مركز الإمام الجنيد للدراسات والبحوث الصوفية المتخصصةدراسات عامة

مراتب أهل الباطن في تدبر القرآن الكريم

     وأما أهل الباطن، [1]  فهم  على مراتب في تدبر الآية الشريفة العظيمة الكريمة:

المرتبة الأولى: تذهب أفهامهم إلى مشرب أم الكتاب، وأنها المسماة: السبع المثاني، وإحدى مكرمات هذه الأمة، وإحدى خصيصاتها، وأن الله خاطب نبيه ورسوله وأمره بالدعاء والتذلل، وإظهار فاقة العبودية بين يديه، وهو يعلم أمته بذلك، فيتعلموا الأدب مع الله حالة الدعاء، وحالة مناجاته، خصوصا في الصلاة، ثم يقولوا: من كرم الله: ما أمرنا بالدعاء حتى أراد أن يستجيب لنا. وأن الصراط هو الذي لا انحراف فيه ولا أمت، وصاحب هذا القدح يراعي الحد الأوسط في كل أمر في المأكول والمشروب والمنكوح، والمتطيب به والمشموم والمركوب.

المرتبة الثانية: من أهل الباطن يتجاوزون في الفهم هذا المنحى، فيقولون: الصراط المستقيم: هو المشي على السنن النبوي، واقتفاء الأثر المصطفوي، وأنه المؤهل لهذا النعت، وصاحب هذا بحسب ما أعطته الإشارة، فهو وافق في العبارة.

المرتبة الثالثة: من أهل الباطن يفهموا أن الصراط المستقيم هو: كلمة التقوى، وأنه ما وضع غضب الله عمن وضع إلا بالتمسك بها والعض عليها بالنواجذ، وسبب سلامة القلب من التشكيكات والأوهام والأغيار، وهؤلاء المستهترون بذكر الله، الذين لا يفترون على مذكورهم قط، ولا يبالون ما قيل فيهم.

-المرتبة الرابعة: قوم يفهمون أن الصراط المستقيم هو الحضرة المحمدية، وقد أمرنا بمتابعته، وحتمت علينا ملاحظة أقواله وأفعاله، وقد أمر هو أيضا بقوله:  (فاستقم كما أمرت) [هود، 112]. فهو الموصوف بكمال الاستقامة؛ إذ كما أمر امتثل، ولا متابعة أشرف من متابعة الأحوال بعد المتابعة بالأقوال، والمعنى: يا رب العالمين، أرشدنا إلى اقتفاء أثر هذا النبي الكريم، الرؤوف الرحيم. صاحب هذا المقام شديد الملازمة للتخلف بأخلاقه ﷺ من الوفاء بالعهد والحياء من الله والخلق، ومقابلة الناس بخلق حسن، وهو فناء في الرسول بلسان.

المرتبة الخامسة: قوم تصطلم قلوبهم تحت مشارق الأنوار، وتنمحق أوصاف بشريتهم تحت سرادقات أفلاك مكنون الأسرار، وتنقطع عنهم ملاحظة الوجود الوهمي، ويشمخروا ببصائر بصيرتهم إلى حضرة جمع الجمع المطلق. وبهذا تضمحل مقتضيات البشرية، ويلتحق بعالم الروحانيات الملكية. وهذا مقام الصديقين.

     وها أنا –أخي- رميتك على الطريق، وقس غيرها من الآي الكريمة عليها؛ تجد القرآن بحرا طاما لا تنقضي عجائبه، ولا تفنى غرائبه. ولاحظ –أيضا- أهل المقامات الأول من أهل المراتب الأخرى، تعرف فضل طريق القوم على غيرهم.

     وليت شعري، ما يقال في طريق أولها: الفناء في الله بالكلية، إلى أن يفنى عما سواه ووسطها: الذي يجري مجرى افتتاح الصلاة بالتحريم، وهو استهتار الجوارح والقلب بذكر الله دائما بدون فتور، ولو في الاعتبار أو المشاهدة: ( وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب) [النمل، 88]. أو حالة تكلمهم مع غيرهم في شغل لا في شغل، والآخر يظن أنهم يضحكون ويأكلون، أو نائمون أو غافلون…

هوامــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــش:

[1]  سلم الارتقاء في منشأ التصوف ووجوب شيخ التربية: الإمام المجدد أبي الفيض محمد بن عبد الكبير الكتاني، تقديم ومراجعة، محمد حمزة بن علي الكتاني، تحقيق ودراسة، الدكتور اسماعيل المساوي، دار الكتب العلمية، ط. الأولى 1426هـ-2005م. ص 170-172.

Science

د. طارق العلمي

  • أستاذ باحث في الرابطة المحمدية للعلماء، متخصص في المجال الصوفي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق