مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكدراسات عامة

معارضة خبر الآحاد لعمل أهل المدينة وأثر ذلك في اختلاف الفقهاء 13

الدكتور عبد الحق يدير 

أستاذ التعليم العالي كلية الآداب و العلوم الانسانية فاس سايس

 

ولعل خير من حقق القول في هذه المسألة وحرره ـ في اعتقادي ـ هو شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، حيث قسم عمل أهل المدينة إلى أربعة مراتب:

1-     منها ما هو حجة باتفاق العلماء.

2-     ومنها ما هو حجة باتفاق أكثرهم.

3-     ومنها ما هو حجة عند بعضهم.

4-     ومنها ما ليس بحجة عند جمهورهم.  

المرتبة الأولى : ما يجري مجرى النقل عن النبي صلى الله عليه وسلم، مثل نقلهم لمقدار الصاع والمد، وترك صدقة الخضروات والأحباس . فهذا حجة باتفاق المسلمين، وهو مذهب أبي حنيفة وأصحابه، ونازع فيه أبو يوسف فلما اجتمع بمالك وسأله عن هذه المسائل وغيرها رجع وقال: “لو رأى صاحبي ما رأيت لرجع كما رجعت”.[1]

وقال ابن عقيل ـ من فقهاء الحنابلة ـ في كتاب ( النظريات الكبار) في مسألة استثناء الأصُع المعلومة من الصُّبرة[2]، لما احتج لمالك بأنه عمل أهل المدينة: “أجمعوا على ذلك عملا به، وهم أعرف بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وهم نقلة مكان قبره وعين منبره، ومقدار صاعه، فكانت الثقة بهم كالثقة بإجماع المجتهدين وتواتر الرواية من المحدثين.

وعندي أن إجماعهم حجة فيما طريقه النقل، وإنما لا يكون حجة في باب الاجتهاد لأن معنا مثل ما معهم من الرأي، وليس لنا مثل ما معهم من الرواية، ولا سيما نقلهم فيما تعم به بلواهم، وهم أهل نخيل وثمار، فنقلهم مقدَّم على كل نقل “[3]

المرتبة الثانية: العمل القديم بالمدينة قبل مقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه، فهذا حجة في مذهب مالك، وهو المنصوص عن الشافعي. قال في رواية يونس بن عبد الأعلى: “إذا رأيت قدماء أهل المدينة على شيء، فلا تتوقف في قلبك ريبا أنه الحق”[4]. وكذا ظاهر مذهب أحمد: أن ما سنه الخلفاء الراشدون فهو حجة يجب اتباعها …

المرتبة الثالثة: إذا تعارض في المسألة دليلان، كحديثين وقياسين جهل أيهما أرجح، وأحدهما يعمل به أهل المدينة، ففيه نزاع، فمذهب مالك والشافعي أنه يرجح بعمل أهل المدينة، ومذهب أبي حنيفة أنه لا يرجح به.

ولأصحاب أحمد وجهان : وهو قول القاضي أبي يعلى وابن عقيل.. أنه لا يرجح والثاني: وهو قول أبي الخطاب وغيره أنه يرجح به، وقيل: هو المنصوص عن أحمد، ومن كلامه قال: “إذا رأى أهل المدينة حديثا وعملوا به فهو الغاية” [5]

وكان يفتي على مذهب أهل المدينة ويقدمه على مذهب أهل العراق وكان يدل المستفتي على مذاهب أهل الحديث، ومذهب أهل المدينة…

قال ابن تيمية رحمه الله: “فهذه مذاهب جمهور الأئمة توافق مذهب مالك في الترجيح لأقوال أهل المدينة”[6]

المرتبة الرابعة: فهي العمل المتأخر بالمدينة، فهذا هل هو حجة شرعية يجب اتباعه أم لا ؟

فالذي عليه أئمة الناس أنه ليس بحجة شرعية، هذا مذهب الشافعي وأحمد وأبي حنيفة وغيرهم، وهو قول المحققين من أصحاب مالك.

قال ابن تيمية: “ولم أر في كلام مالك ما يوجب جعل هذا حجة، وهو في الموطأ إنما يذكر الأصل المجمع عليه عندهم، فهو يحكي مذهبهم…

وإذا تبين أن إجماع أهل المدينة تفاوتت فيه مذاهب جمهور الأئمة، علم بذلك أن قولهم أصح أقوال أهل الأمصار رواية ورأيا، وأنه تارة يكون حجة قاطعة، وتارة حجة قوية، وتارة مرجحا للدليل، إذ ليست هذه الخاصية لشيء من أمصار المسلمين” [7].

 

أثر رواية الحديث في اختلاف الفقهاء، للدكتور عبد الحق يدير، سلسلة أطروحات وأعمال رقم 17، طبعة 2011م، المملكة المغربية، جامعة سيدي محمد بن عبد الله كلية الآداب والعلوم الإنسانية سايس-فاس. ص338 وما يليها.

 

 


[1] – انظر صحة أصول مذهب أهل المدينة . ص. 40 .

[2] – انظر المسودة لآل تيمية، ص. 332ـ 333 .

[3] – نفسه .

[4] – انظر صحة أصول مذهب أهل المدينة ص 42 فيما بعدها .

[5] – انظر المصدر السابق ، ص.42

[6] – نفسه .

[7] – انظر المصدر السابق ،ص.42

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق