مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوت العقديةمفاهيم

مفهوم الزمان عند الأشاعرة 3/1

عرض لكتاب: فكرة الزمان عند الأشاعرة لعبد المحسن عبد المقصود محمد سلطان

«فكرة الزمان عند الأشاعرة» هو عنوان كتاب لمؤلفه عبد المحسن عبد المقصود محمد سلطان، الصادر عن مكتبة الخانجي بالقاهرة، طبع الشركة الدولية للطباعة، في طبعته الأولى لسنة 1420هـ/2000م ، في جزء واحد من الحجم المتوسط، في صفحـ248 ـة  .
 والكتاب في أصله عبارة عن بحث لرسالة ماجيستير، تقدم بها الباحث إلى كلية الآداب جامعة القاهرة، تحت إشراف الأستاذ الدكتور عاطف العراقي، ونوقشت بتاريخ 01/07/1987م، نال بها الباحث درجة الماجستير بجيد جدا.
اشتمل الكتاب على مقدمة، وتمهيد في مدى اهتمام الأشاعرة بالبحث في مشكلة الزمان، وأربعة فصول، الأول: في موقف الأشاعرة من فكرة الأزلية، والثاني: في مذهب الأشاعرة في الإبداع والاختراع والحدوث، والثالث: في الأبدية، والرابع: في البعث والخلود، وقد اشتمل كل فصل على مقدمة ومباحث وخاتمة، ثم في الأخير خاتمة ونتائج البحث.

                                                         المقدمة

في المقدمة التي افتتحها الباحث بالحديث عن أهمية البحث في مشكلة الزمان في الفكر الفلسفي عامة، والفكر الفلسفي الإسلامي خاصة، وكون هذا البحث متفرقا في المطولات والمختصرات من كتب العقائد والفلسفة، أشار إلى ارتباط هذا البحث(فكرة الزمان)بالبحث في مسألة «قدم العالم وحدوثه»، و«مسألة الخلق»، ومسألة «الأبدية( الفناء)»، وما يرتبط بهذه الأخيرة من «البعث والحساب والخلود»، وقد ساق ذلك وفق ترتيب موضوعي؛
وقد اختار الباحث العقد الأشعري مجالا للبحث في فكرة الزمان منطلقا من اعتبار الأشعرية:
–    أهم وأقوى فرقة كلامية إسلامية.
–    الثقة بآرائها والاطمئنان إليها.
–    تميزها بالاعتدال والتوازن، والحماس في الدفاع عن العقيدة الاسلامية.
وفي أثناء ذلك عبر عن أن: «فكرة الزمان، هي فكرة البحث عن أصل هذا الكون، وعن حقيقته ومصيره.»
ولما كان هذا البحث فطريا، ومجالا لورود كثير من الإشكالات وبروز كثير من الاختلافات حول المفهوم والطبيعة، فإن المتكلمين الأشاعرة «انطلقوا من هذا الأساس الديني [وهو إبراز الصفات الإلهية، التي تميز الله سبحانه، بالقدرة الشاملة على كل شيء]، لكي يصلوا منه إلى نتائج عقلية، تثبت القدرة الشاملة لله تعالى على كل شيء، ثم وضعوا تحت هذا المعنى الشامل، أن الله تعالى، قد خلق العالم من العدم، بعد أن كان الله سبحانه، وحده ولا شيء معه، ثم أرادت مشيئته، فأبدع العالم ليس على مثال سابق، واخترعه ليس من مادة سابقة».
وقد كان لصفة الإرادة الإلهية بالذات، شأن كبير عند مناقشة الأشاعرة لهذه المشكلات والاختلافات.

يقول الباحث:« تناول الأشاعرة بزعامة إمامهم، الشيخ أبي الحسن الأشعري، منذ القرن الرابع الهجري تقريبا، بحث ومناقشة كل هذه المشكلات، التي نتجت عن الفكرة الرئيسية، وهي قدم العالم أو حدوثه، فاتبعوا في ذلك منهجا عقليا مبنيا على مقدمات ونتائج، فأمكن لهم باستخدامه، المحافظة على الأسس الدينية، وأن يجابهوا من أجل ذلك، المحاولات العقلية الفلسفية التي شككت في حدوث العالم، أو صرحت بأزليته، مستخدمين في ذلك، نفس الأسلحة العقلية التي استخدمها الفلاسفة، لأنهم قد اعتبروا التشكيك في حدوث العالم، والقول بأزليته، هو تشكيك في القدرة الإلهية الشاملة وفي الإرادة الإلهية الحرة المطلقة، وبالتالي؛ التشكيك في تنزيه الله تعالى عن أي نقص، وفي تقديسه وكماله المطلق».
                            

                       تمهيد: مدى اهتمام الأشاعرة بالبحث في مشكلة الزمان

هذا التمهيد كان في بيان المنطلق العقدي، الذي منه نبع الاهتمام الأشعري بفكرة الزمان، وهو واجب حراسة العقيدة الإسلامية والرد على أهل الزيغ والبدع والضلال، وعلى انتحال الغالين وتأويل المبطلين؛ إذ وجدوا أنفسهم بإزاء «الواجب الذي يفرض عليهم، القيام بحل تلك المشكلات، سواء عن طريق التحليل المنطقي أو عن طريق الإقناع الديني، لإظهار الحقائق التي لا تتعارض مع العقل، ولا مع الدين، والوصول إلى إجابات شافية وسليمة لكل ما تعلق بهذا الموضوع من تساؤلات، وتصحيح ما انتشر من أخطاء فكرية أو دينية، فالأشاعرة مؤهلون للقيام بهذه المهمة لأنهم من أهم الفرق الإسلامية، إن لم يكونوا هم الفرقة الوحيدة التي اطمأن إلى آرائها الجميع…».
وكان من مظاهر هذا الاهتمام ما تجلى في المكتبة الإسلامية العقدية الأشعرية، من لدن أبي الحسن الأشعري إلى الإمام السنوسي وما بعده، من مؤلفات ناطقة بالجهد المبذول في تحقيق هذا الواجب؛ وما حوته تلك المؤلفات من أساليب الاستدلال بالوحيين، ومن نظريات وقواعد عقلية ومنطقية، في معالجة فكرة الزمن في ارتباطاتها وتقاطعاتها وحدودها مع المسائل العقدية الأخرى.
فوضع الشيخ أبو الحسن الأشعري وتلميذه الباقلاني، نظرية (الجزء الذي لا يتجزأ)، المثبتة لحدوث العالم في صيغتها النهائية( بعد أن بدأها المعتزلة).
وساق الباقلاني الأدلة على إثبات الجوهر الفرد (دليل الفيل والنملة).
ودَعَّم الجويني مذهب الجوهر الفرد وإثبات وجوده مستندا على عدة أدلة عقلية هامة (دليل الحد والطرف للجسم، ودليل تماس الكرة على سطح بسيط حقيقي).
أما أبو حامد الغزالي؛ فقد قام برصد مقاصد الفلاسفة، وأبان عن تهافتهم في كتابيه «مقاصد الفلاسفة»و«تهافت الفلاسفة»، وقد ناقش الرازي أيضا الفلاسفة في مؤلفاته العديدة مناقشة منطقية عميقة مثبتا في النهاية، فشل ما ذهبوا إليه من آراء، تقول بقدم العالم وأبديته.
يقول الباحث:«ويجب الإشارة إلى أنه مع هذا الجهد الكبير الذي بذله الأشاعرة على اختلاف أزمنتهم، من المناقشات والمجادلات والبحوث التي تتعلق بموضوع فكرة الزمان، متجهين في كل ذلك جميعا نحو إثبات حدوث العالم ونفي أزليته وأبديته، فقد كانت لهم اختلافات فردية في الرأي، إلا أنهم عموما قد التزموا باعتبار الوحي أو الحدس أو الإلهام هو المصدر الوحيد (؟؟!!) للمعرفة، والعقل يخضع لقراراته.»
وبناء على هذه الجهود «فقد صار مذهب الأشاعرة الكلامي، رغم اعتراضات كثير وُجِّهت إليه، مذهب جمهور المسلمين، وقد نال هذه المكانة بفضل حله لمشكلة العلاقة بين الله والمخلوقات، ومشكلة العلاقة بين العالم والوحي، وقد نجا مذهب الأشاعرة مما أصاب غيره من المذاهب، لأنهم جعلوا القدرة الإلهية على كل شيء بالمعنى الإسلامي الأول، هو المقياس الأعلى في مذاهبهم.»
                              

          الفصل الأول: في موقف الأشاعرة من فكرة الأزلية عند الفلاسفة

جعل الباحث هذا الفصل قسمين اثنين؛ الأول: في نظرة الأشاعرة إلى مشكلة قدم العالم أو حدوثه من خلال فكرة الخلق، أبان فيه عن أن الخلق من الصفات الإلهية التي تتعلق بالاختراع والتصوير والإبداع، ولذا فهي تتصل اتصالا مباشرا بموضوع فكرة الزمان ، وخاصة ما يتعلق منه بمشكلة قدم العالم وحدوثه، وبعد أن أبان عن فطرية فكرة الخلق، تطرق إلى ما قام به الزعماء الأوائل من الأشاعرة، من استخدام الأدلة العقلية في إثبات فكرة الخلق، منها دليل التنقل، الذي قال به الشيخ أبو الحسن الأشعري، وعرضه الجويني في كتابه “الشامل”، ومفاده كما عبر عنه الإمام الباقلاني في “الإنصاف” -حسب ما أورده الباحث- هو: «أن الموجودات لا يجوز أن تكون فاعلة لنفسها، أنا وجدنا منها الموت والأعراض، أعني الجمادات التي لا حياة فيها، لا يجوز أن تكون فاعلة لنفسها ولا لغيرها، لأن من شرط الفاعل أن يكون حياً، قادراً، فبطل كونها محدثة لنفسها بل لها محدث أحدثها.
ويدل على صحة ذلك أيضاً: أنا وجدنا أنفس الموجودات في العالم، الحي القادر العاقل المحصل، وهو الآدمي، ثم أكمل ما تكون. تعلم وتحقق أنه كان في ابتداء أمره نطفة ميتة، لا حياة فيها ولا قدرة، ثم نقل إلى العلقة، ثم إلى المضغة، ثم من حال إلى حال، ثم بعد خروجه حياً من الأحشاء إلى الدنيا. تعلم وتحقق أنه كان في تلك الحالة جاهلاً بنفسه وتكييفه، وتركيبه، ثم بعد كمال عقله وتصوره وحذقه وفهمه لا يقدر في حال كماله أن يحدث في بدنه شعرة ولا شيئاً، ولا عرقاً فكيف يكون محدثاً لنفسه ومنقلاً لها في حال نقصه من صورة إلى صورة ومن حالة إلى حالة وإذا بطل ذلك منه في حال كماله كان أولى أن يبطل ذلك منه في حال نقسه، ولم يبق إلا أن له محدثاً أحدثه، ومصوراً صوره ومنقلاً نقله؛ وهو الله سبحانه وتعالى.»1/8
واستخلص الباحث بعد عرض النص أن مذهب الأشاعرة في الخلق، كما قرره زعماؤه، وعرضه الغزالي ضمن آرائه العديدة في هذا المجال، هو أن: «العالم ليس أزليا أبديا لكنه مخلوق من لا شيء سابق بواسطة الإرادة المبدعة لله»
وأن فكرة الخلق تتعارض مع فكرة الإيجاب التي اتخذ منها الفلاسفة مجالا للقول بالأزلية، وتنافي كذلك أزلية الزمان، فالزمان عند الأشاعرة وعند أكثر الفلاسفة، هو من ضمن العالم، فإذا كان العالم مخلوقا، فإن الزمان لا بد أن يكون مخلوقا لأنه ضمن العالم.
في القسم الثاني: و الذي خصصه لانتقادات الأشاعرة لفكرة الأزلية أورد فيه آراء الفلاسفة ورد الأشاعرة عليهم، وذلك في تسعة أبحاث؛ الأول:مدخل الفلاسفة إلى القول بالأزلية؛ ومضمونه «أن فكرة الحركة والمحرك الأول لأرسطو، هي الأساس الذي بنى عليه أرسطو ومن تبعه من الفلاسفة، قولهم بالأزلية، وهذه الفكرة تقول إن الحركة الأولى التي كانت أزلية من المحرك الأول الأزلي الذي لا يتحرك، كفعل، قد حدثت من ضرورة، ناتجة من وجوب امتناع الفاعل عن الفعل عند اكتمال شروط الفاعلية فيه؛  وهذه الشروط من المعروف مكتملة في المحرك الأول (الله) منذ الأزل لذا فإنه يجب ألا يتعطل الفاعل عن ا لفعل والفاعلية، وألا تتعطل الصفات عن التأثير وظهور الأثر، لذلك حدثت الحركة الأولى كفعل، وكانت سببا في وجود العالم منذ الأزل».
وقد نتج عن هذه الفكرة ( الأزلية):
–  تحرك الصور في المادة أو الهيولي وهما أزليان عند أرسطو والفلاسفة أي المادة والصورة؛
–  حدوث تغير في الذات عند حدوث العالم؛
فعن الأول استعرض جهود الامام الغزالي في نقد ونقض تلك الآراء في كتابه “تهافت الفلاسفة” مُبيِّنا الأساليب الاستدلالية التي انتهجا في الرد عليهم، مستتبعا إياها بجهود الشهرستاني عبر نص له بكتاب “نهاية الإقدام”، ليستنتج «أنه ليس هناك ما يمنع من حدوث العالم، عن الله تعالى، دون حدوث تجدد أي حوادث في الذات الإلهية، فإرادته تعالى لا حدود لها، فإذا أراد إيجاد شيء مما في علمه الأزلي، فإنما يقول له كن فيكون، وحين ذلك، تتوافق الإرادة مع العلم مع القدرة، وتوقع الفعل، كما علمه الله تعالى منذ الأزل»، وأما الثاني: فأورد عنه إلزام الامام الرازي التناقض لهم أي الفلاسفة بقوله: «لو صح ما ذكرتم لزم دوام جميع الموجودات بدوام الباري، فوجب أن لا يحصل في العالم شيء من المتغيرات، ولما كان ذلك باطلا، لزم بطلان قولكم».
والبحث الثاني: في التقدم بالزمان والتقدم بالذات؛ حيث يثير الفلاسفة إشكالا آخر يقولون فيه إنه إذا كان العالم حادثا، وُجد بعد أن لم يكن، وأن الفاعل يتقدم مفعوله، ولا يكون مقارنا له، ذلك يؤدي إلى أن يكون هناك تقدم لله تعالى على العالم والزمان، زمان آخر كان العالم فيه معدوما، إذ كان العدم سابقا على الوجود،  فلا يدل ذلك إلا على أزلية الزمان، ومن جانب آخر فإنه إذا كان الله تعالى متقدما على العالم بالزمان فيكون هناك حينئذ مدة محددة، بين وجود الله تعالى ووجود العالم، فيتحدد بذلك أولية لله تعالى، وهو محال، وإذا كان هذا التقدم لا نهائيا، فإن اللانهائي لا يتحقق في الواقع ولا يوجد، ولكن العالم وجد بالفعل، فيكون ذلك تناقضا».
     بين الباحث أن الأشاعرة مزجوا في ردودهم على هذا الإشكال الجانب الديني بالجانب العقلي، فاعتمدوا أساسا على الفكرة الدينية الأساسية في مذهبهم وهي خلق الله تعالى لكل شيء، وبما أن الزمان من ضمن الأشياء فهو كذلك مخلوق، يقول الغزالي: «المدة والزمان مخلوقان عندنا«. معقبا برد للإمام الشهرستاني أيضا على هذا الإشكال بين فيه أن عملية التقدم والتأخر لا تجوز على الله تعالى، لأنه سبحانه خارج الزمان؛
وفي البحث الثالث: في آراء الفلاسفة الذين قالوا بأزلية الزمان؛ بين فيه ارتباط البحثين السابقين بهذا البحث، ثم قدم له بفقرة: «أن فكرة سبق الله على العالم أو فكرة حدوث العالم أو فكرة أزليته سواء عن طريق الإيجاب الذاتي أو الخلق الأزلي وكذلك الكلام عن فناء العالم أو أبديته وعن حدوث البعث وعن خلود الدار الآخرة بعد البعث كل هذه الأفكار تتعلق تعلقا وثيقا بالزمان، لذا اهتم الأشاعرة بالبحث في أقوال الفلاسفة بأزلية الزمان لإثبات عدم صحتها عن طريق وسائل عقلية متنوعة من أدلة وبراهين».
ثم عقب بأن أرسطو يقول بأزلية الزمان متساوقا مع قدم الحركة، وتبعه في ذلك بعض الفلاسفة الإسلاميين مثل ابن سينا الذي يعرف الزمان بالتعريف الأرسطاليسي، وهو أنه مقدار الحركة من جهة المتقدم والمتأخر، وأن الرازي الطبيب يقول بأن الزمان جوهر يجري، وقول أفلاطون بأنه يوجد في عالم الأمر جوهر أزلي يتبدل ويتغير ويتجدد وينصرم بحس النسب والإضافات إلى المتغيرات….
وفي البحث الرابع: عرض فيه انتقادات الأشاعرة للقول بأزلية الزمان مبرزا اتجاه كل من فخر الدين الرازي وعضد الدين الإيجي في إثبات عدم أزلية الحركة بالاعتماد على فكرة منطقية وهي المسبوقية بالغير… وباعتماد الرازي أيضا لفكرة أخرى وهي نفي القبلية الزمانية، والتي دعَّمه فيها الإيجي بقوله: «إن الحركة حادثة لوجوه: الأول [وهو أهمها] ماهية الحركة هي المسبوقية بالغير، وماهية الأزلية عدم المسبوقية بالغير، وبينهما منافاة بالذات، فلا تكون الحركة أزلية، وذلك معنى الحادث، وإذا لم تكن أزلية كانت حادثة، وإذا كانت الحركة حادثة، كان الزمان حادثا لتبعيته للحركة.»
يقول الباحث: وقد أثبت الأشاعرة أيضا حدوث الحركة بطريقة أخرى أكثر عمقا تقوم على فكرة تكوين كل شيء في الوجود من أجزاء لا تتجزأ فالحركة والزمان والأحداث تتكون من أجزاء لا تتجزأ منفصل بعضها عن بعض.
البحث الخامس:  في آراء الفلاسفة القائلين بأزلية المادة؛
قال أرسطو بأزلية الحركة يتبعها أزلية الزمان، فإذا كانت هذه الحركة التي تسبب الزمان هي حركة الأجرام السماوية، وكانت الحركة والزمان أزليين في رأي أرسطو كما تبين في الأبحاث السابقة، فلاشك أن المتحرك -وهو هنا الأجرام السماوية وهو نوع من المادة- أزلي أيضا؛
وقد برر أرسطو أزلية المادة عن هما:
– طريقة الظهور والكمون.
– القول بأزلية المحسوس الفاني بل وبأبديته.
بعد هذا يبحث في نقد الأشاعرة للقائلين بأزلية المادة، وذلك بإثبات عدم أزلية الأجسام، عن طريق استخدام دليل الحركة والسكون الذي استنبطه الإمام أبو الحسن الأشعري من قصة إبراهيم عليه السلام بالقرآن الكريم، الدالة على عدم أزلية الأجسام بسبب حركتها وتغيرها، موردا في ذلك تفسير الامام الرازي لدليل الحركة والسكون، وتفنيد الإمام الغزالي والإمام الشهرستاني لربط الفلاسفة بين قدم المادة وقدم الممكن أوالإمكان.
مختتما هذا البحث بقوله: بأن الردود والانتقادات التي وجهها الأشاعرة إلى القائلين بأزلية المادة، تعتبر نظرية الجوهر الفرد أو الجزء الذي لا يتجزأ أفضل دليل ترد عليهم وتثبت عدم أزلية المادة، كما تثبت حدوثها وحدوث العالم.
وفي البحث السابع: والذي كان مخصصا لفكرة الواجب والممكن وصلتها بقدم العالم أو حدوثه، بيَّن فيه مفهوم الواجب والممكن عند الفلاسفة، حيث استُخدم عندهم بمعنيين أو مفهومين مختلفين مفهوم يستخدمها في إثبات قدم العالم وهو مفهوم الفلاسفة، وأهم ممثل لهذا الاتجاه هو ابن سينا، ومفهوم آخر يستخدمها في إثبات حدوث العالم وهم المتكلمون عموما؛
من ثم تكلم عن أن ابن سينا والفلاسفة، يساوون بين الواجب والممكن في الظهور في الوجود… وهو ما يرفضه الأشاعرة على أساس قانون سبق الله للعالم، أو سبق المخلوق للخالق، أو سبق الفاعل للمفعول، سبقا كان الله فيه وحده ولا شيء معه، ثم بعد ذلك أوجدَ، أو خلقَ الشَّيء وهو الممكن أو العالم.
ثم نأتي على البحث الثامن:  في نقد الأشاعرة لفكرة الفيض المؤدية إلى أزلية العالم؛ لنجد أن هذه المشكلة تتلخص أساسا في قول الفلاسفة بأن الواحد تعالى، لايصدر عنه إلا واحد، لأن صدور الكثرة عنه تعالى، تؤدي إلى تكثر في ذاته، وهذا الواحد الذي يصدر عن الأول تعالى، هو عقل، ويسمونه العقل الأول، وعنه أيضا العقل الثاني، والثالث، وهكذا حتى العقل العاشر والأخير، وهو الذي تصدر عنه الكثرة في العالم، ولكن لا يعرف سبب تحديدها بعشرة عقول.
وأصل هذه الفكرة توجد ملامحها الأولى عند أفلاطون، وتم تدعيمها، بجزء من فلسفة أرسطو.
فكان الرد الأشعري عليها،-انطلاقا من الكتاب- ممثلا في الشهرستاني، الذي اختتم انتقاداته لهذه الفكرة بقوله: «عرف بطلان مذهبكم من كل وجه، وعلم بالضرورة استناد الموجودات إلى صانع عالم قادر مختار، ابتدع بقدرته وإرادته ابتداعا، واخترعهم على مشيئته اختراعا، ثم سلكهم في طرق إرادته، وبعثهم على سبيل محبته، لا يملكون تأخرا عما قدم إليه، ولا يستطيعون تقدما إلى ما أخذهم عنه، وهذا القدر يكفي في الرد على الفلاسفة المتفقين على رأي أرسطوطاليس، في قولهم بهذه الفكرة المؤدية إلى قدم العالم«.
وفي البحث التاسع: والأخير وهونظرية التطور وصلتها بالأزلية، تحدث الباحث عن نظرية التطور الحديثة كما جاء بها داروين، حيث اعتبرها وجها من وجوه القول بالأزلية، ولمَّا عرض مضامينها، ختم البحث مبينا أن تلك المضامين تتعارض مع الاتجاه الأشعري الذي ينفي الأزلية، ويقول بالحدوث والخلق من لا شيء سابق، عن طريق القدرة الإلهية الشاملة، فالأشياء خلقت على هيئتها الحالية منذ أن أحدثها الله تعالى.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق