مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبيةقراءة في كتاب

مظاهر التماسك والانسجام من خلال كتاب نظم الدرر في تناسب الآيات والسور للإمام البقاعي: «أثر الإحالة في سبك سورة آل عمران من [الآية 1- الآية 103] الحلقة الرابعة عشرة

«المفهوم اللغوي والاصطلاحي لمصطلح«الإحالة»:

الإحالة في اللغة مصدر الفعل«أحال» ولهذا الفعل في معاجم اللغة دلالات كثيرة، وسنقف عند المعاني التي لها صلة بوظيفة الإحالة في الدرس اللغوي:

 أحال الغريم: زجاه عنه إلى غريم آخر، [1] أحالوا: أي أقبلوا إليه هاربين وهو من التحول،[2] وأحلت عليه بالكلام: أقبلت عليه، وأحال الذئب على الدم: أقبل عليه[3] وأحال عليه بالسوط يضربه أي أقبَلَ[4] وبالنظر إلى هذه المعاني اللغوية نجد أنها تدورُ بين ثلاثة معان؛ المعنى الأول يكون فيه الفعل«أحال» متعديا، فالمحال لا يقبل من تلقاء نفسه، إنما يحيله شخص آخر، أما المعنيان الآخران وهما الإقبال والإقبال هربا، فتكون الإحالة فيهما مصدرا للفعل أحال لازما، وأول ما ينبغي البدء به عند الحديث عن مصطلح الإحالة«référence» هوالإشارة إلى أن لهذا المصطلح استعمالات متعددة، وتصورات مختلفة لمفهومه، وهو من الأدوات المهمة التي تسهم مع غيرها في تحقيق تماسك النص القرآني واتساقه، وله أثر مهم في ربط أجزاء الجملة الواحدة من ناحية، وربط عدة جمل بعضها ببعض. وتنقسم الإحالة إلى قسمين:إحالة نصية«endophora» فتترجم إلى الإحالة الداخلية بمعنى العلاقات الإحالية داخل النص؛ سواء أكان بالرجوع إلى ما سبق، أو بالإشارة إلى ما سوف يأتي داخل النص،  بمعنى أن هذا المصطلح يركز على العلاقات بين الأنماط الموجودة في النص ذاته، وقد تكون بين ضمير وكلمة، أو كلمة وكلمة، أو عبارة، أو جملة وجملة، أو فقرة وفقرة … [5] والإحالة الداخلية تربط العناصر الإحالية بالعناصر الإشارية، وهي عناصر مستكنة في النظام اللغوي، تنشأ في النص ذاته، [6] وهي عكس الإحالة الخارجية «exophora»خارج حدود النص؛ إذ يشير مصطلح الإحالة الخارجية إلى ما يُحيلُ على الموقف الخارجي extralinguistic situation ، ونفهم مما سبق أن الإحالة تنقسم إلى قسمين نمثلها في الخطاطة التالية: [7]

وتعد ضمائر الإشارة إحدى وسائل الاتساق النصي الداخلة في نوع الإحالة، فمنها ما يدل على الزمان «الآن وغدا»، ومنها ما يدل على المكان «هنا وهناك»، ومنها ما ي يدل على البعد «ذلك وتلك»ومنها للقرب «هذا وهذه» فهي تقوم بالربط القبلي والبعدي، ومن ثم تسهم في اتساق النص،[8] وسنحاول إن شاء الله تعالى في هذا المقال دراسة  سورة «آل عمران»والوقوف على طبيعة نظامها اللغوي وكيفية ترابطها وتماسكها، من  خلال الأدوات التي أسهمت في اتساقها وانسجامها، محاولين الإجابة عن دور «الإحالات» في تحقيق التماسك النصي بين أجزائه

أثر الإحالة في سبك سورة آل عمران [الآية 1- الآية 103]

يتضح لنا في بداية السورة أن أول عنصر محال إليه هو لفظ الجلالة«الله» عز وجل، وهذا في قوله تبارك وتعالى:«الم اللّهُ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّوم، نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيل، مِن قَبْلُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَأَنزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِ اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَام، إِنَّ اللّهَ لاَ يَخْفَىَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء، هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاء لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم»[آل عمران:1-6] وهذه الإحالة هي إحالة نصية على سابق، وسنوضح توزيع الإحالات في هذه السورة الكريمة من خلال جدول توضيحي كالآتي:

الآية المحال إليه موضع الإحالة نوعها
«الم اللّهُ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّوم» [الآية:1] الله تعالى الضمير «هو» إحالة نصية على سابق
« نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ»

[الآية:3]
«الرسول صلى الله عليه وسلم» «عليك» إحالة نصية على سابق
« إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِ اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَام» [الآية:4] «اليهود والنصارى» الاسم الموصول «الذين» إحالة مقامية خارجية
«إِنَّ اللّهَ لاَ يَخْفَىَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء» [الآية:5] الله عز وجل لا يخفى عليه إحالة نصية على سابق
«هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاء لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم» [الآية:6] الله عز وجل الضمير هو إحالة نصية على سابق
«هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَاب»[الآية:7] الآيات

 

 

عليك

الضمير «هن»

 

 

الرسول صلى الله عليه وسلم

إحالة مقامية على سابق

 

 

إحالة نصية على سابق

«رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّاب»[الآية: 8]  

الله عز وجل

لاتزغ، هديتنا، هب، لدنك، أنك، أنت إحالة نصية على سابق
رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَاد [الآية:9] الله عز وجل إنك، لا يخلف، أنت إحالة نصية على سابق
«إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُم مِّنَ اللّهِ شَيْئًا وَأُولَـئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّار»[الآية:10]  

الذين كفروا

 

الضمير«هم» أولئك

إحالة نصية على سابق
«كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللّهُ شَدِيدُ الْعِقَاب»[الآية:11] من قبلهم = آل فرعون

بآياتنا = آيات الله تعالى

بذنوبهم = ذنوب آل فرعون والذين مِن قبلهم

أخذهم إحالة نصية على سابق
«قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَاد »[الآية:15] من تحتها = جنات الضمير المتصل«الهاء» إحالة نصية على سابق
«شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم»[الآية:18] أنه لا إله إلا هو = الله عز وجل الضميرالمنفصل«هو» إحالة نصية إلى سابق
«إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللّهِ فَإِنَّ اللّهِ سَرِيعُ الْحِسَاب »[الآية:19] جاءهم العلم = اليهود والنصارى الاسم الموصول «الذين» إحالة مقامية خارجية
«إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الِّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيم»[الآية:21] اليهود الذين، الضمير «هم» في بشرهم إحالة مقامية خارجية
«أُولَـئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِين»[الآية:22] الذين يكفرون بآيات الله اسم الإشارة«أولئك» إحالة مقامية خارجية
«أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوْتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُمْ وَهُم مُّعْرِضُون» [الآية:23] اليهود

 

الله

الذين، الضمير«هم»

 

يحكم

إحالة  مقامية

 

إحالة نصية  على سابق

«فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُون»[الآية:25] كل نفس هم إحالة نصية على سابق
قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِير »[الآية:26] الله نؤتي، تشاء، تنزع، تعز بيديك إحالة نصية على سابق
«تُولِجُ اللَّيْلَ فِي الْنَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الَمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَن تَشَاء بِغَيْرِ حِسَاب »[الآية:27] الله تولج، تخرج، ترزق إحالة نصية إلى سابق
«لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللّهِ الْمَصِير »[الآية:28] الاتخاذ

 

الله

اسم إشارة ذلك

 

يحذركم، الهاء في «نفسه»

إحالة نصية إلى سابق

 

إحالة نصية على سابق

«يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَاللّهُ رَؤُوفُ بِالْعِبَاد»[الآية:30] الله نفسه إحالة نصية إلى سابق

 

«قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيم »[الآية:31] الله يحببكم، يغفر لكم إحالة نصية إلى سابق
«إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيم»[الآية:35] امرأة عمران

 

الله

أني، نذرت، بطني

 

الضمير«أنت»

إحالة نصية على سابق

 

إحالة نصية على سابق

 

«فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيم »[الآية:36] امرأة عمران

 

وضعتها، قالت، ربي، وضعت، سميتها، أعيذها، ذريتها إحالة نصية على سابق
«فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً قَالَ يامَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَـذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَاب»[الآية:37] – مريم

 

 

 

– زكريا

– الرزق

تقبلها، ربها، أنبتها، كفلها، عليها، قالت

 

 

دخل، وجد، قال

اسم إشارة «هذا»

إحالة نصية على سابق

 

 

 

إحالة نصية على سابق

إحالة نصية على سابق

«هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء»[الآية:38] المحراب اسم الإشارة «هنالك» إحالة نصية على سابق
«فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَـى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِين»[الآية:39]

 

زكريا الهاء في نادته، الضمير هو، يصلي، يبشرك إحالة نصية على سابق
«قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّيَ آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزًا وَاذْكُر رَّبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَار»[الآية:41] زكريا آيتك، تكلم، اذكر إحالة نصية على سابق
«وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يامَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِين »[الآية:42]

 

مريم اصطفاك، طهرك إحالة نصية على سابق
«يامَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِين »[الآية:43] زكريا اقنتي، اسجدي، اركعي إحالة نصية على سابق
«وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُون» [الآية:103] الذين آمنوا اعتصموا، لا تفرقوا، اذكروا، عليكم، كنتم، قلوبكم، فأصبحتم، أنقذكم إحالة نصية على سابق

 وبهذا الجدول التفصيليي يتبين النموذج الأعلى للاتساق، وهو «الإحالة» بأنواعها؛ التي تعد وسلة ربط تَكسب الكلام قوة في المعنى وتماسكا في اللفظ، حيث غلبت على هذه الآيات الإحالات النصية لكونها الأكثر انتشارا في معظم النصوص ومنها النص القرآني، فظهر أغلبها في الضمائر وأسماء الإشارة، والأسماء الموصولة، وكان لذلك كله أثر كبير في تحقيق التماسك والالتحام الكلي للآيات، ليظهر لنا بعد ذلك كيف تعاضدت عناصر الإحالة معا لتكوين نص مسبوك مترابط أشد الارتباط؛  فالإحالة قادرة على صنع قنوات وجسور للتواصل بين مكونات  النص الظاهرة وأجزائه المتباعدة، تلك الأجزاء التي تمثلها الكلمات والجمل والعبارات، فكانت من أهم وسائل حبك العبارات لفظيا من دون إهمال لترابط الدلالات الكامنة التي تحتملها، فهي صياغة أكبر قدر من المعلومات بإنفاق أقل قدر ممكن من الوسائل. [9] وفي الحلقة المقبلة سنكمل إن شاء الله تعالى بيان  توزيع الإحالات المتبقية في سورة آل عمران.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش:

 [1] لسان العرب 11/190.

[2] لسان العرب 11/188.

[3] لسان العرب 11/192.

[4]الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، أبو نصر إسماعيل بن حماد الجوهري الفارابي، تحقيق: أحمد عبد الغفور عطار، الناشر: دار العلم للملايين- بيروت، 4/1680.

[5] علم اللغة النصي بين النظرية والتطبيق، دراسة تطبيقية على السور المكية، صبحي إبراهيم الفقي 1/40-41  لسانيات النص «مدخل إلى انسجام الخطاب»، محمد خطابي، الطبعة الأولى 1991، المركز الثقافي العربي ص16/17.

[6] مفاهيم لسانيات النص وتحليل الخطاب في قراءة التراث اللغوي والبلاغي قضايا الاستثمار وإشكالاتها، كتاب الندوة الدولية التي نظمتها فرقة البحث الأدبي والسيميائي- «الربط الإحالي عند عبد القاهر، عبد الرحمن إكيدر»،  تنسيق: د عبد الرحمن بودرع، جامعة عبد المالك السعدي تطوان.

[7] علم اللغة النصي بين النظرية والتطبيق 1/40-41 – لسانيات النص، مدخل إلى انسجام الخطاب ص:16-17.

[8] لسانيات النص، مدخل إلى انسجام الخطاب، محمد خطابي، ص: 19.

[9] أسلوب الإحالة في القرآن الكريم وبعض تطبيقاته في سورة الأنعام، رائد عبد دراج، مجلة كلية العلوم الإسلامية، جامعة بغداد، ص:148.

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق