مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكدراسات عامة

معارضة خبر الآحاد لعمل أهل المدينة وأثر ذلك في اختلاف الفقهاء 15

الدكتور عبد الحق يدير 

أستاذ التعليم العالي كلية الآداب و العلوم الانسانية فاس سايس

 

ت ـ اختلافهم في خرص التمر والعنب: ذهب مالك إلى القول بجواز خرص التمر والعنب في الزكاة ـ والخرص هو الحرز، والتخمين والحدس. ومنه قولهم: خرص التمر والعنب للزكاة، أي: حزر ما على النخل من الرطب تمرا وما على الكرمة من العنب زبيبا[1]ـ يفعل ذلك لتطلق يد المالك في التمرة أكلا وبيعا، وحجته في ذلك إجماع أهل المدينة عليه، قال في الموطأ في كتاب الزكاة باب زكاة ما يُخرص من ثمار النخيل والأعناب: “الأمر المجتمع عليه عندنا أنه لا يُخرص من الثمار إلا النخيل والأعناب، فإن ذلك يخرص حين يبدو صلاحه، ويحل بيعه وذلك أن ثمر النخيل والأعناب يؤكل رطبا وعنبا، فيخرص على أهله للتوسعة على الناس، ولئلا يكون على أحد في ذلك ضيق، فيخرص ذلك عليهم، ثم يخلي بينهم وبينه يأكلونه كيف شاءوا، ثم يؤدون منه الزكاة على ما خرص عليهم”.

وذهب الإمام الشافعي إلى جواز ذلك بشرط أن  يتم التقابض في الحال بين البائع والمشتري خلافا لمالك الذي اشترط أن يكون التمر مؤجلا[2].

ونقل عن الشعبي وأصحاب الرأي المنع من الخرص إذ هو تخمين وظن[3]

د ـ اختلافهم في عدد التكبيرات لصلاة العيدين: فذهب مالك إلى أن التكبير في الأولى من ركعتي العيدين سبع مع تكبيرة الإحرام قبل القراءة، وفي الثانية ست مع تكبيرة القيام من السجود، وحجته ما رواه في الموطأ عن ابن عمر أنه قال: “شهدت الأضحى والفطر مع أبي هريرة فكبر في الركعة الأولى سبع تكبيرات قبل القراءة، وفي الأخيرة خمس تكبيرات قبل القراءة”[4]، ولأن العمل عنده بالمدينة كان على هذا.

وبهذا الأثر بعينه أخذ الشافعي، إلا أنه تأول في السبع أنه ليس فيها تكبيرة الإحرام كما ليس في الخمس تكبيرة القيام، ولذلك قال: في الأولى ثمانية[5] وفي الثانية ست مع تكبيرة القيام من السجود[6].

قال ابن رشد الحفيد: “ويشبه أن يكون مالك إنما أصاره أن يعد تكبيرة الإحرام في السبع وبعد تكبيرة القيام زائدا على الخمس المروية أن العمل ألفاه على ذلك، فكأنه عنده وجه من الجمع بين الأثر والعمل”.[7]

هـ ـ اختلافهم في صفة قضاء المصلي فائتة السفر:

ذهب الإمام مالك رحمه الله إلى أن من فاتته صلاة السفر قضاها في الحضر كما وجبت عليه، قال في الموطأ في كتاب الصلاة باب جامع الوقوف :”من أدرك الوقت وهو في سفر فأخر الصلاة ساهيا أو ناسيا حتى قدم على أهله وهو في الوقت فليصل صلاة المقيم، وإن كان قد قدم وقد ذهب الوقت فليصل صلاة المسافر، لأنه إنما يقضي مثل الذي كان عليه، قال مالك: وهذا الأمر الذي أدركت عليه الناس وأهل العلم ببلدنا”.

وذهبت الشافعية والحنابلة إلى أن الفائتة في السفر إذا صلاها في الحضر صلاها صلاة حضر، وحجتهم في ذلك أن القصر رخصة من رخص السفر فيبطل  بزواله، كالمسح على الخفين ثلاثا .[8]

و ـ اختلافهم في مقدار المحرم من اللبن في الرضاع، فذهب مالك إلى القول بأن المحرم في الرضاع قليله وكثيره دون تحديد. ولم يعمل بما روته عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: “كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرِّمن ثم نسخن بخمس معلومات فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو فيما يقرأ من القرآن”[9]، وقال: ” وليس على هذا العمل”[10].

قال ابن رشد رحمه الله: “وبه قال أبو حنيفة وأصحابه والثوري والأوزاعي، وقالت طائفة: بتحديد القدر المحرم، وهؤلاء انقسموا ثلاث فرق، فقالت طائفة: لا تحرم المصة ولا المصتان وتحرم الثلاث رضعات فما فوقها، وبه قال أبو عبيد وأبو ثور، وقالت طائفة: المحرم خمس رضعات وبه قال الشافعي، وقالت طائفة: عشر رضعات”[11]

إلى غير ذلك من الفروع والجزئيات التي اختلفت فيها أنظار الفقهاء بسبب اختلافهم في حجية القاعدة السابقة.

 

 

أثر رواية الحديث في اختلاف الفقهاء، للدكتور عبد الحق يدير، سلسلة أطروحات وأعمال رقم 17، طبعة 2011م، المملكة المغربية، جامعة سيدي محمد بن عبد الله كلية الآداب والعلوم الإنسانية سايس-فاس. ص341 وما يليها.

 

 


[1] – لسان العرب،مادة(خرص)، انظر القاموس الفقهي واصطلاحا ص. 115

[2] – انظر نيل الأوطار : 5/201

[3] – انظر اثر الاختلاف في القواعد الأصولية،ص.463

[4] – رواه مالك الموطأ في كتاب الصلاة باب ما جاء في التكبير والقراءة في صلاة العيدين

[5] – أي ومنها تكبيرة الإحرام

[6] – انظر بداية المجتهد: 1/ 157ـ 158

[7] – نفسه .

[8] – انظر المغني لابن قدامة 2/282، وأثر الاختلاف في القواعد الأصولية ص 463.

[9] – رواه مالك في الموطأ في كتاب الرضاع باب جامع ما جاء في الرضاعة وغيره .

[10] – المصدر السابق،ص. 505 من الموطأ .

[11] – انظر بداية المجتهد: 2/27

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق