مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبيةقراءة في كتاب

«معجم الهيآت والإشارات والرموز في القرآن الكريم من خلال تفسير «التحرير والتنوير» للإمام الطاهر ابن عاشور» (الحلقة الثالثة والعشرون)

[13] التوراة:

ومن دلالات التوراة في القرآن الكريم:

1- الديانة اليهودية: قال الله تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ) [المائدة: 44]، «والتوراة اسْمٌ لِلْكِتَابِ الْمُنَزَّلِ عَلَى مُوسَى عليه السلام»(1). وهو يشير إلى الديانة اليهودية.

ومنه قوله تعالى: (نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ) [آل عمران: 3]. وقد ورد ذكر التوراة كثيرا في القرآن إلى جانب الإنجيل.

[14] التثليث:

ومن دلالات هذا الرمز في القرآن الكريم:

1- إلهية عيسى عليه السلام: قال الله تعالى: (فَئَامِنُواْ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُواْ ثَلَاثَةٌ انتَهُواْ خَيْراً لَّكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ ما فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الاَْرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً) [النساء: 171]، قال الطاهر ابن عاشور: «والتثليث أصل في عقيدة النصارى كلّهم، ولكنّهم مختلفون في كيفيته. ونشأ من اعتقاد قدماء الإلهيّين من نصارى اليونان أنّ الله تعالى (ثَالُوث)، أي: إنَّه جوهر واحد، وهذا الجوهر مجموع ثلاثة أقانيم، […]، وعبّروا عن مجموع الأقانيم الثلاثة بعبارة (آبَا ابنَا رُوحا قُدُسا)، وهذه الأقانيم يتفرّع بعضها عن بعض، فالأقنوم الأول أقنوم الذات أو الوجود القديم، وهو الأب، وهو أصل الموجودات. والأقنوم الثاني أقنوم العلم، وهو الابن، وهو دونَ الأقنوم الأول، ومنه كان تدبير جميع القوى العقلية. والأقنوم الثالث أقنوم الروح القُدس، وهو صفة الحياة، وهي دون أقنوم العلم، ومنها كان إيجاد عالم المحسوسات»(2). من هنا جعلوا لله ولدا من روحه وقالوا بإلهية عيسى عليه السلام.

الجيم

[15] الجنة:

من دلالات هذا الرمز في القرآن الكريم:

1- النعمة والرخاء: قال الله تعالى: (وَأَمَّا الَّذِينَ سَعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ) [هود: 108]، قال الطاهر ابن عاشور: «وَالسَّعِيدُ: ضِدّ الشَّقِيِّ، وَهُوَ الْمُتَلَبِّسُ بِالسَّعَادَةِ الَّتِي هِيَ الْأَحْوَالُ الْحَسَنَةُ الْخَيِّرَةُ الْمُلَائِمَةُ لِلْمُتَّصِفِ بِهَا. وَالْمَعْنَى: فَمِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ مَنْ هُوَ فِي عَذَابٍ وَشِدَّةٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ هُوَ فِي نِعْمَةٍ وَرَخَاءٍ»(3). حتى أصبح الناس يشبهون المكان الذي يتصف بالنعمة والرخاء بالجنة، ويطلقون هذا الاسم عليه فيقولون مثلا: «جنة الدنيا» أو «جنة الله على الأرض».

2- جزاء المؤمنين ومأواهم: قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [البقرة: 82]، قال الطاهر ابن عاشور: «وَقَوْلُهُ: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) تَذْيِيلٌ لِتَعْقِيبِ النِّذَارَةِ بِالْبِشَارَةِ عَلَى عَادَةِ الْقُرْآنِ»(4).

ومنه قوله تعالى: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) [آل عمران: 133]، ومنه قوله تعالى أيضا: (وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى) [النازعات: 40]، جعلنا الله من أصحاب الجنان، آمين.

الخاء

[16] خلع النعلين:

من دلالات هذا الرمز في القرآن الكريم:

1- تعظيم المكان: قال الله تعالى:  (فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى) [طه: 11- 12- 13]، قال الطاهر ابن عاشور: «وَإِنَّمَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِخَلْعِ نَعْلَيْهِ تَعْظِيمًا مِنْهُ لِذَلِكَ الْمَكَانِ الَّذِي سَيَسْمَعُ فِيهِ الْكَلَامَ الْإِلَهِيَّ»(5). ومن هنا جاء –والله أعلم- أدب خلع النعلين في الأماكن المعظمة احتراما لعظمتها، كالمسجد مثلا.

الذال

 [17] الذبح على الأنصاب أو النصب:

ومن دلالات الذبح على الأنصاب أو النصب في القرآن الكريم:

1- التقرب إلى الله: قال الله تعالى: (وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ) [المائدة:3]، قال الطاهر ابن عاشور: «وما ذُبح على النُصب هو ما كانوا يذبحونه من القرابين والنُشُرات فوق الأنصاب […] والأصحّ أنّ النصب هو حجارة غير مقصود منها أنَّها تمثال للآلهة، بل هي موضوعة لأن تذبح عليها القرابين والنسائك التي يتقرّب بها للآلهة وللجنّ، فإنّ الأصنام كانت معدودة ولها أسماء، وكانت في مواضع معيّنة تقصد للتقرّب […]، فالنصب: حجارة أعدّت للذبح وللطواف على اختلاف عقائد القبائل مِثل حجر الغَبْغَببِ الذي كان حول العُزّى. وكانوا يذبحون على الأنصاب ويشرّحون اللحم ويشوونه، فيأكلون بعضه ويتركون بعضاً للسدنة، قال الأعشى يذكر وصايا النبي صلى الله عليه وسلم في قصيدته التي صنعها في مدحه:

وَذَا النُّصُبَ الْمَنْصُوبَ لَا تَنْسُكَنَّهُ»(6).

وهو من أعمال الشيطان في الجاهلية التي حرمها الإسلام.

الراء

[18] الريح:

من دلالات هذا الرمز في القرآن الكريم:

 1-العذاب: قال الله تعالى: (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ) [فصلت:16]، قال الطاهر ابن عاشور: «وَالرِّيحُ: تَمَوُّجٌ فِي الْهَوَاءِ يَحْدُثُ مِنْ تَعَاكُسِ الْحَرَارَةِ وَالْبُرُودَةِ، وَتَنْتَقِلُ مَوْجَاتُهُ كَمَا تَنْتَقِلُ أَمْوَاجُ الْبَحْرِ. وَالرِّيحُ الَّذِي أَصَابَ عَادًا هُوَ الرِّيحُ الدَّبُورُ، وَهُوَ الَّذِي يَهُبُّ مِنْ جِهَةِ مَغْرِبِ الشَّمْسِ، سُمِّيَتْ دَبُورًا بِفَتْحِ الدَّالِ وَتَخْفِيفِ الْبَاءِ لِأَنَّهَا تَهُبُّ مِنْ جِهَةِ دُبُرِ الْكَعْبَةِ، قَالَ النبيء صلى الله عليه وسلم: «نُصِرْتُ بِالصَّبَا وَأُهْلِكَتْ عَادٌ بِالدَّبُورِ». وَإِنَّمَا كَانَتِ الرِّيحُ الَّتِي أَصَابَتْ عَادًا بِهَذِهِ الْقُوَّةِ بِسَبَبِ قُوَّةِ انْضِغَاطٍ فِي الْهَوَاءِ غَيْرِ مُعْتَادٍ، فَإِنَّ الِانْضِغَاطَ يُصَيِّرُ الشَّيْءَ الضَّعِيفَ قَوِيًّا»(7).

ومنه قوله تعالى: (وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ) [الحاقة: 6]، وقد وردت الريح في القرآن الكريم في سياق ذكر العذاب دائما عكس الرياح، ومنها:

قال تعالى: (كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) [آل عمران: 117].

ومنه قوله تعالى: (جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ) [يونس: 22].

السين

 [19] الاستقسام بالأزلام:

ومن دلالات الاستقسام بالأزلام في القرآن الكريم:

1- الفسق: قال الله تعالى: (وَأَنْ تَسْتَقْسِمُواْ بِالأزْلاَمِ ذاَلِكُمْ فِسْقٌ) [المائدة:3]، قال الطاهر ابن عاشور: «وَجَعَلَ اللَّهُ الِاسْتِقْسَامَ فِسْقًا لِأَنَّ مِنْهُ مَا هُوَ مُقَامَرَةٌ، وَفِيهِ مَا هُوَ مِنْ شَرَائِعِ الشِّرْكِ، لِتَطَلُّبِ الْمُسَبَّبَاتِ مِنْ غَيْرِ أَسْبَابِهَا، إِذْ لَيْسَ الِاسْتِقْسَامُ سَبَبًا عَادِيًّا مَضْبُوطًا، وَلَا سَبَبًا شَرْعِيًّا، فَتَمَحَّضَ لِأَنْ يَكُونَ افْتِرَاءً، مَعَ أَنَّ مَا فِيهِ مِنْ تَوَهُّمِ النَّاسِ إِيَّاهُ كَاشِفًا عَنْ مُرَادِ اللَّهِ بِهِمْ، مِنَ الْكَذِبِ عَلَى اللَّهِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ نَصَبَ لِمَعْرِفَةِ الْمُسَبَّبَاتِ أَسْبَابًا عَقْلِيَّةً: هِيَ الْعُلُومُ وَالْمَعَارِفُ الْمُنْتَزَعَةُ مِنَ الْعَقْلِ أَوْ مِنْ أَدِلَّتِهِ، كَالتَّجْرِبَةِ، وَجَعَلَ أَسْبَابًا لَا تُعْرَفُ سَبَبِيَّتُهَا إِلَّا بِتَوْقِيفٍ مِنْهُ عَلَى لِسَانِ الرُّسُلِ: كَجَعْلِ الزَّوَالِ سَبَبًا لِلصَّلَاةِ. وَمَا عَدَا ذَلِكَ كَذِبٌ وَبُهْتَانٌ، فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَانَ فِسْقًا، وَلِذَلِكَ قَالَ فُقَهَاؤُنَا بِجُرْحَةِ مَنْ يَنْتَحِلُ ادِّعَاءَ مَعْرِفَةِ الْغُيُوبِ»(8).

ومنه قوله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [المائدة: 90].

وقد كانت الأزلام لقريش في الجاهلية يستقسمون بها الرزق والحاجات، ويحكون إرادة الأرباب من أمر ونهي وغير ذلك، وقد نهى الإسلام عنها، واعتبرها فسقا وعملا من أعمال الشيطان.

[20] العدد «سبعة»: من دلالات هذا الرمز في القرآن الكريم:

1- عدد مبارك: وقد ورد هذا الرقم في مواضع كثيرة من القرآن نسردها كالآتي:

قال تعالى: (ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ) [البقرة: 29].

وقال أيضا: (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ) [البقرة: 196].

ومنه قوله تعالى: (كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ) [البقرة: 261].

ومنه قوله تعالى: (وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَىٰ سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ) [يوسف: 43].

ومنه قوله تعالى: (لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ) [الحجر: 44].

وقال أيضا: (وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ) [الحجر: 87].

وقال أيضا: (وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ) [الكهف: 22].

ومنه قوله تعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ) [المومنون: 17].

ومنه قوله تعالى: (وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ) [لقمان: 27].

ومنه قوله تعالى: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ) [الطلاق: 12].

ومنه قوله تعالى: (سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا) [الحاقة: 7].

فهذا الرقم له خصوصية كبيرة من بين الأرقام الأخرى في القرآن، فهو عدد السماوات وعدد الأرَضين وعدد البحور وعدد أيام الأسبوع، ونجد لهذا الرقم حضورا في القصة القرآنية أيضا من خلال قصة النبي يوسف عليه السلام، كما ورد في سياق ذكر عذاب قوم سيدنا هود، وفي قصة أصحاب الكهف، وفي الحديث عن الآخرة من خلال ذكر عدد أبواب جهنم.

ومن العجيب أن عدد السموات سبع، وأن ذكر السموات السبع تكرر في القرآن بالضبط سبع مرات.

 [21] العدد «سبعين»:

من دلالات هذا الرمز في القرآن الكريم:

1- الكثرة غير المتناهية: قال الله عز وجل: (وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا) [الأعراف: 155].

ومنه قوله تعالى: (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ) [التوبة: 80]، قال الطاهر ابن عاشور: «وسَبْعِينَ مَرَّةً غَيْرُ مُرَادٍ بِهِ الْمِقْدَارُ مِنَ الْعَدَدِ، بَلْ هَذَا الِاسْمُ مِنْ أَسْمَاءِ الْعَدَدِ الَّتِي تُسْتَعْمَلُ فِي مَعْنَى الْكَثْرَةِ»(9).

الشين

[22] الشيب:

من دلالات هذا الرمز في القرآن الكريم:

1- كِبَر السِّن: قال الله عز وجل: (قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا) [مريم:4]، قال الطاهر ابن عاشور: «فَعُمُومُ الشَّيْبِ فِي الرَّأْسِ أَمَارَةُ التَّوَغُّلِ فِي كِبَرِ السِّنِّ»(10). إذ لما كان الشيب دليلا على الكبر والتقدم في السن، فقد تعجب زكرياء عليه السلام من أن يرزق بولد، إذ كيف لهذا الرجل الكبير وقد شاب ووهن عظمه أن يلد؟!

الصاد

[23] الصاعقة(11):

ومن دلالات الصاعقة في القرآن الكريم:

1- العذاب والعقوبة: قال الله عز وجل: (فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) [البقرة: 55]، قال الطاهر ابن عاشور: «وَقَوْلُهُ: فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ، أَيْ: عُقُوبَةً لَهُمْ عَمَّا بَدَا مِنْهُمْ مِنَ العَجْرَفَةِ وَقِلَّةِ الِاكْتِرَاثِ بِالمُعْجِزَاتِ. وَهَذِهِ عُقُوبَةٌ دُنْيَوِيَّةٌ لَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ المُعَاقَبَ عَلَيْهِ حَرَامٌ أَوْ كُفْرٌ، لَا سِيَّمَا وَقَدْ قُدِّرَ أَنَّ مَوْتَهُمْ بِالصَّاعِقَةِ لَا يَدُومُ إِلَّا قَلِيلًا، فَلَمْ تَكُنْ مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ»(12).

وقد تكرر ذكر العقاب بالصاعقة في القرآن الكريم في كثير من المواضع ومنها: قوله تعالى: (فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ) [النساء: 154]، وقال أيضا: (وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ) [الرعد: 13]، وقال تعالى: (فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ) [فصلت: 13]، وكلها جاءت في سياق ذكر العذاب والعقاب.

[24] صعق موسى:

من دلالات هذا الرمز في القرآن الكريم:

1- أثر من آثار تجلي الرب لموسى: قال الله عز وجل: (فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا) [الأعراف: 143]، قال الطاهر ابن عاشور: «وَتِلْكَ الْقُوَى تُنْسَبُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى لِكَوْنِهَا آثَارًا لِقُدْرَتِهِ بِدُونِ وَاسِطَةٍ، فَإِذَا أَزَالَ اللَّهُ الْحِجَابَ الْمُعْتَادَ بَيْنَ شَيْءٍ مِنَ الْأَجْسَامِ الْأَرْضِيَّةِ وَبَيْنَ شَيْءٍ مِنْ تِلْكَ الْقُوَى الْمُؤَثِّرَةِ تَأْثِيرًا خَارِقًا لِلْعَادَةِ اتَّصَلَتِ الْقُوَّةُ بِالْجِسْمِ اتِّصَالًا تَظْهَرُ لَهُ آثَارٌ مُنَاسِبَةٌ لِنَوْعِ تِلْكَ الْقُوَّةِ، فَتِلْكَ الْإِزَالَةُ هِيَ الَّتِي اسْتُعِيرَ لَهَا التَّجَلِّي الْمُسْنَدُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى تَقْرِيبًا لِلْأَفْهَامِ، فَلَمَّا اتَّصَلَتْ قُوَّةٌ رَبَّانِيَّةٌ بِالْجَبَلِ تُمَاثِلُ اتِّصَالَ الرُّؤْيَةِ انْدَكَّ الْجَبَلُ، وَمِمَّا يُقَرِّبُ هَذَا الْمَعْنَى، مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ طُرُقٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَرَأَ قَوْلَهُ تَعَالَى: (فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ) فَوَضَعَ إِبْهَامَهُ قَرِيبًا مِنْ طَرَفِ خِنْصَرِهِ يُقَلِّلُ مِقْدَارَ التَّجَلِّي. وَصَعِقَ مُوسَى مِنَ انْدِكَاكِ الْجَبَلِ، فَعَلِمَ مُوسَى أَنَّهُ لَوْ تَوَجَّهَ ذَلِكَ التَّجَلِّي إِلَيْهِ لَانْتَثَرَ جِسْمُهُ فُضَاضًا»(13). فهذا أثر من آثار تجلي الله تعالى لموسى.

[25] صنع الفلك:

من دلالات هذا الرمز في القرآن الكريم:

1- النجاة: قال الله تعالى: (وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ) [هود:37]، قال الطاهر ابن عاشور: «لما كان نهيه عن الابتئاس بفعلهم مع شدة جرمهم مؤذنا بأن الله ينتصر له، أعقبه بالأمر بصنع الفلك لتهيئة نجاته ونجاة من قد آمن به من العذاب الذي قدره الله لقومه»(14). وهو الطوفان الذي أرسله الله عليهم، وقد أصبح بذلك صنع الفلك رمزا دالا على النجاة.

الضاد

[26] ضرب الميت ببعض البقر:

ومن دلالات هذا الرمز في القرآن الكريم:

1- الإخبار بالقاتل: قال الله عز وجل: (وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ المَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) [البقرة: 72- 73]، قال الطاهر ابن عاشور: «وذلك أن نفراً من اليهود قتلوا ابن عمهم الوحيد ليرثوا عمهم وطرحوه في محلة قوم وجاءوا موسى يطالبون بدم ابن عمهم بهتاناً، وأنكر المتهمون، فأمره الله بأن يضرب القتيل ببعض تلك البقرة فينطق ويخبر بقاتله»(15).

2- إكرام موسى عليه السلام: قال الطاهر ابن عاشور: «وإنما تعلقت إرادة الله تعالى بكشف حال قاتلي هذا القتيل مع أن دمه ليس بأول دم طُلَّ في الأمم، إكراماً لموسى عليه السلام أن يضيع دم في قومه وهو بين أظهرهم وبمرأى منه ومسمع، لا سيما وقد قصد القاتلون استغفال موسى ودبروا المكيدة في إظهارهم المطالبة بدمه، فلو لم يظهر الله تعالى هذا الدم في أمة لضعف يقينها برسولها ولكان ذلك مما يزيدهم شكاً في صدقه فينقلبوا كافرين، فكان إظهار هذا الدم كرامة لموسى ورحمة بالأمة لئلا تضل»(16).

العين

[27] العجل [اتخاذ العجل]:

ومن دلالات اتخاذ العجل في القرآن الكريم أنه:

1- عمل مقدس: قال الله عز وجل: (وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ العِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ) [البقرة: 52].

قال الطاهر ابن عاشور: «وَإِنَّمَا اتَّخَذُوا العِجْلَ تَشَبُّهًا بِالكَنْعَانِيِّينَ الَّذِينَ دَخَلُوا إِلَى أَرْضِهِمْ، وَهُمُ الفِنِيقِيُّونَ سُكَّانُ سَوَاحِلِ بِلَادِ الشَّامِ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا عَبَدَةَ أَوْثَانٍ، وَكَانَ العِجْلُ مُقَدَّسًا عِنْدَهُمْ، وَكَانُوا يُمَثِّلُونَ أَعْظَمَ الآلِهَةِ عِنْدَهُمْ بِصُورَةِ إِنْسَانٍ مِنْ نُحَاسٍ لَهُ رَأْسُ عِجْلٍ جَالِسٍ عَلَى كُرْسِيٍّ مَادًّا ذِرَاعَيْهِ كَمُتَنَاوِلِ شَيْءٍ يَحْتَضِنُهُ، وَكَانُوا يَحْمُونَهُ بِالنَّارِ مِنْ حُفْرَةٍ تَحْتَ كُرْسِيِّهِ لَا يَتَفَطَّنُ لَهَا النَّاسُ فَكَانُوا يُقَرِّبُونَ إِلَيْهِ القَرَابِينَ، وَرُبَّمَا قَرَّبُوا لَهُ أَطْفَالَهُمْ صِغَارًا، فَإِذَا وُضِعَ الطِّفْلُ عَلَى ذِرَاعَيْهِ اشْتَوَى، فَظَنُّوا ذَلِكَ أَمَارَةَ قَبُولِ القُرْبَانِ. فَتَبًّا لِجَهْلِهِمْ وَمَا يَصْنَعُونَ. وَكَانَ يُسَمَّى عِنْدَهُمْ «بَعْلًا»، وَرُبَّمَا سَمَّوْهُ «مَوْلُوكَ»، وَهُمْ أُمَّةٌ سَامِيَةٌ لُغَتُهَا وَعَوَائِدُهَا تُشْبِهُ فِي الغَالِبِ لُغَةَ وَعَوَائِدَ العَرَبِ، فَلَمَّا مَرَّ بِهِمْ بَنُو إِسْرَائِيلَ قَالُوا لِمُوسَى: اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ، فَانْتَهَرَهُمْ مُوسَى، وَكَانُوا يَخْشَوْنَهُ، فَلَمَّا ذَهَبَ لِلمُنَاجَاةِ وَاسْتَخْلَفَ عَلَيْهِمْ هَارُونَ اسْتَضْعَفُوهُ وَظَنُّوا أَنَّ مُوسَى هَلَكَ، فَاتَّخَذُوا العِجْلَ الَّذِي صَنَعُوهُ مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ مِنْ حُلِيِّهِمْ وَعَبَدُوهُ»(17). وهذا من قبيح جهل بني إسرائيل وعنادهم على ما أرادوا رغم أن موسى انتهرهم، ومكرِهم الخبيث إذ استغفلوا غياب موسى عليه السلام ليفعلوا ما وسوس به الشيطان إليهم.

2- إلهية العجل: قال الله تعالى: (وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ) [الأعراف: 148]، قال الطاهر ابن عاشور: «فَمَاذَا رَأَوْا مِنْهُ مِمَّا يَسْتَأْهِلُ الإِلَهِيَّةَ، فَضْلًا عَلَى أَنْ تَرْتَقِيَ بِهِمْ إِلَى الصِّفَاتِ الَّتِي يَسْتَحِقُّهَا الْإِلَهُ الْحَقُّ، وَالَّذِينَ عَبَدُوهُ أَشْرَفُ مِنْهُ حَالًا وَأَهْدَى»(18)، فكيف يهديهم هو إلى السبيل؟!

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش:

1- التحرير والتنوير 3/148.

2- التحرير والتنوير 6/55.

3- التحرير والتنوير 12/164.

4- التحرير والتنوير 1/581.

5- التحرير والتنوير 16/197.

6- التحرير والتنوير 6/93- 94.

7- التحرير والتنوير 24/259.

8- التحرير والتنوير 6/ 98.

9- التحرير والتنوير 10/278.

10- التحرير والتنوير 16/64.

11- الصَّاعِقَةُ نَارٌ كَهْرَبَائِيَّةٌ مِنَ السَّحَابِ تَحْرِقُ مَنْ أَصَابَتْهُ، وَقَدْ لَا تَظْهَرُ النَّارُ، وَلَكِنْ يَصِلُ هَوَاؤُهَا إِلَى الأَحْيَاءِ فَيَخْتَنِقُونَ بِسَبَبِ مَا يُخَالِطُ الهَوَاءَ الَّذِي يَتَنَفَّسُونَ فِيهِ مِنَ الحَوَامِضِ النَّاشِئَةِ عَنْ شِدَّةِ الكَهْرَبَائِيَّةِ. انظر التحرير والتنوير 1/507.

12- التحرير والتنوير 1/507.

13- التحرير والتنوير 9/93.

14- التحرير والتنوير 12/66.

15- التحرير والتنوير 1/560.

16- التحرير والتنوير 1/561.

17- التحرير والتنوير 1/500.

18- التحرير والتنوير 9/110- 111.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق