مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبيةقراءة في كتاب

معجم الهيآت والإشارات والرموز في التراث العربي (الحلقة الثلاثون)

– غ-

[52] الغُرَاب: الغُرَاب هو” الطائرُ الأَسْوَدُ، وَالجَمْعُ أَغْرِبة، وأَغْرُبٌ، وغِرْبانٌ، وغُرُبٌ؛ قَالَ: وأَنْتُم خِفافٌ مِثْلُ أَجْنحةِ الغُرُبْ وغَرابِينُ: جمعُ الجَمْعِ”(1)، ومن دلالاته في التراث العربي أنه:

1- رمز الشؤم: قال الشاعر:

لَا يَمْنَعَنَّكَ مِنْ بغَا                    ءِ الخَيْرِ تَعْقَادُ التَّمَائِمْ

لَا، وَالتَّشَاؤُم بِالعُطَا          سِ وَلَا التَّيَامُنُ بِالمَقَاسِمْ

وَلَقَدْ عَدَوْتُ وَكُنْتُ لَا            أَعْدُو عَلَى وَاقٍ وَحَاتِمْ(2) 

وإنما الحاتم عندهم يدل على الشؤم من كل شيء والحاتم هو الغراب الأسود، وقال الأحوص اليربوعي:

مَشَائِيمُ لَيْسُوا مُصْلِحِينَ عَشِيرَةً،            وَلَا نَاعِبٍ إِلَّا بِشُؤْمٍ غُرَابُهَا(3) 

وَيَقُولُونَ: أَشْأَمُ مِنْ غُرابٍ، وأَفْسَقُ مِنْ غُراب(4)، وقال عنترة في الغراب وشؤمه:

ظَعَنَ الَّذِينَ فِرَاقَهُمْ أَتَوَقَّعُ                  وَجَرَى بِبَيْنِهِم الْغُرَابُ الأَبْقَعُ

حَرِقُ الجَنَاحِ كَأَنَّ لَحْيَيْ رَأْسِهِ                    جَلَمَان بِالْأَخْبَارِ هَشّ مُولَعُ   

 فَزَجَرْتُهُ أَلَّا يُفَرِّخَ عُشَّهُ                  أَبَدًا وَيُصْبِح وَاحِدًا يَتَفَجَّعُ   

 إِنَّ الَّذِينَ نَعَبْتَ لِي بِفِرَاقِهِمْ               قَدْ أَسْهَرُوا لَيْلِي التِّمامَ فَأَوْجَعُوا(5) 

قال الشارح: “يقول: ارتحل الذين كنت أتوقع فراقهم. وقوله:« وجرى بِبَيْنِهم الغُراب» أي: نعب فحتم بالفراق، وكانوا يتطيرون به ويسمونه حاتما، لأنه كان يحتم بالفراق عندهم، والأبقع الذي فيه سواد وبياض وإنما جعله أبقع لشدة سواده على الصدر”(6).

قال رؤبة:

فَازْجُرْ مِنَ الطَّيْرِ الغُرَابَ الغَارِبَا(7)

قال الجاحظ: “ومن أجل تشاؤمهم بالغراب اشتقّوا من اسمه الغربة والاغتراب، والغريب. وليس في الأرض بارح ولا نطيح، ولا قعيد، ولا أعضب ولا شيء مما يتشاءمون به إلا والغراب عندهم أنكد منه، يرون أن صياحه أكثر أخبارا، وأن الزجر أعم”(8)، وأشأم الطيور عند الجاهليين “الغراب”: “ليس في الأرض شيء يتشاءم به إلا والغراب أشأم منه(9).

2- البَيْن والفِرَاق: قال النابغة يمدح النعمان بن المنذر ويعتذر إليه مما بلغه عنه:

زَعَمَ الْغُدَافُ بِأَنَّ رِحْلَتَنَا غَدا          وَبِذَاكَ خَبَّرَنَا الْغُرَابُ الْأَسْوَدُ(10) 

قال الطاهر بن عاشور – رحمه الله- في شرح البيت: “الغداف بضم الغين: الغراب، أي أنذر نعيق الغراب بالفراق، وكانوا في الجاهلية يتشاءمون بحركات الغراب وصوته ويضيفون الغراب إلى البين فيقولون: غراب البين”(11)، ومنه قول قيس بن ذريح:

وَطَارَ غُرَابُ البَيْنِ وَانْشَقَّت العَصَا          بِبَيْنٍ كَمَا شَقَّ الْأَدِيمَ الصَّوَالِعُ

أَلَا يَا غُرَابَ البَيْنِ قَدْ طِرْتَ بِالَّذِي               أُحَاذِرُ مِنْ لُبْنَى فَمَا أَنْتَ صَانِعُ(12) 

وقال خُثيم بن عدي:

وَلَسْتُ بِهَيَّابٍ إِذَا شَدَّ رحله               يَقُولُ: عَدَانِي الْيَوْمَ وَاقٍ وحَاتِم

وَلَكِنَّهُ يَمْضِي عَلَى ذَاكَ مُقْدِمًا              إِذَا صَدَّ عَنْ تِلْكَ الهَنَاتِ الخُثَارِم(13) 

قال الجاحظ يشرح البيتين: “والخثارم: هو المتطيّر من الرّجال. وأما قوله: «واق وحاتم» فحاتم هو الغراب، والواقي هو الصّرد، كأنّه يرى أنّ الزّجر بالغراب إذا اشتقّ من اسمه الغربة، والاغتراب، والغريب، فإنّ ذلك حتم”(14).

وإنما الغراب الأسود عندهم يحتم بالفراق، قال جواد علي في «المفصل»: “ويقال للغراب الأسود “حاتم”، والحتمة السواد، وهو مشؤوم، لأنه يحتم بالفراق”(15). 

والعرب تتشاءم من الغراب، ولذا اشتقوا من اسمه الغربة والاغتراب والغريب. فالغراب أكثر من جميع ما يتطير به في باب الشؤم، ألا تراهم كلما ذكروا ما يتطيرون منه شيئًا ذكروا الغراب معه؟(16).

وروي أن ابن عباس كان إذا صاح الغراب، قال: « اللهم لا طير إلا طيرك، ولا خير إلا خيرك، ولا إله غيرك»(17)، وفي الحديث: « قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ رَدَّتْهُ الطِّيَرَةُ مِنْ حَاجَةٍ فَقَدْ أَشْرَكَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا كَفَّارَةُ ذَلِكَ قَالَ أَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمْ اللَّهُمَّ لَا خَيْرَ إِلَّا خَيْرُكَ وَلَا طَيْرَ إِلَّا طَيْرُكَ وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ»(18).

وجاء في شعر حسان بن ثابت:

وَبَيَّنَ فِي صَوْتِ الْغُرَابِ اغْتِرَابُهُمْ           عَشِيَّةَ أَوْفَى غُصْنَ بَانٍ فَطَرَّبَا

وَفِي الطَّيْرِ بِالْعَلْيَاءِ إِذْ عَرَضَتْ لَنَا          وَمَا الطَّيْرُ إِلَّا أَنْ تَمُرَّ وَتَنْعَبَا

وَكِدْتُ غَدَاةَ الْبَيْنِ يَغْلِبُنِي الهَوَى            أُعَالِجُ نَفْسِي أَنْ أَقُومَ فَأَرْكَبَا(19) 

فصوت الغراب، يشير إلى الغربة والاغتراب، لذلك كره(20)، فـ” العرب أمة لغة وبيان، يكلفون باللفظ ويستأسرون لديباجة الكلام. لذلك كان أول ما يأخذهم من الشيء اسمه، وما ينبئ عنه اشتقاقه من خير أو شر، ثم ما ينم عنه صوته ومنظره، ثم مواطنه التي يهبط إليها، ويغلب عليها إن كان مما يألف الرياض الحالية، أو الطلول البالية، والرسوم العافية. ومما ينبئك عن موقع الأسماء في نفوسهم، ومبلغ أثرها في مشاعرهم، قول بشار بن المضرب:

تَغَنَّى الطَّائِرَانِ بِبَيْنِ لَيْلَى           عَلَى غُصْنَيْنِ مِنْ غَربٍ وَبَانِ

فَكَانَ الْبَانُ أَنْ بَانَتْ سُلَيْمَى          وَفِي الْغَرْبِ اغْتِرَابٌ غَيْر دَانِ

فانظر كيف أخذ الغربة من الغرب، والبين من البان؟”(21).

[53] الغَضَارُ: “الغَضَارُ خَزَفٌ أَخضر يُعَلَّق عَلَى الإِنسان يَقي العَين”(22)؛ ومن دلالاته في التراث العربي:

1- الوقاية من الإصَابَة بالعين: قال الشاعر ينفي أن يكون عقد التميم أو الغضار يقيه من الإصابة بمكروه كالموت مثلا كما كان سائدا عند العرب في تراثهم:

وَلَا يُغْني تَوَقِّي المَرْء شَيْئًا           وَلَا عُقَدُ التَّمِيمِ، وَلَا الغَضَارُ

    إِذَا لَاقَى مَنِيَّتَهُ فَأَمْسَى          يُسَاقُ بِهِ، وَقَدْ حَقَّ الحِدَارُ(23) 

قال الآمدي:” قوله في البيت الأول: ولا الغضار هو شيء من الرُّقي والعوذ”(24).

[54] غَمْسُ الحِلْفِ: فقد كانت عادة العرب” أَن يُحْضِروا فِي جَفْنَةٍ طِيباً أَو دَماً أَو رَماداً فيُدخِلُون فِيهِ أَيديَهم عند التَّحالف لِيَتِمَّ عقدُهم عَلَيْهِ بِاشْتِرَاكِهِمْ فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ”(25)، ومن دلالات غَمْس الحِلف في التراث العربي:

1- الأمان: وفِي حَدِيث الهِجْرَة: «واستأجر رسول الله صلى الله عليه و سلم وأبو بكر رجلا من بني الديل وهو من بني عبد بن عدي هاديا خريتا والخريت الماهر بالهداية قد غمس حلفا في آل العاص بن وائل السهمي وهو على دين كفار قريش فأمناه فدفعا إليه راحلتيهما وواعداه غار ثور بعد ثلاث ليال»(26)؛ أَي أَخذَ نَصِيبًا مِنْ عَقْدهم وَحِلْفِهِمْ يأْمن بِه(27).

ـــــــــــــــــــــــ

الهوامش:

1- لسان العرب 11/26. 

2- العمدة في محاسن الشعر وآدابه 2/904.

3-لسان العرب 8/6، وفي الحيوان 3/431 منسوب لأبي خولة الرياحي وهو الأخوص الرياحي  اليربوعي وليس الأحوص كما في اللسان،  وعجزه كالتالي:

مَشائِمُ لَيْسُوا مُصْلِحِينَ عَشِيرَةً            وَلَا نَاعِبٍ إِلَّا بِبَيْنٍ غُرَابُهَا

4- لسان العرب 11/27.

5- ديوان عنترة ص:94، وفي رواية «خَرِقَ الجَنَاحُ» انظر أشعار الشعراء الستة الجاهليين 2/113.

6- ديوان عنترة ص:94.

7- البيت في ملحقات ديوان رؤبة ص: 170، وصدره:

ما منعت أوعالها العلاهبا

8- الحيوان 2/316.

9- المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام 12/367 -368.

10- ديوان النابغة الذبياني ص:93.

11- ديوان النابغة الذبياني ص:93، الهامش رقم:2.

12- ديوان قيس بن ذريح ص:87.

13- البيتان في المعاني الكبير 3/1187، وفي الحيوان 3/437، لخثيم بن عَدِيٍّ.

14- الحيوان 3/437.

15- المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام 12/368.

16- المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام 12/368.

17- المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام 12/368.

18- مسند أحمد 11/623، [رقم:7045].

19- ديوان حسان بن ثابت ص:26.

20- المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام 12/369.

21- المرأة العربية في جاهليتها وإسلامها 1/126.

22- لسان العرب 11/56.

23- البيتان في  لسان العرب 11/56، دون نسبة، وفي معاهد التنصيص 1/329، منسوبان بالإضافة إلى بيت آخر للخنساء بنت زهير بن أبي سلمى ترثي أباها زهيرا، وفي المؤتلف والمختلف ص:139-140، وفي شاعرات العرب في الجاهلية والإسلام ص:76.  

24- المؤتلف والمختلف ص:140.

25- لسان العرب 11/84.

26- صحيح البخاري 3/1417، [رقم:3692].

27- لسان العرب 11/84.

*************

المصادر والمراجع:

– الجامع الصحيح المختصر [صحيح البخاري]، للإمام البخاري، تحقيق الدكتور مصطفى ديب البغا، الطبعة الثالثة: 1407هـ/1987م، منشورات دار ابن كثير، اليمامة، بيروت.

– الحيوان، لأبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ، تحقيق عبد السلام محمد هارون، منشورات دار الجيل، لبنان، بيروت، سنة النشر 1416هـ/ 1996م. 

– ديوان النابغة الذبياني، جمع وتحقيق وشرح فضيلة العلامة سماحة الأستاذ الإمام الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور، نشر مشترك بين دار السلام ودار سحنون، الطبعة الأولى: 1430هـ/ 2009م.

– ديوان حسان بن ثابت، شرحه وكتب هوامشه وقدم له الأستاذ علي مهنا، الطبعة الثانية: 1414هـ /1994م، منشورات دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.

– ديوان رؤبة بن العجاج، اعتنى بتصحيحه وترتيبه وليم بن الورد البرونسي، منشورات دار ابن قتيبة للطباعة والنشر والتوزيع، الكويت، بدون تاريخ. 

– ديوان قيس بن ذُرَيح، اعتنى به وشرحه عبد الرحمن المصطاوي، الطبعة الثانية 1425هـ/ 2004م، منشورات دار المعرفة، بيروت، لبنان.

– شاعرات العرب في الجاهلية والإسلام، جمعه ورتبه ووقف على طبعه: بشير يموت البيروتي، الطبعة الأولى، 1352 هـ / 1934م، منشورات المكتبة الأهلية، بيروت. 

– شرح ديوان عنترة، الخطيب التبريزي، قدم له ووضع هوامشه وفهارسه، مجيد طراد، الطبعة الأولى 1412هـ /1992م، منشورات دار الكتاب العربي.  

– العمدة في محاسن الشعر وآدابه، لابن رشيق القيرواني، تحقيق: الأساتذة توفيق النيفر ومختار العبيدي وجمال حمادة، منشورات المجمع التونسي للآداب والفنون «بيت الحكمة» عام 2009م.

– لسان العرب، أبي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم ابن منظور، الطبعة السادسة عام 2008 م، دار صادر، بيروت، لبنان.  

– المرأة العربية في جاهليتها وإسلامها، لعبد الله عفيفي، الطبعة الثانية 1350هـ/ 1932م، مكتبة الثقافة، المدينة المنورة، المملكة العربية السعودية.

– مسند أحمد، لأحمد بن حنبل، تحقيق شعيب الأرناؤوط وآخرون، الطبعة الثانية: 1420هـ /1999م، منشورات مؤسسة الرسالة.

– المعاني الكبير في أبيات المعاني، لابن قتيبة الدينوري، صححه المستشرق الكبير سالم الكرنكوي، منشورات دار النهضة الحديثية، بيروت، لبنان.

– معاهد التنصيص على شواهد التلخيص، لعبد الرحيم العباسي، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، منشورات عالم الكتب، بيروت. 

– المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، للدكتور جواد علي،  منشورات دار الساقي، الطبعة الرابعة 1422هـ/ 2001م.

– المؤتلف والمختلف في أسماء الشعراء وكناهم وألقابهم وأنسابهم وبعض شعرهم، للآمدي، تحقيق الأستاذ الدكتور ف. كرنكو، الطبعة الأولى 1411هـ/ 1991م، منشورات دار الجيل، بيروت.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق