليات والقواعد الكبرى وذلك لعلل ثلاث:

الأولى؛ لغلبة الأنظار الكلية في النصوص الشرعية، واستجماعها لكل القضايا النازلة والقابلة للنزول.

الثانية؛ لأن الاستناد إلى الجزئيات في النظر العلمي لا يفيد كما أفاد ذلك الأصوليون مثل الشاطبي.

الثالثة؛ لأن النظر بالكليات والقواعد يشمل الواقع من النوازل والمتوقع منها، درءا للآراء الشاذة.

وليس من السهل الإحاطة بكل القواعد الضابطة للاستثمار العلمي، الخالي من كل مذهب غلو أو رأي متشدد، لذلك، سأنظر في أكثرها صلة بحياطة النفس الإنسانية، مقتصرا على ثلاث منها في كل مجال علمي.

ثالثا: في قواعد التقريب العلمي لمعالجة ظاهرة التطرف

1. في التقريب العقدي

يعتبر الخلاف المتولد عن الأفهام العقدية أشد خطورة من غيرها، لما يتصل به من معتقدات يؤسس عليها الإنسان علاقته بخالقه، كما تنبني عليها مقتضيات الإيمان في أحواله ومآلاته، فتنتج عنها أحكام من قبيل إيمان وكفر، وصلاح وفساد، وفسق وفجور وزندقة وما شابه ذلك. وأهم قواعد هذا التقريب هي:

أ. التكفير حكم شرعي لا يثبت إلا بدليل

هذه القاعدة وإن لم ترد بهذه الصياغة، فإن معناها متفق عليه ومستمد من نصوص الشريعة، وهي حكم لا يثبت إلا بدليل مثل باقي الأحكام الشرعية، وليس لأحد حق إثبات إيمان أو نزعه عن أي أحد آخر، يقول ابن حزم “فنحن لا نسمي مؤمنا إلا من سماه الله عز وجل مؤمنا، ولا نسقط الإيمان بعد وجوبه إلا عمن أسقطه الله عز وجل عنه، ووجدنا بعض الأعمال التي سماها الله عز وجل إيمانا لم يسقط الله، عز وجل، اسم الإيمان عن تاركها، فلم يجز لنا أن نسقطه عنه لذلك، لكن نقول إنه ضيع بعض الإيمان ولم يضيع كله”[2]، وإلى ذلك ذهب ابن تيمية بقوله: “إِنَّ الْإِيجَابَ وَالتَّحْرِيمَ وَالثَّوَابَ وَالْعِقَابَ وَالتَّكْفِيرَ وَالتَّفْسِيقَ هُوَ إلَى اللَّهِ  وَرَسُولِهِ؛ لَيْسَ لِأَحَدِ فِي هَذَا حُكْمٌ وَإِنَّمَا عَلَى النَّاسِ إيجَابُ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ؛ وَتَحْرِيمُ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَتَصْدِيقُ مَا أَخْبَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ”[3].

لذلك، وجب التحري والاحتياط في وزن تصرفات الناس وأقوالهم لأن”الوصف بالكفر أو بعدمه مسألة حساسة وخطيرة، وينبغي أن تكون دائرتها مضبوطة بضوابط علمية ومنهجية وأخلاقية وتخصصية وأمينة وصادقة، وينبغي أن يكون هدفها الدين والمعتقد والأمة والأمن والخير، وليس مرماها مسايرة الهوى أو مزاولة السياسة، أو إرادة التصفية والانتصار للمذهب أو الإقليم أو مزاولة التشويه والتشهير والتثوير، وغير ذلك”[4]؛

لأنه “إذا اختلفت الآراء والاجتهادات ما بين قائل بالتكفير وقائل بعدمه، فذلك ينبئ بأن في المسألة اضطرابا، وهذا يستدعي النظر فيها”[5]، بل إن من العلماء من رجح حكمة الميل إلى وجه الشبهة عن باقي الوجوه الموجبة للتكفير، درءًا للوقوع فيه، يقول ابن همام: “ولا شك أنه يجب أن يحتاط في عدم تكفير المسلم، حتى قالوا: إذا كان في المسألة وجوه كثيرة توجب التكفير، ووجه واحد يمنعه على المفتي أن يميل إليه ويبني عليه”[6]. وقد ذكر الشوكاني في نيله قائلا: “وقال الغزالي في كتاب التفرقة بين الإيمان والزندقة: الذي ينبغي الاحتراز عن التكفير ما وجد إليه سبيلا، فإن استباحة دماء المسلمين المقرين بالتوحيد خطأ، والخطأ في ترك ألف كافر في الحياة أهون من الخطإ في سفك دم مسلم واحد”[7].

ب. اليقين بالإسلام لا يزيله الشك

الأصل في هذه القاعدة هو القاعدة الفقهية المشهورة “اليقين لا يزول بالشك”، وباعتبارها القاعدي فإن سريانها الحكمي يجري على كل الجزئيات التي تندرج تحتها سواء كانت فقهية أو عقدية، ويعود اعتبارها إلى استقراء المعاني من نصوص الشريعة وآحادها، وإن لم نجد هذه الصياغة لدى العلماء، إنما اتفاقهم حولها بين وواضح، ومن الذين أصلوا لهذه القاعدة ابن تيمية يقول رحمه الله: “وليس لأحد أن يكفر أحداً من المسلمين، وإن أخطأ وغلط حتى تقام عليه الحجة، وتبين له المحجة، ومن ثبت إسلامه بيقين، لم يزل ذلك عنه بالشك، بل لا يزول إلا بعد إقامة الحجة، وإزالة الشبهة”[8].

 وذلك ما عمل به الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، حيث فطن لسؤال تكفير أهل النهراوين؛ إذ ورد في سنن البيهقي أنه “لما سُئل علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، عن أهل النهروان أكفار هم؟ قال: من الكفر فروا، فسئل: أمنافقون هم؟ قال: المنافقون لا يذكرون الله إلا قليلا، وأولئك يذكرون الله صباح مساء، وإنمَا هم إِخواننا بغوا علينا[9].

لذلك، فإنه لا يملك أحد من الناس نزع صفة الإسلام عمن تحلى بها، حتى يتبن له ذلك بيقين كما ثبت له ذلك بيقين، بل إن التحري في ذلك ينبغي أن يبلغ حد البحث عن شبه الثبوت بدل شبه الزوال لعصمة الناس وحرمة دينهم ودمائهم، وقد أكد ابن حجر ذلك بقوله: “من ثبت له عقد الإسلام بيقين لم يخرج منه إلا بيقين”[10].

ج. لا إكراه في الدين

هذه قاعدة شرعية عظمى؛ تمثل أحد الأسس الكبرى التي قامت عليها دعوة الإسلام وتطبيق شريعته؛ منذ عهد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وبقدر ما تؤسس لحرية الاختيار تأصل لسماحة الإسلام وحنيفيته الرحيمة بالناس، يقول رشيد رضا في مناره فقوله تعالى: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾ (البقرة: 255) قاعدة كبرى من قواعد دين الإسلام، وركن عظيم من أركان سياسته، فهو لا يجيز إكراه أحد على الدخول فيه، ولا يسمح لأحد أن يكره أحدا من أهله على الخروج منه، وإنما نكون متمكنين من إقامة هذا الركن وحفظ هذه القاعدة؛ إذا كنا أصحاب قوة ومنعة؛ نحمي بها ديننا وأنفسنا ممن يحاول فتنتنا في ديننا اعتداء علينا؛ بما هو آمن أن نعتدي بمثله عليه، إذ أمرنا أن ندعو إلى سبيل ربنا بالحكمة والموعظة الحسنة، وأن نجادل المخالفين بالتي هي أحسن؛ معتمدين على تبين الرشد من الغي بالبرهان: هو الصراط المستقيم إلى الإيمان، مع حرية الدعوة، وأمن الفتنة، فالجهاد من الدين بهذا الاعتبار؛ أي أنه ليس من جوهره ومقاصده، وإنما هو سياج له وجنة، فهو أمر سياسي لازم له للضرورة، ولا التفات لما يهذي به العوام، ومعلموهم الطغام، إذ يزعمون أن الدين قام بالسيف، وأن الجهاد مطلوب لذاته، فالقرآن في جملته وتفصيله حجة عليهم”[11].

وإذا كان الخالق، عز وجل، لم يكره الناس على الإيمان، وتركهم في حرية من أمرهم واختيارهم فليس لعباده مخالفة أمره بالإجبار والقسر، وقد جاء في الكشاف في بيان الآية؛ “أي لم يجر الله أمر الإيمان على الإجبار والقسر، ولكن على التمكين والاختيار، ونحوه قوله تعالى:  ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآَمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾ (يونس: 99)؛

 أي لو شاء لقسرهم على الإيمان ولكنه لم يفعل، وبني الأمر على الاختيار”[12]، وإلى ذلك أشار ابن كثير: في بيان قوله تعالى: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾؛ أي لا تكرهوا أحدا على الدخول في دين الإسلام، فإنه بين واضح جلي دلائله وبراهينه لا يحتاج إلى أن يكره أحد على الدخول فيه، بل من هداه الله للإسلام وشرح صدره، ونور بصيرته دخل فيه على بينة، ومن أعمى الله قلبه وختم على سمعه وبصره، فإنه لا يفيده الدخول في الدين مكرها مقسورا”[13].

2. في التقريب الفقهي

يلي التقريب العقدي من حيث الأهمية، النظر إلى ظاهرة التشدد والغلو من الباب الفقهي؛ لأن تاريخ الخلاف الفقهي بمذاهبه المختلفة؛ يشير إلى الحدة التي طبعته بتأثير من الخلاف العقدي، مما يستوجب التذكير بأن الخلاف الفقهي أصل في الشريعة، ولا ينبغي تجاوزه إلى غيره. وهذه أهم القواعد الناظمة لهذا التقريب.

أ. الحكم للظاهر والله يتولى السرائر

تتضافر النصوص الشرعية والمواقف النبوية على تجنب البحث في نيات الناس، وتفتيش قلوبهم لمعرفة مواقفهم ومعتقداتهم، وقد ضرب لنا النبي، صلى الله عليه وسلم، مثلا في معاملته للمنافقين، وإن أطلع على سرائرهم فإنه عاملهم بمقتضي ظاهرهم، وقد “أخبر، عليه الصلاة والسلام، أنه نهي عن قتل من أظهر الإسلام من الشهادتين والصلاة، وإن ذكر بالنفاق ورمي به، وظهرت عليه دلالته إذا لم يثبت بحجة شرعية أنه أظهر الكفر، وكذلك قوله في الحديث الآخر: “أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله[14]“، معناه إني أمرت أن أقبل منهم ظاهر الإسلام وأكل بواطنهم إلى الله..”[15].

 وقد ورد عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أيضا، قوله لأسامة بن زيد معاتبا إياه: “أَفَلَا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ حَتَّى تَعْلَمَ أَقَالَهَا أَمْ لَا؟”؛ أي قتيل أسامة الناطق بالشهادة، قال النووي في شرحه لمسلم: “وقوله، صلى الله عليه وسلم، أفلا شققت عن قلبه، فيه دليل للقاعدة المعروفة في الفقه والأصول أن الأحكام يعمل فيها بالظواهر والله يتولى السرائر”[16]، وفي نفس المساق يقول النووي: “قوله صلى الله عليه وسلم: “إني لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس ولا أشق بطونهم”، معناه؛ إني أمرت بالحكم بالظاهر والله يتولى السرائر، كما قال صلى الله عليه وسلم”[17].

وفي حديث أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهاَ: “إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ وَإِنَّهُ يَأْتِينِي الْخَصْمُ فَلَعَلَّ بَعْضَهُمْ أَنْ يَكُونَ أَبْلَغَ مِنْ بَعْضٍ، فَأَحْسِبُ أَنَّهُ صَادِقٌ فَأَقْضِي لَهُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ مُسْلِمٍ فَإِنَّمَا هِيَ قِطْعَةٌ مِنْ النَّارِ فَلْيَحْمِلْهَا أَوْ يَذَرْهَا”[18]، قال الإمام النووي شارحا: “معناه التنبيه على حالة البشرية؛ وأن البشر لا يعلمون من الغيب وبواطن الأمور شيئا، إلا أن يطلعهم الله تعالى على شيء من ذلك، وأنه إنما يحكم بين الناس بالظاهر والله يتولى السرائر”[19]، وقد عقد الإمام النووي بابا في رياضه وسمه بباب “إجراء أحكام الناس على الظاهر وسرائهم إلى الله تعالى”[20]، مستدلا فيه بنصوص شرعية متنوعة متضافرة على معنى القاعدة.

ب. الحدود تدرأ بالشبهات

وهي قاعدة من باب الرحمة بالناس ودرء الشبه عنهم، نعرض لها هنا لأن الغلاة يبحثون عن الشبهات للحكم على الناس بدل الإعراض عنه بها، و”القاعدة العامة في الشريعة؛ أن الحدود تدرأ بالشبهات، والحدود هي العقوبات المقدرة، ويدخل تحت الحدود العقوبات المقررة لجرائم الحدود، والعقوبات المقررة لجرائم القصاص والدية، أما العقوبات المقررة لجرائم التعازير فلا تعتبر حدوداً؛ لأنها عقوبات غير مقدرة، والأصل في هذه القاعدة قول الرسول صلى الله عليه وسلم: “ادرءوا الحدود بالشبهات”[21]. فعلى هذا الحديث الذي تلقته الأمة بالقبول، وأجمع عليه فقهاء الأمصار قامت القاعدة. وقد عمل الصحابة بها بعد وفاة الرسول، فروي عن عمر بن الخطاب أنه قال: لأن أعطل الحدود بالشبهات أحب إلي من أن أقيمها بالشبهات”[22].

وطلبا للاحتياط، عمل الفقهاء على تضييق مجالات الأفعال والتصرفات التي تدخل في باب الجرائم المستوجبة للحدود، رغبة منهم أيضا في حصرها على النادر. يقول الشيخ أبو زهرة: “إن الأخذ بمبدأ الشبهة الدارئة للحد، القصد منه هو أن تكون شريعة الحد قائمة، والتنفيذ القليل منها صالح لإنزال النكال بالمذنبين، أو بعبارة أدق من يكون بصدد الوقوع في الجريمة”[23]، ورغم ضعف دلالة الشبهة المفهوم من مقتضاها، فان حكمها  يغلب على دلالة الظن في ثبوت الحد، يقول الشاطبي: “فإن الدليل يقوم هناك مفيدا للظن في إقامة الحد، ومع ذلك فإذا عارضته شبهة، وإن ضعفت، غلب حكمها، ودخل صاحبها في حكم العفو”[24].

ولم يكتف الشرع الإسلامي الرحيم باستدعاء الشبهات لدرء الحدود، بل سيّج ذلك أيضا بضابط الخطأ في العفو مقابل الخطأ في العقوبة، وهو المبدأ المعروف لدى الفقهاء بالخطأ في العفو خير من الخطأ في العقوبة، وأصل هذا المبدأ قول الرسول عليه السلام: “إن الإمام أن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة”[25]، ومعنى هذا المبدأ أنه لا يصح الحكم بالعقوبة إلا بعد التثبت من أن الجاني ارتكب الجريمة، وأن النص المحرم منطبق على الجريمة، فإذا كان ثمة شك في أن الجاني ارتكب الجريمة، أو في انطباق النص المحرم على الفعل المنسوب للجاني، وجب العفو عن الجاني؛ أي الحكم ببراءته؛ لأن براءة المجرم في حال الشك خير للجماعة، وأدعى إلى تحقيق العدالة من عقاب البريء مع الشك. ومبدأ الخطأ في العفو ينطبق على كل أنواع الجرائم، فهو ينطبق على جرائم الحدود، وجرائم القصاص والدية، وجرائم التعازير”[26].

ج. فقه الأحكام مبني على الظنون

إن الله تعالى أمر عباده بالاجتهاد في قضايا التكليف، دون وجوب النظر القطعي وتحصيل اليقين، لما في ذلك من مشقة وعسر على إدراك المعاني، والتماس صواب الأحكام، فقبل منهم منتهى علمهم ومبلغ قدرتهم على سبيل الظن الغالب؛ لأنه لو طالبهم باقتفاء القطعي واليقيني فيها، لانتهى بهم إلى العنت والضيق وفوات مصالحهم وضياع حقوقهم..

 قال الزركشي: “اعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُنَصِّبْ عَلَى جَمِيعِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ أَدِلَّةً قَاطِعَةً، بَلْ جَعَلَهَا ظَنِّيَّةً قَصْدًا لِلتَّوْسِيعِ عَلَى الْمُكَلَّفِينَ، لِئَلَّا يَنْحَصِرُوا فِي مَذْهَبٍ وَاحِدٍ لِقِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَيْهِ، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الْأَدِلَّةُ الظَّنِّيَّةُ، فَقَدْ تُعَارَضُ بِعَارِضٍ فِي الظَّاهِرِ بِحَسَبِ جَلَائِهَا وَخَفَائِهَا، فَوَجَبَ التَّرْجِيحُ بَيْنَهُمَا، وَالْعَمَلُ بِالْأَقْوَى وَالدَّلِيلُ عَلَى تَعَيُّنِ الْأَقْوَى”[27]، وهو ما أكده الرازي في محصوله قائلا: “واعلم أن التكليف فيه موقوف على حصول الظن الغالب”[28].

لكن الأصل في بناء الأحكام هو العلم واليقين القائمين على الأدلة القطعية، وإن تيسرت سبل الوصول إلى ذلك كان من باب أولى، دون العدول عنه إلى ما هو أدنى، إنما يكتفى بالظن الغالب في استصحاب الاجتهاد حالة التعذر والتعسر؛ لأنه من قبيل اليقين ريثما يظهر، قال ابن العربي في بيان قوله تعالى: ﴿وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ﴾ (البقرة: 281). “قال علماؤنا: هذا دليل على جواز الاجتهاد والاستدلال بالأمارات والعلامات على ما خفي من الأحكام”[29].

ولا شك أن الأحكام الشرعية تعتريها مقتضيات عديدة، وليست على مرتبة واحدة، من حيث ثبوتها، وبالتالي من حيث جواز الاختلاف فيها، فهناك الأحكام الظنية التي هي مجال الاجتهاد، وهذا شأن معظم الأحكام المتعلقة بالعمل، كأحكام الفقه، وهناك الأحكام التي ثبتت بالكتاب والسنة والإجماع، ووصلت إلى درجة القطع، وإن لم تصبح من ضروريات الدين، فهذه تمثل الوحدة الفكرية والسلوكية للأمة، ومن خالفها خالف السنة، ووصف بالفسق والبدعة، وقد ينتهي به الأمر إلى درجة الكفر. وهناك الأحكام المعلومة من الدين بالضرورة، بحيث يستوي في العلم بها الخاص والعام، وهي التي يكفر من أنكرها بغير خلاف، لما في إنكارها من تكذيب صريح لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم..

 فلا يجوز إذن أن توضع الأحكام كلها في إطار واحد، ودرجة واحدة، حتى يسارع بعض النّاس إلى إلصاق الكفر أو الفسوق أو البدعة بكل من عارض حكماً ما، لمجرد اشتهاره بين طلبة العلم، أو تداوله في الكتب، دون تمييز بين الأصول والفروع، ولا تفريق بين الثابت بالنص، والثابت بالاجتهاد، وبين القطعي والظني في النصوص، وبين الضروري وغير الضروري في الدين، فلكل منها منزلته، وله حكمه[30].

3. في التقريب الأصولي

بين هذا التقريب والذي سبقه علاقة، بسبب الوثاقة العضوية التي تربط الأصول بالفقه، فلا يستقيم النظر الفقهي من دون فقه أصول الاستنباط، لذلك، فلا تقل هذه القواعد الضابطة للنظر الأصولي فائدة في الاعتبار، وقد انتخبت القواعد المتصلة الآتية:

أ. قاعدة التصويب والتخطيء

تعتري الدرس الأصولي النسبية في فهم النص وتأويله وحتى تنزيله، وهذا ما ترجم لدى الأصوليين بالاختلاف حول مبدأي التصويب والتخطيء، ثم إن النص الحديثي المؤكد على هذا الأمر: “إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر”[31]، حدد قصور العقل البشري في إدراك الأحكام المطلقة والحقائق اليقينية، يقول أبو زيد الدبوسي: “وأما علماؤنا فإنهم قالوا: بهذا القول؛ (أي التخطيء) إذا كان طريق الإصابة بينا لعلمنا أنه ما أخطأ إلا بتقصير من قبله. فأما إذا كان خفياً فقد جاء الخطأ لخفاء دليل الإصابة، وذلك من الله تعالى، والخفي مما لا يدركه كل فهم وكل قلب، فإن آلات البصر على التفاوت؛ كالعيون أبصارها متفاوتة بحكم الخلقة، فلا يجوز العتاب على فعل الله تعالى، فيصير معذوراً فيما لم يدرك مصيباً فيما استعمل من الاجتهاد مأجوراً.

 وما روي من التخطئة والتشنيع فعلى النوع الذي ظهر طريقه عند الذي خطأ وشنع، فإنا قد روينا التصويب للفريقين أيضاً فنحمل ذلك على الذي خفي طريقه، ليكون قولاً عدلاً وسطاً جامعاً بين المقصر والغالي، والله أعلم”[32]، وهو المذهب الذي حرره الغزالي في المستصفى بعد ذكره للآراء المختلفة في المسألة، عقب مستخلصا؛ “والمختار عندنا، وهو الذي نقطع به، ونخطئ المخالف فيه أن كل مجتهد في الظنيات مصيب، وأنها ليس فيها حكم معين لله تعالى[33].

لذلك، فيبقى أي اجتهاد مستوف للشروط المطلوبة علما اجتهادا يقبل الصواب، كما يقبل الخطأ؛ أي تعتيريه الظنية التي عرفت بها المعرفة الفقهية، ولا يقطع بالصواب، يقول ابن حزم: “وقد نص تعالى على أن الاختلاف ليس من عنده، ومعنى ذلك أنه تعالى لم يرض به، وإنما أراده تعالى إرادة كون، كما أراد كون الكفر وسائر المعاصي، فإن قال قائل إن الصحابة قد اختلفوا وأفاضل الناس أفيلحقهم هذا الذم؟ قيل له وبالله تعالى التوفيق: كلا ما يلحق أولئك شيء من هذا؛ لأن كل امرئ منهم تحرى سبيل الله ووجهة الحق، فالمخطىء منهم مأجور أجرا واحدا لنيته الجميلة في إرادة الخير، وقد رفع عنهم الإثم في خطئهم لأنهم لم يتعمدوه، ولا قصدوه، ولا استهانوا بطلبهم، والمصيب مأجور منهم أجرين[34].

وبناء عليه، فإن الاجتهاد الفقهي المستلزم للشروط لا يقطع بصوابه عند أغلب الأصوليين، باعتبار الاختلاف المطلوب في الشريعة، ولخفاء الصواب عن المكلفين، فلا أحد له حق القطع في المسألة الاجتهادية.

ب. تقديم جانب الوجود على العدم

إن الدعوة إلى حفظ الشريعة ومراعاة كلياتها تقتضي النظر في ذلك من جانبي الحفظ والحماية، فكان لزاما إحاطة ذلك بأحكام الأمر ودلالات النهي؛ بشكل متواز حتى يتم ذلك الحفظ. لكن؛ تبقى هذه الدعوة واردة ومستمرة من حيث المبدأ الضروري؛ المؤسس على كلية التمكين والقدرة كما يقول الفقهاء، لكن وجود فراغ ملحوظ في جانب المكنة والظهور في كيان الأمة؛ لتمثل مبادئها الشرعية في واقعها، يثير ذلك سؤال أولوية الجانب الأحرى بالاعتبار أكثر من الآخر؟ خصوصا، وأن واقع الأمة المعاصر يتطلب تحقيقا دقيقا؛ من شأنه توجيه النظر إلى الأجدى والأولى في تمثل أحكام الشريعة، وتشهد لذلك نصوص شرعية عديدة؛ فمن القرآن الكريم قوله تعالى:

1. ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آَمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ (آل عمران: 110).

2. ﴿يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ (آل عمران: 114).

3. ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ (آل عمران: 104).

يظهر من هذه الآيات القرآنية أن مطالب التكليف الشرعي تبدأ من جانب إقامة قواعد الشريعة، وبناء كلياتها؛ حتى تستقيم الحياة وتتمثل الأحكام في مواقع الوجود البشري، ثم يليها الحرص على حفظ تلك الكليات من جانب ما تعود عليها بالإبطال والإخلال، ولعل الآية الأخيرة فيها ما يحث الأمة على الدعوة إلى الخير أولا، ثم الأمر بالمعروف ثم النهي عن المنكر؛ لأنه قبل القيام بواجب النهي عن المنكرات لا بد من سوابق الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف، وفي ذلك ما يشير إلى تقديم حفظ الكليات من جانب الوجود قبل حمايتها من جانب العدم، وإن كان لابد من استصحاب لوازم بعضهما البعض.

4. وكذلك قوله عز وجل: ﴿الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾ (الحج: 39)، في الآية دلالة قوية إلى ضرورة تسخير المكنة والتمكين بإقامة الصلاة، وفيه إشارة أيضا إلى تمثل التدين في الأمة وإيتاء الزكاة ثم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فذلك التتابع في التكاليف الشرعية يستصحب معه ضرورات الترتيب الزمني في حفظ الكليات؛ من حيث تقديم البناء والأساس قبل الإصلاح والحماية والتغيير.

ومن الحديث النبوي، نجد تذكير رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في أحاديث كثيرة بالعمل على ذلك، مثل قوله عليه الصلام والسلام: عن حُذيفة، رضي الله عنه، مرفوعاً: “والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً منه، ثم تدعونه فلا يستجاب لكم”[35]. وقوله صلى الله عليه وسلم: “مروا بالمعروف، وانهوا عن المنكر، قبل أن تدعوا فلا يُستجاب لكم”[36]، مما يجعلنا نقطع بأن جانب الوجود في حفظ الشريعة مقدم في الاعتبار على جانب العدم. كما يبدو معنى القاعدة في بعض الخصائص المنهجية والموضوعية؛ التي وسمت الخطاب القرآني والحديثي؛ كالافتتاح بالوعد والتعقيب بالوعيد، والبدء بالتحبيب والتثنية بالتحذير، والاستهلال بالأوامر والانتهاء بالنواهي، وتقديم ثواب الجنة ونعيمها وتأخير جزاء جهنم وشقائها.

إن بديهة العقل كذلك تنسجم مع ضرورة الاشتغال على جانب الوجود في إقامة الشريعة، قبل الانتقال إلى التحذير والاحتياط من خرمها والإخلال بها؛ لأن إقامة أمر ما والتعريف به، وبيان قيمته يسبق الخوف على انهياره وضياعه، وهو ما يشبه حال بناء بيت والعمل على توفير كل شروط إنجازه يسبق التحذير من إسقاط جدرانه والمساس بثباته. ثم إن خصوصية الأمر القرآني بأن يأمر المرء بالمعروف وينهى عن المنكر “يقتضي إتيان الأمر وانتهاءه في نفسه؛ لأن الذي يأمر بفعل الخير وينهى عن فعل الشر يعلم ما في الأعمال من خير وشر، ومصالح ومفاسد، فلا جرم أن يتوقاها في نفسه بالأولوية من أمره الناس ونهيه إياهم”[37].

ج. فقه الجزئيات في ضوء الكليات

يمثل فقه الكليات الضابط المتحكم في الخطاب الشرعي، وغاية هذا الاعتبار في أصول الشريعة هو تقويم النظر في الأحكام الاجتهادية، وضبط مسالكها وطرق استنباطها؛ لأن “النظر في الجزئيات والمنصوصات إنما مقصوده التوصل إلى ذلك المطلوب الكلي الشرعي، حتى يبني عليه فتياه، ويرد إليه حكم اجتهاده”[38]. فنجد الإمام الشاطبي، مثلا، قد شبه المعترض عن الكليات المتمسك بالجزئيات بالمتبع للمتشابهات المذموم بزيغه، فقال: “وهذا الموضع كثير الفائدة عظيم النفع بالنسبة إلى المتمسك بالكليات إذا عارضتها الجزئيات، وقضايا الأعيان، فإنه إذا تمسك بالكلي كان له الخيرة في الجزئي في حمله على وجوه كثيرة، فإن تمسك بالجزئي لم يمكنه مع التمسك الخيرة في الكلي، فثبت في حقه المعارضة، ورمت به أيدي الإشكالات في مهاو بعيدة، وهذا هو أصل الزيغ والضلال في الدين؛ لأنه اتباع للمتشابهات، وتشكك في القواطع المحكمات، ولا توفيق  إلا بالله”[39].

وإذا ثبت أن النظر الكلي مطلوب في الشريعة؛ فإن ذلك لا يعني الإعراض عن الجزئي، وإهمال التحقيق فيه؛ لأن الكلي لم يثبت إلا بعد الفراغ من استقراء الجزئيات: “وبيان ذلك أنَّ تُلقِّيَ العلمِ بالكلي إنما هو من عَرْض الجزئيات واستقرائها، فالكلي من حيث هو كلي غير معلوم لنا قبل العلم بالجزئيات؛ ولأنه ليس بموجود في الخارج، وإنما هو مُضمَّن في الجزئيات، حسبما تقرر في المعقولات، فإذنْ، الوقوف مع الكلي مع الإعراض عن الجزئي وقوف مع شيء لم يتقرر العلم به بعد”[40]. “فإذا تقرر هذا فعلى الناظر في الشريعة… أن ينظر إليها بعين الكمال، لا بعين النقصان، ويعتبرها اعتباراً كلياً في العبادات والعادات، ولا يخرج عنها ألبتة”[41].

 لذلك” إن معرفة الشريعة لا تتم بمجرد معرفة نصوصها الجزئية متفرقة متناثرة، مفصولاً بعضها عن بعض، بل لابد من رد فروعها إلى أصولها، وجزئياتها إلى كلياتها، ومتشابهاتها إلى محكماتها، وظنياتها إلى قطعياتها، حتى يتألف منها جميعاً نسيج واحد مرتبط بعضه ببعض، متصل لحمته بسداه، ومبدؤه بمنتهاه. أما أن يعثر على نص من حديث نبوي، يفيد ظاهره حكما، فيتشبث به، دون أن يقارنه بالأحاديث الأخرى، وبالهدي النبوي العام، وبهدي الصحابة والراشدين، بل دون أن يرده إلى الأصول القرآنية نفسها، ويفهمه في ضوء المقاصد العامة للشريعة، فلن يسلم من الخلل في فهمه، والاضطراب في استنباطه، وبذلك يضرب الشريعة بعضها ببعض، ويعرضها لطعن الطاعنين، وسخرية الساخرين”[42].

4. في التقريب المقاصدي

إن شريعة الإسلام تنشد بناء مجتمع إنساني يقوم على أسس قيمية، ومقاصد كبرى جاء بها الأنبياء والرسل، جميعا، وإن الزيغ عنها أو الجهل بها خروج عن متحققات الأحكام والفروع الفقهية، وإن من زلات التشدد في الفقه والغلو في الأحكام؛ إهمالهما اعتبار المقاصد في الفهم والتطبيق والتنزيل. ويبدو ذلك في:

أ. في المقاصد الكبرى     

إن مراعاة المقاصد الشرعية تتحدد ضرورتها من خلال توجيه المكلفين إلى خدمة المقاصد العامة للتكليف الإنساني، تأسيسا على العرض الإلهي للأمانة: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا﴾ (الأحزاب: 72)، وتتمثل هذه المقاصد في التوحيد الرباني، والاستخلاف العمراني ثم الشهود العالمي. وفي هذا السياق الحضاري المعقّد؛ تعظم مهام العلماء وموجهي الأمة في توجيه وإرشاد الناس إلى ضرورة التنبيه على مستوى الخطورة التي آل إليها الوضع العالمي والإنساني.

أولا: التوحيد الرباني؛ إن التوحيد مطلب إسلامي تقصدته الشريعة من خلال دعوة الأنبياء كلهم إلى التوحيد الرباني، ولعل من مقتضيات ذلك توحيد البوصلة الإنسانية كافة: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾ (آل عمران: 63). لذلك، فالتوحيد مناط لقيم العدل والأخوة والحرية؛ وغيرها من القيم المتأصلة في توحيد المعبود سبحانه.

ثانيا: الاستخلاف العمراني؛ إن الاستخلاف الإنساني في الأرض وعد الإلهي في السنن الحضارية؛ تحقيقه الوفاء كلما تمثل الإنسان الشروط الإيمانية، وما يستتبعها من لواحق العمل ذو القيم الصالحة في الأرض، وبين الناس، وهو المقصد الأسمى من الحضور القيمي للإنسان في الوجود: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا﴾ (النور: 53). كيف إذن يمكّن لنا الدين إذا سلكنا سبيل الإكراه والشدة والغلو، وعالم اليوم في حاجة إلى أمن روحي ومادي وروح المحبة والسلام. وفي قوله تعالى: ﴿وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آَيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ (هود: 61)، قيل: المعنى ألهمكم عمارتها من الحرث والغرس وحفر الأنهار وغيرها[43]  ومهما يكن فكلها معاني توحي بمقاصد الاستخلاف الإنساني في الأرض.

ثالثا: الشهود العالمي؛ يبقى الشهود الحضاري نهاية التكليف الإلهي للإنسان، وغاية استحقاقات الوفاء بالأمانة المعروضة عليه، ثم إن الأمة بما هي مستأمنة في الوجود والكون؛ بحكم مقتضيات الوسطية ومستلزمات الخيرية لقوله تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آَتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ﴾ (آل عمران: 80)، فهي أيضا، مستأمنة على البلاغ والبيان للأمم الأخرى، عملا بالميثاق الإلهي المأخوذ ومقتضيات الشهادة الإنسانية المتعينة. سيرا على الهدي القرآني: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ (البقرة: 142)، ويقول جل وعلا: ﴿وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ﴾ (الحج: 76).

 إن الشهادة الحضارية نتيجة ضرورية للمهام التكليفية المنوطة بالأمة، أفرادا ومؤسسات ومجتمعات، من بيان وبلاغ وإصلاح وإنقاذ، كما أن هذه الشهادة من حيث هي إقامة الحجة الثقافية على الناس، وإبراء للذمة الحضارية، وبيان لحقيقة التكليف، ووصول الشرع، ستكون ترجمة وعنوانا للهيمنة الإنسانية والتصديق العالمي؛ “لأن القيم التي تأتي بها هذه المرجعية هي القيم التي تحقق للإنسان كل ما يصبو إليه من هدي وخير، وتبتعد به عن المتاهات التي تقوده إلى الهلاك والدمار”[44].

ب. في وسائل المقاصد

يتطلب تحقيق المقاصد الكلية المذكورة استثمار الوسائل الكفيلة بذلك، وقد رسمت الشريعة سبلها بإعمال طرق الحكمة ومنهج الموعظة وسبل التي هي أحسن، وتلك وسائل وطرق كلها تتنافى مع قيم التشدد في تبليغ الدين، أو سلوك الغلو في تمثله، أو الميل إلى التطرف في اختيار أحكامه.

وإن من مقتضيات الشهود الإنساني وعالميته أن تستند الشريعة إلى سبيل الحكمة في دعوة الناس إليها وفي أحكامها مع مكلفيها، وهذا يتنافى مع كل السبل المتسمة بالتشدد والغلو فيهما، حتى لا ينفض من حولها الناس، يقول الطبري في بيان قوله تعالى: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ﴾ (النحل: 125) “يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم (ادع) يا محمد من أرسلك إليه ربك بالدعاء إلى طاعته (إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ﴾ يقول: إلى شريعة ربك التي شرعها لخلقه، وهو الإسلام (بالحكمة) يقول بوحي الله الذي يوحيه إليك، وكتابه الذي ينزله عليك”[45]. وقال الزمخشري: “إلى سبيل ربك: إلى الإسلام، بالحكمة: بالمقالة المحكمة الصحيحة، وهي الدليل الموضح للحق المزيل للشبهة”[46].

وإن الله، سبحانه وتعالى، المتصف بالرحمة والحكمة، فإن شريعته جاءت رحمة بالعباد، وتخفيفا عليهم ولأجل مصلحتهم، دون مشقة واقعة وعسر زائد؛ لن يستطيع معها الإنسان تحملا، فكان من البين أن تتبع تلك الدعوة الحكيمة بالموعظة الحسنة، يقول الزمخشري: “والموعظة الحسنة: وهي التي لا يخفى عليهم أنك تناصحهم بها، وتقصد ما ينفعهم فيها، ويجوز أن يريد القرآن؛ أي ادعهم بالكتاب الذي هو حكمة وموعظة حسنة[47].

وإن الفئة المجادلة من الناس التي لم تؤمن بعد، ولم تقتنع بعد بالدعوة وبأحكام الشريعة، فسبيل مخاطبتها هو الجدال بالتي هي أحسن من رفق ولين ورحمة، وتلك هي طريق الأنبياء والرسل “وقوله تعالى: ﴿وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ (النحل: 125)؛ أي من احتاج منهم إلى مناظرة وجدال، فليكن بالوجه الحسن، برفق ولين وحسن خطاب، كما قال سبحانه: ﴿وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾) العنكبوت: 46)؛ فأمره تعالى بلين الجانب..

 كما أمر موسى وهارون، عليهما السلام، حين بعثهما إلى فرعون فقال الله تعالى: ﴿فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى﴾ (طه: 43 (وقوله: ﴿إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ (القلم: 7)؛ أي قد علم الشقي منهم والسعيد، وكتب ذلك عنده وفرغ منه، فادعهم إلى الله، ولا تذهب نفسك على من ضل منهم حسرات، فإنه ليس عليك هداهم إنما أنت نذير، عليك البلاغ، وعلينا الحساب لقوله تعالى: ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ﴾ (القصص: 56)، ﴿لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ﴾ (البقرة: 271)”[48]، وقال الزمخشري في بيان الآية نفسها لقوله تعالى: ﴿وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ بالطريقة التي هي أحسن طرق المجادلة من الرفق واللين، من غير فظاظة ولا تعنيف: ﴿إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ﴾ بهم؛ فمن كان فيه خير كفاه الوعظ القليل والنصيحة اليسيرة، ومن لا خير فيه عجزت عنه الحيل، وكأنك تضرب منه في حديد بارد[49].

خاتمة

إن أمتنا في حاجة إلى فتح قيمي جديد يعيد الاعتبار للقيم الإنسانية النبيلة والرحيمة. فالبشرية اليوم أحوج إلى من ينقذ مسار سفينتها المبحرة وسط كتل من الأمواج المتلاطمة، حتى تستوي ناجية على شاطئ الجودي، ويتأهب للأخذ على أيدي الذين لا يعرفون غير سبيل الخرق في النصيب، ونتوجس خيفة أن يكون هؤلاء الخارقون من بني أمتنا وديننا.

إن عقلية الخرق هذه لابد لها من دافع وكابح يوقف تسللها إلى باقي النفوس البشرية، ولن يتم ذلك إلا بمدافعة هذه القوى بكل الصور وتدافع يعتمد كل الوسائل المتاحة، وعلى رأسها الحوار والتعارف والتفاهم مع حنفاء الحضارة المعاصرة، وشرفاء الثقافات المتنوعة الحاملين لنفس الهموم، والتواقين إلى عالم حر قائم على قيم نبيلة.

ولنا في حديث السفينة الرائع خير تصوير لهذا المشهد العالمي الذي نعيشه اليوم، فقد روى الإمام محمد بن إسماعيل البخاري، رحمه الله، في صحيحه: عن النُّعْمَانَ بْنِ بَشِيرٍ، رَضِي اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: “مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاهَا و َبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ الْمَاءِ، مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا، وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعاً، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعًا”.

الهوامش

[1]. رواه البيهقي، تحت رقم 20911، و صححه ابن عبد البر في التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، 1/60.

[2]. أبو محمد علي بن حزم الظاهري، الفصل في الملل والأهواء والنحل، وبهامشه كتاب الملل والنحل، لأبي الفتح عبد الكريم الشهرستاني، بيروت: مكتبة خياط/لبنان، 3/107.

[3] أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية، مجموع فتاوي ابن تيمية، جمع وترتيب: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، الرباط: مكتبة المعارف، 5/554-555.

[4] نور الدين بن المختار الخادمي، البعد الفقهي في معالجة العنف، ضمن كتاب، ظاهرة التطرف والعنف من مواجهة الآثار إلى معالجة الأسباب، سلسلة كتاب الأمة، قطر: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، 2015/1436، ع167، ط1، الجزء الثاني، ص47.

[5]. بن بشير بن نصر الصديق، الاختلاف الفقهي أسبابه وآدابه، ليبيا: منشورات الدعوة الإسلامية العالمية/طرابلس، ط1، 2008، ص335.

[6]. كمال الدين بن همام، فتح القدير، دار الفكر، د. ط، ص5/315.

[7]. الشوكاني، نيل الأوطار، تحقيق: عصام الدين الصبابطي، دار الحديث، مصر، الطبعة: الأولى، 1413هـ 1993م، 7/199

[8]. مجموع الفتاوى، م، س، 12/466

[9]. أخرجه البيهقي في السنن الكبرى، ج 8 ص173

[10]. الإمام ابن حجر العسقلاني، فتح الباري بشرح صحيح البخاري، تحقيق: عبد العزيز بن عبد الله بن باز، البطحاء، الرياض: كلية الرياض الحديثة، 12/301.

[11]. محمد رشيد رضا، تفسير المنار، الهيئة المصرية للكتاب، د. ط ود. ت، 3/34.

[12]. أبو القاسم جار الله محمود بن محمد الزمخشري، الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، الدار العلمية للطباعة والنشر، 1/487.

[13]. ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، 1/683.

[14]. رواه البخاري في “كتاب الزكاة” باب “وجوب الزكاة” حديث (1399)، ومسلم حديث (20).

[15]. تقي الدين ابن تيمية، الصارم المسلول على شاتم الرسول، تحقيق: محمد محي الدين عبد الحميد، الحرس الوطني السعودي، المملكة العربية السعودية، ص357.

[16]. النووي، شرح النووي على صحيح مسلم، 2/107.

[17]. المرجع نفسه، 7/163.

[18]. أخرجه مسلم، الصحيح، الأقضية، باب الحكم بالظاهر واللحن بالحجة.

[19]. شرح النووي على صحيح مسلم12/5.

[20]. يحيى بن شرف النووي، رياض الصالحين من كلام سيد المرسلين، ص165.

[21]. أخرجه الترمذي برواية: “ادرؤوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم” في كتاب الحدود، باب ما جاء في درء الحدود، برقم 1344، والبيهقي في السنن الكبرى كتاب الحدود، باب ما جاء في درء الحدود بالشبهات 8/238.

[22]. عبد القادر عودة، التشريع الجنائي الإسلامي مقارنا بالقانون الوضعي، بيروت: دار الكاتب العربي، 1/208.

[23]. محمد أبو زهرة، الجريمة والعقوبة في الفقه الإسلامي، دار الفكر العربي، ص200.

[24]. أبو إسحاق الشاطبي، الموافقات في أصول الشريعة، تحقيق: عبد الله دراز، بيروت: دار الكتب العلمية/لبنان، (1414ﻫ/1994م)، 1/172.

[25]. رواه الترمذي، رقم 1424، والبيهقي رقم 17057.

[26]. عبد القادر عودة، التشريع الجنائي الإسلامي مقارنا بالقانون الوضعي، م، س، 1/217.

[27]. بدر الدين الزركشي، البحر المحيط في أصول الفقه، تحقيق: محمد محمد تامر، بيروت: دار الكتب العلمية، ط1، (1421ﻫ/2000)، 4/406.

[28]. فخر الدين الرازي، المحصول في علم الأصول، تحقيق: طه جابر العلواني، بيروت: مؤسسة الرسالة/لبنان، ط2، (1412ﻫ/1992م)، 2/186.

[29]. أبو بكر ابن عربي، أحكام القرآن، تحقيق: محمد عبد القادر عطا،  دار الفكر، د. ت، 1/254.

[30]. انظر يوسف القرضاوي بتصرف، الصحوة الإسلامية بين الجحود والتطرف، سلسلة كتاب الأمة، عدد1، وزارة الأوقاف، قطر، 1402ﻫ، ص158-159.

[31]. رواه البخاري، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ رقم6919 .

[32]. أبو زيد عبيد الله بن عمر بن عيسى الدبوسي، تقويم الأدلة في أصول الفقه، تحقيق: خليل محيي الدين الميس، بيروت: دار الكتب العلمية/لبنان، ط1، ( 1421ﻫ/2001م)، ص416.

[33]. أبو حامد الغزالي، المستصفى في علم الأصول، تحقيق: عبد السلام عبد الشافي، بيروت: دار الكتب العلمية/لبنان، ط1، (1413ﻫ/1993م)، 1/352.

[34]. علي بن أحمد بن حزم الظاهري، الإحكام في أصول الأحكام، بيروت: دار الآفاق الجديدة/لبنان، ط2، (1403ﻫ/1983م)، 5/68.

[35]. متفق عليه.

[36]. رواه أحمد.

[37]. ابن عاشور، الطاهر، التحرير والتنوير، الدار التونسية للنشر، ط1984، ج22، ص165.

[38]. المرجع سابق، 4/164.

[39]. الشاطبي. الموافقات. م، س، 3/196-197.

[40]. المرجع نفسه، 3/5-6.

[41]. أبو إسحاق الشاطبي، الاعتصام، عناية مكتب تحقيق التراث، وفهرسة: رياض عبد الله عبد الهادي، ط1، (1417ﻫ/1997م)، 2/455.

[42]. يوسف القرضاوي، الصحوة الإسلامية بين الجحود والتطرف، م، س، ص151.

[43]. عبد الله بن أحمد القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، تحقيق: محمد صدقي خليل والشيخ عرفات العش، دار الفكر، ط1، (1993م/1414ﻫ)، 9/51.

[44]. فتحي حسن ملكاوي، التأصيل الإسلامي لمفهوم القيم، إسلامية المعرفة، يصدرها المعهد العالمي للفكر الإسلامي، خريف (1429ﻫ/2008م)، ص16.

[45]. أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، جامع البيان في تأويل آي القرآن، بيروت: دار الفكر، (1405ﻫ/1984م)، 17/232.

[46]. الزمخشري، الكشاف، م، س، 2/644.

[47]. الزمخشري، الكشاف، م، س، 2/644.

[48]. ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، م، س، 1/272.

[49]. الزمخشري، الكشاف، م، س، 2/644.

Science
الوسوم

د. الحسان شهيد

أستاذ التعليم العالي، كلية أصول الدين وحوار الحضارات، تطوان-المغرب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق