مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبيةقراءة في كتاب

معجم الهيآت والإشارات والرموز في التراث العربي (الحلقة الحادية والعشرون)

[8] الأزلام: “الأَزْلامُ كانت لقريش في الجاهلية مكتوب عليها أَمر ونهي وافْعَلْ ولا تَفْعَلْ، قد زُلّمَتْ وسُوِّيَتْ ووضعتْ في الكعبة، يقوم بها سَدَنَةُ البيت، فإذا أَراد رجل سفراً أَو نكاحاً أَتى السادِنَ فقال: أَخْرِج لي زَلَمًا، فيخرجه وينظر إليه، فإذا خرج قِدْحُ الأَمر مضى على ما عزم عليه، وإن خرج قِدْحُ النهي قعد عما أَراده، وربما كان مع الرجل زَلَمانِ وضعهما في قِرابِه، فإِذا أَراد الاستقسام أَخرج أَحدهما”(1)، ومن دلالات هذه الأزلام في التراث العربي:

1- قَسْمُ الرزق: ومنه قوله تعالى:( وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ)(2)، وقد نهى عنه الله تعالى، قال أبو جعفر: يعني بقوله:” وأن تستقسموا بالأزلام”، وأن تطلبوا علم ما قُسِم لكم أو لم يقسم، بالأزلام. وهو” استفعلت” من” القَسْم” قَسْم الرزق والحاجات (3).وقد ذكر في أخبار النابغة الجعدي أنه” أنكر الجمر والسكر، وهجر الأزلام واجتنب الأوثان، وذكر إبراهيم”(4)، وهي صفات الرجل الحنيف.

2- إرَادَةُ الأَرْبَابِ: قال جواد علي: “وأورد علماء الحديث والأخبار ما وصل إلى علمهم أيضًا من “الاستقسام” بالأزلام”. ويظهر مما ذكروه أن أهل الجاهلية كانوا يقيمون في أيامهم وزنا كبيرًا للاستقسام بالأزلام لاعتقادهم أنه يحكي إرادة الأرباب ويتحدث عن مشيئتها. لذلك كانوا لا يفعلون فعلا ولا يعملون عملا إلا بعد أخذ رأيها بالاستقسام. فإن جاء أمر فعلوا، وإن جاء نهي امتنعوا”(5).

3- الأَمر والنهي: جاء في تفسير الطبري:” وذلك أن أهل الجاهلية كان أحدهم إذا أراد سفرًا أو غزوًا أو نحو ذلك، أَجال القداح وهي “الأزلام” وكانت قِداحًا مكتوبًا على بعضها:” نهاني ربّي”، وعلى بعضها:” أمرني ربّي” فإن خرج القدح الذي هو مكتوب عليه:”أمرني ربي”، مضى لما أراد من سفر أو غزو أو تزويج وغير ذلك. وإن خرج الذي عليه مكتوب:” نهاني ربي”، كفّ عن المضي لذلك وأمسك”(6). والمعنى أن عمل الأزلام بمثابة الأمر والنهي؛ ما نُهِيَ عنه لم يُعْمَلْ به وما أَمَرَتْ به الأزلام عُمِلَ به.

وهذا عينُ ما قالهُ جواد علي في «المفصل»:” وذكر أن أهل الجاهلية، كانوا إذا أرادوا أن يخرجوا في سفر، جعلوا قداحا للجلوس والخروج، فإن وقع الخروج خرجوا، وإن وقع الجلوس جلسوا”(7). 

وقال طرفة:

فَسَعَى الغَلَّاقُ، بينهُمُ             سَعْيَ خب، كاذبٍ شِيَمُهْ

أَخَذَ الأَزْلامَ، مُقْتَسِماً              فأتى أَغْواهما زُلَمُهْ(8) 

قال الشارح:” والمعنى أن الزلم أو السهم الذي أطلقه الغلاق كان أغوى من بقية السهام ولذا لم يستطع أن يصلح بين بكر وتغلب”(9).

ومما جاء في حديث الأزلام ” مَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَالِكٍ المُدْلجِي، وَهُوَ ابْنُ أَخي سُراقة بْنِ جُعْشُم، أَن أَباه أَخبره أَنه سَمِعَ سُرَاقَةَ يَقُولُ: جَاءَتْنَا رُسُل كُفَّارِ قُرَيْشٍ يَجْعَلُونَ لَنَا فِي رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأَبي بكرٍ دِيَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِمَنْ قَتَلَهُمَا أَو أَسَرَهما، قَالَ: فَبَيْنَا أَنا جَالِسٌ فِي مَجْلِسِ قَوْمِي بَنِي مُدْلج أَقبل مِنْهُمْ رجل فقام على رؤوسنا فَقَالَ: يَا سُرَاقَةُ، إِني رأَيت آنفاً أَسْوِدةً بِالسَّاحِلِ لَا أُراها إِلا مُحَمَّدًا وأَصحابه، قَالَ: فَعَرَفْتُ أَنهم هُمْ، فَقُلْتُ: إِنهم لَيْسُوا بِهِمْ وَلَكِنَّكَ رأَيت فُلَانًا وَفُلَانًا انطَلَقُوا بُغاة، قَالَ: ثُمَّ لَبِثْت فِي المَجْلِسِ سَاعَةً ثُمَّ قمتُ فَدَخَلْتُ بَيْتِي وأَمرت جَارِيَتِي أَن تُخْرِجَ لِي فَرَسِي وتحبِسها مِنْ وَرَاءِ أَكَمَة، قَالَ: ثُمَّ أَخذت رُمْحِي فَخَرَجْتُ بِهِ مِنْ ظَهْرِ البَيْتِ، فخفَضْت عالِيةَ الرُّمح وخَطَطْت بِرُمْحِي فِي الأَرض حَتَّى أَتيت فَرَسِي فَرَكِبْتُهَا ورفَعْتها تُقَرِّب بِي حَتَّى رأَيت أَسودتهما، فَلَمَّا دَنَوْتُ مِنْهُمْ حَيْثُ أُسْمِعُهم الصَّوْتَ عَثَرَت بِي فَرَسِي فخَرَرت عنها، أَهويت بِيَدِي إِلى كِنانتي فأَخرجت مِنْهَا الأَزْلامَ فاسْتَقْسَمْتُ بِهَا أَضِيرُهم أَم لَا، فَخَرَجَ الَّذِي أَكره أَن لَا أَضِيرَهم، فعَصَيْت الأَزلام وَرَكِبْتُ فَرَسِي فرَفَعتها تُقَرِّب بِي، حَتَّى إِذا دَنَوْتُ مِنْهُمْ عَثَرت بِي فَرَسِي وخَرَرْت عَنْهَا، قَالَ: فَفَعَلْتُ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ إِلى أَن سَاخَتْ يَدَا فَرَسِي فِي الأَرض، فَلَمَّا بَلَغَتَا الرُّكْبَتَيْنِ خَرَرت عَنْهَا ثُمَّ زَجَرْتُهَا، فَنَهَضَتْ فَلَمْ تَكد تَخْرج يَدَاهَا، فَلَمَّا اسْتَوَتْ قَائِمَةً إِذا لأَثرِ يَدَيها عُثان سَاطِعٌ فِي السَّمَاءِ مِثْلَ الدُّخان؛ قَالَ مَعْمَرٌ، أَحد رُوَاةِ الحَدِيثِ: قُلْتُ لأَبي عَمْرِو بْنِ العَلَاءِ مَا العُثان؟ فَسَكَتَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ لِي: هُوَ الدُّخَانُ مِنْ غَيْرِنَا، وَقَالَ: ثُمَّ رَكِبْتُ فَرَسِي حَتَّى أَتيتهم وَوَقَعَ فِي نَفْسِي حِينَ لَقِيت مَا لَقِيتُ مِنَ الحَبْسِ عَنْهُمْ أَن سَيَظْهَرَ أَمرُ رسولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ إِن قَوْمَكَ جَعَلُوا لِيَ الدِّيَةَ وأَخبرتهم بأَخبار سَفَرِهِمْ وَمَا يُرِيدُ النَّاسُ مِنْهُمْ، وعَرَضت عَلَيْهِمُ الزاد والمتاع فلم يَرْزَؤُوني شَيْئًا وَلَمْ يسأَلوني إِلا قَالُوا أَخْفِ عَنَّا، قَالَ: فسأَلت أَن يَكْتُبَ كِتَابَ مُوادَعة آمَنُ بِهِ، قَالَ: فأَمرَ عامرَ بْنَ فُهَيْرَةَ مَوْلَى أَبي بَكْرٍ فَكَتَبَهُ لِي فِي رُقعة مِنْ أَديم ثُمَّ مَضَى”(10).

[9] الأَفعَى: ” الأفعى من الحيات التي لا تبرح، إنما هي مترحية، وترحيها استدارتها على نفسها وتحويها […] وقال بعضهم: الأفعى حية عريضة على الأرض إذا مشت متثنية بثنيين أو ثلاثة تمشي بأثنائها تلك خشناء يجرش بعضها بعضا […] وقال الليث: الأفعى لا تنفع منها رقية ولا ترياق، وهي حية رقشاء دقيقة العنق عريضة الرأس، زاد ابن سيده: وربما كانت ذات قرنين”(11)، ومن دلالات الأفعى في التراث العربي:

1- الحسد: قال مهيار الديلمي:

وكل مصيبٍ على الغلِّ فيــ              ـكَ قلباً كَتوماً ووجهاً مذيعَا

خبَى لكَ من حسدٍ في حشا                 هُ أفعَى فلا ماتَ إلا لَسِيعَا(12) 

2- الفحش والخنا: قال يزيد بن الحكم الثقفي:

أَفُحْشًا وخِبَّا واختناءً عَلى النَّدَى                 كَأنك أفعَى كُدْيَةٍ فَرَّ مُحجَوِي(13) 

3- العداوة: قال عبد الله بن أبي عيينة:

سيعْلَمُ إسْماعِيلُ أنَّ عَدَاوتي                    له رِيقُ أَفعَى ما يُصَابُ دواؤُهَا(14) 

ـــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش:

1- لسان العرب 7/53.

2- سورة المائدة الآية: 3.

3- تفسير الطبري 9/510.

4- المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام 12/248.

5- المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام 12/354. 

6- تفسير الطبري 9/510.

7- المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام 12/353.

8- ديوان طرفة بن العبد ص:72.

9- ديوان طرفة بن العبد ص:72، الهامش رقم:7. 

10- لسان العرب 12/103.

11- لسان العرب 11/202.

12- ديوان مهيار الديلمي 2/225.

13- البيت ليزيد بن الحكم الثقفي ولم أقف على ديوانه مطبوعا.

14- البيت في الكامل في اللغة والأدب 2/23.

*******************

المصادر والمراجع:

– تفسير الطبري أو جامع البيان في تأويل القرآن، لمحمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي، أبو جعفر الطبري، تحقيق أحمد محمد شاكر، الطبعة الأولى: 1420 هـ/ 2000م، منشورات مؤسسة الرسالة.

– ديوان طرفة بن العبد، شرحه وقدم له مهدي محمد ناصر الدين، الطبعة الثالثة عام 1423هـ /2002م، منشورات دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.

– ديوان مهيار الديلمي، الطبعة الأولى عام 1344هـ/ 1925م، منشورات دار الكتب المصرية بالقاهرة.

– الكامل في اللغة والأدب، المبرد، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، الطبعة الثالثة 1417 هـ/ 1997م، منشورات دار الفكر العربي، القاهرة.

– لسان العرب، أبي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم ابن منظور، الطبعة السادسة عام 2008 م، دار صادر، بيروت، لبنان.  

– المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، للدكتور جواد علي،  منشورات دار الساقي، الطبعة الرابعة 1422هـ/ 2001م.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق