مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةغير مصنف

مظاهر عناية المغاربة بصحيح البخاري (الافتتاحيات والختمات)

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على نبينا محمد

وعلى آله وصحبه أجمعين

 

إعداد: يوسف أزهار

 أما بعد؛

فإن منبع التشريع الإسلامي هما: القرآن والسنة، أنزلهما الله عز وجل على نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم بواسطة ملك الوحي: جبريل عليه السلام، وقد حفظ الله عز وجل هذين الأصلين للتشريع منذ ذلك الزمان إلى زماننا هذا، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

فالقرآن الكريم حفظه الله عز وجل لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من عزيز حكيم، وذلك بحفظه في  الصدور وفي السطور. وأما سنة نبيه صلى الله عليه وسلم المشرفة فقد قيَّض الله عز وجل لها رجالا فحفظوها من كيد الكائدين، وانتحال المبطلين، ودافعوا عنها، ودونوها في كتبهم، هؤلاء الرجال هم أهل الحديث، هذه مشيئة الله تعالى، وخصيصة من خصائص هذه الأمة، لتنير طريق الهداية والرشاد، ولئلا تزيغ عن منهجهما كما زاغت الأمم السابقة، ويظلان نبراسا تضيء بهما إلى يوم القيامة، وهذه الأمة المحمدية ولادة لرجال عظام مروا عبر التاريخ شهد لهم الأعداء قبل الأحباب والأصحاب، فهم ورثة الأنبياء، ويكفي أن أذكر في هذا المقال عَلَما من أعلام هؤلاء الرجال، ألا وهو الإمام البخاري، الذي جمع كتابا تضمن أصح أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم.

 ولم يسلم هذا الجامع الصحيح من كيد الكائدين، وحقد الحاقدين، وطعن الطاعنين في كل وقت وحين، والكلام فيه بالسوء كلام في الدين، لأنه منبع الأحكام، وأصل التشريع، قد تلقته الأمة بالقبول، ولا يمكن للأمة المحمدية جمعاء أن تجتمع على ضلالة، كما قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله تعالى قد أجار أمتي أن تجتمع على ضلالة)  [1]. كيف لا وقد قال مصنف هذا الجامع الصحيح: “أحفظ مائة ألف حديث صحيح، وأحفظ مائتي ألف حديث غير صحيح”  [2]. وكما قال أيضا: “خرَّجت كتاب الصحيح من زهاء ستمائة ألف حديث، وما وضعت فيه حديثا إلا وصليت ركعتين” [3] .

وأهل المغرب –أقصد بهم أهل المغرب العربي- جزء لا يتجزأ من هذه الأمة الإسلامية، فقد اهتموا بصحيح الإمام البخاري -الذي حوى بين دفتيه أصح السنن-، وأقبلوا عليه منذ دخوله إلى بلادهم، حتى وقَّف كثير منهم حياته عليه، ويكمن هذا الاهتمام الملفت للنظر في كثير من مناحي الحياة الدينية، والسياسية، والاجتماعية، والفكرية. ولهذا فلا تكاد تخلو منه خزانة مؤسسة من المؤسسات العامة سواء الدينية كالمساجد، والزوايا، أو المؤسسات التعليمية كالجامعات، وكذا في المؤسسات الخاصة كخزائن كتب العلماء، والملوك، والأعيان. كما تعاقبت الأجيال على سرده في حلقات العلم وفي سائر الأقطار، وعني بكتابته، وتحليته، وتزويقه الورّاقون.

-كما يتجلى الاهتمام بهذا الصحيح أيضا عندما أعطى السلطان مولاي إسماعيل بن الشريف العلوي المتوفى عام (1139) [4] اسم: “عبيد البخاري” على بعض الجنود المغاربة [5]، وينعتون كذلك بـ: “البواخر”، هذا بالإضافة إلى اتخاذ “البخاري” نسبة؛ كما هو حال كثير من الأسر المغربية.

ولعل من أهم مظاهر إقبال المغاربة علی ‌الجامع الصحيح، إلى جانب حفظه عن ظهر قلب، عنايتهم واهتمامهم بدراسته، فكتبوا عنه الشروح، والتعاليق، والحواشي، وخصصوا له الافتتاحيات، والختمات.

وأورد في هذا الموضوع مظهرين من مظاهر عناية المغاربة بصحيح الإمام البخاري -رحمه الله-، أولهما: الافتتاحيات، وثانيهما: الختمات، معرفا بكل فن على حدة، مع ذكر بعض الكتب التي صنفت  في هذين الفنين، مبينا في الآن نفسه –على حسب المتاح- بيانات كل كتاب، سواء كان مخطوطا أو مطبوعا، وإلا فإني أذكر مواضع ذكره في كتب التراجم، والفهارس.

 

افتتاحيات صحيح الإمام البخاري

هذا هو المقال الأول من هذا الموضوع، أبين من خلاله تعريف الافتتاحيات، وبعض ما صنف في هذا الباب.

أولا: تعريف الافتتاح

فأما الفَتْحُ لغة فهو: إزالة الإغلاق والإشكال، وفاتحة كل شيء: مبدؤه الذي يفتح به ما بعده، وبه سمي: “فاتحة الكتاب”، وقيل: افتتح فلان كذا: إذا ابتدأ به، وفتح عليه كذا: إذا أعلمه ووقفه عليه، قال تعالى: ﴿أتحدثونهم بما فتح الله عليكم[6] ، وقال سبحانه: ﴿ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها[7] ، وفتح القضية فتاحا: فصل الأمر فيها، وأزال الإغلاق عنها [8] ، والفَتْحُ: ضده الغلق، تقول: افتتحته بكذا أي: ابتدأته به، و”فَاتِحَةُ الكِتَابِ”: سميت بذلك الاسم لأنه يفتتح بها القراءة في الصلاة  [9] ، وافتتاح الصلاة: التكبيرة الأُولى  [10] .

والمقصود بالافتتاحيات: مجلس أو كتاب يقدم به لتدريس كتاب من كتب العلم، وقد اقتصرت -في الغالب- الافتتاحيات علی ‌صحيح البخاري دون سواه من كتب الحديث، أو العلوم الأخرى من: علوم القرآن، أو الفقه وأصوله، وغير ذلك. وهذا الفن يرتكز على العناصر التالية [11]:

–    الكلام عن فضل العلم والعلماء، ومجالسه، وتعليمه، وخاصة علم الحديث.

–    الكلام عن سبب اقتصار البخاري علی‌ البسملة مكتفيا بها عن الحمد، لتضمنها معناه ‌اقتداء، وجريا علی ‌سنن الصدر الأول، وفي مقدمتهم النبي صلی الله عليه وسلم في رسائله.

–    الكلام علی سبب تصدير الجامع الصحيح بترجمة بدء الوحي، بيانا لمقصد المؤلف من كتابه.

–    التعريف بالبخاري : حياته، ونشأته، وفضله.

–    الكلام عن الجامع الصحيح، وكيفية تأليفه.

–    الكلام علی الإسناد، والسند إلى البخاري.

–    شرح حديث النية سندا، ومتنا.

–    الختم بالدعاء والصلاة علی النبي الكريم صلى الله عليه وسلم.

ثانيا: المصنفات

دون المغاربة كتبا في افتتاح صحيح الإمام البخاري، وهذه بعض تلك التواليف مرتبة على حسب تواريخ وفيات مصنفيها:

1. شرح افتتاح البخاري بترجمة بدء الوحي لمحمد بن قاسم بن محمد جسوس، المتوفی عام (1182)[12].
2. نفحة المسك الداري لافتتاح صحيح البخاري لحمدون بن الحاج السلمي المرداسي، الفاسي المتوفی عام (1232)[13].
3. شرح افتتاح صحيح البخاري لعبد القادر بن أحمد الكوهن الفاسي، المتوفی عام (1254) [14].
4. رسالة في مناسبة ابتداء البخاري بقوله: “كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم” لمـَحمد بن مُحمد بن قدور المراكشي اليزمي المعروف بـ:  الأبيض، المتوفی عام (1270)[15].   
5. بسملة صحيح البخاري والسند إليه لمحمد الطالب بن حمدون بن الحاج السلمي المرداسي الفاسي، المتوفی عام (1273) [16].
6. رفد القاري بمقدمة افتتاح صحيح الإمام البخاري لفتح الله بن أبي بكر بناني الرباطي، المتوفی عام (1353) [17].
7. مقدمة الرعيل لجحفل محمد بن إسماعيل لمحمد المدني بن الغازي بن الحُسْني الحسني الرباطي، المتوفی عام (1378) [18].
8. الميدان الفسيح لبسملة الصحيح لمحمد المدني أيضا [19].
9. ثالث افتتاح لأصح الصحاح لمحمد المدني أيضا [20].
10. نكتة القاري على أول ترجمة من تراجم البخاري لمحمد بن عبد الله البركي الناصري [21].

هذا ما تيسر الوقوف عليه مما ألفه المغاربة من كتب الافتتاحيات لصحيح الإمام البخاري، منبها –بحسب المستطاع- على بيانات كل كتاب، وفيما يلي إن شاء الله سأتحدث عن الختمات: تعريفها لغة واصطلاحا، وما ألف فيها.

 

هوامش المقال 

————————————

[1]) رواه من حديث أنس بن مالك: ابن أبي عاصم في السنة، رقم الحديث: 82، (88/1). تحقيق: باسل بن فيصل الجوابرة، دار الصميعي، الرياض، الطبعة الأولى:1998/1419، والضياء المقدسي في الأحاديث المختارة، رقم الحديث: 2559، (129/7). تحقيق: عبد الملك بن عبد الله بن دهيش، دار خضر، بيروت، الطبعة الثالثة:2000/1420 . وفي هامش الكتابين كلام عن الحديث من حيث الصحة والضعف، فلينظر.

[2] ) فتح الباري شرح صحيح البخاري لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني (487/1). دار المعرفة – بيروت، 1379.

[3] ) جامع الأصول في أحاديث الرسول لمجد الدين أبي السعادات المبارك بن محمد الجزري ابن الأثير (186/1). تحقيق: عبد القادر الأرناؤوط. مكتبة الحلواني، مطبعة الملاح، مكتبة دار البيان، الطبعة الأولى:1969/1389.

[4] ) ترجمته في: الإعلام بمن حل مراكش وأغمات من الأعلام  للعباس بن إبراهيم السملالي(3/ 64_70). المطبعة الملكية، الرباط، 1975، وسلوة الأنفاس ومحادثة الأكياس بمن أقبر من العلماء والصلحاء بفاس لمحمد بن جعفر بن إدريس الكتاني (3/ 229-230). طبعة فاسية، وغيرهما من الكتب التي ترجمت له رحمه الله.

[5] ) قال أبو العباس أحمد بن خالد بن محمد الناصري في الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى (7/ 58-59). تحقيق: جعفر الناصري، محمد الناصري، دار الكتاب، الدار البيضاء،1997/1418 ما نصه: “وأما سبب تسمية هذا الجيش بـ: “عبيد البخاري” فإن المولى إسماعيل -رحمه الله- لما جمعهم، وظفر بمراده بعصبيتهم، واستغنى بهم عن الانتصار بالقبائل بعضهم على بعض، حمد الله تعالى، وأثنى عليه، وجمع أعيانهم، وأحضر نسخة من صحيح البخاري، وقال لهم: أنا وأنتم عبيد لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وشرعه المجموع في هذا الكتاب، فكل ما أمر به نفعله، وكل ما نهى عنه نتركه، وعليه نقاتل. فعاهدوه على ذلك وأمر بالاحتفاظ بتلك النسخة، وأمرهم أن يحملوها حال ركوبهم، ويقدموها أمام حروبهم، كتابوت بني إسرائيل، وما زال الأمر على ذلك إلى هذا العهد فلهذا قيل لهم: عبيد البخاري”.

[6]) سورة البقرة، الآية رقم: 76.

[7]) سورة فاطر، الآية رقم: 2.

[8]) مفردات ألفاظ القرآن للراغب الأصفهاني (ص: 621). تحقيق: صفوان عدنان داوودي، دار القلم، دمشق، الدار الشامية، بيروت، ط 1: 1992/1416.

[9]) المصباح المنير لأحمد بن محمد بن علي الفيومي المقرئ (ص: 274)، مادة: “فتح”. دار الحديث، مصر، 2003/1424.

[10]) لسان العرب لأبي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور الإفريقي المصري (2/ 536_539) ، مادة: “فتح”. دار صادر، بيروت، ط 6: 1997/1417.

[11]) مدرسة الإمام البخاري في المغرب ليوسف الكتاني (2/ 617). دار لسان العرب، بيروت.

[12]) توجد منه بالمكتبة الوطنية بالرباط ثلاث نسخ، الأولى تحت رقم: 10/478د، فهرس المخطوطات العربية المحفوظة في الخزانة العامة بالرباط (248/1). ليفي بروفنصال، مراجعة: صالح التادلي، سعيد المرابطي، ط2:  1997-1998، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، والثانية تحت رقم: 283د، والثالثة تحت رقم: 478د فهرس المخطوطات العربية المحفوظة في الخزانة العامة بالرباط(ق 2،ج 79/1). علوش، عبد الله الرجراجي، ط2: 2001/1421.

[13]) طبع بتحقيق: محمد بن عزوز، مركز التراث الثقافي المغربي، الدار البيضاء، دار ابن حزم، بيروت، الطبعة الأولى: 2008/1429.

[14]) طبع بتحقيق: عبد الإله يعلاوي، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى: 2002/1423.

[15]) الإعلام بمن حل مراكش وأغمات من الأعلام (292/7).  

[16]) توجد منه نسخة بالخزانة الحسنية بالرباط، تحت رقم:  173. كشاف الكتب المخطوطة بالخزانة الحسنية (ص: 67). عمر عمور، الطبعة الأولى:2007/1428، المطبعة والوراقة الوطنية، مراكش.

[17] ) طبع بالمطبعة الأهلية بالرباط عام 1347. معجم المطبوعات الحجرية (ص: 42). إدريس بن الماحي الإدريسي القيطوني الحسني. مطابع سلا. بسلا.

[18] ) شخصيات مغربية: الحافظ الواعية محمد المدني بن الحسني (ص: 19) لعبد الله الجراري، دار الثقافـة، الدار البيضاء، 1977، مقال محمد المنوني في مجلة دعوة الحق، السنة الثالثة: العدد 10 ص: 80، صفر 1380.

[19] ) معجم المحدثين والمفسرين والقراء بالمغرب الأقصى لعبد العزيز بن عبد الله (ص: 35). مطبعة فضالة، المحمدية، المغرب،1972/1392، مقال محمد المنوني في مجلة دعوة الحق السنة الثالثة: العدد 10 ص: 80، صفر 1380.

[20] ) حققه: دهاج عبد اللطيف ضمن دبلوم الدراسات العليا المعمقة في العلوم الإسلامية بتاريخ: 01/01/2002، بإشراف: محمد الراوندي.

[21] ) توجد منه نسخة بالخزانة التيدسية بتارودانت، تحت رقم: 132. الفهرس المخطوط للخزانة التيدسية (ص: 6)، إعداد: إبراهيم أزوغ.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق