مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبيةقراءة في كتاب

«مفاهيم في التماسك ووحدة بناء النص» من خلال كتاب « قراءة في الأدب القديم» محمد محمد أبو موسى دراسة إحصائية معجمية (حلقة 12)

 

 (ش)

شرك

 [الاشتراك]

سياق المصطلح:

-«فقال غَضيضُ الطَّرفِ أي فاتِرهُ وهو وَصْفٌ صالح للظَبي، وللحَسْناءِ، ومثله «مكْحولُ» التي كأنها تُرجِّعُ نغَم “مَكْبولُ” و”مَتْبولُ”، وهذه الأوصافُ التي تَجْري على المُشبَّهِ والمشبَّه به، تشير إلى وَحْدةِ الطّرفَينِ، وتُبْرزُ ما بينهما من الاشْتِراكِ[1]

-« ويُطْلَقُ النَّغمُ على هذا الذي يكونُ في نَسيجِ الشِّعْر داخلَ البَحْرِ. ثم تَأمّل الخاءَ المقابِلَة للعَيْنِ وهما من مَخْرَجٍ واحِد والميم مُشْتَركَة بينهما، أما كلمة «مُقَلّدها، ومُقَيّدها» فهما من الجِناسِ اللاّحقِ…»[2]

-«وقوله «ولا يَزالُ بِوادِيه أخو ثقةٍ» معطوف على قوله «مِنْهُ تَظَلُّ حَمِيرُ الوَحْشِ ضامِزَةً»أخو الثّقةِ الشُّجاع الواثق بشجاعتهِ وعدّته، ومُطَرَّحُ البَزِّ أي ملقي السِّلاحِ، والبَزُّ كما قال ابن هشام مُشْتَركَة بين أمْتِعَةِ البزازِ، وبين السِّلاحِ، والدِّرسان أخلاق الثَّوْبِ، ومفْردهُ درسٌ وحروفه مهْمَلَة، وأقول مرَّةً ثانية لا يجوز في دِراسَةِ الشِّعرِ إهْمال علاقاتِ الجُمَلِ وطَرائِق تكوينِها، وتَداخُلِ المَعاني، ونَسِيجِ بِنائهَا، ورَوابِط اتّصالاتِها لأن كل ذلك من جَوْهَرِ الشّعْرِ وجَوْهَرِ بِنائِه، وطَرائِق تَشابُكِ مَعانِيهِ وتَخلّق مُكَوّناتِهِ …»[3]

-«وهذا يتَجاوَزُ ما نقوله، لأننا نقول إن هذه الأوْصافَ التي تراها مُشْتَركَة بين الحسان والشّعر لا يَبْعُدُ أن تكون مُتَضَمّنَةَ الإشارَة إلى شِعْرِ الفرزدق ومن أجلِ هذا الاتِّساعِ في معاني الشِّعْرِ وقابِلية هذه المَعاني بأن تَنْتقِلَ أمْكَنَ التَمَثُّل بالشعرِ، والتمَثُّل يعني انْتِقالَ الشِّعْرِ من مَعانيهِ ومَقاصدِه التي قيلَ فيها إلى مَعانٍ وأغْراضٍ ومَقاصِدَ أخرى ليست لِقائِلِهِ ومُنْشَئِهِ، وإنّما لقَارئهِ ومُتذَوِّقه…»[4]

-«وَدَوْدَاةُ الجَوارِي هي الأرْجوحَة، وتأمل انتِقالهُ من الدَّساكِر المُغَلَّقة والقِباب المَصونَة، والعَزيزة المَخْدومَة المُحَجَّبَة، ذاتِ الثّراءِ والحُظْوَة والنِّعمَة، إلى هذه الصورةِ القبيحَة التي تُمَثّلُ أبْشعَ صور الانحِطَاطِ، وكيف يضَعُ المتَقابلات بين الظَّاهِرِ الذي يَسْطَعُ بَهاؤُهُ، والبَاطِنِ الذي تَمْتَلكُهُ شياطين الرّذيلة، ثم  تأملْ كيف يسخر من هذا الشّريف الكريم الوَدودِ الجَوادِ الوَفِيّ، وكيف يختار له داء يُقيمهُ، ويُقعدهُ وهو عاري السَّوأةِ، «كثير دواعي بطنه وقَراقِرِه»، في الوَقتِ الذي تكون فيه حَليلَتهُ ومَوْضِع عِرْضِهِ وتَكْريمِه، وإعْزازهِ هي أيضا كَدَوْدَاةِ الجَوارِي، وفيها عَناصِرُ مشْتَركَة مع صورة هذا الحَلِيلِ المِسْكين»[5]

-« ولذلك كرّرَها في بيتين «هَتكَت كُسُور بُيوتِ الحَيّ» «وَهَتَكَتْ الأَطْنابَ» والقاف في «قَرِيعِ الشَّوْلِ قبل»، تُؤَكدُ “قَريع” لأنه أصل الكِنايَة، وهكذا يَجبُ أن نَبْحَثَ عن الكَلمَة التي لها غَوْرٌ بين هذه الكَلِمَاتِ التي اشْتَرَكَتْ في حَرْفٍ ووَضَعَها الشّاعِرُ بين يدَيك، وهذا كثير في شِعْرِ الفرزدق ومذْهَبٌ ظَاهِرٌ عنْدَهُ»[6]

التعريف اللغوي:

جاء في لسان العرب: شرك: الشِّرْكَةُ والشَّرِكة سَوَاءٌ: مُخَالَطَةُ الشَّريكَيْنِ. يُقالُ: اشترَكنا بِمَعْنى تَشارَكنا، وقَدِ اشْتَرَكَ الرَّجُلانِ وتَشارَكا وشارَك أحدُهما الآخَرَ؛ فأما قَوْلُهُ:

عَلى كُلِّ نَهْدِ القُصْرَيَيْنِ مُقَلِّصٍ= وجَرْداءَ يَأْبى رَبُّها أن يُشاركا

فَمَعْنَاهُ أَنه يَغْزُو عَلى فَرَسِهِ ولا يَدْفَعُهُ إِلى غَيْرِهِ، ويُشارَك يَعْني يُشارِكُهُ في الغَنيمَةِ. والشَّريكُ: المُشارِك. والشِّرْكُ: كالشَّريك؛ قالَ المُسَيّب أو غَيْرُهُ:

شِرْكاً بِماءِ الذَّوْبِ يَجْمَعُه=فِي طَوْد أَيْمَنَ، فِي قُرى قَسْرِ

وَالجَمْعُ أَشْراك وشُرَكاء؛ قالَ لَبيد:

تَطيرُ عَدائدُ الأشراكِ شَفْعاً=ووِتْراً، والزَّعامَةُ للغُلامِ

قَالَ الأَزهري: يُقالُ شَريك وأشْراك كَما يُقالُ يَتيمٌ وأيتام وَنَصِيرٌ وأَنصار، وَهُوَ مِثْلُ شَرِيفٍ وأَشراف وشُرفاء. وَالمَرْأةُ شَريكة والنِّسَاءُ شَرائك. وَشَارَكْتُ فُلَانًا: صِرْتُ شَرِيكَهُ. واشْتركنا وتَشاركنا فِي كَذَا وشَرِكْتُه فِي البَيْعِ والميراثِ أَشْرَكُه شَرِكةً، والاسْمُ الشِّرْك؛ قالَ الجَعْدِيُّ:

وشارَكْنا قُرَيْشاً في تُقاها،= وفي أحْسابها شِرْكَ العِنان

والجَمْعُ أشْراك مِثْلُ شِبْر وأشبار، وأَنشد بَيْتَ لَبِيدٍ. وفي الحَديثِ:«مَنْ أعتق شِرْكاً لَهُ في عَبْدٍ» أي حِصَّةً وَنَصِيبًا. وَفِي حَدِيثِ مُعَاذٍ: أَنه أَجاز بَيْنَ أَهل الْيَمَنِ الشِّرْكَ،أي الاشتراكَ فِي الأَرض، وَهُوَ أَنْ يَدْفَعَهَا صَاحِبُهَا إِلَى آخَرَ بِالنِّصْفِ أَوِ الثُّلُثِ أَوْ نَحْو ذَلِكَ.

وفَريضة مُشتَرَكة: يَسْتَوِي فِيهَا المُقْتَسِمُونَ، وَهِيَ زَوْجٌ وأُم وأَخوان لأُم، وأَخوان لأَب وأُم، لِلزَّوْجِ النِّصْفُ، وللأُم السُّدُسُ، وللأَخوين للأُم الثُّلُثُ، ويَشْرَكُهم بَنُو الأَب والأُم لأَن الأَب لَمَّا سَقَطَ سَقَطَ حُكْمُهُ، وكانَ كَمَن لَمْ يَكُن وَصَارُوا بَنِي أُم مَعًا؛ وَهَذَا قَوْلُ زيدٍ. وَكَانَ

عُمَرُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، حَكَمَ فِيهَا بأَن جَعَلَ الثُّلُثَ للإِخوة للأُم، وَلَمْ يَجْعَلْ للإِخوة للأب والأُم شيئاً، فراجعه الإِخوة للأَب والأُم وَقَالُوا لَهُ: هَبْ أَن أَبانا كَانَ حِمارًا فأَشْرِكْنا بِقَرَابَةِ أُمنا، فأَشَرَكَ بَيْنَهُمْ، فَسُمِّيَت الفريضةُ مُشَرَّكةً ومُشَرِّكةً، وَقَالَ اللَّيْثُ: هِيَ المُشْتَرَكة. وَطَرِيقٌ مُشْتَرَك: يَسْتَوي فيهِ النّاسُ. واسْمٌ مُشْتَرَك: تَشْتَرِكُ فِيهِ مَعَانٍ كَثِيرَةٌ كَالعَيْنِ وَنَحْوِهَا فَإِنَّهُ يَجْمَعُ مَعانِيَ كَثيرَةً؛ وقَوْلُهُ أَنشده ابنُ الأَعرابي:

ولا يَسْتَوي المَرْآنِ: هذا ابنُ حُرَّة،=وهذا ابنُ أُخْرى، ظَهْرُها مُتَشَرَّكُ

فَسَّرَهُ فَقَالَ: مَعْنَاهُ مُشْتَرَك.

وَقَدْ شَرِكه فِي الأَمر بالتحريك، يَشْرَكُه إِذَا دَخَلَ مَعَهُ فِيهِ وأَشْرَكه مَعَهُ فِيهِ. وأَشْرَك فلانٌ فُلَانًا فِي البَيْعِ إِذا أَدخله مَعَ نَفْسِهِ فِيهِ.

والشَّرَكُ: حَبَائِلُ الصَّائِدِ وَكَذَلِكَ مَا يُنْصَبُ لِلطَّيْرِ، وَاحِدَتُهُ شَرَكَة وَجَمْعُهَا شُرُكٌ، وَهِيَ قَلِيلَةٌ نَادِرَةٌ. وشَرَكُ الصَّائِدِ: حِبالَتُه يَرْتَبِك فِيهَا الصَّيْدُ.[7]

التعريف الاصطلاحي:

الاشْتِراكُ في الشيء: المُخالَطَةُ والتَّمازُج، والاشتراكُ بين الجُمَلِ في علاقاتٍ تشدُّ بعضَها ببعض في قيمٍ معْجَمِيةٍ وروابطَ بين أجْزَاءِ مَعانِي القصيدَة وطَرائِقِ تكوينِها، ونَسيج بِنائها، لأن كلَّ ذلك التشارُك والتمازُج من جَوْهَرِ الكلامِ المنظومِ ومن خصائص الشّعرِ خاصّةً.

*  *  *

شبك

 [تشابك]

سياق المصطلح:

-«وقوله «وَلَا يَزالُ بِوَادِيه أخو ثقةٍ» معطوف على قوله «مِنْه تَظَلُّ حَمِيرُ الوَحْشِ ضَامِزَةً» أخو الثّقة الشُّجاعُ الواثقُ بشَجاعَتِهِ وعُدَّتِهِ، وَمُطَرّحُ البَزِّ أي ملقي السلاح، والبَزُّ كما قال ابن هشام مُشْتَركَة بين أَمْتِعَةِ البَزّازِ، وبين السّلاحِ، والدِّرسان أخلاق الثوب، ومفرده درسٌ وحروفهُ مُهْمَلَة، وأَقولُ مرَّةً ثَانيةً لا يَجوزُ في دِراسةِ الشِّعرِ إهْمالُ عَلاقاتِ الجُملِ وطَرائقِ تَكْوينِها، وتَدَاخُلِ المَعاني ونَسيجِ بِنائِها، وَروابِطِ اتِّصالاتِها، لأنَّ كلَّ ذلِك منْ جَوْهرِ الشِّعرِ، وجَوهرِ بِنائهِ، وطَرائقِ تَشابُكِ مَعانِيه، وتَخلُّقِ مُكوِّناتِهِ وأقول مرَّة ثانية لا يَجوز في  دِراسَةِ الشِّعرِ إهمالُ علاقاتِ الجُمَلِ وطَرائِق تَكوينِهَا، ومذاهِب إبْداعِه، ويجب أن نَطْرَحَ من أنفسنا الأفكار الضّارةَ التي تُبْعِدُ العلاقاتِ النَّحويةَ  عن دَرْسِ الشِّعرِ، بشرْطِ أن تكون دِراسَتُنا لها نابِعَةً من نَبْعِ المَعانِي والأحوالِ التي تَخَلّقَت فيها، ومنها هذه العَلاقاتُ يعني لا نُغْفِل دلاَلةَ الحال مثلا، ونحن نقولُ هذه الجُملَة حالِيةٌ، ولا نُغْفِلُ فهْمَ المَعْنَى وَتَضَامَّهُ ونحن نقول هذه الجُملَة معْطوفَة على تلك»[8]

-« …ثم إن النابغة عاش مع المَناذِرَة والغَساسِنَة، وهو من عَرَبِ الجَنوبِ الذين منهم حسان، ولا يجوز أن يَجْهَلَ أَنْسابَهمُ وهو يَذْكُرهم ويَذْكُر آباءهُم، ووقائِعَهم، وعِلْمُ الأنْسابِ من العلوم التي لا يجوز لشَاعرٍ أن يَتسَاهَل فيه، وهو في الشِّعرِ بالِغُ الدقّةِ والوعي والتَّشابُكِ »[9]

-« وقد بقِي في هذه الأبياتِ أمرانِ، نَبَّهْتُ إليهِمَا وأزيدُهُمَا بيانًا، الأول يتَعلَّقُ بِبِنائِهِمَا والثّلاثَة الأولى جُمْلة واحدة جِذْرُهَا قوله: «عَزَفْتُ بِأَعْشَاشٍ» وجملة «ومَا كِدْتَ تَعْزِفُ» حال «وَأَنْكَرْتَ مِنْ حَدْراءَ» معطوف ومثله، «وَلَجَّ بِكَ الهِجْرَانُ» وكل هذا تَوْكيدٌ لِعَزَفْتُ وبَيانٌ له وشَرْحٌ وتحْليلٌ، وقوله «كأنّما ترى المَوْت» من تمام قوله «وَلجَ بك الهِجْرانُ» وغاية له، وقوله «لَجاجَة صُرْم» مفعول مطلق، وما بعْدَهُ مُتَعَلِّق به، وهكذا نرى شَبَكَةَ الكَلَامِ وَلُحْمَتَه وبِنَاءَ بَعْضِهِ على بَعْضٍ حتى صارت عِدةُ الجُمَل جُملَةً واحدَة»[10]

-« وكأنه بهذا الجَمْعِ يُشيرُ إلى شِدَّةِ مَوَرانِها، وَتَداخُلِ عَضُديْهَا في هذا المَوَرانِ حتى لِيُخَيَّلُ إليْك أنّها تَمورُ  بأَعْضادٍ، وليس بِعَضُدَيْنِ،  وَيجبُ أن نُراجِعَ علاقاتِ الجُملِ، وتَرابُطَهَا وتَشابُكَها، في هذه الصُّورةِ لأن هذا منْ جَوهرِ بنِاءِ الشِّعرِ»[11]

التعريف اللغوي:

جاء في لسان العرب: شبك: الشَّبْكُ: مِنْ قَوْلِكَ شَبَكْتُ أَصابعي بَعْضَهَا فِي بَعْضٍ فاشْتَبكت وشَبَّكْتُها فتَشَبَّكَتْ عَلَى التَّكْثِيرِ. والشَّبْكُ: الخَلْطُ والتَّداخُلُ، وَمِنْهُ تَشْبِيكُ الأَصابع. وفي الحَديثِ: «إذا مَضى أحدُكم إلى الصَّلاةِ فَلا يُشَبِّكَنَّ بَيْنَ أصابعه فَإِنَّهُ فِي صَلَاةٍ»، وَهُوَ إِدْخالُ الأَصابع بَعْضِها فِي بَعْضٍ؛ قيلَ: كُرِهَ ذَلِكَ كَما كُرِهَ عَقْصُ الشَّعْرِ واشْتِمالُ الصَّمَّاء والاحْتِباءُ، وقيلَ: التَّشْبيكُ والاحْتِباءُ مِمّا يَجْلُبُ النَّوْمَ فنَهى عَنِ التعرُّض لِما يَنْقُضُ الطَّهارَةَ، وتَأوَّلَهُ بَعْضُهُمْ أَنَّ تَشْبيكَ اليَدِ كِنَايَةٌ عَنْ مُلَابَسَةِ الخُصوماتِ والخَوْضِ فيها، واحْتَجَّ بقول، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حِينَ ذَكَرَ الفِتَنَ: فَشَبَّك بَيْنَ أَصَابِعِهِ وَقَالَ: اخْتَلَفُوا فَكَانُوا هَكَذَا.

وشَبَكَ الشَّيْءَ يَشْبِكُه شَبْكاً فاشْتَبك وشَبَّكَه فتَشَبَّكَ أَنْشَبَ بَعْضَهُ فِي بَعْضٍ وأَدخله. وتَشَبَّكَتِ الأُمورُ وتَشابَكت واشْتَبكت: الْتَبَسَتْ وَاخْتَلَطَتْ. واشْتَبك السَّرابُ: دَخَلَ بَعْضُهُ فِي بَعْضٍ. وَطَريقٌ شابِكٌ: مُتَدَاخِلٌ مُلْتَبس مُخْتَلِطٌ شَرَكُه بَعْضُهَا بِبَعْضٍ. والشّابِكُ: مِنْ أسْماءِ الأسد. وأَسدٌ شابِكٌ: مُشْتَبِكُ الأَنياب مُخْتَلِفُها؛ قالَ البُرَيْق الهُذَلِيُّ:

وَمَا إنْ  شابِكٌ مِنْ أُسْدِ تَرْجٍ، =أَبو شِبْلَيْنِ، قَدْ مَنَع الخُدارا

وبَعيرٌ شابِكُ الأنياب: كذلِكَ. وشَبَكَتِ النجومُ واشْتَبكت وتَشابَكَتْ: دَخَلَ بَعْضُها في بَعْضٍ وَاخْتَلَطَتْ، وكَذَلِكَ الظَّلامُ. والشُّبَّاك القُنَّاصُ الَّذِينَ يَجْلُبون الشِّباكَ وَهِيَ المَصايدُ لِلصَّيْدِ. وَكُلُّ شَيْءٍ جَعَلْتَ بَعْضَهُ فِي بَعْضٍ، فَهُوَ مُشْتَبِك. وَفِي حَدِيثِ مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ: «إِذَا اشْتَبكت النجومُ» أَيْ ظَهَرَتْ جميعُها واختلطَ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ لِكَثْرَةِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا. واشْتبكَ الظَّلَامُ إِذَا اخْتَلَطَ.

واشتباكُ الرَّحِمِ وَغَيْرِهَا: اتِّصَالُ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ؛ والرَّحِمُ مُشْتَبِكة. وَقَالَ أَبو عُبَيْدٍ: الرَّحِمُ المُشْتَبِكة الْمُتَّصِلَةُ. وَيُقَالُ: بَيْنِي وَبَيْنَهُ شُبْكة رَحِمٍ. وَبَيْنَ الرَّجُلَيْنِ شُبْكَةُ نَسَبٍ أَي قَرَابَة. وَيُقَالُ: دِرْع شُبَّاك؛ قَالَ طُفَيْلٌ: لَهُنَّ لشُبَّاكِ الدُّروعِ تَقاذُف[12]

التعريف الاصطلاحي:

تَشابُكُ معاني القصيدة: دُخولُ بَعْضِها في بَعضٍ، وهو صفةٌ لمَعاني النّصّ، وصفةٌ للأحاسيسِ التي في المعاني، ومِن تَشابُك الألفاظ يُبْنى النَّصُّ ويُركَّبُ في انسِجامٍ وتماسُكٍ، وهو وسيلة من وسائل الاتساق التي تقعُ بين مفردات القصيدة وجُمَلها وتَراكيبِه حتى تصيرَ كالشّبكَة التي تشتبكُ فيها الخُيوطُ في انتظامٍ وتَناسُج.

*  *  *

شبه

 [تشبيه] 

 

سياق المصطلح:

« ثُمّ إنَّهُ لمَّا شَبَّهَ الخلَّةَ بالغُولِ وأَلْحقَها بها رجعَ وجَعلَ للغُولِ ثَوبًا، فَألْحقَ الغُولَ بالمَرْأةِ، يعْني أَلْحقَ المُشَبَّهَ بالمُشَبّهِ به، ثمّ رَجعَ وألْحَق المُشَبّه به بالمُشبّه، وهذا منْ دَقيقِ الصَّنْعةِ، وكأنَّهُ يُقرِّبُ كُلًّا منَ الآخَرِ فَتزْدادُ المُشابهةُ، والمُقاربَةُ، والمُداخَلةُ» [13]

-«وفي البيتِ تَشْبِيهٌ كالبيتِ الأوّل، ولكنه ليس فيه فَزَعُ الغولِ ولا هَولُه، وإنما فيه أنه لا عهد لها البَتّةَ، وأنها لا تُحْفَظُ ولا تُضْبَطُ، وفي البيتين تَشابُهٌ شديد في بِناءِ الجُملِ… وهذا التَّشابُهُ في بِنَاءِ الجُملِ إنَّما هو مِن تَشابُهِ المَعاني التي حُذِيَت الجُمَل على حَذْوها، وهذان معنَيانِ جعلَهُما الشاعر شيئا واحدا وَعطَف ثانيَهُما على أوّلهِما، ثم فرّعَهما معا على الصّفاتِ السابِقَة، ثم يعود الشاعر ويُفَرّعُ على هذا التفريعِ معنى آخر…»[14]

-«وقوله “إن الأماني والأحلام تَضْليلُ” جمْلةٌ مسْتأنَفَة استِئنافا بيانِيًا، بعد الجمْلَة الطّلبِيّةِ، وهذا من مأْلوفِ الكَلامِ، وهو من بابِ شِبْهِ كَمالِ الاتِّصالِ، ويُفيد تَأكيدَ الجُمْلَة الطلبية نهْيا كانت أو أَمْراً…»[15]

-«وهذا التَّشابُهُ والتّآخي في السِّياقِ لا يَخْلو من دَلالَة، ولاحظ أن الاعْتراضَ هنا هو تَوكيدٌ للضَّميرِ المُتَّصلِ يعني لم يأتِ بمعنى جديد، وعليكَ أن تَتَأمَّل علاقةَ المعنى في هذا البيت بالمعنى في حِكايةِ المُشَبَّهِ بهِ الذي هو الفاقِدُ»[16]

-«والمُهم أن هذا التَّرْكيبَ يلْجأ إليه الشاعرُ حين تتَكاثَرُ معانيهِ، وتتَداخَلُ دلالاتُ ألفاظِهِ تداخُلا لا يجعلها من بابٍ واحدٍ وإنما هو تَداخُلٌ تتَقاربُ فيهِ وتتَشابَهُ»[17]

التعريف اللغوي:

 جاء في لسان العرب: شبه: الشِّبْهُ والشَّبَهُ والشَّبِيهُ: المِثْلُ، وَالجَمْعُ أَشْباهٌ. وأَشْبَه الشيءُ الشيءَ: مَاثَلَهُ. وَفِي المَثَلِ: مَنْ أَشْبَه أَباه فَمَا ظَلَم، وأَشْبَهْتُ فُلَانًا وشابَهْتُه واشْتَبه عَلَيَّ وتَشابَه الشيئانِ واشْتَبَها: أَشْبَهَ كلُّ واحدٍ مِنْهُمَا صاحِبَه. وَفِي التَّنْزِيلِ: “مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ”. وشَبَّهه إِياه وشَبَّهَه بِهِ مَثَّلَهُ. والمُشْتَبِهاتُ مِنَ الأُمور: المُشْكِلاتُ. والمُتَشابِهاتُ: المُتَماثِلاتُ. وتَشَبَّهَ فلانٌ بِكَذا. والتَّشْبيهُ: التَّمْثيلُ. وفي حَديثِ حُذَيْفَةَ: وذَكَر فِتْنَةً فَقالَ تُشبه مُقْبِلَةً وتتبَيّنُ مُدْبِرَةً، وأُمورٌ مُشْتَبِهةٌ ومُشَبِّهَةٌ: مُشْكِلَة يُشْبِهُ بعضُها بَعْضًا؛ قَالَ:

واعْلَمْ بأَنَّك فِي زَما /// نِ مُشَبِّهاتٍ هُنَّ هُنَّهْ

وَبَيْنَهُمْ أشْباهٌ أي أشياءُ يتَشابهون فيها. وشَبَّهَ عَلَيْهِ: خَلَّطَ عَلَيْهِ الأمْرَ حَتَّى اشْتَبه بِغَيْرِهِ. وَفِيهِ مَشابهُ مِنْ فُلانٍ أَي أشْباهٌ. ويُقالُ: شَبَّهْتُ هذا بِهذا، وأشْبَه فلانٌ فُلانًا. وفي التَّنْزيلِ العَزيزِ: “مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَر مُتَشابِهاتٌ”؛ قيلَ: مَعْناهُ يُشْبِهُ بعضُها بَعْضًا. وأما قَوْلُهُ: وأُتوا بِهِ مُتَشابِهاً، فَإِنّ أَهل اللُّغَةِ قالوا مَعْنَى مُتَشابِهاً يُشْبِهُ بعضُه بَعْضًا فِي الجَوْدَة والحُسْن، وقالَ المُفَسِّرونَ: مُتَشابِهاً يُشْبِهُ بَعْضُهُ بَعْضًا في الصورَةِ وَيَخْتَلِفُ فِي الطّعْم، وشبّه الشيءُ إِذَا أَشْكَلَ، وشَبَّه إذا ساوى بَيْنَ شَيْءٍ وشَيْءٍ، قالَ: وسأَلته عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً، فَقَالَ: لَيْسَ مِنَ الاشْتِباهِ المُشْكِل إِنَّمَا هُوَ مِنَ التشابُه الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى الِاسْتِوَاءِ.[18]

التعريف الاصطلاحي:

المُتشابِهُ من الأشياء: المُتماثِلُ المُتَساوي، والتشابُه وَسيلَةٌ من وَسائِلِ المَزْجِ بين جهات} الكلامِ، وهو من العناصِرِ الرئيسَة في نحو النّص.

*  *  *

شكل

 [المتشاكل]

سياق المصطلح:

-« وقولها رِدادُ عافيةٍ، فكاكُ عانِيَةٍ، وقولها «جوّابُ أرْدِية» «حَمّالُ ألوِيةٍ»، كيف أقامت بِناءَ هذه الأشْطارِ على هذه الدّفعاتِ الصّوتِيةِ المُتَشاكِلَةِ، ثم كيف كانت تَصدِمُ هذا الترْجيع والتّقطيع في كل شطْر ٍ من هذه الأشطارِ بِشطرٍ هو تمامُ البيتِ لا تَرْجيعَ فيه ولا تقطيع…»[19]

التعريف اللغوي:

جاء في لسان العرب: شكل: الشَّكْلُ، بِالْفَتْحِ: الشِّبْه والمِثْل، والجَمْعُ أشْكالٌ وشُكُول؛ وأَنشد أَبو عُبَيْدٍ:

فَلا تَطلُبا لي أيِّماً، إِن طَلَبْتُما،= فإِن الأيامى لَسْنَ لي بشُكولٍ

وَقَدْ تَشَاكَلَ الشَّيْئَانِ وشَاكَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صاحبَه، وفي فُلانٍ شَبَهٌ مِنْ أبيه وشَكْلٌ وأَشْكَلَةٌ وشُكْلَةٌ وشَاكِلٌ ومُشَاكَلَة. والشَّكْل: المِثْل، تَقُولُ: هَذَا عَلَى شَكْل هَذَا أَي عَلَى مِثَاله. وَفُلَانٌ شَكْلُ فُلَانٍ أَي مِثْلُه فِي حَالَاتِهِ. وَيُقَالُ: هَذَا مِنْ شَكْل هَذَا أَي مِنْ ضَرْبه وَنَحْوِهِ، وَهَذَا أَشْكَلُ بِهَذَا أَي أَشْبَه. والمُشَاكَلَة: المُوافَقة، والتَّشَاكُلُ مِثْلُهُ. والشَّاكِلَةُ: النَّاحِيَةُ والطَّريقة والجَدِيلة. وشاكِلَةُ الإِنسانِ: شَكْلُه وَنَاحِيَتُهُ وَطَرِيقَتُهُ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: “قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ”؛ أَي عَلَى طَرِيقَتِهِ وجَدِيلَته ومَذْهَبه؛ وَقَالَ الأَخفش: عَلَى شَاكِلَته أَي عَلَى نَاحِيَتِهِ وَجِهَتِهِ وخَلِيقته. وَفِي الحَدِيثِ: فسأَلت أَبي عَنْ شَكْل النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَي عَنْ مَذْهَبه وقَصْده، وَقِيلَ: عَمَّا يُشَاكِلُ أَفعالَه. وَهَذَا طَرِيقٌ ذُو شَواكِلَ أَي تَتَشَعَّب مِنْهُ طُرُقٌ جماعةٌ. وشَكْلُ الشَّيْءِ: صورتُه المَحْسُوسَةُ والمُتَوَهَّمة، وَالجَمْعُ كالجَمْعِ. وتَشَكَّلَ الشيءُ: تَصَوَّر، وشَكَّلَه: صَوَّرَه.[20]

التعريف الاصطلاحي:

التّشاكُلُ في الدّفعاتِ الصّوتيةِ ونَحوها: التشابُه والتّماثُلُ، والتشاكلُ في ألفاظِ النص والقصيدَة تناسُقُها وانسجامُها.

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش:

 [1] قراءة في الأدب القديم ، محمد محمد أبو موسى ص: 31

[2] نفسه، ص: 47

[3] نفسه، ص: 74

[4] نفسه، ص: 127-128

[5] نفسه، ص: 150

[6] نفسه، ص: 189

[7] لسان العرب، 10/448-449-450

[8] قراءة في الأدب القديم ، محمد محمد أبو موسى ص: 31، ص: 74

[9] نفسه، ص: 112

[10] نفسه، ص: 117

[11] نفسه، ص: 162

[12] لسان العرب، 10/ 446/447/448

[13] قراءة في الأدب القديم، ص: 36

[14] نفسه، ص:37

[15] نفسه، ص: 38

[16] نفسه، ص: 59

[17] نفسه، ص: 271-272

[18] لسان العرب، 13/503-504-505

[19] قراءة في الأدب القديم، ص: 285

[20] لسان العرب/11-356-357

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق