مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبيةقراءة في كتاب

مفاهيم في التماسك ووحدة بناء النص» من خلال كتاب « قراءة في الأدب القديم» محمد محمد أبو موسى دراسة إحصائية معجمية (الحلقة الخامسة)

(ج)

جرس

 [أجراس]

 

سياق المصطلح:

-«…وأنَّ هذه المَعاني الدَّالّ عليها أَصواتُ الحُروفِ، وأجْرَاسُ الكَلماتِ هي أغْمضُ ما في الشِّعرِ وأَجلُّ ما في الشِّعرِ، حَتَّى إنّهُ لَيُؤكِّدُ أنَّ معانيَ النَّغَمِ هي سِرُّ الشِّعرِ».[1]

التعريف اللغوي:

جاء في لسان العرب: جرس: الجَرْسُ: مصدرٌ، الصوتُ المَجْرُوسُ. والجَرْسُ: الصوتُ نَفْسُهُ. والجَرْسُ: الأَصلُ، وَقِيلَ: الجَرْسُ والجِرْسُ الصَّوْتُ الخَفِيُّ. قَالَ ابْنُ سِيدَه: الجَرْسُ والجِرْسُ والجَرَسُ؛ الأَخيرة عَنْ كُرَاعٍ: الحركةُ والصوتُ مِنْ كُلِّ ذِي صَوْتٍ، وَقِيلَ: الجَرْس، بِالْفَتْحِ، إِذا أُفرد، فإِذا قالوا: ما سمعت لَهُ حِسّاً وَلَا جِرْساً، كَسَرُوا فأَتبعوا اللَّفْظَ اللَّفْظَ. وأَجْرَسَ: عَلَا صَوْتُهُ، وأَجْرَسَ الطائرُ إِذا سمعتَ صوتَ مَرِّه؛ قَالَ جَنْدَلُ بنُ المُثَّنَّى الْحَارِثِيُّ الطّهَوِيُّ يُخَاطِبُ امرأتَه:

لَقَدْ خَشِيتُ أَن يكبَّ قابِرِي /// وَلَمْ تُمارِسْكِ مِنَ الضَّرائرِ

شِنْظِيرَةٌ شائِلَةُ الجَمائِرِ، /// حَتَّى إِذا أَجْرَسَ كلُّ طائِرِ،

وجَرْس الحَرْفِ: نَغْمَتُه. والحروفُ الثَّلَاثَةُ الجُوفُ: وَهِيَ الياءُ والألف والواوُ، وسائرُ الحروفِ مَجْروسَةٌ. والجَمْعُ أجْراسٌ وجُروسٌ. ورَجُلٌ مُجَرَّسٌ ومُجَرِّسٌ: مُجَرِّبٌ للأُمور؛ وقالَ اللِّحْيانِيُّ: هُوَ الذي أَصابته البَلايا، وَقِيلَ: رَجُلٌ مُجَرَّسٌ إِذا جَرَّس الأُمور وَعَرَفَهَا، وَقَدْ جَرَّسَتْه الأُمورُ أَي جَرَّبَتْه وأَحكمته.[2]

التعريف الاصطلاحي:

أجراسُ الكلماتِ: نَغماتُها وكلُّ ما من شَأنهِ أنْ يُعينَ على تَجويدِ البِنيةِ الصوتيةِ والرَّنينِ في أبْياتِ القَصيدةِ مع تَركيبِ الكلماتِ وتَخَيُّرِها.

///

جلو

 [تجلو]

سياق المصطلح:

-«…ثُمَّ ذَكرَ ابْتِسامتَها وأنَّها تَجْلُو أَيْ تَكشِفُ عَوارِضَ ذِي ظَلمٍ..»[3] إشارةً إلى قول كعب بنِ زُهير:

تَجلو عَوارِضَ ذي ظَلمٍ إِذا اِبتَسَمَت ///  كَأَنَّهُ مُنهَلٌ بِالراحِ مَعلولُ

التعريف اللغوي:

جاء في لسان العَرَب: جَلَا الأُمورَ أَي أَوضَحها، وجاء في الصحاح: جَلَّى الشَّيءَ، كَشَفَه. وهو يُجَلِّي عن نفسه، أي يعبِّر عن ضميره. وانْجَلى عنه الهمُّ، أي انكشفَ. وتجلّى الشيءُ، أي تَكشَّفَ. قال الأصمعيّ: جَالَيْتُهُ بالأمر وجالَحْتُهُ، إذا جاهرتَه به.[4]

التعريف الاصطلاحي:

تجلو: تكشفُ، والكشفُ تَجليةُ معاني الشعر وبَيانُها وإيضاحُها وفَكُّ مُبهَمها.

///

جنس

 [تجانس]

سياق المصطلح:

-«…وكلمةُ “أغَنّ” كأنَّ كَلماتِ مَتْبولُ ومُتَيَّمُ ومَكْبولُ قد مَهَّدتْ لها، لأنَّ التَّجَانُسَ الّذي بَينها مُضْمَرٌ فيه الغِناءُ، وهذا القَصْرُ الذي جاءَ بالنَّفيِ والاسْتِثناءِ وهي أُمُّ بَابِ القَصرِ، يُؤَكِّدُ أنَّ سُعادَ لَيستْ من النِّساءِ، وإنَّما هي أَغنُّ لا غَير».[5]

التعريف اللغوي:

جاء في لسان العرب: جنس: الجِنْسُ: الضَّربُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، والجِنْسُ أَعم مِنَ النَّوْعِ، وَمِنْهُ المُجانَسَةُ والتَجْنِيسُ. وَيُقَالُ: هَذَا يُجانِسُ هَذَا أَي يُشَاكِلُهُ، وجاء في معجم اللغة العربية المعاصرة وتجانسَ يتجانس، تجانُسًا، فهو مُتجانِس، وتجانس الشَّيئان: تماثلا، اتَّحدا في الجنس والصِّفات، وهو تآلف وتوافق بين سمات الكلام من إيقاع ونبرٍ واختيارِ ألفاظٍ لما فيها من كلماتٍ وأصواتٍ متجانسة بحيث يُصبحُ حَسَنَ الوقعِ في السَّمع أو خلاّبًا للذِّهن.[6]

التعريف الاصطلاحي:

التَّجانُسَ: تَآلفُ الكلماتِ وتَماثُلُها، وهو التَّطابقُ بينَ الألْفاظِ وانْدِماجِ عناصرِها بعضِها في بعضٍ، حتَّى تُشكِّلَ وَحدةً نَصِّيةً يَأتلِفُ فيها المعنى وتَتلاحَمَ بها الكلماتُ على نَسقٍ مُتماسكٍ يُحدثُ نَغمًا لدى القَارئِ أو السَّامعِ.

///

جزل

 [جزالة]

سياق المصطلح:

– «…أما قُوَّةُ النَّفسِ وطولُ النفَس، فَإنِّي أفهمُ مِنها قُوّةَ الرُّوحِ البَيانيةِ وجَزَالَةَ نَفسِ القَائلِ، ثُمَّ جَزَالَةَ مَعانيهِ، فَتَلْتَقي جَزَالةُ النَّفسِ بِجَزَالَةِ المَعنى، فَيكونُ التَّمَكُّنُ، والاقْتِدارُ، وغَزَارةُ اليَنْبوعِ». [7]

التعريف اللغوي:

جاء في لسان العرب: جزل: الجَزْل: الحَطَب الْيَابِسُ، وَقِيلَ الغَلِيظ، وَقِيلَ مَا عَظُم مِنَ الحَطَب ويَبِس ثُمَّ كَثُر اسْتِعْمَالُهُ حَتَّى صَارَ كُلُّ مَا كَثُر جَزْلًا؛ وأَنشد أَحمد بْنُ يَحْيَى:

فَوَيْهاً لِقِدْرِك، وَيْهاً لَها /// إِذا اخْتِيرَ فِي المَحْل جَزْلُ الحَطَب

وَفِي الْحَدِيثِ: اجْمَعُوا لِي حَطَباً جَزْلًا؛ أَي غَليظاً قَويًّا. وَرَجُلٌ جَزْل الرأْي وامرأَة جَزْلة بَيِّنة الجَزَالة: جَيّدة الرأْي. وَمَا أَبْيَنَ الجَزَالَة فِيهِ أَي جَوْدَة الرأْي. وَفِي حَدِيثِ مَوْعِظة النِّسَاءِ: قَالَتِ امرأَة مِنْهُنَّ جَزْلة؛ أَي تامَّة الخَلْق؛ قَالَ: وَيَجُوزُ أَن تَكُونَ ذاتَ كَلَامٍ جَزْل أَي قَويّ شَدِيدٍ. وَاللَّفْظُ الجَزْل: خِلَافُ الرَّكِيك.

وجاء في معجم اللغة العربية المعاصرة: جَزُل اللَّفْظُ/ جَزُل المنطِقُ/ جَزُل الكلامُ: استحكمت قُوَّتُه، فصُح ومتُن “تميَّز أسلوبُه بجزَالة اللَّفظ”. فصاحة النَّصّ ومتانة صياغته، وهو ضدّ ركاكة، وجزَالة الألفاظ: متانتها وعذوبتها في الفم ولذاذتُها في السَّمع.[8]

التعريف الاصطلاحي:

جَزالةُ المَعاني: المَعاني الجَزلةُ هي المُعبَّرُ عنها بالأَلفاظِ القَويَّةِ الفَصيحةُ التي تُحدثُ غَزارةً في معاني النَّصِّ، ووَظيفَةُ تلكَ الألفاظِ العبارةُ عن المعنى بطرُق تُظهرُه متيناً حسَن السبك والحَبْك.

///

جوهر

 [جوهر]

سياق المصطلح:

– «…وهذا يَجعلُ الصِّفاتِ الّتي نُسمّيها تَوابِعَ منْ جَوْهَرِ بِناءِ الجُملةِ، وعليها يَتوقَّفُ معْناها…».[9]

– «وقدْ وقفتُ عند هذِه الرِّوايةِ وآثَرتُها على رِوايةٍ أُخرى مَشْهورة وهي « إنَّ الرَّسولَ لَنورٌ يُسْتضاءُ بهِ» لأنِّي وجَدتُ روايةَ السّيفِ تُنشِئُ وتَصْنَعُ وتُبْدعُ جَديلةً حَيّةً من الحَقِّ، والقُوَّةِ، في صورةِ السَّيفِ الّذي يُهْتدَى بهِ، وأنَّ جَوْهَرَ هذا الدِّينِ هُو الحقُّ والقُوَّةُ معًا، وأنَّ الضَّعفَ هَدمٌ لنِصفِ هذا الدِّينِ، إذا لمْ يَكنْ هَدمًا للدِّينِ كُلِّهِ، لأنَّ الضَّعْفَ يُطْمِعُ فيهِ أعْدَاءهُ، الَّذينَ هُمْ أعْداءُ الله، والذِي أَمَرنا بأنِ تَكونَ لنا قُوَّةٌ تُرهِبهمْ، وأنَّ هذا كالصَّومِ، والصَّلاةِ والحَجِّ، وهكذا تَكونُ كَلمةُ يُستضاءُ به هُنا مُؤَسِّسةً لمَعنىً شَريفٍ، وفي رِوايةِ لَنورٌ يُستضاءُ بهَ هي مُؤكِّدةٌ للنُّورِ».[10]

-«…ولا نَنْسى أنَّ كلَّ مَناهجِ النَّقدِ الأَدبِيِّ، ومَذاهبهِ، في كُلِّ أقطارِ الأَرضِ، وفي كلِّ الأَزمِنةِ، ليْس لها غَايةٌ إلا اسْتِكْشافُ جَوْهَرِ النّصِّ، وما يَنْطوي عليهِ مِن دِلالاتٍ، والسَّليقةُ التي كانتْ قَائِمةً في نفْسِ الفَرزْدقِ، والأنصاريِّ، قَامتْ مَقامَ كلِّ المَناهجِ، وقامتْ مقامَ كلِّ حِذقِ الحُذَّاقِ، في تَطبيقها، والتَّلَطُّفِ لَها، والاحْتِيالِ في التَّعامُلِ معها، ولمْ يبقَ عندَ الفَرَزْدقِ شَكٌّ لَمَّا سَمعَ قَصيدةَ حَسَّان، أنَّه يُواجِهُ عَملًا شِعريًا في قمَّةِ الإِتْقانِ، والجَوْدةِ». [11]

– «والأَمرُ الثَّاني الذي اسْتَيْقَنهُ كلٌّ مِنهما مِن صَاحبهِ، أنَّ العَدلَ والصِّدقَ في حُكومةِ البَيانِ هو الآخَرُ جُزءٌ من الفِطرةِ، ومُلازِمٌ لهذهِ السَّليقةِ الوَاعيةِ بالشِّعرِ، والبَصيرةِ بِجَوْهَرِهِ، فلا يَتَصوَّرُ الأَنْصاريُّ، ولا الفَرزدقُ أَنَّ أَحدَهُما يَخونُ الأمَانةَ في هذا الشَّأنِ، ويَميلُ مع الهَوى ويقضي في الشِّعرِ بغَيرِ ما يرى، ويَسْتَيقِنُ، وهذا الاعْتِدالُ، وهذا الالْتزامُ من العَناصرِ الجَوْهَرِيَةِ في مَنَاهِجِ نَقدِ الأَدَبِ». [12]

-«… وهَذا منْ أَهمِّ دِلالاتِ هذا البَيتِ، لأنَّ جَوْهَرَ الصُّورَةِ هُو بَيانُ أن الفَرزدقَ ينالُ ما لَمْ يَنلْهُ غَيرهُ، وهذا ما يُنازعُهُ الأنصاريُّ فيهِ…» [13]

– «…فيهِ سُخريةٌ شَديدةٌ، وفيه اعتدادٌ بفرطِ جَسَارتِهِ، وأنَّه كان في هذهِ المُخاطَرةِ المُهلكةِ ثَابتَ النّفسِ، وكأنَّ ضيفٌ مَحفوفٌ بالرِّعايةِ، والإِكرامِ، والصّونِ، وكلّ هذا في جَوْهَرِهِ معْنى التَّغَنِّي بالشبابِ، والقُوّةِ، والاعْتِدادِ، وعدمِ المُبالاةِ بالشَّدائدِ.» [14]

– «…فما منْ حمامةِ إلَّا وهي تَبكي عليه وهذا هُو معْنى الهَديلِ في هذا البيتِ، وهذا هو معنى أنَّهُ نَبعُ الجَنينِ في ضَميرِ الحَياةِ والأَحْياءِ وهذا جَوْهَرُ الشِّعْرِ» [15]

-«… «ومَائرةَ الأعْضادِ» وقد ذكر الأعضادَ، وهْي جمعُ عَضدٍ، وإنَّما تَمورُ النَّاقةُ بعَضُديْها، وكأَنَّهُ بهذا الجَمعِ يُشيرُ إلى شِدّةِ مَوَرانِها، وتَدَاخُلِ عَضُدَيْها في هذا المَوَرَانِ حتّى لَيُخيَّل إليكَ أنَّها تَمورُ بأعضادٍ، وليس بعَضُدينِ، ويجبُ أنْ نُراجعَ عَلاقاتِ الجُملِ، وتَرابُطها، وتَشابُكها في هذه الصُّورةِ، لأنَّ هذا منْ جَوْهَرِ بِناءِ الشِّعرِ».[16]

– «والرِّحلةُ بَابٌ من أبْوابِ الشِّعرِ، وهيَ منْ جَوْهَرِهِ والعَربُ لا تدعُ الشِّعرَ حتّى تدعُ الإبلُ الحنينَ، كما قال صلى  الله عليه وسلم: والرِّحلةُ من أبوابِ الحَنينِ. والشِّعرُ حَنينٌ كما يُفْهمُ من هذا الأثَرِ الشَّريفِ.» [17]

– «… وإنمَّا هَيّأ الكلامّ بهذا النَّفيِ الَذي أدْخلَهُ على قوله «بَلَغَتْ» ثُمّ جاءَ بحتَّى التي هي لانْتِهاءِ الغَايةِ، والمعْنى أنَّها ما بَلغتْ حتَّى انْتهتْ إلى هذهِ الأَحوالِ التِي وصفَ، والّتي أطالَ فيها الكَلامَ، وكأنَّها هي جَوْهَرُ الصُّورَةِ، وأَصلها، وجذمها…»[18]

– «وهناكَ أشْياءُ لم أُنبِّهْ إليها، وهيَ دَاخِلةٌ في جَوْهَرِ بِناءِ الشِّعرِ وصَقلهِ كَما تَرى في هذا التَّرْكيبِ، المُتكرِّرِ في الأَبياتِ وهو الفِعلُ المَاضي الذِي تَبْدأُ بهِ الأَبْياتُ، ثُمَّ يَعقُبهُ غَالبًا فَاعلٌ مُضافٌ إليهِ، ومَفعولٌ مُضافٌ إليهِ، كَما ترى في هذهِ الجُملِ:

اغْبرَّ آفاقُ السماءِ

هتَّكَت كسورَ بيوت الحيِّ

جَاء قَريعُ الشَّوْل

هتكت الأطناب كُلُّ طِمِرَّةٍ

باشر راعيها

أصبْحَ مُبْيَضُّ الصَّقِيع

وقاتل كلب الحيّ

ومِثلُ هذا يُورثُ الكَلامَ نَغمًا مُتقاربًا، ويُؤلِّفُ بين أجْزاءِ الصُّورةِ.»[19]

– «…فتَعْملُ على وَحدةِ الجّوِّ العامِّ والشُّعورِ المُستثارِ، وكأَنَّ جَوْهَرَ القَصيدةِ هو بِناءُ نَغمِها».[20]

التعريف اللغوي:

جاء في معجم اللغة العربية المعاصرة: جَوْهَر [مفرد]: ج جَواهرُ: حقيقة الشّيء وذاتُه أو أصله ومادّتُه، والجوهر: الذي لا يتجزّأ، ولا يقبل الانقسام[21]

التعريف الاصطلاحي:

جَوهرُ بناءِ الجُملةِ: أصْلها وطبيعتُها، وهي علاقةُ كَلِمِها وترابُط ألفاظها واتساقُ مَعانيها.

وجَوهرُ بناءِ الشعر: هي لُغتهُ ونَظمُه الذي يُبنى بالنحو والدَّلالة والإيقاع بناءً على مَسالكَ يَسْلكُها كلُّ شاعرٍ فينتج من مسلكه النظميِّ نَصٌّ مُتسَلسلِ الأنْغامِ ومُترابِطُ الوَحداتِ.

وجَوهرُ بناءِ الصُّورةِ: هي الصُّورة الشِّعرية، التي تعد أهمّ الرّكائز التي تُبنى منها القصيدةُ العربيّة، وإحدى عَناصرِها الفنّيّة، لأنّ الصورةَ قوامُ جَمالِ القصيد.

///

(ح)

حوط

[أحاط]

سياق المصطلح:

– «…وإنَّما فَحْوى مُرادِ الشَّاعرِ أنْ يَدُلّكَ على أنَّهُ كلَّما زادَ الخَبرُ تَأمُّلًا زَادَ تَفاقُمًا وتَعاظُمًا وأطْبقَ عليه إِطباقًا، وَأَحَاطَ به إحَاطَةً لا تَدعُ لهُ من إِطْباقهِ عليه مَخْرجًا…» [22]

– «… وهَذا ليسَ بعيدًا عن قَولِ الوُشاةِ، ومعنَى هذا أنَّ الصَّديقَ والعَدوَّ قدْ أجْمعُوا على أنَّهُ قدْ أَحَاطَ به ما لا مَنْجاةَ لهُ مِنهُ…» [23].

– «…لأنه اكْتَفى بِأنْ جَعلَ العُزوفَ وصْفًا لهُ، داخَلَ نَفسَهُ، وقَرَّ في قَرارِها، وامْتلكَها وأَحَاطَ بها، وهذَا أغْربُ مَطْلعٍ ليسَ في شِعرِ الفَرزْدقِ وحْدهُ، وإنَّما في الشِّعرِ كُلّهِ…» [24]

– «… وقَولُهُ «فَما زِلْتُ» يشعرُ بأنَّها ما اسْتجابَتْ، ولا لانَتْ إلا بعد مَجْهودٍ وأنَّهُ نَفذَ إلى هذه العَزيزةِ المَحْجوبةِ، في هذا القَصرِ الّذي حَاصَرهُ المَوتُ، وهيَ مَحُوطَةٌ برعايةِ رَجُلٍ شَرِيفِ…»[25].

– «… وفي هَذا إِشارةٌ إلى أنَّها ذَكَرتْهُ معَ الفَرزْدقِ، وفي هذا غَمْزٌ، واسْتِخْفافٌ بِغَفلةِ هذا الجَليلِ الشَّريفِ، الرَّئيسِ الجَليلِ الذِي أَحَاطَهَا بمَا أَحَاطَهَا بِهِ …»[26]

– «…وقدْ جاءَ هذا البيتُ في الدِّيوانِ  بعْد قَولِهِ « وَأَوْقَدَتْ الشِّعْرَى مَعَ اللَّيْلِ نَارَهَا» وهَذَا تَرْتِيبٌ جَيِّدٌ، وكأَنَّ الشَّاعرَ تَابعَ الزَّمنَ، فذَكرَ النَّهارَ المَفهومَ مِن قَولهِ « إذا اغْبرَّ آفاق السَّماءِ» لأنَّ هذا لا يَظْهرُ إلَّا في النَّهارِ، ثُمّ ذَكرَ اللَّيلَ في قَولهِ « وأوقدتْ الشعرَى مع اللَّيل نَارها» ثُمَّ ذكرَ الصُّبْحَ في قَولهِ «وأصْبحَ مُبْيَضُّ الصَّقيعِ» فجعل الشِّدَّةَ تَستغرِقُ الوقتَ كُلّهُ، وتُحِيطُ بِلَيلهِ، ونَهَارهِ، وصَبَاحهِ ومَسائهِ…»[27]

– «… وأُصولُ الخروعِ هنا له فَائدَةٌ جَليلةٌ فإنَّهُ قدْ أَحَاطَ هَذا الماءَ بهذهِ الأعشابِ وتِلكَ الأشْجارِ والشُّجْيراتِ الطَّريةِ النَّاعِمةِ الّتي تَتَلاءَمُ في طَراوتِهَا ونُعومتِها مع اللَّعبِ العَابثِ…»[28].

– «… الغَمرُ الماءُ الكَثيرُ، وهُمْ يُشَبِّهونَ الشَّدائدَ والكُروبَ الّتي تطبقُ وتُحِيطُ بالغَمرِ أي الماء الكثير الغَامر، لأنَّها تُحِيطُ بهم إِحَاطَةً كَامِلةً وتَستغْرِقُ نُفوسهُمْ اسْتغراقًا شَاملًا، والبَحرُ ولُجَجهُ مَثلٌ عِندهمْ في الهَولِ والرَّهْبةِ، وهذا يُسمِّيهِ البَلاغِيونَ اسْتعَارةً تَصْريحيةً، فالمُرادُ بالغَمرِ الشِّدةُ التي تَستغرِقُ النَّفسَ وتُحِيطُ بِهَا إِحَاطَةً تَصيرُ معها النَّفْسُ مُنْغَمسةً في أهْوالِها، وكأنَّ الشِّدَّةَ تَبتَلعُ هذهِ النُّفوسَ ابْتلاعَ المَاءِ الغَمرِ لِما يُحِيطُ بِهِ» [29]

– «… وقدْ رأينا أهْلَ صِناعة الشِّعرِ يَحْرصونَ على هَذهِ الصِّلةِ ويَهتَمُّونَ بِما بَينَ الأَبْياتِ مِن رَوَابطَ، وبَلغُوا في ذلك دَرجةً عَاليةً من الإِحَاطَةِ والإِدْرَاكِ»[30]

– «وهيَ كما تَرى عَلاقةٌ قَويَّةٌ فليْس البَيتُ بعيدًا عَن البَيتِ، ولَيسَ مَوصُولًا بهِ بِدرَجَةٍ ما مِن دَرَجاتِ الصِّلَةِ، وإنَّمَا العَلاقة بينها عَلاقة الأخِ بأخيهِ لأبيهِ، فالتَّشَابهُ وَاضحٌ، والتَّواصلُ قَائمٌ فكِلاهما بَنو أبٍ واحدٍ، ولكن هذا القَدر منَ التَّآخي لا يُرضي أهْلَ العلمِ بالشِّعرِ، وإنَّما لا بُدَّ أن يَكونا من رحِمٍ واحِدةٍ، ربَّى كِليهمَا ونَمَّاهُ نَفسٌ واحِدٌ، وحجرٌ واحدٌ، وغَذَّاهُ ثَديٌ واحِدٌ، هذه هي العَلاقَةُ الحَميمةُ التي يَرْضاها النُّقَّادُ بين أجزاءِ القَصيدةِ… لابُدَّ أنْ تَنْبَثقَ مِنْ مَصْدرٍ واحِدٍ، وأنْ تَصْدُرَ عن حالةٍ واحدةِ، وأنْ نَرى ماءً واحدًا يجْري في أبْياتِها، ونَفَسًا واحدًا يُحِيطُ بأوَّلِها وآخِرِها، كَهذه الطِّباع الّتي تَجمعُ الشَّقِيقَيْنِ …»[31]

التعريف اللغوي:

جاء في لسان العرب: حوط: حاطَه يَحُوطُه حَوْطاً وحِيطةً وحِياطةً: حَفِظَه وتعَهَّده، وتَحَوَّطَه: كَحَوَّطَه. واحْتاطَ الرجلُ: أَخذ فِي أُموره بالأَحْزَم. واحْتاط الرَّجُلُ لِنَفْسِهِ أَي أَخذ بالثِّقة. والحَوْطةُ والحَيْطةُ: الاحْتِياطُ. وحاطَه اللَّهُ حَوْطاً وحِياطةً، والاسمُ الحَيْطةُ والحِيطة: صانَهُ وكَلأَه ورَعاه، حاطَه يَحوطُه حَوْطاً إِذا حَفِظَهُ وصانَهُ وذبَّ عَنْهُ وتَوفَّرَ عَلى مَصالحِهِ.[32]

التعريف الاصطلاحي:

أَحاطَ به إِحاطةً: حَفظَهُ واحْتَواه، ومنه حفظُ مَعاني الشِّعرِ والإحداقُ بها وتَطويقُها من الخروج عن المَألوفِ ومِن الوُقوعِ في اللَّبْسِ والإبهامِ، واستعمالُها في مواضعِها الصَّحيحةِ.

///

حشد

[حشد]

سياق المصطلح:

– «… ويُؤكِّدُ الأُسْتاذُ على ضَرورةِ حَشْدِ النَّفسِ والعَقلِ والخِبْرةِ والاحْتِفالِ الكَاملِ والاحْتِشَادِ الكَاملِ في دِراسةِ الشِّعرِ؛ وأنَّ أقلَّ تَهاوُنٍ في دَرسهِ هُو قَتلٌ لهُ، وأنَّ الشِّعرَ الفَخمَ العَريقَ إذا لَمْ يَسْتَقصِ الدَّارسُ دَلالَتَهُ التِي هي أَشْبَهُ بهِ فَخامةً وشَرَفًا ونُبْلًا فَهوَ بَعيدٌ عَنْ كُلِّ مَا في الشِّعْرِ» [33]

التعريف اللغوي:

جاء في لسان العرب: حشد: حَشَدَ القومَ يَحْشِدُهم ويَحْشُدُهم: جَمَعَهُمْ. وحَشَدوا وَتَحَاشَدُوا: خَفُّوا فِي التَّعَاوُنِ أَو دُعُوا فأَجابوا مُسْرِعِينَ، هَذَا فِعْلٌ يُسْتَعْمَلُ فِي الْجَمْعِ، وَقَلَّمَا يَقُولُونَ لِلْوَاحِدِ حَشَد، إِلَّا أَنهم يَقُولُونَ للإِبل: لَهَا حَالِبٌ حَاشِدٌ، وَهُوَ الَّذِي لَا يَفْتُرُ عَنْ حَلْبها وَالْقِيَامِ بِذَلِكَ. وحَشَدوا يَحْشِدون، بِالْكَسْرِ، حَشْداً أَي اجْتَمَعُوا، وَكَذَلِكَ احْتَشَدُوا وَتَحَشَّدُوا. وحَشَدَ الْقَوْمُ وأَحْشَدوا: اجْتَمَعُوا لأَمر وَاحِدٍ، وَكَذَلِكَ حَشَدوا عَلَيْهِ واحْتَشَدوا وَتَحَاشَدُوا. والحَشْدُ والحَشَدُ: اسْمَانِ لِلْجَمْعِ؛ وَفِي حَدِيثِ سُورَةِ الإِخلاص: احشدوا فإِني سأَقرأُ عَلَيْكُمْ ثُلُثَ الْقُرْآنِ؛ أَي اجْتَمِعُوا. والحَشْد: الْجَمَاعَةُ. وَحَدِيثُ عُمَرَ قَالَ فِي عُثْمَانَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: إِني أَخاف حَشْدَه. [34]

التعريف الاصطلاحي:

الاحْتشادُ: هو الجَمعُ والاشْتراكُ، وهو عُنصرٌ من التَّماسُك النّصي يحصلُ مِن طَريقِ حَشْدِ الأَلفاظِ والمَعاني لبناءِ النص المتماسكِ.

///

حبل

[حبل]

سياق المصطلح:

– «… ثُمَّ إنَّهُ أَوْمأَ إلى أنَّ لها حِبَالًا أُعدَّتْ لهذا السُّلوكِ وكلّ هذا فيهِ من السُّخريةِ بحَياةِ النّاسِ الشَّيءُ الكَثير، هتْك الأستارِ، وإخْراج ما وراءَها من فسادٍ، ثُم هَتك غَفلاتِ النُّفوسِ، ثمّ يَتركزُّ هذا كلّه عند بَيانِ اقْتِدارهِ على أن يَهتكَ كلّ ذلكَ، وأنْ يَنفُذَ من هذا الظَّاهرِ المُموّهِ، إلى هذا البَاطنِ المُشوَّهِ، وقدْ أَجادَ في وصْفِ  المُخاطرةِ وبَلغَ الغَايةَ عند قَولهِ: [35].

إذا قُلْتُ قَدْ نِلْتُ البَلَاط تَذَبْذَبَتْ /// حِبَالِيَ في نيق مَخُوف مَخَاصِرُه

مُنيف تَرَى العِقبان تَقْصُر دُونَه ///  ودُونَ كُبَيْدَات السَّماءِ مَنَاظِرُه

-« ثُمَّ يقولُ النَّابغةُ إنَّهُ لولا حِبَالٌ من الحُبِّ مَتينةٌ تَربِطهُ بِنُعْمٍ، لكفَّ عنْها ونَسِيها، وانْصَرفَ ولَو أَفاقَ قَلبهُ وانْتَبهَ لقدْ طالتْ عَمَايتُهُ وضلالُهُ».[36]

– «…  هَلْ حَبْلُ خَوْلَةَ بَعْدَ الهَجْرِ مَوْصُولُ ؟   ///  أَمْ أَنْتَ عَنْهَا بَعِيدُ الدَّارِ مَشْغُولُ»[37]

– «… بيْنما ترى الصُّورةَ عند ربيعةَ هكذا، الحِمارُ قَويٌّ كالحَبْلِ المَفتولِ، ولهُ أَتانٌ قَويَّةٌ مُمتلِئةٌ، قد طارَ شَعرُها مِن فَرطِ سِمَنِها، وانْطلقا معًا في طَلبِ الماءِ، وهي إذا ما أَسْهلتْ سَبقَتهُ، ولكِنَّهُ منها بحيثُ يَراها ويَرْقُبُها، الصُّورةُ خَاليةٌ إلَّا منْ عُنْصرِ القُوّةِ والتَّماسُكِ …» [38].

التعريف اللغوي:

جاء في لسان العرب: حبل: الحَبْل: الرِّباط، بِفَتْحِ الْحَاءِ، وَالْجَمْعُ أَحْبُل وأَحبال وحِبَال وحُبُول؛ وأَنشد الْجَوْهَرِيُّ لأَبي طَالِبٍ:

أَمِنْ أَجْلِ حَبْلٍ، لَا أَباكَ، ضَرَبْتَه  ///بمِنْسَأَة؟ قَدْ جَرَّ حَبْلُك أَحْبُلا

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صَوَابُهُ قَدْ جَرَّ حَبْلَك أَحْبُلُ؛ قَالَ: وَبَعْدَهُ:

هَلُمَّ إِلى حُكْمِ ابْنِ صَخْرة، إِنَّه  ///  سَيَحكُم فِيمَا بَيْننا، ثُمَّ يَعْدِلُ

والحبْل: الرَّسَن، وَجَمْعُهُ حُبُول وحِبَال. وحَبَلَ الشيءَ حَبْلًا: شَدَّه بالحَبْل؛ قَالَ: فِي الرأْس مِنْهَا حبُّه مَحْبُولُ، وَفِي حَدِيثِ قَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ: يَغْدو النَّاسُ بِحبالهم فَلَا يُوزَع رَجُلٌ عَنْ جَمَل يَخْطِمُه؛ يُرِيدُ الحِبال التي تُشَدُّ فيها الإِبل أي يأْخذ كُلُّ إنسان جَمَلًا يَخْطِمُه بحَبْله ويَتمَلَّكُهُ؛ قالَ الخَطّابيّ: رَواهُ ابْنُ الأَعرابي يَغْدُو النَّاسُ بِجِمَالِهِمْ، وَالصَّحِيحُ بحِبالهم. والحَابُول: الكرُّ الَّذِي يُصْعد بِهِ عَلَى النَّخْلِ. والحَبْل: العَهْد والذِّمَّة والأَمان وَهُوَ مِثْلُ الجِوار؛ وأَنشد الأَزهري:

مَا زلْتُ مُعْتَصِماً بحَبْلٍ منكمُ، /// مَنْ حَلَّ ساحَتَكم بأَسْبابٍ نَجا

بعَهْدٍ وذِمَّةٍ. والحَبْل: التَّواصُل. قال ابْنُ السِّكِّيتِ: الحَبْل الوِصال. وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: «وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً»؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: الِاعْتِصَامُ بحَبْل اللَّهِ هُوَ تَرْكُ الفُرْقة واتباعُ الْقُرْآنِ. [39]

التعريف الاصطلاحي:

الحَبلُ: الرِّباطُ المُحكمُ بشدَّة، وهو وَسيلةٌ من وَسائل الوَصلِ بَين الجُملِ، تُسْهمُ في بِناءِ النَّص وتَواشُجِ عَناصره.

///

 حكم

[محكم]

سياق المصطلح:

– «… وأوَّلُ شيءٍ أُريدهُ هو مَعرفةُ بناءِ القَصيدةِ، أعْني مَعرفةَ فَقراتِها أو فُصولِها أو موْضوعاتِها، ووجْهُ تَرتيبِ هذه الفصولِ، وكيْف كان أوَّلُها مِهادا لِثانيها؟ وكيف تَتَابَعتْ في اتِّساقٍ وبِناءٍ مُحْكَمٍ؟ ثُم معرفةُ المعاني الجُزْئية الدَّاخلةِ في تَكوينِ كلِّ فصلٍ، لأنَّ معرفةَ وجُوهِ التَّرتيبِ مَعرفةً دقيقةً تُوجِبُ مَعرفةَ هذه الجُزئياتِ معرفةً أدقَّ.»[40]

-«… ولا شكَّ أنَّ أيَّ قارئٍ يُدركُ إحْكَامَ مَباني هذه الفُصولِ وقُوّةَ تَرابُطها، وأنَّهُ لا يُمكنُ أن تُقدِّمَ منها شيئًا أخَّرهُ الشَّاعرُ، أو تُؤخِّرَ منها شَيئًا قَدّمهُ، والتَّلاحُمُ والتَّلازمُ والتَّرابُط وحُسنُ الاقْترانِ كلّ ذلك قَائمٌ فيها على وَجهٍ بَالغِ الدِّقَّةِ والسَّلاسةِ والجَودةِ.»[41]

– «… ومَنهجُهُمْ في التَّفسيرِ، والتَّحليلِ، والتَّحديدِ، والاسْتِنباطِ، بلغَ الغايةَ في الحَذرِ، والدِّقّةِ والمُرونةِ، ولهُم ضَوابطُ مُحْكَمَةٌ تَصلُحُ أنْ تَكونَ أساسًا في عِلمِ تَحليلِ النَّصِّ» [42]

– «… وقَدْ رَاجعْتُ قَصيدةَ حسَّانٍ، فَوَجَدتُها من أحسَنِ شِعرهِ إن لمْ تَكنْ أَحْسنهُ، وسَأُثْبِتُها هنا حتَّى تُراجعَها، وتُحْكِمَ فَهمَ شِعرِها وأهمُّ مِن هذا أنَّ الفَرزدقَ وعَى ما فيها مِن تَفَوُّقٍ، ودِقّةٍ، وحِذقٍ، وبَصيرةِ، بمُجرَّدِ سَماعِها … » [43]

-«… وليسَ لهذا الرَّبطِ بَديلٌ إلَّا أن تَرتبِطَ بالفاءِ في قولهِ أوّلَ الصّورةِ «فَكيفَ بِمحبُوسٍ دَعَاني»، والمعْنى أنَّهُ يُرتِّبُ هذه الأُمنيةَ أو هذا الحُلمَ وأماني القُلوبِ أحلامها –  على هذِه الصُّورةِ الّتي بَرعَ وبَرعتْ كلِماتُهُ في إحْكامِها، وإِتْقانِها…» [44]

-«…وإنَّما مدحهُ بأنَّ هذه الثَّلاثةَ تَرمي النّاس إليهِ، فَوجبَ إحْكامُ مَعرِفتِها، وهذا الإِحْكَامُ عَليكَ أيُّها القَارئُ، وإنَّما أُبيِّنُ بَعضَ ما غَمضَ… » [45]

– «… وكأنَّ الفرزدقَ أرادَ منكَ أنْ تُراجِعَ هذه الصُّورةَ، التي أَحْكَمَ بِناءَها ليُؤكِّدَ في نفسِكَ، ما دَهَمَ هذا الكَلبَ مِن شِدَّةِ الوقْتِ فَجَاءَ بهذهِ الحالِ …» [46]

– «… ولكن نَظرها في فَصاحةِ الكَلامِ وجَزالتهِ وبَسْطِ المعْنى وإبْرازِهِ وإِتقانِ بِنيةِ الشِّعرِ، وإِحْكَامِ عَقدِ القَوافي وتَلاحُمِ الكَلامِ بَعضِه بِبعضٍ حتَّى عَدُّوا من فضلِ صَنعةِ الحُطيْئةِ حُسنَ نَسقِ الكَلامِ بَعضه على بَعض …» [47]

– «… وانْظرْ إلى هذا التَّقسيمِ البَديعِ والتَّوافُقِ المُحْكَمِ الذي يَجرِي في النَّفسِ وهي لا تتعمَّلُهُ ولا تتكلَّفُهُ… ثُم انْظرْ إلى هذا الفعلِ الذي جاءَ في ساقة هذا فأَحْكَمَ المعنى وأَحْكَمَ البِنَاءَ» [48]

– «… قال بعدَ ما ذَكَر وَعيَ الشَّاعرِ ببِناءِ قصيدتهِ وتَصوُّرِ سَوابقِها ولَواحِقها تَصوُّرًا واضِحًا وأحْكَمَ ما بين هذهِ السَّوابقِ واللَّواحِقِ من الملاءَماتِ والرَّوابطِ وأنَّ الشَّاعرَ انْدفعَ بعدَ ذلكَ في إبْداعهِ على خُطّةٍ مَدروسةٍ، وطَريقٍ مُتْقَنٍ …» [49]

– «وكلمةُ الحاتِميّ هذهِ غَنيّةٌ بالعَطاءِ، وحَسبُكَ أنَّها تهدي إلى حقيقةٍ مُهمَّةٍ هي وَحدةُ الشُّعورِ كما قُلنا أعني وَحدةَ لَونهِ الذي يَجري، في كلِّ عَناصرِ  القَصيدةِ، ويَربطُ فَواتِحَها بخَواتِمها، ثم يَكونُ نُموُّهُ في داخلِ هذه القَصيدةِ نُموًّا طَبيعيًّا عُضويًّا مُتَّسِقًا غَايةَ الاتِّساقِ، مُحْكَمًا أَدقَّ الإِحْكَامِ، لِكلِّ جُزءٍ وظيفتهُ في موْضعهِ، يَرتَبطُ بما سَبقهُ وبما لَحقهُ، ارْتِباطَ الأُصبعِ بالكفِّ، والكفِّ بالسَّاعدِ، والسَّاعدِ بالعَضُدِ، والعَضدِ بالكَتفِ، وهكذا يَجري بِناؤُها جَريانَ الأعْضاءِ، والأَعصابِ والشَّرايينِ في إتْقانٍ بَالغٍ ونِظامٍ مَدروسٍ .. القَصيدةُ في تَخلُّقِها وتَكْوينها، ونِظامها مثلُها في ذلك مثلُ خَلقِ الإنسانِ في اتِّصالِ أعْضائهِ وتَرابُطها، وأيّ إتْقانٍ، وأيّ حِسابِ دَقيقٍ في تَواصلِ هذه الأعضاءِ وتَناسُقها، على الشَّاعر أنْ يَسعى حتَّى تكونَ قَصيدتُهُ في أحْسنِ تَقويمٍ، هكذا يقولُ الحَاتمِيُّ.» [50]

التعريف اللغوي:

أَحْكَمَ [مُتَعَدٍّ] أَحْكَمَ الأَمْرَ: أَجَادَهُ وَأَحْسَنَ تَدْبِيرَهُ. قَالَ الشاعرُ لَقيط بن يَعْمُر الإياديّ يَحُثُّ قَوْمَهُ عَلَى الِاتِّحَادِ فِي الرَّأْيِ والمَوْقِفِ:

يَا  لَهْفَ  نَفْسِيَ  أَنْ  كَانَتْ  أُمُورُكُمُ  /// شَتَّى  وَأُحْكِمَ    أَمْرُ  النَّاسِ  فَاجْتَمَعَا

ديوان لقيط بن يعمر : تح: عبد المعيد خان، الرسالة، بيروت، 1971م.39
معجم الدوحة التاريخي للغة العربية

وجاء في لسان العرب: أَحْكَمَ الأَمرَ: أَتقنَه، وأَحْكَمَتْه التجاربُ عَلَى المَثَل، وَهُوَ مِنْ ذَلِكَ. وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ إِذا كَانَ حَكِيمًا: قَدْ أَحْكَمَتْه التجارِبُ، وأَحْكَمْتُ الشَّيْءَ فاسْتَحْكَمَ: صَارَ مُحْكَماً. واحْتَكَمَ الأَمرُ واسْتَحْكَمَ: وثُقَ. قال الأَزهري: وَقَوْلُهُ تَعَالَى: «كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ»؛ فإِن التَّفْسِيرَ جَاءَ: أُحْكِمَتْ آياتُهُ بالأَمر وَالنَّهِيِ والحلالِ والحرامِ ثُمَّ فُصِّلَتْ بِالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ، قال: والمعنى والله أعلم، أَن آيَاتِهِ أُحْكِمَتْ وفُصِّلَتْ بِجَمِيعِ مَا يَحْتَاجُ إِليه مِنَ الدَّلالَةِ على تَوْحِيدِ الله وَتَثْبِيتِ نُبُوَّةِ الأَنبياء وَشَرَائِعِ الإِسلام، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: «مَا فَرَّطْنا في الكِتابِ مِنْ شَيْءٍ»؛ وقال بَعْضُهُمْ في قَوْلِ الله تَعَالَى: «الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ».[51]

التعريف الاصطلاحي:

بِناءٌ مُحْكمٌ: مَضْبوطُ البناءِ مُتْقَنٌ، ومنه بِناءُ القَصيدةِ الذي يَعتمِدُ على بِناءِ فُصولها ووحَداتها وتَرَابُطها وتماسُكها من خلال العلاقات والروابط المُلْقاةِ بين الكلمِ فيما بينها، وبين الجُملِ، وتَلاحُم الكلام بعضه ببعض على نسَقٍ حَسن.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش:

[1] قراءة في الأدب القديم، محمد محمد أبو موسى، مقدمة الكتاب: ل- م.

[2] لسان العرب، 6/35-36-37

[3] قراءة في الأدب القديم، ص:28

[4] لسان العرب، 14/150،  الصحاح، 6/2305.

[5] قراءة في الأدب القديم ، ص: 31

[6] لسان العرب، 6/43، معجم اللغة العربية المعاصرة، 1/404-405

[7] قراءة في الأدب القديم ، ص:56

[8] لسان العرب، 11/109، معجم اللغة العربية المعاصرة، 1/371

[9]قراءة في الأدب القديم  ، ص:36

[10] نفسه، ص: 83

[11] نفسه، ص: 101

[12] نفسه، ص:102

[13] نفسه، ص: 133

[14] نفسه، ص: 146-147

[15] نفسه، ص: 157

[16] نفسه، ص: 161-162

[17] نفسه، ص: 165

[18] نفسه، ص: 166

[19] نفسه، ص: 188

[20] نفسه، ص: 312

[21] معجم اللغة العربية المعاصرة، 1/425

[22] قراءة في الأدب القديم، مقدمة الكتاب: ت.

[23]نفسه، ص: 59

[24] نفسه، ص:113.

[25] نفسه، ص: 146.

[26] نفسه، ص:147.

[27] نفسه، ص: 185

[28] نفسه، ص:202.

[29] نفسه، ص:210.

[30] نفسه، ص:233.

[31] نفسه، ص:234.

[32] لسان العرب، 7/279

[33] قراءة في الأدب القديم، مقدمة الكتاب: م

[34] لسان العرب، 3/150

[35] قراءة في الأدب القديم ص: 149

[36] نفسه، ص: 342

[37] نفسه، ص:353.

[38] نفسه، ص: 359.

[39] لسان العرب، 11/134-135

[40] قراءة في الأدب القديم، مقدمة الكتاب:  أ/أ.

[41] نفسه، المقدمة: ب/ب.

[42] نفسه، ص:12.

[43] نفسه، ص: 100

[44] نفسه، ص:139.

[45] نفسه، ص: 159.

[46] نفسه، ص:184.

[47] نفسه، ص: 312

[48] نفسه، ص: 210

[49] نفسه، ص:248.

[50] نفسه، ص:376.

[51] معجم اللغة العربية المعاصرة، 1/537، لسان العرب، 12/143

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق