مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبيةقراءة في كتاب

«معجم الهيآت والإشارات والرموز في القرآن الكريم من خلال تفسير «التحرير والتنوير» للإمام الطاهر ابن عاشور» (الحلقة الثامنة)

[14] تنكيس الرأس:

ومن دلالات هذه الهيئة في القرآن الكريم:

1- الذل والندامة:

قال الله تعالى: (وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ) [السجدة: 12]، قال الطاهر ابن عاشور: «وَالنَّاكِسُ: الَّذِي يَجْعَلُ أَعْلَى شَيْءٍ إِلَى أَسْفَلَ، يُقَالُ: نَكَّسَ رَأْسَهُ، إِذَا طَأْطَأَهُ لِأَنَّهُ كَمَنْ جَعَلَ أَعْلَى الشَّيْءِ إِلَى أَسْفَل. ونكس الرؤوس عَلَامَةُ الذُّلِّ وَالنَّدَامَةِ، وَذَلِكَ مِمَّا يُلَاقُونَ مِنَ التَّقْرِيعِ وَالْإِهَانَةِ»(1).

 يقول الدكتور محمد الأمين موسى أحمد: «وتتضمن الآية 12 من سورة السجدة مشهدا بصريا غنيا بالدلالات العاطفية التي تنم عن الذل والهوان»(2)، وهو «ليس فقط مجرد هيئة يتخذها الرأس، بل كذلك، سلوك يترك آثارا واضحة على التعبيرات الوجهية، كأن تذبل العينان ويغطيهما الجفنان، وترتخي الشفة السفلى»(3)، وهذه الهيئة من صفات الكافرين يوم القيامة الذين يندمون على ما فَرَطَ منهم في الدنيا من سوء الأعمال، فينكسوا رءوسهم ذلا.

[15] التقصير وتحليق الرأس:

ومن دلالات هذه الهيئة في القرآن الكريم:

1- إتمام الحج والعمرة:

قال الله تعالى: (لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ) [الفتح: 27]، قال الطاهر ابن عاشور: «وَالتَّحْلِيقُ وَالتَّقْصِيرُ كِنَايَةٌ عَنِ التَّمَكُّنِ مِنْ إِتْمَامِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَذَلِكَ مِنِ اسْتِمْرَارِ الْأَمْنِ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْحَالَةَ حَكَتْ مَا رَآهُ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي رُؤْيَاهُ، أَيْ يَحْلِقُ مَنْ رَامَ الْحَلْقَ وَيُقَصِّرُ مَنْ رَامَ التَّقْصِيرَ، أَيْ لَا يُعْجِلُهُمُ الْخَوْفُ عَنِ الْحَلْقِ فَيَقْتَصِرُوا عَلَى التَّقْصِيرِ»(4).

[16] التبسم:

ومن دلالات التبسم في القرآن الكريم:

1- الدهش والتعجب:

قال الله تعالى: (فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا) [النمل: 19]، قال الطاهر بن عاشور: «وَتَبَسُّمُ سُلَيْمَانَ مِنْ قَوْلِهَا تَبَسُّمُ تَعَجُّبٍ. وَالتَّبَسُّمُ أَضْعَفُ حَالَاتِ الضَّحِكِ فَقَوْلُهُ: ضاحِكاً حَال موكدة ل فَتَبَسَّمَ وَضَحِكُ الْأَنْبِيَاءِ التَّبَسُّمُ، كَمَا وَرَدَ فِي صِفَةِ ضَحِكِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَوْ مَا يَقْرُبُ مِنَ التَّبَسُّمِ مِثْلَ بُدُوِّ النَّوَاجِذِ كَمَا وَرَدَ فِي بَعْضِ صِفَاتِ ضَحِكِهِ. وَأَمَّا الْقَهْقَهَةُ فَلَا تَكُونُ لِلْأَنْبِيَاءِ»(5).

ويعتبر التبسم «من التعبيرات الوجهية المهمة التي توظف بكيفية فعالة في المجتمعات المدنية التي تتسم بالتعقيد والتحكم في المشاعر من حيث الإظهار أو الإخفاء أو إظهار ما يناقضها»(6).

[17] تولية الدبر:

ومن دلالات هذه الهيئة في القرآن الكريم:

1- الخوف:

قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) [الأنفال: 15- 16]، والمعنى في الآية أن الله تعالى ينهى عن الفرار خوفا من الكافرين.

ومنه قوله تعالى لنبيه موسى عليه السلام: (وَأَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ) [النمل: 10]، ودلالة الخوف هنا ظاهرة، فلو لم يخف لما ولى دبره، والله تعالى نهاه عن ذلك.

ومنه قوله تعالى: (وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ) [القصص: 31].

ذلك أن تولي الدبر أو الفرار دائما يكون نتيجة رد فعل الخائف.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش:

1- التحرير والتنوير 21/221.

2- الاتصال غير اللفظي في القرآن الكريم ص: 191.

3- الاتصال غير اللفظي في القرآن الكريم ص: 283.

4- التحرير والتنوير 26/200.

5- التحرير والتنوير 19/243.

6- الاتصال غير اللفظي في القرآن الكريم ص: 275.

Science

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق