مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبيةقراءة في كتاب

«معجم الهيآت والإشارات والرموز في القرآن الكريم من خلال تفسير «التحرير والتنوير» للإمام الطاهر ابن عاشور» (الحلقة السابعة عشرة)

الكاف

[42] الكشف عن الساقين: من دلالات هذه الهيئة في القرآن الكريم:

1- الاستعداد للدخول إلى مكان فيه ماء: قال الله تعالى: (قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ) [النمل: 44]؛ قال الطاهر ابن عاشور: «وَكَشْفُ سَاقَيْهَا كَانَ مِنْ أَجْلِ أَنَّهَا شَمَّرَتْ ثِيَابَهَا كَرَاهِيَةَ ابْتِلَالِهَا بِمَا حَسِبَتْهُ مَاءً. فَالْكَشْفُ عَنْ سَاقَيْهَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِخَلْعِ خُفَّيْهَا أَوْ نَعْلَيْهَا، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِتَشْمِيرِ ثَوْبِهَا. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهَا كَانَتْ لَا تَلْبَسُ الخُفَّيْنِ»(1).

اللام

[43] لبس الأساور: من دلالات هذه الهيئة في القرآن الكريم أنها:

1- شعار الملوك: قال الله تعالى: (فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ) [الزخرف: 53]؛ وقد كان لبس الأساور من شعار الملوك عندهم، فقد قال الطاهر ابن عاشور: «وَكَانَ السِّوَارُ مِنْ شِعَارِ المُلُوكِ بِفَارِسَ وَمِصْرَ يَلْبَسُ المَلِكُ سِوَارَيْنِ. وَقَدْ كَانَ مِنْ شِعَارِ الفَرَاعِنَةِ لُبْسُ سِوَارَيْنِ أَوْ أَسْوِرَةٍ مِنْ ذَهَبٍ، وَرُبَّمَا جَعَلُوا سِوَارَيْنِ عَلَى الرُّسْغَيْنِ وَآخَرَيْنِ عَلَى العَضُدَيْنِ. فَلَمَّا تَخَيَّلَ فِرْعَوْنُ أَنَّ رُتْبَةَ الرِّسَالَةِ مِثْلُ المُلْكِ حَسَبَ افْتِقَادَهَا هُوَ مِنْ شِعَارِ المُلُوكِ عِنْدَهُمْ أَمَارَةٌ عَلَى انْتِفَاءِ الرِّسَالَةِ»(2)، وهذا من أوهام فرعون.

ولما كان لبس الأساور من شعار الملوك في الدنيا، فقد جعلها الله جزاء لأهل الجنة يحلون به كأنهم الملوك، وهو ما سنقف عليه في الدلالة الثانية.

2- حلية أهل الجنة: وقد تكرر التنبيه على هذا الأمر في كثير من المواضع في القرآن الكريم، منه قوله تعالى في سورة الكهف: (أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ) [الكهف: 31]؛ ومنه قوله تعالى أيضا:  (إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ) [الحج: 23]، وتكرر أيضا في قوله تعالى: (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ) [فاطر: 33]، وأخيرا في سورة الإنسان حيث يقول:  (عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا) [الإنسان: 21]؛ قال الطاهر ابن عاشور: «وَالأَسَاوِرُ: جَمْعُ سِوَارٍ وَهُوَ حَلْيٌ شَكْلُهُ أُسْطُوَانِيٌّ فَارِغُ الوَسَطِ يَلْبَسُهُ النِّسَاءُ فِي مَعَاصِمِهِنَّ وَلَا يَلْبَسُهُ الرِّجَالُ إِلَّا المُلُوكَ، وَقَدْ وَرَدَ فِي الحَدِيثِ ذِكْرُ سوَارَيْ كِسْرَى. وَالمَعْنَى: أَنَّ حَالَ رِجَالِ أَهْلِ الجَنَّةِ حَالُ المُلُوكِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ النِّسَاءَ يَتَحَلَّيْنَ بِأَصْنَافِ الحُلِيِّ»(3)، وكل هذه الآيات تشير إلى هذا الجزاء بالحلي، كما تشير إلى تنوعه ما بين ذهب وفضة، وإلى جزاء رجال الجنة بتحليهم بهذه الحلي حال الملوك في الدنيا بل أفضل منهم بكثير.

 [44] لبس الحرير: من دلالات هذه الهيئة في القرآن الكريم:

1- لباس أهل النعيم في الجنة: قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ) [الحج: 23]، ومنه قوله تعالى: (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ) [فاطر: 33]، ومنه قوله تعالى: (وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا) [الإنسان: 12]؛ قال الطاهر ابن عاشور: «وَكَانَ الجَزَاءُ بِرَفَاهِيَةِ العَيْشِ إِذْ جَعَلَهُمْ فِي أَحْسَنِ المَسَاكِنِ وَهُوَ الجَنَّةُ، وَكَسَاهُمْ أَحْسَنَ المَلَابِسِ وَهُوَ الحَرِيرُ الَّذِي لَا يَلْبَسُهُ إِلَّا أَهْلُ فَرْطِ اليَسَارِ، فَجُمِعَ لَهُمْ حُسْنُ الظَّرْفِ الخَارِجِ وَحُسْنُ الظَّرْفِ المُبَاشِرِ وَهُوَ اللِّبَاسُ»(4).

وقد كان لبس الحرير من شعار أهل الترف عند العرب، فهي أجود الثياب وأحسنها ولا زالت إلى يوم الناس هذا، وأهل الجنة يجازون بأحسن من ذلك وأجود، جزاء لهم على صالح أعمالهم.

[45] اللباس الأخضر: من دلالات لبس الثياب الخضر في القرآن الكريم أنها:

1- شعار أهل الجنة: قال الله تعالى: (أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ) [الكهف: 31]، قال الطاهر ابن عاشور: «وَاللَّوْنُ الأَخْضَرُ أَعْدَلُ الأَلْوَانِ وَأَنْفَعُهَا عِنْدَ البَصَرِ، وَكَانَ مِنْ شِعَارِ المُلُوكِ»(5).

ومنه قوله تعالى: (عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا) [الإنسان: 21]، قال الطاهر ابن عاشور: «وَلَوْنُ الأَخْضَرِ أَمْتَعُ لِلْعَيْنِ، وَكَانَ مِنْ شِعَارِ الْمُلُوكِ، قَالَ النَّابِغَةُ يَمْدَحُ مُلُوكَ غَسَّانَ:

يَصُونُونَ أَجْسَادًا قَدِيمًا نَعِيمُهُا*** بِخَالِصَةِ الْأَرْدَانِ خُضْرِ الْمَنَاكِبِ»(6)

واللون الأخضر حاضر في الجنة بقوة، سواء في اللباس أو الفرش المبسوطة، فقد قال الله تعالى: (مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ) [الرحمن: 76]، قال الطاهر ابن عاشور: «وَ(الرَّفْرَفُ): ضَرْبٌ مِنَ البُسُطِ، وَهُوَ اسم جَمْع: رفرفة، وَهِي مَا يُبْسَطُ عَلَى الفِرَاشِ لِيُنَامَ عَلَيْهِ، وَهِيَ تُنْسَجُ عَلَى شِبْهِ الرِّيَاضِ وَيَغْلُبُ عَلَيْهَا اللَّوْنُ الْأَخْضَرُ، وَلِذَلِكَ شَبَّهَ ذُو الرُّمَّةِ الرِّيَاضَ بِالبُسُطِ العَبْقَرِيَّةِ فِي قَوْلِهِ:

حَتَّى كَأَنَّ رِيَاضَ الْقُفِّ أَلْبَسَهَا*** مِنْ وَشْيِ عَبْقَرَ تَجْلِيلٌ وَتَنْجِيدُ

فَوَصْفُهَا فِي الْآيَةِ بِأَنَّهَا (خُضْرٍ) وَصْفٌ كَاشِفٌ لِاسْتِحْضَارِ اللَّوْنِ الْأَخْضَرِ لِأَنَّهُ يَسُرُّ النَّاظِرَ. وَكَانَتِ الثِّيَابُ الخُضْرُ عَزِيزَةً، وَهِيَ لِبَاسُ المُلُوكِ وَالكُبَرَاءِ»(7)، وسوف نتطرق في باب الرموز إلى دلالات اللون الأخضر إن شاء الله تعالى.

الميم

 [46] مشية المارح: ومن دلالات هذه الهيئة في القرآن الكريم:

1- الكبرياء: قال الله تعالى: (وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا) [الإسراء: 37]؛ قال الطاهر ابن عاشور: «و(مَرَحاً) مَصْدَرٌ وَقَعَ حَالًا مِنْ ضَمِيرِ (تَمْشِ). وَمَجِيءُ المَصْدَرِ حَالًا كمجيئه صفة يُرَادُ مِنْهُ المُبَالَغَةُ فِي الِاتِّصَافِ. وَتَأْوِيلُهُ بِاسْمِ الفَاعِلِ، أَيْ: لَا تَمْشِ مَارِحًا، أَيْ مِشْيَةَ المَارِحِ، وَهِيَ المِشْيَةُ الدَّالَّةُ عَلَى كِبْرِيَاءِ المَاشِي بِتَمَايُلٍ وَتَبَخْتُرٍ»(8)، والإنسان مهما بلغ به كبرياؤه لن يصل إلى شيء، لذلك نهاه الله تعالى عن الكِبْر الممثل في مشية المارح، فعظمة الله تعالى فوقه.

ومنه قوله تعالى: (وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) [لقمان: 18]؛ قال الطاهر ابن عاشور: «(وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً)؛ تَمْثِيلٌ كِنَائِيٌّ عَنِ النَّهْيِ عَنِ التَّكَبُّرِ وَالتَّفَاخُر، لَا عَنْ خُصُوصِ المَشْيِ فِي حَالِ المَرَحِ، فَيَشْمَلُ الفَخْرَ عَلَيْهِمْ بِالكَلَامِ وَغَيْرِهِ»(9).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش:

1- التحرير والتنوير 19/273.

2- التحرير والتنوير 25/232.

3- التحرير والتنوير 29/400.

4- التحرير والتنوير 29/388.

5- التحرير والتنوير 15/312.

6- التحرير والتنوير 29/399.

7- التحرير والتنوير 27/274- 275.

8- التحرير والتنوير 15/103.

9- التحرير والتنوير 21/166- 167.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق