مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبيةقراءة في كتاب

معجم الهيآت والإشارات والرموز في التراث العربي (الحلقة الحادية والثلاثون)

– ف-

[55] الفِيلُ: “الفِيل: مَعْرُوفٌ، وَالجَمْعُ أَفْيال وفُيُول وفِيَلة؛ قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: وَلَا تَقُلْ أَفْيِلة، والأُنثى، فِيلة”(1)، ومن دلالات الفيل في التراث العربي:

1- الشؤم والنحس والهزيمة والهلاك: قال الله تعالى في القرآن الكريم: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الفِيلِ، أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ، وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ، تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ، فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ)(2)، “وقد خاطبت هذه الآيات الرسول صلى الله عليه وسلم  بأن قريشًا سوف تخيب وتحل بها الهزيمة، كما حلت بأصحاب الفيل، وأصحاب الفيل أعظم منهم قوة وأشد بطشًا، وهم لا شيء تجاههم، وفيها تذكير لقريش لما حل بالحبش، وما كان عهد الحبش عنهم ببعيد”(3).

وقد أصبح الفيل في التراث العربي رمزا للهزيمة والهلاك يُتَشَاءَم به خاصة في ساحة الحرب، وجاء في أسطورة الإدفنش ملك النصارى وخصم يوسف بن تاشفين السلطان المرابطي الشهير ما رواه ابن الأثير في كتابه «الكامل في التاريخ» أن الإدفنش ” رَأَى فِي مَنَامِهِ كَأَنَّهُ رَاكِبُ فِيلٍ، وَبَيْنَ يَدَيْهِ طَبْلٌ صَغِير، وَهُوَ يَنْقُرُ فِيهِ، فَقَصَّ رُؤْيَاهُ عَلَى القِسِّيسِينَ، فَلَمْ يَعْرِفُوا تَأْوِيلَهَا فَأَحْضَرَ رَجُلًا مُسْلِمًا، عَالِمًا بِتَعْبِيرِ الرُّؤْيَا، فَقَصَّهَا عَلَيْهِ، فَاسْتَعْفَاهُ مِنْ تَعْبِيرِهَا، فَلَمْ يُعْفِهِ، فَقَالَ: تَأْوِيلُ هَذِهِ الرُّؤْيَا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ العَزِيزِ، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الفِيلِ) [الفيل: 1]، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: (فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ عَلَى الكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ) [المدثر: 8 – 10]، وَيَقْتَضِي هَلَاكَ هَذَا الجَيْشِ الَّذِي تَجْمَعُهُ.

فَلَمَّا اجْتَمَعَ جَيْشُهُ رَأَى كَثْرَتَهُ فَأَعْجَبَتْهُ، فَأَحْضَرَ ذَلِكَ المُعَبِّرَ، وَقَالَ لَهُ: بِهَذَا الجَيْشِ أَلْقَى إِلَهَ مُحَمَّدٍ، صَاحِبِ كِتَابِكُمْ، فَانْصَرَفَ المُعَبِّرُ، وَقَالَ لِبَعْضِ المُسْلِمِينَ: هَذَا المَلِكُ هَالِكٌ وَكُلُّ مَنْ مَعَهُ”(4). 

ولما كان الفيل من الرموز الخاصة بالتراث العربي عَجَزَ القِسِّيسُون عن تعبير الرؤيا ولم يستطع تعبيرها إلا الرجل المسلم العالم بتعبير الرؤيا، وصَدَقَ الرجل فقد انتصر الخليفة المرابطي وانهزم الإذفنش في تلك المعركة شر هزيمة.

– ق-

[56] القَبلَة: “القَبْلة والقَبِيل: خَرَزَةٌ شَبِيهَةٌ بالفَلْكَة تعلَّق فِي أَعناق الخَيْلِ. والقَبَل والقَبَلة: مِنْ أَسماء خَرَزِ الأَعراب. غَيْرُهُ: والقَبَلة خَرَزَةٌ مِنْ خَرَزِ نِسَاءِ الأَعراب اللَّوَاتِي يؤخِّذْن بِهَا الرِّجَالَ[…] والقَبَلة: مَا تَتَّخِذُهُ السَّاحِرَةُ ليقبِل بِوَجْهِ الإِنسان عَلَى صَاحِبِهِ. وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: القَبْلة والقَبَل مِن أَسْمَاءِ خَرَزِ الأَعراب. الْجَوْهَرِيُّ: والقَبَل جَمْعُ قَبَلَة وَهِيَ الفَلْكة، وَهِيَ أَيضاً ضرْب مِنَ الْخَرَزِ يؤخَّذ بِهَا، وَرُبَّمَا عُلِّقَتْ فِي عُنق الدَّابَّةِ تُدْفَعُ بِهَا العَيْنُ”(5)، ومن دلالات هذا الرمز في التراث العربي:

1- دفع العين: قال الشاعر:

جَمَّعْنَ مِنْ قَبَلٍ لهُنَّ وَفَطْسَةٍ             وَالدَّرْدَبِيسَ مُقَابَلًا فِي المَنْظَمِ(6) 

ويقُلْن فِي كلامهنَّ: يَا قَبَلة اقْبِليه وَيَا كَرارِ كُرِّيه(7).

[57] القِرزَحلَة: “القِرْزَحْلة، بِالقَافِ، مِنْ خرَز الصِّبيان تَلْبَسُهَا المرأَة فَيَرْضَى بِهَا قَيِّمُها وَلَا يَبْتَغِي غَيْرَهَا وَلَا يَلِيق مَعَهَا أَحد”(8)؛ ومن دلالات هذا الرمز في التراث العربي:

1- رِضَا الرجل عن زوجته: قال الشاعر:

لَا تَنْفَعُ القِرْزَحْلَةُ العَجَائِزَا               إِذَا قَطَعْنَا دُونَهَا المَفَاوِزَا(9) 

والمعنى أن هذه الخرزة لا تنفع العجائز بشيء كما تنفع المرأة الشابة فيرضى عنها زوجها.

[58] القارية: “القارِيَةُ هَذَا الطَّائِرُ القَصِيرُ الرِّجْلِ الطَّوِيلُ المِنْقَارِ الأَخضر الظَّهْرِ تُحِبُّهُ الأَعراب، زَادَ الجَوْهَرِيُّ: وتَتَيَمَّن بِهِ ويُشَبِّهون الرَّجُلَ السخيَّ بِهِ، […] وَالجَمْعُ القَوَارِي. قَالَ يَعْقُوبُ: وَالعَامَّةُ تَقُولُ قارِيَّة، بِالتَّشْدِيدِ. ابْنُ سِيدَه: والقارِيَةُ طَائِرٌ أَخضر اللَّوْنِ أَصفر المِنقار طَوِيلُ الرِّجْلِ”(10)؛ ومن دلالات هذا الرمز في التراث العربي:

1- التَّيَمن: قال الشاعر:

أَمِنْ تَرْجِيعِ قَارِيَةٍ تَرَكْتُمْ                  سَبَايَاكُمْ، وَأُبْتُمْ بِالْعنَاقِ؟(11)

وقَالَ تميم بْن مقْبِل:

لِبَرْقٍ شآمٍ كُلَّمَا قُلْتُ قَدْ وَنَى           سَنَا، وَالقَوَارِي الخُضْرُ فِي الدَّجْنِ جُنَّحُ(12) 

[59] القَعِيد: “القَعِيدُ: مَا أَتاك مِنْ وَرَائِكَ مِنْ ظَبْيٍ أَو طَائِرٍ يُتَطَيّرُ مِنْهُ بِخِلَافِ النَّطِيح” (13)، ومن دلالات القعيد في التراث العربي:

1- التطير: وَمِنْهُ قَوْلُ عَبِيد بن الأَبرص ينفي التطير والعيافة بالقعيد عن القوم:

وَلَقَدْ جَرَى لَهُمُ، فَلَمْ يَتَعَيَّفُوا             تَيْسٌ قَعِيدٌ كَالوَلِيَّةِ أَعْضَبُ(14) 

ومنه قول الحارث بن حلزة في نفس المعنى:

يَا أَيُّهَا المُزْمِعُ ثُمَّ انْثَنَى                 لَا يَثْنِكَ الحَازِي وَلَا الشَّاحِجُ

 وَلَا قَعِيدٌ أَعْضَبٌ قَرْنُهُ                هَاجَ لَهُ مِنْ مَرْتَعٍ هَائِجُ(15) 

قال الجاحظ: “وممن كان ينكر الطيرة ويوصي بذلك، الحارث بن حلزة”(16)، ثم استشهد بأبيات الحارث، وقال ضبيعة يذكر صدق ما جرى به القعيد(17):

زَعَمَ الوُشَاةُ بِأَنَّ دُومَةَ أَخْلَفَتْ                   ظَنِّي وَقَلَّصَ خَيْرُهَا المَوْعُودُ

صَدَقُوا وَبَيَّنَ لِي شَوَاكِل أَمْرِهَا                   وَجَرَى بِهِ حَرق الجنَاحِ قَعِيدُ(18) 

– ك-

[60] كَسْر طرف السيف أو ذبابه: والمقصود بـ” ذُباب السَّيفِ طَرَفُه المُتَطَرِّفُ الَّذِي يُضْرَبُ بِهِ، وَقِيلَ حَدُّه”(19)، ومن دلالات كسر ذباب السيف في التراث العربي:

1- المصِيبة: وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: «رأيتُ أَنَّ ذُبَابَ سَيفي كُسِر، فأوّلْتُه أَنَّهُ يُصَاب رَجُلٌ مِنْ أَهْلِي، فَقُتِل حمزةُ»(20).

2- الشؤم: جاء في الحديث عن علي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «أَتَانِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ، وَقَدْ وَضَعْتُ رِجْلِي فِي الغَرْزِ، وَأَنَا أُرِيدُ العِرَاقَ، فَقَالَ: لَا تَأْتِ العِرَاقَ، فَإِنَّكَ إِنْ أَتَيْتَهُ أَصَابَكَ بِهِ ذُبَابُ السَّيْفِ، قَالَ عَلِيٌّ: “وَايْمُ اللَّهِ لَقَدْ قَالَهَا لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَكَ»(21).

[61] الكَابِح: “الكابحُ مَن اسْتَقْبَلَكَ مِمَّا يُتَطَيَّرُ مِنْهُ مِنْ تَيْسٍ وَغَيْرِهِ وَجَمْعُهُ كوابِحُ”(22)؛ ومن دلالات الكابح في التراث العربي:

1- النَّحْس: قَالَ البَعِيثُ:

 وَمَرَّ عَرَاقِيبُ الوُحُوشِ أَمَامَهُم           وَمُغْتَدِيَانِ بِالنُّحُوسِ كَوَابِح(23) 

[62] الكَادس: “الكادِسُ: القَعيدُ مِنَ الظِّباء وَهُوَ الَّذِي يَجيئُك مِنْ وَرَائِكَ”(24)؛ ومن دلالات الكادس عند العرب:

1- التطير: قَالَ أَبو ذُؤَيْب الهذلي:

فَلَوْ أَنَّنِي كُنْتُ السَّلِيمَ لَعُدْتَنِي            سَرِيعًا وَلَمْ تَحْبِسْكَ عَنِّي الكَوَادِسُ(25) 

والمعنى والله أعلم أنك لم تتطير بالكوادس حتى تحبسك عن عيادتي، لأن من عادة العرب التطير بالكوادس.

وقال الشاعر:

يَؤُم بِهِمْ مَنْ لَمْ يُقَصِّرْ بِهَمِّهِ                 تَطَيُّر ذِي طَيْرٍ وَلَا كَدْسُ كَادِسِ(26) 

والمعنى نفسه فالشاعر يذكر أن من يؤمهم لا يتطير بالكادس على عادة العرب في ذلك.

ــــــــــــــــــــــــ

الهوامش:

1- لسان العرب 11/253.

2- سورة الفيل، الآية رقم: [1 – 5].

3- المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام 6/198.

4- الكامل في التاريخ 8/308.

5- لسان العرب 12/18.

6- البيت في لسان العرب 12/18.

7- لسان العرب 12/18.

8- لسان العرب 12/67.

9- البيت في لسان العرب 12/67، دون نسبة.

10- لسان العرب 12/95. 

11- البيت في لسان العرب 12/95.

12- ديوان تميم ابن مقبل ص:42.

13- لسان العرب 12/149.

14- ديوان عبيد بن الأبرص ص: 3، وفي اللسان « كالوَشِيجَةِ » عوض «كالولية».

15- ديوان الحارث بن حلزة اليشكري ص:111.

16- الحيوان 3/449- 450.

17- وكان عامر بن الطفيل لقي زيد الخيل فحمل عليه فقتله، فتشاءمت بنو عامر بعامر فقال:

أنبئْتُ قومي أتبعُوني ملامةً               لعل منايا القومِ مما أكلَّفُ

فإن تكُ أفراسٌ أصبنَ وفتيةٌ                فإني لَجَرَّافٌ بهن مُجرَّفُ

18- البيتان من قصيدة في ستة أبيات  في ديوان عامر  بن الطفيل ص:84 -85.

19- لسان العرب 6/17.

20- النهاية في غريب الحديث والأثر 2/152.

21- المستدرك على الصحيحين 3/151، [رقم:4678].

22- لسان العرب 13/9.

23- شعر البعيث المجاشعي ص:9.

24- لسان العرب 13/34.

25- شرح أشعار الهذليين 1/217.

26- البيت في شرح أشعار الهذليين 1/217. 

****************

المصادر والمراجع:

– الحيوان، لأبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ، تحقيق عبد السلام محمد هارون، منشورات دار الجيل، لبنان، بيروت، سنة النشر 1416هـ / 1996م. 

– ديوان الحارث بن حلزة اليشكري، صنعة مروان العطية، الطبعة الأولى 1415هـ /1994م، منشورات دار الإمام النووي، دمشق.

– ديوان تميم ابن مقبل، عني بتحقيقه الدكتور عزة حسن، منشورات دار الشرق العربي، عام: 1416هـ/1995م. 

– ديوان عامر بن الطفيل، رواية أبي بكر محمد بن القاسم الأنباري عن أبي العباس أحمد بن يحيى بن ثعلب، 1399هـ/1979م، منشورات دار صادر، بيروت.

– شرح أشعار الهذليين، صنعة أبي سعيد الحسن بن الحسين السكري، حققه عبد الستار أحمد فراج، راجعه محمود محمد شاكر، منشورات مكتبة دار التراث، القاهرة.

– شعر البعيث المجاشعي، جمع وتحقيق الدكتور ناصر رشيد محمد حسين، منشورات دار الحرية للطباعة، بغداد، 1974م/ 1394هـ.

– الكامل في التاريخ، لعز الدين ابن الأثير، تحقيق عمر عبد السلام تدمري، الطبعة الأولى: 1417هـ / 1997م، منشورات دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان.

– لسان العرب، أبي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم ابن منظور، الطبعة السادسة عام 2008 م، دار صادر، بيروت، لبنان.  

– المستدرك على الصحيحين، للحاكم، تحقيق مصطفى عبد القادر عطا، الطبعة الأولى: 1411هـ / 1990م، منشورات دار الكتب العلمية، بيروت.

– المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، للدكتور جواد علي،  منشورات دار الساقي، الطبعة الرابعة 1422هـ/ 2001م.

– النهاية في غريب الحديث والأثر، لمجد الدين ابن الأثير، تحقيق طاهر أحمد الزاوي و محمود محمد الطناحي، منشورات المكتبة العلمية، بيروت عام: 1399هـ/ 1979م. 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق