مركز الإمام أبي عمرو الداني للدراسات والبحوث القرائية المتخصصةشذور

مسألة قرائية في مد البدل

الوقف على نحو ﴿ءَابَآءِيَ إِبۡرَٰهِيمَ﴾

الحمد لله الواحد المنان، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد خير ولد عدنان، وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا، وبعد:

فقد كنت أستمع يوما لأحد الطلبة وهو يقرأ علي من سورة يوسف برواية ورش طريق الأزرق عنه، فقرأ علي قوله تعالى: ﴿وَٱتَّبَعۡتُ مِلَّةَ ءَابَآءِيَ إِبۡرَٰهِيمَ وَإِسۡحَٰقَ وَيَعۡقُوبَ﴾ [الآية 38] فوقف اضطرارا على كلمة ﴿ ءَابَآءِيَ﴾ فقصر مد البدل، وهو يقرأ بتوسيط البدل، فقلت له أن يقرأ بتوسيط البدل؛ لأنه في حالة الوقف تصبح الكلمة لها صورة البدل، ثم بدا لي أن أبحث المسألة بعد ما سألت عنها أحد الفضلاء، فوجدت أن ابن الجزري (ت833ه‍) ذكر المسألة بعينها في كتاب النشر 1/344 فقال رحمه الله:

« .. وأما ﴿مِلَّةَ ءَابَآءِيَ إِبۡرَٰهِيمَ﴾ في يوسف ﴿فَلَمۡ يَزِدۡهُمۡ دُعَآءِيَ إِلَّا﴾ في نوح حالة الوقف، ﴿وَتَقَبَّلۡ دُعَآءِے رَبَّنَا﴾ في إبراهيم حالة الوصل، فكذلك هم فيها على أصولهم ومذاهبهم، عن ورش؛ لأن الأصل في حرف المد من الأوليين الإسكان، والفتح فيها عارض من أجل الهمزة، وكذلك حذف حرف المد في الثالثة عارض حالة الوصل اتباعا للرسم، والأصل إثباتها فجرت فيها مذاهبهم على الأصل، ولم يعتد فيها بالعارض، وكان حكمها حكم ﴿مِن وَرَآءِي﴾ في الحالين، وهذا مما لم أجد فيه نصا لأحد، بل قلته قياسا، والعلم عند الله تبارك وتعالى. وكذلك أخذته أداء عن الشيوخ في (دعاء) في إبراهيم، وينبغي أن لا يعمل بخلافه»(1).

ثم بعد ذلك وجدت كلاما نفيسا لمحمد بن عبد السلام الفاسي (ت1214ه‍) قال رحمه الله:

« .. وأما حرف المد الذي سقط في الوصل لالتقاء الساكنين فهو بعد الهمزة بحق الأصالة، ولم يطرأ على الكلمة طروء المبدل من التنوين؛ لكنه طرأ حذفه في الوصل لالتقاء الساكنين، وينبغي أن ينظر في حرف علة ليس ممدودا بعد همزة فيطرأ عليه المد نحو ﴿ءَابَآءِيَ إِبۡرَٰهِيمَ﴾  و﴿دُعَآءِيَ إِلَّا﴾، فإن ورشا يحرك الياء وصلا، فإذا وقف عليها أسكنها، فتصير حرف مد بعد همزة.

فهل يكون حكمه حكم الألف المبدلة من التنوين بجامع عروض المد، أو لا تكون مثلها؛ لأن الياء هنا موجودة؟ وإنما طرأ سكونها بخلاف ألف التنوين فإنه لا وجود لها إلا في الوقف؟.

وقد ادعى الحافظ ابن الجزري في ذلك أن الياء أصلها السكون وحركت للهمزة؛ فإن زال موجب تحريكها عادت إلى أصلها، فهي على أصل ورش ومذهبه في ذلك جواز الأوجه، وليس ذلك بالبين.

وعسى أن يأتي بيانه في آخر باب ياءات الإضافة إن شاء الله تعالى»(2). ثم قال رحمه الله في آخر باب ياءات الإضافة:

« .. ثم قال (يعني ابن الجزري وهو يتحدث عن كلمة محياي): وأما من فتحها؛ فإنه إذا وقف جازت له الوجوه الثلاثة من أجل عروض السكون؛ لأن الأصل في هذه الياء الحركة للساكنين، وإن كان الأصل في ياءات الإضافة الإسكان؛ لأن حركة هذه الياء صارت أصلا آخر من أجل سكون ما قبلها، وذلك نظير «حيثُ» و«كيفَ»، فإن حركة الثاء والفاء صارت أصلا، وإن كان الأصل فيهما السكون، فلذلك إذا وقف عليهما جازت الأوجه الثلاثة. انتهى.

وفيه أنه لو كانت ياء المتكلم لا تحرك إلا بعد ساكن وتلزم السكون بعد متحرك أمكنت تمشية قوله، فالحق أن الحركة التي تكون لها بعد ألف هي الحركة التي بنيت عليها في لغة الفاتح كما سبق، والأوجه التي قال إنها تجوز هي كما قال لعروض السكون.

ثم قال :وهذه الحركة من (محياي) غير الحركة من ﴿دُعَآءِيَ إِلَّا﴾، فإن الحركة في مثل هذا عرضت من أجل التقاء الياء بالهمزة، فإذا وقف عليها زال الموجب فعادت إلى سكونها الأصلي، فلذا جاز لورش من طريق الأزرق في ﴿دُعَآءِيَ﴾ في الوقف ثلاثة أوجه دون الوصل كما بينا ذلك وأوضحناه آخر باب المد، والله تعالى أعلم. انتهى.

وهذا هو أيضا من نمط ما قبله؛ لأنه ادعى في فتح ياء (محياي) أنه للتخلص من سكونين، وادعى هنا أن فتح ياء ﴿دُعَآءِيَ إِلَّا﴾ و﴿ءَابَآءِيَ إِبۡرَٰهِيمَ﴾ للقي الهمزة التي بعد الياء، وإنما أصل الياء التي للإضافة السكون، فيقال ففتحة ﴿وَلۡيُومِنُواْ بِيَ لَعَلَّهُمۡ﴾ و﴿وَإِن لَّمۡ تُومِنُواْ لِيَ فَٱعۡتَزِلُونِے﴾ فتحة ماذا  هي عند ورش؟ مع أن الكسائي قال إن العرب نسخت نصب الياء مع كل ألف مهموز سوى الألف واللام نقله عنه الجعبري، وقال:«إن بعض العرب ترك فتح الياء مع همزة القطع لاجتماع الثقلين» انتهى، فالحق أن فتحة ياء المتكلم لجميع من فتحها لقيت همزة أولم تلقها فتحة بناء كضمة هاء ضمير الواحد، فإن لم يكن قبلها ساكن فهي جائزة في محلها كالإسكان كما تقرر، ولا اعتبار لهمز بعدها ولا لغيره، وإن كان قبلها ساكن فهي واجبة في محلها مختارة على الكسر إذا كان الساكن ياءً، ويجوز الكسر بعدها كقراءة حمزة ﴿وَمَآ أَنتُم بِمُصۡـرِخِيِّ﴾ بكسر الياء، وإذا كان ألفا فهي متعينة، ولا يجوز الكسر حيث يراد تحريكها بناء على مذهب سيبويه، في أنه لا يجوز وقوع الساكن بعد ألف إلا مدغما، فإن أريد الإسكان على مذهب يونس، فالفتحة مختارة عليه كما سبق، وإذا كان هكذا، فإذا وقف على نحو ﴿دُعَآءِيَ إِلَّا﴾ أسكنت الياء للوقف، ولا إشارة في مفتوح، وهي محركة في وصل ورش فيكون سكونها عارضا، فإما أن يعتبر اللفظ وفيه حرف مد بعد همزة فتجوز أوجه الأزرق كما قال، وإما أن يعتبر الأصل فليس إلا القصر؛ لأنه ليس هناك حرف مد لأن الياء التي بعد الهمزة محركة في هذا الاعتبار كحال الوصل، وهذا الظاهر، وهو قد اعترف في باب المد الذي أحال عليه أنه لم يجد حكمها منصوصا لأحد، وإنما قاله قياسا، والعلم عند الله تعالى.

وأنا لم يلح لي وجه قياسه، وإنما وجه النظر عندي ما ذكرته، ثم إن الظاهر أن أمثال هذه الأمور لا يطلب فيها النص؛ لأن الأحكام في مثلها كليات وإنما يتفاوت النظر في إدراج الجزئيات تحتها برجوع الأصول كما سبق مقررا، وخاصة فيما يرجع إلى مسائل الوقف، والله جلت قدرته أعلم بالصواب»(3).

الهوامش

(1) النشر في القراءت العشر 1/344

(2) باب المد من إتحاف الأخ الأود المتداني بمحاذي حرز الأماني (تحقيق أخينا د. يوسف شهاب، رسالة علمية مرقونة).

(3) آخر باب ياءات الإضافة من إتحاف الأخ الأود المتداني بمحاذي حرز الأماني.

ذ.سمير بلعشية

  • باحث بمركز الإمام أبي عمرو الداني للدراسات والبحوث القرائية المتخصصة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق