مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبيةقراءة في كتاب

معجم الهيآت والإشارات والرموز في التراث العربي (الحلقة الثالثة والعشرون)

[15] التَّمِيمَة: التميمة” خَرزة رَقْطاء تُنْظَم في السَّير ثم يُعقد في العُنق وهي التَّمائم، والتَّمِيمُ عن ابن جني وقيل هي قِلادة يجعل فيها سُيُورٌ وعُوَذ”(1)، ومن دلالاتها في التراث العربي:

1- التعوذُ ودفعُ الأذَى: كانت العرب في الجاهلية تعلق التمائم دفعا للأذى ومنه قول أبي العلاء المعري:

وَأَيْنَ فِرَارِي مِنْ زَمَانِي وَأَهْلِهِ             وَقَدْ غَصَّ شَرًّا نجده وَالتَّهَائِمُ

وَفِي كُلِّ شَهْرٍ تَصْرَعُ الدَّهْرَ جِنَّةٌ             فَتُعْقَدُ فِيهِ بِالْهِلَالِ التَّمَائِمُ(2)

قال الفرزدق يذكر أرضا شديدة الأذى يهلك من يجتازها ولا تنفعه التمائم التي توضع عليه لتدفع عنه الأذى وتمنع الشر:

وشهباءُ مهياف شدِيد ضَرِيرُهَا         تحل براميها عقودَ التمائِمِ(3) 

2- نفي العين والحسد: وَمِنهُ قَوْلُ سلَمة بنِ الخُرْشُب الأنماري:

تُعَوَّذُ بالرُّقى مِنْ غَيْرِ خَبْلٍ                 وتُعْقَد فِي قَلائدها التَّمِيمُ(4) 

ومثل هذا المعنى لخفاف بن ندبة:

يعقد في الجِيدِ عليه الرُّقَى            من خِيفَة الأنْفُسِ والحاسدِ(5) 

3- الوقاية من المقادير والموت: قال أبو ذؤيب الهذلي يرثي بنيه ويذكر أن التمائم لا تنفع عند الموت كما يعتقد البعض:

وإِذا المَنِيَّةُ أَنْشَبَتْ أَظْفارَها           أَلْفَيْتَ كلَّ تَمِيمة لا تَنْفَعُ(6) 

وقال آخر:

إِذا مات لم تُفْلِحْ مُزَيْنةُ بعدَه       فنوطِي عليه، يا مُزَيْنُ، التَّمائما(7) 

وقال المتنبي في المعنى نفسه:

دِيارُ اللَّواتي دَارهُنَّ عزيزةٌ             بطول القَنَا يُحفظنَ لا بالتَّمَائِمِ(8) 

قال الشارح:” يقول: ديارهن منيعة لا يتوصل إليها، وهن يحفظن بالرماح لا بالعوذ”(9)؛ أي التمائم.

[16] التحليق: “تَحْلِيقُ الشَّمْسِ مِنْ أَوَّل النَّهَارِ ارْتِفَاعُهَا مِنَ المَشرِق وَمِنْ آخِرِ النَّهَارِ انْحِدارُها”(10)؛ وإنما هي عند العرب رمز يدل على:

1- دخول وقت الصلاة: جاء في الحديث: « حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِنَا العَصْرَ وَالشَّمْسُ بَيْضَاءُ مُحَلِّقَةٌ ثُمَّ أَرْجِعُ إِلَى قَوْمِي وَهُمْ فِي نَاحِيَةِ المَدِينَةِ فَأَجِدُهُمْ جُلُوسًا فَأَقُولُ لَهُمْ قُومُوا فَصَلُّوا فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ صَلَّى»(11).

[17] التَّرسِيع: الترسيع من”رسَعَ الصبيَّ وغيره يَرْسَعُه رَسْعاً ورَسَّعه شدَّ في يده أَو رجله خَرزاً ليدفع به عنه العين”(12)، ويدل الترسيع عند العرب على:

1- دَفع العَين: قال امرئ القيس:

أَيا هنْدُ لا تَنْكِحِي بُوهةً               عليْهِ عَقِيقَتُه أَحْسَبا

مُرَسِّعةً بين أَرْساغِه                به عَسَمٌ يَبْتَغي أَرْنَبا

لِيَجْعَلَ في ساقه كَعْبَهَا               حِذارَ المَنِيَّة أَنْ يَعْطَبا(13) 

قال الشارح:” يجعل كعب الأرنب في سير مُرَسَّع ثم يشده في ساقه بمنزلة المعاذة”(14).

ويقال إِنه كان حَمْقى الأَعرابِ في الجاهلية يُعلِّقون كَعْب الأَرنب في الرِّجل كالمَعاذة ويزعمون أَنَّ من علَّقه لم تضره عين ولا سِحْر ولا آفة لأَن الجنَّ تَمْتَطِي الثعالِب والظِّباء والقَنَافِذ وتجتنب الأَرانب لمكان الحَيْض(15).

[18] التَّعاويذ: “التَّعَاوِيذُ الَّتِي تُكتب وَتُعَلَّقُ عَلَى الإِنسان مِنَ العَيْنِ”(16)؛ ولم تجعل العرب تعليق التعاويذ على الإنسان فقط بل استعملته في كل شيء، ومن دلالاتها في التراث العربي:

1- دفع العين والحسد: قال ابن الرومي:

قالَتْ: صَدَقْتَ، ولكن هذه سمةُ           مثل المعَاذة تَثْنِي عَينَ من حَسدَا(17) 

وقال الصنوبري وقد بلغه أن غلامه عبد الله بن واصلة لما دخل مصر مع أبي العباس ابن كيغلغ مدح أبا القاسم الرسي بقصيدة من شعر أبي بكر وكتب إلى أبي بكر يسأله أن يوجه إليه بديوان شعره فكتب إليه أبو بكر قصيدة طويلة منها قوله:

وحاولتَ ديواني فها أنا باعثٌ          إليكَ به منْ غيرِ مطلٍ ولا حبسِ

ولكن على أني أعلِّقُ فَوقَهُ          تعاويذَ تحميه من الجنِّ والإنسِ(18) 

والمعنى أنه علق فوق الديوان تعاويذ تحميه شر الجن والإنس وتدفع عنه العين والحسد وهو اعتقاد سائد في التراث العربي.

[19] تَنْفِير الطَّير مِن مَكِناتها: ” النَّفْرُ: التَّفَرُّقُ. يقال: لَقِيتُهُ قَبْلَ كُلِّ صَيْحٍ ونَفْرٍ أَي أَولًا، والصَّيْحُ: الصِّياحُ. والنَّفْرُ: التَّفَرُّقُ؛ نَفَرَتِ الدابةُ تَنْفِرُ وتَنْفُر نِفاراً ونُفُوراً وَدَابَّةٌ نافِرٌ […] ونَفَّرَ الدَّابَّةَ واسْتَنْفَرَها. وَيُقَالُ: اسْتَنْفَرْتُ الوحشَ وأَنْفَرْتُها ونَفَّرْتُها بِمَعْنًى فَنَفَرَتْ تَنْفِرُ واسْتَنْفَرَتْ تَسْتَنْفِرُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ”(19)، ومن دلالات تنفير الطير وتفريقها من مكناتها في التراث العربي:

1- المضِيُّ للحاجة أو الرجُوع عنها: جاء في الحديث: « أَقِرُّوا الطَّيْرَ عَلَى مَكِنَاتِهَا»(20)؛ قال أبو حاتم رضي الله عنه : قوله صلى الله عليه وسلم : ( أقروا الطير على مكناتها) لفظة أمر مقرونة بترك ضده وهو أن لا ينفروا الطيور عن مكناتها والقصد من هذا الزجر عن شيء ثالث وهو أن العرب كانت إذا أرادت أمرا جاءت إلى وكر الطير فنفرته فإن تيامن مضت للأمر الذي عزمت عليه وإن تياسر أغضت عنه وتشاءمت به فزجرهم النبي صلى الله عليه وسلم عن استعمال هذا الفعل بقوله : (أقروا الطير على مكناتها ) (21).

 “وَرَوَى الأَزهري عَنْ يُونُسَ قَالَ: قَالَ لَنَا الشَّافِعِيُّ فِي تَفْسِيرِ هَذَا الحَدِيثِ قَالَ كَانَ الرَّجُلُ فِي الجَاهِلِيَّةِ إِذَا أَراد الحَاجَةَ أَتى الطَّيْرَ سَاقِطًا أَو في وَكْرِه فنَفَّرَهُ، فَإِنْ أَخذ ذَاتَ اليَمِينِ مضى لحاجته، وَإِنْ أَخذ ذَاتَ الشِّمَالِ رَجَعَ، فنَهى رسولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنْ ذَلِكَ”(22).

– ج-

[20] جَزُّ نَاصية الأسير: ” الجَزَزُ: الصُّوفُ لَمْ يستعمل بعد ما جُزَّ، تَقُولُ: صُوفٌ جَزَزٌ. وجَزَّ الصوفَ وَالشَّعْرَ وَالنَّخْلَ وَالْحَشِيشَ يَجُزُّهُ جَزّاً وجِزَّةً حَسَنَةً؛ هَذِهِ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ، فَهُوَ مَجْزُوزٌ وجَزِيزٌ، واجْتَزَّه: قَطَعَهُ […] وجُزازَةُ كُلِّ شَيْءٍ: مَا جُزَّ مِنْهُ. والجَزُوزُ، بِغَيْر هَاءٍ: الَّذِي يُجَزُّ”(23)، ومنه جز ناصية الأسير، ومن دلالاتها في التراث العربي:

1- السَّيطرة: قالت الخنساء:

جَزَزْنَا نَوَاصِي فُرسَانِهَا            وَكَانُوا يَظُنُّونَ أَنْ لَنْ تُجَزَّا(24) 

قال ثعلب في تفيسر هذا البيت:” كانوا إذا أسروا أسيرا جزوا ناصيته وألقوها في كنانتهم، يفتخرون بذلك”(25)، وقال القلقشندي في حديثه عن أوابد العرب:” كانوا إذا أسروا رجلا ثم منّوا عليه فأطلقوه، جزّوا ناصيته ووضعوها في كنانة”(26) ثم ذكر بيت الخنساء أعلاه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش:

1- لسان العرب 2/239.

2- اللزوميات 2/270.

3- شرح ديوان الفرزدق لإيليا الحاوي 2/517. 

4- المفضليات ص:40.

5- الأصمعيات ص:30.

6- ديوان أبي ذؤيب الهذلي ص: 49. 

7- لسان العرب 2/239، بدون نسبة.

8- ديوان المتنبي بشرح البرقوقي 2/451.

9- ديوان المتنبي بشرح البرقوقي 2/451، الهامش رقم:3.

10- لسان العرب 4/200.

11- مسند أحمد 21/111، [رقم:13434]. 

12- لسان العرب 6/151. 

13- ديوان امرئ القيس 2/532-533-534.

14- ديوان امرئ القيس 2/534.

15- لسان العرب 6/151. 

16- لسان العرب 10/330.

17- ديوان ابن الرومي 2/646.

18- ديوان الصنوبري ص:157.

19- لسان العرب 13/318.

20- صحيح ابن حبان 13/495، [رقم:6126]، مسند أحمد 45/113، [رقم:27139]، سنن أبي داود 3/105، [رقم:2835]، مسند الحميدي 1/340، [رقم:350]، المستدرك على الصحيحين 4/265، [رقم:7591]، السنن الصغرى للبيهقي 4/525.

21- صحيح ابن حبان 13/495.

22- لسان العرب 14/112.

23- لسان العرب 3/139- 140.

24- ديوان الخنساء ص: 277.

25- ديوان الخنساء ص: 277.

26- صبح الأعشى في صناعة الإنشا 1/465.

*******************

المصادر والمراجع:

– الأصمعيات، لأبي سعيد عبد الملك بن قريب بن عبد الملك، تحقيق وشرح أحمد محمد شاكر وعبد السلام هارون، الطبعة السادسة، دار المعارف، مصر. 

– ديوان ابن الرومي، تحقيق الدكتور حسين نصار،  الطبعة الثالثة 1424هـ/2003م، منشورات دار الكتب والوثائق القومية بالقاهرة، مركز إحياء التراث. 

– ديوان أبي الطيب المتنبي،  بشرح العلامة اللغوي عبد الحمن البرقوقي، حقق النصوص وهذبها وعلق حواشيها وقدم لها الدكتور عمر فاروق الطباع، منشورات دار الأرقم.

– ديوان أبي ذؤيب الهذلي، تحقيق وتخريج الدكتور أحمد خليل الشال، منشورات مركز الدراسات والبحوث الإسلامية ببور سعيد، الطبعة الأولى عام 1435هـ/ 2014م.

– ديوان الخنساء، تحقيق أنور أبو سويلم، شرحه ثعلب، أبو العباس، أحمد بن يحيى بن سيار الشيباني النحوي، حققه الدكتور أنور أبو سويلم، الطبعة الأولى عام 1409هـ/1988م، دار عمار للنشر والتوزيع.

– ديوان الصنوبري، تحقيق الدكتور إحسان عباس، الطبعة الأولى عام 1998، منشورات دار صادر، بيروت، لبنان.

– ديوان امرئ القيس وملحقاته، بشرح أبي سعيد السكري، دراسة وتحقيق الدكتور أنور عليان أبو سويلم والدكتور محمد علي الشوابكة، الطبعة الأولى 1421هـ/ 2000م، إصدار مركز زايد للتراث والتاريخ، دولة الإمارات العربية المتحدة.

– سنن أبي داود، لأبي داود سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير بن شداد بن عمرو الأزدي السِّجِسْتاني، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، منشورات المكتبة العصرية، صيدا، بيروت.

– شرح ديوان الفرزدق، ضبط معانيه وشروحه وأكملها إيليا الحاوي، الطبعة الأولى عام 1983م، منشورات دار الكتاب اللبناني ومكتبة المدرسة.

– صبح الأعشى في صناعة الإنشا، أحمد بن علي القلقشندي، شرحه وعلق عليه قابل نصوصه محمد حسين شمس الدين، منشورات دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.

– صحيح ابن حبان، لمحمد بن حبان بن أحمد أبي حاتم التميمي البستي، تحقيق  شعيب الأرناؤوط، الطبعة الثانية:1414هـ/ 1993م، منشورات مؤسسة الرسالة، بيروت.

– اللزوميات، لشاعر الفلاسفة وفيلسوف الشعراء أبي العلاء المعري، تحقيق أمين عبد العزيز الخانجي، منشورات مكتبة الهلال، بيروت، مكتبة الخانجي، القاهرة. 

– لسان العرب، أبي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم ابن منظور، الطبعة السادسة عام 2008 م، دار صادر، بيروت، لبنان.  

– المستدرك على الصحيحين، للحاكم، تحقيق مصطفى عبد القادر عطا، الطبعة الأولى: 1411هـ / 1990م، منشورات دار الكتب العلمية، بيروت.

– مسند أحمد، لأحمد بن حنبل، تحقيق شعيب الأرناؤوط وآخرون، الطبعة الثانية: 1420هـ/1999م، منشورات مؤسسة الرسالة.

– مسند الحميدي، لأبي بكر عبد الله بن الزبير بن عيسى بن عبيد الله القرشي الأسدي الحميدي المكي، حقق نصوصه وخرج أحاديثه: حسن سليم أسد الدَّارَانيّ، الطبعة الأولى: 1996 م، منشورات دار السقا، دمشق، سوريا.

– المفضليات، للمفضل بن محمد بن يعلى الضبي، شرح وتحقيق أحمد محمد شاكر ومحمد عبد السلام هارون، الطبعة التاسعة عام 2006م، دار المعارف، القاهرة، مصر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق