مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبيةقراءة في كتاب

«معجم الهيآت والإشارات والرموز في القرآن الكريم من خلال تفسير «التحرير والتنوير» للإمام الطاهر ابن عاشور» (الحلقة الثالثة)

مداخل إلى دلالة الهيئات والإشارات والرموز في القرآن الكريم:

مما لا شك فيه أن القرآن الكريم اخترع دلالات خاصة به؛ جديدة لم توجد من قبل فأصبحت لصيقة به وملازمة له، كما وظف دلالات اللغة العربية الموجودة قبل نزول القرآن وأعطاها صبغة قرآنية متميزة.

ولا شك أيضا أن الحديث عن معجم للهيآت والإشارات والرموز في القرآن الكريم لا بدَّ له من مداخل تمهد للحديث عن هذه الأبواب الثلاثة، وتبين المقصود منها في البحث وهي كالآتي:

أ- الهيآت:

الهيئة لغة كما جاءت في «لسان العرب»: «حالُ الشيءِ وكَيْفِيَّتُه. وَرَجُلٌ هَيِّئٌ: حَسَنُ الهَيْئةِ. اللَّيْثُ: الهَيْئةُ للمُتَهَيِّئِ فِي مَلْبَسِه وَنَحْوِه. وَقَدْ هاءَ يَهاءُ هَيْئةً، ويَهِيءُ. قَالَ اللِّحْيَانِيُّ: وَلَيْسَتِ الأَخيرة بِالْوَجْهِ. والهَيِّئُ، عَلَى مِثَالِ هَيِّعٍ: الحَسَن الهَيْئَةِ مِنْ كلِّ شيءٍ، ورجلٌ هَيِيءٌ، عَلَى مِثَالِ هَيِيعٍ، كهَيِّئٍ، عَنْهُ أَيضاً»(1).

أما في بحثي هذا فيدخل في هذا الباب كل ما يتعلق بهيآت اللباس الدالة، وكذلك الهيآت الجسمية كالجلوس والقيام والمشي، يضاف إليها التعبيرات الوجهية التي لها دلالة خاصة، «ونستشف أهمية التعبيرات الوجهية ضمن الاتصال البشري، في القرآن الكريم، من خلال الآيات التي بالرغم من عددها القليل نسبيا، إلا أنها في غاية الأهمية وتضيف الكثير لعلم الاتصال غير اللفظي»(2).

فالعين مثلا أداة من أدوات التواصل غير اللفظي «وهكذا يخبرنا القرآن الكريم، أن العين من أبرز قنوات الاتصال غير اللفظي التي يمكن خلالها التعبير عن عواطف ومشاعر الفرح والحزن والخوف، فضلا عن دورها البارز في الحصول على البيانات والمعلومات»(3).

وكذلك الوجه و«تكمن أهمية الوجه، باعتباره قناة للتواصل غير اللفظي، في التعبيرات – وتنتج عن نشاط عضلات الوجه- التي يكون مسرحا لها»(4).

ولما كانت الهيآت ذات خطر كبير في السلوكات باعتبارها تعبيرا غير لفظي في التواصل فقد اعتنى الله تعالى بها، ووَرَد في القرآن ما يعضد ذلك.

مثال ذلك قوله تعالى في سورة عبس: (عَبَسَ وَتَوَلَّى) يعاتب النبي صلى الله عليه وسلم «فهي تتضمن رسالة غير لفظية بنسبة مائة في المائة، ونزلت عتابا للرسول صلى الله عليه وسلم على سلوك غير لفظي بدر منه عندما عبس في وجه عبد الله بن أم مكتوم، وتولى عنه، أي أشاح بنظره بعيدا عنه وأقبل نحو بعض صناديد قريش مفضلا التواصل معهم قصد هدايتهم وإدخالهم في الإسلام»(5).

وهذا نموذج واحد فقط والأمثلة على ذلك كثيرة تنظر في الفصل الأول من الباب الثاني من البحث إن شاء الله تعالى.

1 2 3 4الصفحة التالية
Science

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق