مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةغير مصنف

مظاهر عناية المغاربة بصحيح البخاري (الافتتاحيات والختمات)

 

 

 

                                                                                  بقلم الباحث: يوسف أزهار*
                                      * ختمات صحيح البخاري

تحدثت في المقال الأول من موضوع: “مظاهر عناية المغاربة بصحيح البخاري (الافتتاحيات والختمات)” عن الافتتاحيات: مفهومها لغة واصطلاحا، وما ألفه المغاربة في هذا الفن، وفي هذا المقال سأتناول -إن شاء الله تعالى- الحديث عن الختمات: تعريفها، وما ألفه المغاربة فيها.

أولا: تعريف الختم

فأما الختم لغة: فمن خَتَم الشيء من باب ضرب فهو: مَخْتُومٌ ومُخَتَّم شُدِّد للمبالغة، وخَتَمَ الله له بخير، وختم القرآن: بلغ آخره، واخْتَتَمَ الشيء ضد افتتحه، والخَاتَمُ -بفتح التاء وكسرها- والخَيْتامُ والخَاتَامُ كله بمعنى، والجمع: الخَوَاتِيمُ، وتَخَتَّمَ: لبس الخاتم، وخاتِمةُ الشيء: آخره، ومحمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، والخِتَامُ: الطين الذي يختم به، وقوله تعالى: ﴿ختامه مسك﴾ [1] أي: آخره، لأن آخر ما يجدونه رائحة المسك [2]. والختم والطبع يقال على وجهين: مصدر ختمت، وطبعت، وهو تأثير كنقش الخاتم والطابع. والثاني: الأثر الحاصل عن النقش [3]. والخَتْم على القَلْب أَن لا يَفهَم شيئاً، ولا يَخرُج منه شيء كأَنه طبع، وفي التنزيل العزيز: ﴿خَتَم اللهُ على قلوبهم﴾. هو كقوله: طَبَعَ الله على قلوبهم فلا تَعْقِلُ ولا تَعِي شيئاً. قال أَبو إِسحاق: معنى خَتَمَ وطَبَعَ في اللغة واحدٌ وهو التغطية على الشيء والاستِيثاقُ من أَن لا يَدخله شيء كما قال جلّ وعلا : ﴿أَم على قلوب أَقفالُها﴾ [4]. وتختم عنه: تغافل وسكت، وبأمره: كَتَمه وتعمم، والاسم: التختمة، وكمنبر: الجوزة تدلك لِتَمْلاس وينقد بها، فارسيته: تير، والختم: العسل، وأفواه خلايا النحل، وأن تجمع النحل شيئا من الشمع رقيقا أرقَّ من شمع القرص فتطليه به. والمختوم: الصاع. والخُتُم –بضمتين-: فُصُوص مَفَاصِل الخيل الواحد: ككتاب وعالم [5].

والمقصود بالختمات: عادة من العادات التي عرفتها مراكز الثقافة الإسلامية عبر التاريخ بمناسبة ‌انتهاء العالِم من تدريس فن من الفنون، حيث يُعقد مجلس حافل يسمی بـ: “يوم الختمة” يكلل به مجالس الشيخ في الفن الذي يُدَرِّسه من: تفسير، أو حديث، أو فقه، ويَختم فيه الكتاب الذي دَرَّسه لتلاميذه.

ثانيا: المصنفات

هذا الفن من الفنون يكاد يتميز به العلماء المغاربة علی الخصوص، بدليل وجود عدد كبير من المؤلفات في موضوع: الختوم في شتى كتب العلوم، لكن ما يهمنا في هذا الصدد ختمات كتب علم الحديث، وخاصة صحيح البخاري. هذا وإن دَلَّ على شيء فإنما يدل علی مدی العناية الفائقة، والأهمية الكبيرة التي أولاها المغاربة  لصحيح الإمام البخاري [6] .

وفيما يلي بعض كتب الختمات للمغاربة مرتبة على حسب تاريخ وفيات مؤلفيها [7]:

1. إظهار نفائس ادخاري المهيأة لختم كتاب البخاري لأحمد بن قاسم ساسي البوني، المتوفی عام (1139) [8].

2. ختم على صحيح البخاري لأبي عبد الله محمد الحفصي القسنطيني، المتوفى في حدود عام (1226) [9].

3. نوافح الورد والعنبر والمسك الداري لشرح آخر ترجمة صحيح الإمام البخاري للشيخ عبد القادر الكوهن، المتوفی سنة (1254) [10].

4. ختم على صحیح البخاري لمحمد بن مصطفى البارودي التونس،  المتوفى عام  (1254) [11].
5. ختم صحيح البخاري لمولاي العباس بن عبد الرحمن بن هشام العلوي، المتوفی سنة (1296) [12].
6. عون الباري علی ‌فهم آخر تراجم صحيح الإمام البخاري لأحمد بن الطالب بن سودة المتوفى سنة (1321) [13]  .
7. شرح آخر ترجمة من صحيح الإمام البخاري لجعفر بن إدريس الكتاني، المتوفى سنة (1323) [14].
8. ختمة صحيح الإمام البخاري لمحمد بن عبد الكبير الكتاني، المتوفى سنة (1327) [15].

9. ختم الصحيح لعبد الكبير بن محمد بن عبد الكبير الكتاني، المتوفى سنة (1333) [16].
10. إتحاف القارئ عند ختم البخاري لأحمد بن جعفر الكتاني المتوفى عام (1340) [17].

هذا ما تيسر الوقوف عليه مما ألفه المغاربة من كتب الافتتاحيات والختمات لصحيح الإمام البخاري رحمه الله تعالى، وهما من بين مظاهر عناية المغاربة لهذا الجامع الصحيح، وهذه العناية المغربية أبرزت لنا أئمة أعلاما متخصصين في: حفظه، وتدريسه، وقراءته، ونسخه، حتى غدت خزائن الكتب العامة والخاصة في بلاد المغرب العربي تزخر وتنفرد  بمجموعة من النسخ النفيسة لهذا الجامع الصحيح.

كما يظهر جليا أن كتاب الإمام البخاري كتب الله عز وجل له القبول في الأرض، حتى أضحت خزائن الكتب بشتى أنواعها سواء كانت عامة أو خاصة -ليس في المغرب فحسب بل في المعمور- تتوفر على مجموعة من نسخ هذا الكتاب. ولم تقف هذه العناية عند هذا الحد بل تُرجم إلى لغات عديدة؛ ليتسنى لغير العرب الاطلاع عليه.

رحم الله هذا الإمام وجزاه الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، وجعله مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنات الفردوس، وجعلنا من خدام سنة النبي الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم المتبعين لها، الذابِّين عنها، لنجازى بشربة من يد النبي الكريم صلى الله عليه وسلم فلا نظمأ بعدها أبدا، ونسأله سبحانه وتعالى مجاورة نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم في جنات الفردوس. إنك على كل شيء قدير وبالإجابة جدير.

هوامش المقال

 ***************************

1) سورة المطففين الآية: 26.

2)  مختار الصحاح ص: 196. محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي، تحقيق: محمود خاطر، مكتبة لبنان ناشرون،  بيروت، 1995/1415.

3) مفردات ألفاظ القرآن ص: 274-275  مادة: “ختم”. الراغب الأصفهاني، تحقيق: صفوان عدنان داوودي، دار القلم، دمشق، الدار الشامية، بيروت، الطبعة الأولى:1992/1416.

4 لسان العرب 163/12، مادة: “ختم”. جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور الإفريقي المصري، دار صادر، بيروت، الطبعة السادسة: 1997/1417.

5) القاموس المحيط ص: 1420، مادة: “ختم”. مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الثانية: 1987/1407.

6) لم ينحصر ختم صحيح البخاري على الرجال، بل طال نصيبه من النساء أيضا، فقد ذكر عبد السلام بن عبد القادر ابن سودة في ترجمة جدته من الأم زينب بنت الشيخ المهدي بن الطالب ابن سودة المتوفاة عام (1344) من سل النصال للنضال بالأشياخ وأهل الكمال ص: 39: “نشأت في حجر والدها وبين أحضان إخوانها الأربعة محمد والتاودي والمكي وعبد السلام، فاكتسبت من ذلك معلومات فقهية وألفاظا حديثية، وصارت تنطق بها وتستعمل مقتضياتها في عبادة ربها وتهجدها، فإذا ذاكرتها وجدت نصوصها حاضرة، وكانت عند أول يوم من رجب في كل سنة تستدعي أبناء إخوانها وتأمرهم بسرد صحيح الإمام البخاري في كل يوم إلى متم رمضان، وفي آخره يكون ختم الصحيح، وكانت تحتفل لهم في كل يوم من الثلاثة أشهر المذكورة وحين السرد تستشكل بعض المواضيع من الصحيح، وكثيراً ما يكون الإشكال في محله، ثم يقع الجواب منهم عن ذلك”.

7) غير أ‌ن أول كتاب ألف في هذا الباب كان في بداية القرن العاشر، وهو بعنوان: “عمدة القاري والسامع في ختم الصحيح الجامع” للسخاوي: أبو الخير محمد بن عبد الرحمن بن محمد المتوفى عام (902)، طبع بتحقيق: علي العمران، بدار عالم الفوائد مكة المكرمة، ثم بتحقيق مبارك الهاجري في مجلة كلية الشريعة التي تصدر عن جامعة الكويت، ضمن العدد: 44 في ذي الحجة 1421 الموافق لمارس 2001. كما طبع باسم: “عمدة السامع والقاري في فوائد الصحيح البخاري” بتحقيق: رضوان جامع رضوان، بمكتبة أولاد الشيخ للتراث، القاهرة، الطبعة الأولى: 1423 /2003.

8) فهرس الفهارس والأثبات ومعجم المعاجم والمشيخات والمسلسلات 1 /237. عبد الحي بن عبد الكبير الكتاني دار الغرب الإسلامي،  بيروت الطبعة الثانية، 1982.

9) يوجد منه نسخة بمكتبة المسجد النبوي الشريف تحت رقم: 9 /175. فهرس المخطوطات الأصلية لمكتبة المسجد النبوي الشريف ص: 22.

10)  حققه: صباح زخنيني، ومحمد إقبال عروي، ˜الحلقة الأفريقية للتحقيق، المغرب، 2003.

11) يوجد منه نسخة بمكتبة المسجد النبوي الشريف تحت رقم: 3 /15. فهرس المخطوطات الأصلية لمكتبة المسجد النبوي الشريف ص: 15، ونسخة أخرى بمركز جمعة الماجد تحت رقم: 9763. قائمة مخطوطات مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث، دبي ص: 9.

12) الإعلام بمن حل مراكش وأغمات من الأعلام  للعباس بن إبراهيم السملالي 8 /23. المطبعة الملكية، الرباط، 1975.

13) طبع بالمطبعة الحجرية بفاس عام 1311 في 48 صفحة. معجم المطبوعات الحجرية ص: 167. إدريس بن الماحي الإدريسي القيطوني الحسني. مطابع سلا. بسلا، كما طبع ضمن “كرسي صحيح الإمام البخاري بجامع القرويين بمدينة فاس” لمحمد بن عزوز بتحقيق هذا الأخير. منشورات مركز التراث الثقافي المغربي، الدار البيضاء، دار ابن حزم، بيروت، 2010.

14) طبع على حجر بفاس في 28 ورقة. معجم المطبوعات الحجرية ص: 297، كما طبع بتحقيق: رضوان أخرقي، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى: 1428 /2007.

15) طبع على الحجر بمطبعة الذويب بفاس سنة 1323 في 160 صفحة. معجم المطبوعات الحجرية ص: 304، فهرس المطبوعات الحجرية آل سعود ص: 31.

16) فهرس الفهارس 2 /745.

17) سل النصال ص: 24.

 *- راجعت هذا المقال بتكليف من رئيس المركز، لجنة مكونة من: فاطمة الزهرة المساري، خديجة أبوري، محمد إليولو، عبد الفتاح مغفور.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق