مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوت العقديةمفاهيم

مفهوم الكرامة عند الأشاعرة 2/2

 

يقول الإمام الشهرستاني في إثبات الكرامات: “وأما كرامات الأولياء فجائز عقلاً ووارد سمعاً ومن أعظم كرامات الله تعالى على عباده تيسير أسباب الخبر لهم وتعسير أسباب الشر عليهم وحيثما كان التيسير أشد وإلى الخير أقرب كانت الكرامة أوفر وما ينقل عن بعضهم من خوارق العادات وصح النقل وجب التصديق ولا يجوز الإنكار عليه أليس قد ورد في القرآن قصة عرش بلقيس وقول ذلك الولي ” أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك فلما رآه مستقراً عنده قال هذا من فضل ربي ” أو لم تكن قصة أم موسى ومريم أم عيسى عليه السلام وما ظهر لهما من الخوارق من إلقاء موسى في اليم كرامةً لها ورزق الشتاء في الصيف ورزق الصيف في الشتاء وظهور النخلة في الصحراء من أعظم الكرامات لمريم عليها السلام وما ينقل عن صالحي هذه الأمة أكثر من أن يحصى وهي بآحادها إن لم تفدنا علماً بوقوعها فهي بمجموعها أفادتنا علماً قطعياً ويقيناً صادقاً بأن خوارق العادات قد ظهرت على أيدي أصحاب الكرامات.
واعلم أن كل كرامة تظهر على يد ولي فهي بعينها معجزة لنبي إذا كان الولي في معاملاته تابعاً لذلك النبي وكل ما يظهر في حقه فهو دليل على صدق أستاذه وصاحب شريعته فلا تكون الكرامة قط قادحة في المعجزات بل هي مؤيدة لها دالة عليها راجعة عنها وعائدة إليها”[1].
ويذهب الإمام الفخر الرازي في إثبات الكرامات  إلى الرد على منكريها قائلا: “واحتج المنكرون للكرامات بوجوه، الشبهة الأولى: وهي التي عليها يعولون وبها يضلون أن ظهور الخارق للعادة جعله الله دليلا على النبوة، فلو حصل لغير نبي لبطلت هذه الدلالة، لأن حصول الدليل مع عدم المدلول يقدح في كونه دليلا…
«والجواب» عن الشبهة الأولى: أن الناس اختلفوا في أنه هل يجوز للولي دعوى الولاية؟.
فقال قوم من المحققين: أن ذلك لا يجوز، فعلى هذا القول يكون الفرق بين المعجزات والكرامات أن المعجزة تكون مسبوقة بدعوى النبوة والكرامة لا تكون مسبوقة بدعوى الولاية، والسبب في هذا الفرق أن الأنبياء عليهم السلام إنما بعثوا إلى الخلق ليصيروا دعاة للخلق من الكفر إلى الإيمان ومن المعصية إلى الطاعة فلو لم تظهر دعوى النبوة لم يؤمنوا به وإذا لم يؤمنوا به بقوا على الكفر وإذا ادعوا النبوة وأظهروا المعجزة آمن القوم بهم فإقدام الأنبياء على دعوى النبوة ليس الغرض منه تعظيم النفس بل المقصود منه إظهار الشفقة على الخلق حتى ينتقلوا من الكفر إلى الإيمان، أما ثبوت الولاية للولي فليس الجهل بها كفرا ولا معرفتها إيمانا فكان دعوى الولاية طلبا لشهوة النفس، فعلمنا أن النبي يجب عليه إظهار دعوى النبوة والولي لا يجوز له دعوى الولاية فظهر الفرق”[2].
وقال في الفرق بين الكرامات وبين الاستدراجات: “إن صاحب الكرامة لا يستأنس بتلك الكرامة بل عند ظهور الكرامة يصير خوفه من الله تعالى أشد وحذره من قهر الله أقوى فإنه يخاف أن يكون ذلك من باب الاستدراج، وأما صاحب الاستدراج فإنه يستأنس بذلك الذي يظهر عليه ويظن أنه إنما وجد تلك الكرامة لأنه كان مستحقا لها وحينئذ يستحقر غيره ويتكبر عليه ويحصل له أمن من مكر الله وعقابه ولا يخاف سوء العاقبة فإذا ظهر شيء من هذه الأحوال على صاحب الكرامة دل ذلك على أنها كانت استدراجا لا كرامة. فلهذا المعنى قال المحققون: أكثر ما اتفق من الانقطاع عن حضرة الله إنما وقع في مقام الكرامات فلا جرم ترى المحققين يخافون من الكرامات كما يخافون من أنواع البلاء”[3].
وأثبت سيف الدين الآمدي الكرامات في مناقشاته حيث يقول: “فإن قيل: ما ذكرتموه من امتناع تقدّم المعجزة على الدّعوى يفضى إلى إبطال كثير مما نقل من معجزات أنبيائكم، وذلك ككلام عيسى فى المهد، وتساقط الرّطب الجنى عليه من النخلة اليابسة قبل نبوّته، وكذلك ما نقلتموه من معجزات نبيّكم قبل مبعثه:كتسليم الحجر عليه والشّجر، والمدر، وشقّ بطنه، وغسل قلبه، إلى غير ذلك.
فنقول: كل خارق ظهر على يد النّبيّ قبل  بعثته فهو من باب الكرامات.
والأنبياء قبل البعثة لا يخرجون عن درجة الأولياء، وظهور الكرامات على أيدى الأولياء جائز عندنا…”[4]. 
وقال في سياق الرد على شبه القائلين بإحالة  البعثة في الشبهة الثالثة والعشـرين: “سلمنا امتناع الاطراد، ولكن إما أن تقولوا بجواز ظهور الكرامات والخوارق للعادات على أيدى الأولياء، أو لا تقولوا به. 
فإن لم تقولوا به فهو خلاف المعقول فإنه إذا جاز ظهور الخارق مع التحدى، وثبت كونه مقدورا لله تعالى فعدم التحدى لا يخرجه عن جوازه، وعن كونه مقدورا.
ولهذا فإنا لو فرضنا وقوعه لم يعرض عنه لذاته محال. ثم هو خلاف أصلكم، ومذهبكم، وما دل عليه نصوص كتابكم، وما اشتهر عن كثير من الأولياء، والصالحين.
أما الكتاب: فما أخبر به عن قصة أهل الكهف وما ظهر لهم من الآيات وخوارق العادات، وما أخبر به عن أم موسى، وإلقاء موسى فى اليم، وما أخبر به عن مريم من ضروب الكرامات، ووجود، فاكهة الصيف عندها فى الشتاء، وفاكهة الشتاء فى الصيف، ولم يصر أحد من المسلمين ولا أحد من أرباب المقالات إلى أنهم  كانوا أنبياء.
وأما السنة: فقوله عليه الصلاة والسلام: «إن من أمتى مخاطبون، ومكلمون وإن عمر منهم».
وأما الاجماع: فهو أن الصحابة لم يزالوا متفاوضين فى كرامات الأولياء وما كان منها لمن تقدم من الصلحاء، وعباد بنى إسرائيل، ولم يزالوا على ذلك فى كل عصر إلى حين ظهور المخالفين من غير نكير فكان اجماعا.
وأما ما اشتهر من ذلك عن الأولياء بالأخبار اليقينية الصادقة: فكالمشهور عن عمر رضى الله عنه من قصة سارية حيث حذره من الكمين وعمر على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وسارية بنهاوند، وغيره من الحكايات المنقولة عن الأولياء وما ظهر على أيديهم من الغرائب والعجائب مما آحادها وإن كانت آحادا فنازلة منزلة التواتر فى إفادة اليقين”[5].
ويضيف رحمه الله: “وعن الثالثة والعشرين: القائلة بجواز ظهور الكرامات على أيدى الأولياء فنقول قد اختلف المتكلمون فى ذلك:
فذهب أكثر المعتزلة: إلى إنكار ذلك.
والّذي عليه مذهب أهل الحق من الأشاعرة: جوازه لما سبق فى الاعتراض من الأدلة وإبطال شبه المنكرين، ووافقهم على ذلك أبو الهذيل ، وعباد الصيمرى،  ثم اختلف أصحابنا.
فذهب الأستاذ أبو إسحاق: إلى أن الكرامات الظاهرة على أيدى الأولياء لا تبلغ مبلغ المعجزات الخارقة للعادة تفرقة بينها، وبين المعجزات.
وذهب الباقون: إلى جواز ذلك. ثم اختلف هؤلاء:
فمنهم من قال إن الكرامات لا تقع مع القصد، والاختيار بل لو قصد الولى إيقاعها لما وقعت تفرقة بينها، وبين المعجزات.
وذهب الأكثرون منهم إلى جواز وقوعها مع الاختيار. ثم اختلف هؤلاء فى جواز وقوعها مع الدعوى من الولى.
فذهب الأكثرون: إلى المنع من ذلك تفرقة بينها وبين المعجزات.
وقال القاضى أبو بكر: ذلك غير ممتنع فى العقل لكن بشـرط ألا يكون ادعاؤه لذلك على طريق التعظيم، والخيلاء فإن ذلك ليس من شعار الأولياء، والصالحين، والفرق مع ذلك بين المعجزات والكرامات، هو أن المعجزات مع دعوى النبوة، والكرامة”[6].
وقال الإيجي في المواقف : “قال الإمام الرازي في الأربعين المعتزلة ينكرون كرامات الأولياء ، ووافقهم الأستاذ أبو إسحاق منا ، وأكثر أصحابنا يثبتونها ، وبه قال أبو الحسين البصري من المعتزلة.
 لنا: أما جوازها فظاهر على أصولنا ؛ وهي أن وجود الممكنات مستند إلى قدرته الشاملة لجميعها فلا يمتنع شيء منها على قدرته ولا يجب غرض في أفعاله، ولا شك أن الكرامة أمر ممكن إذ ليس يلزم من فرض وقوعها محال لذاته. 
 وأما وقوعها: فلقصة مريم رضي الله عنها حيث حملت بلا ذكر ووجد الرزق عندها بلا سبب وتساقط عليها الرطب من النخلة اليابسة، وجعل هذه الأمور معجزات لزكريا أو إرهاصا لعيسى مما لا يقدم عليه منصف، وقصة آصف وهي إحضاره عرش بلقيس من مسافة بعيدة في طرفة عين،ولم يكن ذلك معجزة لسليمان عليه السلام إذ لم يظهر على يده مقارنا لدعواه النبوة، وقصة أصحاب الكهف وهي أن الله سبحانه وتعالى أبقاهم ثلاثمائة سنة وأزيد نياما أحياء بلا آفة ولم يكونوا أنبياء إجماعا وشيء منها أي من هذه الأمور الخارقة الواقعة في تلك القصص لم يكن معجزة لفقد شرطه كما أشرنا إليه وهو مقارنة الدعوى والتحدي. 
 احتج من لم يجوز الخوارق أصلا بما مر بجوابه ومن جوزها وأنكر الكرامة احتج بأنها لا تتميز عن المعجزة فلا تكون المعجزة حينئذ دالة على النبوة وينسد باب إثباتها 
 والجواب: إنها تتميز بالتحدي مع ادعاء النبوة في المعجزة وعدمه أي عدم التحدي مع ذلك الادعاء في الكرامة”[7]. 
وختاما يقول ابن عطاء الله السكندري: “فاعلم أن الكرامة لا تكون كرامة حتى يصحبها الرضا عن الله، ومن لازم الرضا عن الله، ترك التدبير معه، وإسقاط الاختيار بين يديه”[7] .
الهوامش:
1. نهاية الإقدام في علم الكلام(ص:174)
2. تفسير الرازي = مفاتيح الغيب (21/ 436- 437)
3. تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير (21/ 438).
4. أبكار الأفكار في أصول الدين، للإمام سيف الدين الآمدي، تحقيق: أ. د. أحمد محمد المهدي، مطبعة دار الكتب والآثار القومية بالقاهرة، الطبعة الثانية، 1424هـ- 2004م، (4/21)
5. أبكار الأفكار في أصول الدين (4/42)
6. أبكار الأفكار في أصول الدين(4/59)
7. كتاب المواقف، عضد الدين عبد الرحمن بن أحمد الإيجي، تحقيق : د.عبد الرحمن عميرة، دار الجيل – بيروت، الطبعة الأولى ، 1997م، (3/465)
8. التنوير في إسقاط التدبير، لتاج العارفين ابن عطاء الله السكندري رضي الله عنه، ومثله في الطبقات الكبرى، الإمام الشعراني (ت973هـ)، تحقيق: عبد الغني محمد علي الفاسي، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط2، 2006م، (ص:294 ).

يقول الإمام الشهرستاني في إثبات الكرامات: “وأما كرامات الأولياء فجائز عقلاً ووارد سمعاً ومن أعظم كرامات الله تعالى على عباده تيسير أسباب الخبر لهم وتعسير أسباب الشر عليهم وحيثما كان التيسير أشد وإلى الخير أقرب كانت الكرامة أوفر وما ينقل عن بعضهم من خوارق العادات وصح النقل وجب التصديق ولا يجوز الإنكار عليه أليس قد ورد في القرآن قصة عرش بلقيس وقول ذلك الولي ” أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك فلما رآه مستقراً عنده قال هذا من فضل ربي ” أو لم تكن قصة أم موسى ومريم أم عيسى عليه السلام وما ظهر لهما من الخوارق من إلقاء موسى في اليم كرامةً لها ورزق الشتاء في الصيف ورزق الصيف في الشتاء وظهور النخلة في الصحراء من أعظم الكرامات لمريم عليها السلام وما ينقل عن صالحي هذه الأمة أكثر من أن يحصى وهي بآحادها إن لم تفدنا علماً بوقوعها فهي بمجموعها أفادتنا علماً قطعياً ويقيناً صادقاً بأن خوارق العادات قد ظهرت على أيدي أصحاب الكرامات.

واعلم أن كل كرامة تظهر على يد ولي فهي بعينها معجزة لنبي إذا كان الولي في معاملاته تابعاً لذلك النبي وكل ما يظهر في حقه فهو دليل على صدق أستاذه وصاحب شريعته فلا تكون الكرامة قط قادحة في المعجزات بل هي مؤيدة لها دالة عليها راجعة عنها وعائدة إليها”[1].

ويذهب الإمام الفخر الرازي في إثبات الكرامات  إلى الرد على منكريها قائلا: “واحتج المنكرون للكرامات بوجوه، الشبهة الأولى: وهي التي عليها يعولون وبها يضلون أن ظهور الخارق للعادة جعله الله دليلا على النبوة، فلو حصل لغير نبي لبطلت هذه الدلالة، لأن حصول الدليل مع عدم المدلول يقدح في كونه دليلا…

«والجواب» عن الشبهة الأولى: أن الناس اختلفوا في أنه هل يجوز للولي دعوى الولاية؟.

فقال قوم من المحققين: أن ذلك لا يجوز، فعلى هذا القول يكون الفرق بين المعجزات والكرامات أن المعجزة تكون مسبوقة بدعوى النبوة والكرامة لا تكون مسبوقة بدعوى الولاية، والسبب في هذا الفرق أن الأنبياء عليهم السلام إنما بعثوا إلى الخلق ليصيروا دعاة للخلق من الكفر إلى الإيمان ومن المعصية إلى الطاعة فلو لم تظهر دعوى النبوة لم يؤمنوا به وإذا لم يؤمنوا به بقوا على الكفر وإذا ادعوا النبوة وأظهروا المعجزة آمن القوم بهم فإقدام الأنبياء على دعوى النبوة ليس الغرض منه تعظيم النفس بل المقصود منه إظهار الشفقة على الخلق حتى ينتقلوا من الكفر إلى الإيمان، أما ثبوت الولاية للولي فليس الجهل بها كفرا ولا معرفتها إيمانا فكان دعوى الولاية طلبا لشهوة النفس، فعلمنا أن النبي يجب عليه إظهار دعوى النبوة والولي لا يجوز له دعوى الولاية فظهر الفرق”[2].

وقال في الفرق بين الكرامات وبين الاستدراجات: “إن صاحب الكرامة لا يستأنس بتلك الكرامة بل عند ظهور الكرامة يصير خوفه من الله تعالى أشد وحذره من قهر الله أقوى فإنه يخاف أن يكون ذلك من باب الاستدراج، وأما صاحب الاستدراج فإنه يستأنس بذلك الذي يظهر عليه ويظن أنه إنما وجد تلك الكرامة لأنه كان مستحقا لها وحينئذ يستحقر غيره ويتكبر عليه ويحصل له أمن من مكر الله وعقابه ولا يخاف سوء العاقبة فإذا ظهر شيء من هذه الأحوال على صاحب الكرامة دل ذلك على أنها كانت استدراجا لا كرامة. فلهذا المعنى قال المحققون: أكثر ما اتفق من الانقطاع عن حضرة الله إنما وقع في مقام الكرامات فلا جرم ترى المحققين يخافون من الكرامات كما يخافون من أنواع البلاء”[3].

وأثبت سيف الدين الآمدي الكرامات في مناقشاته حيث يقول: “فإن قيل: ما ذكرتموه من امتناع تقدّم المعجزة على الدّعوى يفضى إلى إبطال كثير مما نقل من معجزات أنبيائكم، وذلك ككلام عيسى فى المهد، وتساقط الرّطب الجنى عليه من النخلة اليابسة قبل نبوّته، وكذلك ما نقلتموه من معجزات نبيّكم قبل مبعثه:كتسليم الحجر عليه والشّجر، والمدر، وشقّ بطنه، وغسل قلبه، إلى غير ذلك.

فنقول: كل خارق ظهر على يد النّبيّ قبل  بعثته فهو من باب الكرامات.

والأنبياء قبل البعثة لا يخرجون عن درجة الأولياء، وظهور الكرامات على أيدى الأولياء جائز عندنا…”[4]. 

وقال في سياق الرد على شبه القائلين بإحالة  البعثة في الشبهة الثالثة والعشـرين: “سلمنا امتناع الاطراد، ولكن إما أن تقولوا بجواز ظهور الكرامات والخوارق للعادات على أيدى الأولياء، أو لا تقولوا به. 

فإن لم تقولوا به فهو خلاف المعقول فإنه إذا جاز ظهور الخارق مع التحدى، وثبت كونه مقدورا لله تعالى فعدم التحدى لا يخرجه عن جوازه، وعن كونه مقدورا.

ولهذا فإنا لو فرضنا وقوعه لم يعرض عنه لذاته محال. ثم هو خلاف أصلكم، ومذهبكم، وما دل عليه نصوص كتابكم، وما اشتهر عن كثير من الأولياء، والصالحين.

أما الكتاب: فما أخبر به عن قصة أهل الكهف وما ظهر لهم من الآيات وخوارق العادات، وما أخبر به عن أم موسى، وإلقاء موسى فى اليم، وما أخبر به عن مريم من ضروب الكرامات، ووجود، فاكهة الصيف عندها فى الشتاء، وفاكهة الشتاء فى الصيف، ولم يصر أحد من المسلمين ولا أحد من أرباب المقالات إلى أنهم  كانوا أنبياء.

وأما السنة: فقوله عليه الصلاة والسلام: «إن من أمتى مخاطبون، ومكلمون وإن عمر منهم».

وأما الاجماع: فهو أن الصحابة لم يزالوا متفاوضين فى كرامات الأولياء وما كان منها لمن تقدم من الصلحاء، وعباد بنى إسرائيل، ولم يزالوا على ذلك فى كل عصر إلى حين ظهور المخالفين من غير نكير فكان اجماعا.

وأما ما اشتهر من ذلك عن الأولياء بالأخبار اليقينية الصادقة: فكالمشهور عن عمر رضى الله عنه من قصة سارية حيث حذره من الكمين وعمر على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وسارية بنهاوند، وغيره من الحكايات المنقولة عن الأولياء وما ظهر على أيديهم من الغرائب والعجائب مما آحادها وإن كانت آحادا فنازلة منزلة التواتر فى إفادة اليقين”[5].

ويضيف رحمه الله: “وعن الثالثة والعشرين: القائلة بجواز ظهور الكرامات على أيدى الأولياء فنقول قد اختلف المتكلمون فى ذلك:

فذهب أكثر المعتزلة: إلى إنكار ذلك.

والّذي عليه مذهب أهل الحق من الأشاعرة: جوازه لما سبق فى الاعتراض من الأدلة وإبطال شبه المنكرين، ووافقهم على ذلك أبو الهذيل ، وعباد الصيمرى،  ثم اختلف أصحابنا.

فذهب الأستاذ أبو إسحاق: إلى أن الكرامات الظاهرة على أيدى الأولياء لا تبلغ مبلغ المعجزات الخارقة للعادة تفرقة بينها، وبين المعجزات.

وذهب الباقون: إلى جواز ذلك. ثم اختلف هؤلاء:

فمنهم من قال إن الكرامات لا تقع مع القصد، والاختيار بل لو قصد الولى إيقاعها لما وقعت تفرقة بينها، وبين المعجزات.

وذهب الأكثرون منهم إلى جواز وقوعها مع الاختيار. ثم اختلف هؤلاء فى جواز وقوعها مع الدعوى من الولى.

فذهب الأكثرون: إلى المنع من ذلك تفرقة بينها وبين المعجزات.

وقال القاضى أبو بكر: ذلك غير ممتنع فى العقل لكن بشـرط ألا يكون ادعاؤه لذلك على طريق التعظيم، والخيلاء فإن ذلك ليس من شعار الأولياء، والصالحين، والفرق مع ذلك بين المعجزات والكرامات، هو أن المعجزات مع دعوى النبوة، والكرامة”[6].

وقال الإيجي في المواقف : “قال الإمام الرازي في الأربعين المعتزلة ينكرون كرامات الأولياء ، ووافقهم الأستاذ أبو إسحاق منا ، وأكثر أصحابنا يثبتونها ، وبه قال أبو الحسين البصري من المعتزلة.

 لنا: أما جوازها فظاهر على أصولنا ؛ وهي أن وجود الممكنات مستند إلى قدرته الشاملة لجميعها فلا يمتنع شيء منها على قدرته ولا يجب غرض في أفعاله، ولا شك أن الكرامة أمر ممكن إذ ليس يلزم من فرض وقوعها محال لذاته. 

 وأما وقوعها: فلقصة مريم رضي الله عنها حيث حملت بلا ذكر ووجد الرزق عندها بلا سبب وتساقط عليها الرطب من النخلة اليابسة، وجعل هذه الأمور معجزات لزكريا أو إرهاصا لعيسى مما لا يقدم عليه منصف، وقصة آصف وهي إحضاره عرش بلقيس من مسافة بعيدة في طرفة عين،ولم يكن ذلك معجزة لسليمان عليه السلام إذ لم يظهر على يده مقارنا لدعواه النبوة، وقصة أصحاب الكهف وهي أن الله سبحانه وتعالى أبقاهم ثلاثمائة سنة وأزيد نياما أحياء بلا آفة ولم يكونوا أنبياء إجماعا وشيء منها أي من هذه الأمور الخارقة الواقعة في تلك القصص لم يكن معجزة لفقد شرطه كما أشرنا إليه وهو مقارنة الدعوى والتحدي. 

 احتج من لم يجوز الخوارق أصلا بما مر بجوابه ومن جوزها وأنكر الكرامة احتج بأنها لا تتميز عن المعجزة فلا تكون المعجزة حينئذ دالة على النبوة وينسد باب إثباتها 

 والجواب: إنها تتميز بالتحدي مع ادعاء النبوة في المعجزة وعدمه أي عدم التحدي مع ذلك الادعاء في الكرامة”[7]. 

وختاما يقول ابن عطاء الله السكندري: “فاعلم أن الكرامة لا تكون كرامة حتى يصحبها الرضا عن الله، ومن لازم الرضا عن الله، ترك التدبير معه، وإسقاط الاختيار بين يديه”[7] .

 

الهوامش:

 

1. نهاية الإقدام في علم الكلام(ص:174)

2. تفسير الرازي = مفاتيح الغيب (21/ 436- 437)

3. تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير (21/ 438).

4. أبكار الأفكار في أصول الدين، للإمام سيف الدين الآمدي، تحقيق: أ. د. أحمد محمد المهدي، مطبعة دار الكتب والآثار القومية بالقاهرة، الطبعة الثانية، 1424هـ- 2004م، (4/21)

5. أبكار الأفكار في أصول الدين (4/42)

6. أبكار الأفكار في أصول الدين(4/59)

7. كتاب المواقف، عضد الدين عبد الرحمن بن أحمد الإيجي، تحقيق : د.عبد الرحمن عميرة، دار الجيل – بيروت، الطبعة الأولى ، 1997م، (3/465)

8. التنوير في إسقاط التدبير، لتاج العارفين ابن عطاء الله السكندري رضي الله عنه، ومثله في الطبقات الكبرى، الإمام الشعراني (ت973هـ)، تحقيق: عبد الغني محمد علي الفاسي، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط2، 2006م، (ص:294 ).

 

                                               إعداد الباحث: د. يوسف الحزيمري

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق