مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبيةدراسات عامة

مصطلح الاعتماد عند العروضيين

يتداول علماء العروض ونقاد الشعر جملة من الألفاظ، وتجري على ألسنتهم مجموعة من المصطلحات التي تحتاج إلى ضبط وتحرير، وإلى بسط وتفسير، ومنها: «مصطلح الاعتماد»، وهو مصطلح عروضي نرومُ في هذه السطور إيضاح معالمه، وتبيانَ حكمه، ومواقعهِ.

معنى الاعتماد:

الاعتماد مصدر اعتمد على الشيء إذا اتكأ عليه، والعِماد ما يعتَمدُ عليه، والعِمادُ والعَمُود: الخشبة التي يقوم عليها البيت، وأما معناهُ في اصطلاح العروضيين فعرف بعدة تعريفات تحوم حول رحى واحدة، ومنها:

– قول ابن عبد ربه (ت:328هـ): «والاعتماد [في الطويل] سقوط الخامس من فعولن التي قبل القافية، اعتمد به فقبض، ولم تجرِ فيه السلامة إلا على قُبح، ولم يأت في الشعر إلَّا شاذًّا قليلا؛ والاعتماد في المتقارب: سلامة الجزء الذي قبل القافية»(1).

– وقول ابن سيده (ت:458هـ):«والاعتمادُ: اسم لكل سبب زاحفته؛ وإنما سمى بذلك لأنك إنما تزاحف الأسباب لاعتمادها على الأوتاد»(2).

– وقال ابن رشيق القيرواني (ت:463هـ): «ما كان من الزحاف الجائز في الحشو مثل الجزء الذي قبل الضرب كقول امرئ القيس:

أعنِّي على برق أراه وميض=يضيء حبيًّا في شماريخ بيض

فأثبت ياء (شماريخ) وهي مكان النون من (فعولن)، وكان الأجود أن يسقطها بالقبض؛ لمكان الاعتماد؛ لأن السبب قد اعتمد على وتدين: أحدهما قبله، والآخر بعده، فقويَ قوة ليست لغيره من الأسباب، فحسن الزحاف فيه، والاعتماد في المتقارب سلامة الجزء من الزحاف»(3).

– وقال التبريزي (ت:502هـ): «الاعتماد اسم للأسباب التي تزاحفها؛ لأنها تزاحف اعتمادا على الوتد قبلها أو بعدها»(4).

ويقال في الطويل ضرب معتمَد اسم مفعول لأنه معتمد عليه، وفي المتقارب ضرب معتمد اسم فاعل لاعتماد ضربه وعروضه على السبب(5).

حكمُ الاعتماد:

بين العروضيين اختلاف في حكم الاعتماد؛ فبعضهم يراه أمرا مستحسنا، وجعله زحافا، وبعض يراه أمرا لازما، وجعله علةً، وقد تعرض لهذه المسألة القللوسي في «الختام المفضوض»، على ما نقله عنه  النقاوسي في شرحه على الخزرجية، وقال: «واختلف العلماء في الاعتماد على التفسير الأول المعول عليه؛ فبعضهم جعله زحافا وبعضهم جعله علة، وبعضهم جعله قسما ثالثا؛ فمن جعله زحافا فحجته من وجهين: أحدهما أنه [ليس] في موضع العلة، والثاني أنه لا يلزم لقوله:

أقيموا بني النّعمان عنا صدوركم=وإلا تقيموا صاغرين الرّؤُوسا

ولقول امرئ القيس:

تمتع من الدنيا فإنك فان=من النشوات والنساء الحسان

وهو في شعره كثير.

وأنشدوا في المتقارب التام مع القصر:

على رسم دار قفار وقفتُ=ومن ذكرِ عهد الحبيب بكيتْ

هذا في الضرب، وأنشدوا في العروض:

ولولا خِداشٌ أخذتُ دَوا=بَّ سَعْدٍ، ولم أُعْطِهِ ما علَيها

وفي الضرب مع الحذف:

سبتني بخدٍّ وجيدٍ ونحر=غداة رمتني بأسهمها

وفي العروض:

لعمري لقد رابني مطر=فأحسنتْ في أمره إذْ أتاني

وأنشد بعضهم في المجزوء:

ألا أيها الربْــــع أيْـــ=ـنَ أهلك أين هم

واحتج من جعله علةً بثلاثة أوجه:

أحدها: أن دائرة الطويل مبنية على الاختلاف، فإن لم يخالف بالاعتماد أوقعت الاتفاق فيها، والعرب تنفر من ذلك، ألا تراهم لم يجيزوا الطيَّ في سادس البسيط كراهة أن ينقل (مفعولن) إلى (فاعلن) وقبله (فاعلن)، فيقع الاتفاق في دائرة الطويل.

الثاني: أن السلامة في الطويل والقبضَ في المتقارب يحدثان تنافرا في النفس، الدليل على ذلك أن كل من يزنُ بطبعه يجده بذوقه مكسوراً.

الثالث: كثرة التزام ذلك في شعر العرب، ألا ترى أنك تجد القصائد الكثيرة من الطويل المحذوف، والاعتماد يلزمها، ولا تجده غير لازم إلا في النزر اليسير، وأما المتقارب فلا يوجد ترك الاعتماد فيه ألبتة، وقد أنكره كثير من الناس فيقابل كونه بالحشو بالاتفاق في دائرة الطويل، ويقابل كونه لا يلزم بكونه يلزم، وشتان ما بينهما، ويبقى علينا ما يحدث من التنافر في النفس من ترك الاعتماد يترجح به لمن جعله علة.

ومن جعله قسما ثالثا أشكل الأمر عنده»(6).

 مواقعه:

لم يقتصر الخلاف في حكم الاعتماد فحسب، وإنما اختلف العروضيون أيضاً في مواضعه، وتباينت أقوالهم في مواقعه، ويمكن اختصارها فيما يلي:

الأول: في البحر الطويل، وله عروض واحدة مقبوضة، وثلاثة أضرب، وهي الصحيح، والمقبوض، والمحذوف، فيستحسنُ في هذا الضرب الثالثِ المحذوف قبضُ «فعولنْ» الواقعة قبلهُ، بمعنى أن يحذف الخامس الساكن من التفعيلة فتصير (فعول)، وزنه:

فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن*** فعولن مفاعيلن (فعولُ) فَعُولُن

قال ابن السراج (ت:316هـ): «و(فعولن) الذي هو ضرب البيت الثالث يسمى محذوفا، وقلما يجيء (فعولن) هذه وقبلها (فعولن)؛ إنما يجيء ما قبلها في أكثر الأمر (فعولُ)، لأن حق الطويل أن يكون مختلف الآخِر، أو أن يكون الجزء الثاني أكثر مما قبله»(7).

وقال ابن عبد ربه (ت:328هـ): «والاعتماد [في الطويل] سقوط الخامس من (فعولن) التي قبل القافية، اعتمد به فقبض، ولم تجر فيه السلامة إلا على قبح، ولم يأت في الشعر إلَّا شاذا قليلا»(8).

وقال أبو الحسن العروضي (ت:342هـ) بعد ما ذكر مثالا للضرب الثالث المحذوف (وما كل ذي لب الخ….): «وأكثر ما يقع في هذا الضرب (فعولُ فعولنْ) قلما يقع فيه (فعولن فعولن)، وذلك أن الطويل مختلف الأجزاء على خماسي وسباعي فلما وقع هذان الجزآن (فعولن فعولن)، وكان (فعولن) يقع فيه الزحاف حتى يصير (فعول) أرادوا أن يغيروا لتكون الأجزاء كلها مختلفة على ما هي لا على أصل الدائرة» (ص:100)».

وقال الزمخشري (ت:538هـ): «وفعولن الواقع قبل الضرب المحذوف، لا يكاد يجيء إلا مقبوضاً، كقوله:

وما كلُّ ذِي لُبٍّ بمؤتيكَ نُصحَهُ … وما كلُّ مُؤتٍ نُصْحَهُ بلَبيبِ»(9).

وقال التبريزي (ت:502هـ): «واعلم أن الأحسن في الضرب الثالث من هذا البحر أن تكون (فعولن) التي قبل الضرب تجيء (فعولُ) مقبوضةً؛ لأن هذا البحر بني على اختلاف الأجزاء، أعني كون أحدهما خماسيا والآخر سباعيا، فلما تكرر في آخره جزآن خماسيان قبض الأول ليكون فيه رباعي وخماسي فيكون على أصل ما بني عليه من الاختلاف»(10).

قال السكاكي (ت:626هـ): «وعن أبي إسحق [الزجاج] رحمه الله أن (فعولن) السابق على الضرب الثالث قلما يجيء سالما، ولقد صدق، والسبب في ذلك هو أنه إذا صح اتفق الجزآن في الربع الأخير من البيت ووضع الدائرة على اختلاف في جزأيها فيختار قبضه توصلا على تحصيل اختلاف بينهما»(11).

*   *   *

الثاني: في البحر المتقارب، وله عروضان وستة أضرب، فالعروض الأولى تامة ولها أربعة أضرب: صحيح، ومقصور، ومحذوف، وأبتر،  والعروض الثانية مجزوءة محذوفة ولها ضربان: محذوف، وأبتَر.

ويعني الاعتمادُ في هذا البحر سلامةَ نون (فعولن) من الزحاف، قال ابن عبد ربه: «والاعتماد في المتقارب- على ضد ما هو في الطويل السالم- فيه حسن، والقبض فيه قبيح»(12)، وقال ابنُ الحصّار (ق:4): « والاعتمادُ فيه: سلامةُ الجُزء الّذي قبل الضّرب على غير ما كان في الطّويل، فإن قُبض كان قبيحاً»(13).

وأما مواقع الاعتمادِ في المتقارب فمن العروضيّين مَن أطلقه وجعله في سلامة (فعولن) قبل عروضِ المتقارب وضروبه كُلِّها(14)، وقد يكون ذلك مرادَ ابن عبد ربّه بقوله: «والاعتمادُ في المتقارب: سلامة الجزء الذي قبل القافية»(15)، ومنهم قيّده وقَصَره فيما يلي:

– في الجزء الواقع قبل الضرب الأبتر(16)، أي الضرب الرابع الأبتر، والضرب المجزوء السادس الأبتر، فالرابع وزنه:

فعولن فعولن فعولن فعولن *** فعولن فعولن (فعولُنْ) فَلْ

وشاهده:

خَليليَّ، عُوجا على رَسمِ دارٍ = خَلَت من سُليمى ومنْ مَيَّهْ

والسادس وزنه:

فعولن فعولن فعو *** فعولن (فعولُنْ) فَلْ

وشاهده:

تعفَّف ولا تبتئسْ = فما يُقضَ يأتيكا

قال الشريف السبتي –رحمه الله -: «كان الخليل لا يجيز سقوط هذه النون في المتقارب إذا لحقَ البترُ الجزءَ الذي بعده فيصير إلى (فل)، ويوجه ذلك بأن الجزء الأبتر قد لحقه اختلال شديد فلا يحتمل أن يزاحف الجزء الذي قبله، وكان الأخفش يجيز ذلك»(17)، وقال الدماميني –رحمه الله-: «ويدخل هذا البحر من الزحاف القبض إلا في الجزأين اللذين قبل الضربين الأبترين، وهما الضرب الرابع والضرب السادس، فإنه لا يدخلهما عند الخليل، وخالفه الأخفش والزجّاج، واعتلوا للخليل بأن الضربين الأبترين لم يبقيا إلا على هيئة سببٍ خفيفٍ فلا يقبض حينئذ ساكن الجزء الذي قبله لفقدان ما يعتمد عليه.

قال الصفاقسي: وهذا الاعتلال لا يستقيم على أصل الخليل؛ لأن الاعتماد عنده على الوتد القبليّ جائز، فلمَ لا يجوز أن يحذف لاعتماده على الوتد الذي قبله معه في الجزء.

وأما الأخفش فالمشهور عنه دخول القبض فيه، هكذا حكى الزجاج عنه واستحسنه، وحكاه أيضاً النديم، وحكى عنه بعضُ العروضيين التفرقةَ بين الضرب الرابع فيجيزه في الجزء الذي قبله، وبين الضرب السادس فيمنعه في الجزء السابق له، واعترض بعدم الفارق؛ لأن الوتد البعديّ معتلّ فيهما فإن صلحَ علةً لمنع قبض ما قبله كان المنع فيهما، وإلا فالجواز فيهما.

وأجاب عنه أبو الحكم بمنع استقلال ما ذكر بالعلّية، بل هو جزء علة، والعلة هي المجموع المركّب من ذلك ومن اعتلال بيته بكونه مجزوءاً، وهذا المجموع ليس موجوداً في الضرب الرابع فلمَ يمتنع قبضُ الجزء الذي قبله.

ثم اعترض أبو الحكم على الأخفش بأن الجاري على مذهبه منع القبض فيهما؛ لأن الاعتماد عنده لا يكون إلا على الوتد البعديّ، وقد اعتلّ بصيرورته على هيئة السبب فلا يقبض حينئذ ما قبله.

قال الصفاقسيّ: ولقائل أن يمنع أن اختلال الوتد عنده مانعٌ من الاعتماد، ولِمَ لا يجوز أن يكون المعتبر عنده في الاعتماد كونَ البعديَ وتداً، إما في الحال أو في الأصل، ويُحملُ مذهبه على هذا جمعاً بين كلاميه»(18).

– في الجزء الواقع قبل الضرب المقصور(19)، أي الضرب الثاني، ووزنه:

فعولن فعولن فعولن فعولن *** فعولن فعولن (فعولُنْ) فَعُولْ

وشاهده:

وَيَأوِي إلى نِسْوَةٍ بائِسَاتٍ = وَشُعْثٍ مَرَاضِيعَ مِثْلَ السَّعَالْ

قال الدمامينيّ –رحمه الله-: «وحُكي أيضاً عن بعض العروضيين منعُ قبض الجزأين اللذين قبل الضرب الثاني والثالث وهما: المقصور والمحذوف»(20)، على أن النقل عن الخليل مختلف؛ فينقل عنه لزوم سلامة (فعولن) قبل الضرب المقصور(21)، وينقل عنه أيضا عدم لزوم ذلك قال النقاوسي  نقلا عن القللوسي – رحمهما الله -: «ولم ينصّ على المقصور لطول الجزء، ولكونه يجوز فيه التقييد والإطلاق»(22).

– في الجزء الواقع قبل الضرب المحذوف(23)، أي الضرب الثالث، ووزنه:

فعولن فعولن فعولن فعولن *** فعولن فعولن (فعولُنْ) فَعُو

وشاهده:

وأبني من الشعر شعرًا عويصًا = ينسّى الرواة الذي قد روَوْا

قال الزمخشري –رحمه الله -: «ولا يجيز الخليل – رحمه الله – قبض الجزء الواقع قبل الضرب المحذوفِ، والأبترِ.وغيرهُ يجيزه»(24).

في الجزء الواقع قبل العروض المجزوءة المحذوفة، وهذه العروض لها ضربان: مماثل محذوف، وآخر: أبتر، ونص على ذلك الدمامينيّ –رحمه الله-بقوله: «وأما الاعتماد فهو عند الجمهور لا يطلق إلا على…..قلتُ: وكذا على سلامة نونه قبل عروض المتقارب الثانية المحذوفة»(25).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصادر والمراجع:

(1) العقد الفريد (6/291)

(2) المحكم (2/36)

(3) العمدة (1/145)

(4) الوافي (ص:184)

(5) انظر: المفاتيح المرزوقية (ص:304)، وشرح الخزرجية للنقاوسي (ص:202)

(6) الختام المفضوض نقلا عن شرح النقاوسي على الخزرجية (ص:199-200)

(7) عروض ابن السراج (ص:301)

(8) العقد الفريد (6/291)

(9) القسطاس (ص:71)

(10) الوافي (ص:44)

(11) مفتاح العلوم (1/526)

(12) العقد الفريد (6/274)

(13) عروض ابن الحصار

(14) شرح النقاوسي على الخزرجية (ص:198)

(15) العقد الفريد (6/292)

(16) الأبتر: من البتر وهو من علل النقص ويعني مجموع الحذف والقطع،  قال الدماميني: «أصله فعولن فحذف سببه ثم قُطع وتده فذهبت واوه وسكنت عينه فبقي فع، فبعضهم يقرّه على هذه الصيغة وبعضهم يعبر عنه بفلْ»(ص:216).

(17) رياضة الأبي (ص:305)

(18) العيون الغامزة (ص:218)

(19) شرح النقاوسي (ص:198).

(20) العيون الغامزة (ص:218).

(21) شرح النقاوسي (ص:198).

(22) شرح النقاوسي (ص:200).

(23) شرح النقاوسي (ص:198).

(24) القسطاس (ص:126)

(25) العيون الغامزة (ص:131)، وانظر: شرح النقاوسي (ص:198)

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق