مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكدراسات عامة

مدخل إلى علم السلوك

إن غياب تصور دقيق عن علم من علوم الملة، وعدم البحث الفاحص في طبيعة العلاقة القائمة بينه وبين الشريعة الإسلامية في كلياتها وأصولها، وعدم تحديد موقعٍ واضح له ضمن علومها، يؤدي -في غالب الأحيان- إلى خلط مفهومي واضطراب تصوراتي عن هذا العلم أو ذاك، ومثال هذا ما وقع لعلم الكلام الذي رغم أصالته ورغم كونه علما ينافح ويدافع عن العقيدة الإسلامية، إلا أنه لم يسلم في فترة من الفترات من الطعن فيه وفي مشروعيته؛ فقد تضاربت بشأن الاشتغال به الأقوال منعا وجوازا، وذلك بالنظر إلى مجموعة من السياقات التاريخية المعروفة التي حكمت موقف المانعين له خاصة، وأحيانا بسبب عدم تبيُّن البعض من هؤلاء لحقيقته ومقاصده، وأحيانا أخرى بسبب موقفهم من بعض الآليات المنهجية المعتمدة داخله، وهو ما دفع ثلة من العلماء الأجلاء إلى بسط القول في مسائله، وبيان مشروعيته، والدفاع عنه وعن ضرورة الاشتغال به؛ معللين ذلك بأن لا أحد من المسلمين يمانع أو يحول دون قيام فئة من المؤمنين بالرد على الطاعنين في الدين، خاصة بعد أن تلقت العقيدة الإسلامية ضربات من لدن أعداء الإسلام في مناسبات عدّة.

هذا الذي طال علم الكلام، طال علوما أخرى داخل المنظومة الإسلامية وعلى رأسها علم السلوك الذي رغم أصالته ورغم كونه من علوم الشريعة الإسلامية الجليلة ـ نظرا لاهتمامه بجانب هام من جوانبها ـ إلا أنه لم يسلم هو الآخر من كثرة الأخذ والرد حوله؛ فقد تضاربت بشأنه الأقوال، واشتد الخلاف فيه بين منتقديه ومعتقديه، ووجهت له العديد من الانتقادات المبالغ فيها أحيانا من لدن بعض الذين غالوا في الطعن فيه وتحاملوا عليه دونما تبيّن لحقائقه ودونما إدراك لأصله وجوهره، درجة أن منهم من عمل -في تكلف منه- على ردّه إلى أصول غير إسلامية.

ولعل من أسباب هذا الاضطراب والخلط الذي وقع فيه هؤلاء حول هذا العلم الشريف، اكتفاء عدد منهم بالوقوف عند حدود بعض المسميات التي وُسم بها هذا العلم دون النفاذ إلى حقيقته وجوهره. لأجل هذا، تأتي ضرورة هذا المدخل التقريبي، للإجابة عن مجموعة من الأسئلة المرتبطة بهذا العلم والتي من شأنها الكشف عن كثير من اللبس القائم حوله؛ بداية من دلالته اللغوية والاصطلاحية، ثم نسبته من الشريعة الإسلامية، وموقعه وأهميته لباقي العلوم الدينية الأخرى، تاريخه، مسمياته، موضوعه، واضعه، فائدته، استمداده…الخ؛ فالوقوف عند مثل هذه المحددات من شأنه أن يكشف لنا عن مدى أصالة هذا العلم ورسوخه في الممارسة الدينية الإسلامية، وعلى كل من أراد الحديث عن هذا العلم أو غيره ضبط هذه المحددات أولا قبل الخوض فيه والحكم عليه سلبا أو إيجابا.

أولا: الدلالة اللغوية والاصطلاحية لعلم السلوك:

من أولى الأولويات التي يجب على المشتغل بعلم السلوك -وغيره من العلوم- الانتباه إليها ومراعاتها، تحديد المصطلحات التي يتأسس عليها هذا العلم خاصة مسمياته التي يسمى بها، فضبط هذه الأخيرة يعطينا فكرة واضحة عن هذا العلم ومجال اشتغاله، وبدون هذا الضبط الاصطلاحي تختلط الأوراق أمام الناظر في هذا العلم، فأنت تجد: “من لا علم له بذلك أبدا في إنكار وتشنيع لجهله بالمصطلح” [الإيضاح لبعض الاصطلاح، للشيخ ماء العينين، تحقيق محمد الظريف، ط1، ص: 35ـ36]، فهذه المسميات هي بمثابة مفاتيح يتمكن الدارس خلالها من فهم حقيقة هذا العلم فهما سليما، ومن ثم فمعرفة هذه المسميات ضرورية؛ إذ إن كثير من الإشكالات التي أثيرت حول هذا العلم –وغيره- إنما مردها لعدم فهم هذه المسميات وعلى رأسها مصطلح “السلوك”، فهذا المصطلح على الرغم من كونه من الكلمات المتداولة، والمستعملة والمشاعة في الأوساط العلمية، إلا أنه وقع فيه خلط كبير فهما وتصورا؛ فكثيرون هم من لا يميزون بين دلالته العامة ودلالته الخاصة، لذلك من الضروري تحديد معناه اللغوي والاصطلاحي، وتوضيح مفهومه الخاص وفصله عن المفهوم العام الذي تتجاذبه مجموعة من المكونات الدينية والاجتماعية والنفسية والسياسية والاقتصادية وغيرها، فالتحديد التداولي لكلمة “سلوك” من شأنه أن يقربنا من تصور حقيقة هذا العلم، إذ إن “الكلام في الشيء ـ كما يقول الشيخ زروق ـ فرع تصور ماهيته، وفائدته ومادته بشعور ذهني مكتسب أو بديهي ليرجع إليه في أفراد ما وقع عليه ردا وقبولا وتأصيلا وتفصيلا. فلزم تقديم ذلك على الخوض فيه، إعلاما به، وتحضيضا عليه، وإيماء لمعادنه”، فـ “ماهية الشيء حقيقته، وحقيقته ما دلت عليه جملته. وتعريف ذلك بحد وهو أجمع، أو رسم وهو أوضح، أو تفسير وهو أتم لبيانه، وسرعة فهمه” [القاعدة 1 و2 من قواعد التصوف]، ومن هنا تبرز أهمية تحديد معنى السلوك لغة واصطلاحا.

السلوك في اللغة:

“السلوك” في اللغة مصدر لفعل “سلك”، ومعناه نفوذ الشيء في الشيء أيا كان هذا الشيء؛ غير أن استعماله قد تم تغليبه للدلالة على معنى النفوذ في الطريق والسير فيه، كان هذا الطريق طريقا حسيا أو معنويا؛ يقال: سلكتُ الطريق أسْلُكه سلوكا إذا نفذت فيه، والسالك السائر، والمسلك الطريق. ويطلق أيضا على سيرة الإنسان وتصرفه. [مقاييس اللغة؛ لابن فارس، مفردات ألفاظ القرآن الكريم؛ للراغب الأصفهاني، لسان العرب؛ لابن منظور، أساس البلاغة؛ للزمخشري، مادة [س.ل.ك]].

في القرآن والحديث:

وفي القرآن الكريم ورد لفظ السلوك في (12) موضع جاء فيها كلها بصيغة الفعل (ماضيا، وأمرا، ومضارعا) بنفس المعنى اللغوي، مرة بدلالة حسية وأخرى بدلالة معنوية، فمن الأولى قول الله عز وجل: ﴿الذي جعل لكم الأرض مهادا وسلك لكم فيها سبلا﴾ [طه: 53]، وقوله سبحانه: ﴿فأوحينا إليه أن اصنع الفلك بأعيننا ووحينا فإذا جاء أمرنا وفار التنور فاسلك فيها من كل زوجين اثنين﴾ [المؤمنون:27]، وقوله: ﴿لتسلكوا منها سبلا فجاجا﴾ [نوح:20]، ومن الثانية قوله جلّ وعلا: ﴿كذلك نسلكه في قلوب المجرمين﴾ [الحجر:12]. أما في الحديث فقد ورد لفظ السلوك بنفس الدلالة اللغوية والقرآنية، مرة بمعنى مطلق النفوذ في الشيء، ومرة أخرى بمعنى نفوذ الطريق والسير فيه؛ فمن الأول ما ورد في حديث جابر بن عبد الله وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم في مانع الزكاة: “… ولا صاحب كنز لا يفعل فيه حقه. إلا جاء كنزه يوم القيامة شجاعا أقرع. يتبعه فاتحا فاه […] فإذا رأى أن لابد منه سلك يده في فيه فيقضمهما…”؛ فسلك هنا بمعنى أدخل [صحيح مسلم، كتاب الزكاة، باب إثم مانع الزكاة، ح: 988]، ومن هذا المعنى أيضا حديث أبي سعيد الذي رواه البخاري في كتاب الأنبياء، باب ما ذكر عن بني إسرائيل وهو قوله صلى الله عليه وسلم في وصف شدة اتباع المسلمين لغيرهم: “حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه“؛ أي لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه. أما المعنى الثاني وهو معنى السير في الطريق والنفوذ فيه فقد وردت فيه أحاديث كثيرة منها حديث جابر بن عبد الله في وصف حج النبي صلى الله عليه وسلم: “ثم سلك الطريق الوسطى الذي يُخرجك إلى الجمرة الكبرى…” [سنن أبي داود، كتاب المناسك، باب صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم، ح: 1905]، ومنه أيضا حديث جابر وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة حين رجع من غزوة تبوك وَدَنا من المدينة: “إن بالمدينة رجالا، ما قطعتم واديا، ولا سلكتم طريقا، إلا شَرِكوكم في الأجر” [سنن ابن ماجة، كتاب الجهاد، باب من حبسه العذر عن الجهاد، ح: 2765].

في الاصطلاح:

أما في الاصطلاح؛ فيطلق “السلوك” بمعنى قريب من الدلالة اللغوية؛ حيث يراد به النفوذ والسير في الطريق التي كان عليها النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته والشروع فيها وملازمتها، وهو مما اصطلح عليه أهل علم التصوف وتوافقوا عليه؛ وهم يطلقونه على الطريق التي يسلكها المسلم من أجل تطهير نفسه والسمو بها عن الأخلاق الذميمة مثل حبّ الدنيا والجاه ومثل الحقد والحسد والكبر والبخل والعجب والكذب والغيبة والحِرص والظلم ونحوها من المعاصي، وتحليتها بالأخلاق الحميدة مثل الحياء والمحبة والعلم والرضا والصبر والعدالة ونحوها. وكل تحديداتهم لهذا المصطلح وتعريفاتهم له لا تخرج عن هذا المعنى العام الذي أوردناه، ومن ذلك ما ذهب إليه الشيخ عبد الله الخضري حيث قال: “السلوك هو تهذيب الأخلاق والأعمال والمعارف، وذلك اشتغال بعمارة الظاهر والباطن”، [الموسوعة الكسنزانية، ج11، ص: 246]، وقريب من هذا المعنى قول الشيخ قطب الدين البكري الدمشقي: “السلوك هو عبارة عن تهذيب الأخلاق ليستعدوا للوصول” [الموسوعة، ج11، ص: 246]، وقيل: “هو تحصيل ازدياد اليقين بالمعتقدات الشرعية” [الموسوعة، ج11، ص: 251]، وقيل: “السلوك هو التحقق بالإيمان” [الموسوعة، ج11، ص: 244]، وقال السيد محمود أبو الفيض المنوفي: “سلوك الطريق هو التحقق بمقامات اليقين وأحوال القرب من الله عز وجل بالعلم والعمل والمقام والحال” [معالم الطريق إلى الله، ص: 298]، ويقول الشيخ أحمد بن عجيبة: “مقام السلوك هو اتباع العلم ما دام في العبد بقية اختيار” [إيقاظ الهمم في شرح الحكم، ص: 430، بتصرف].

والحال أن هذه الأقوال الواردة في معنى السلوك -وغيرها مما لم نذكره- تتكامل فيما بينها لتعطينا معنى شموليا لهذا العلم؛ وهو أنه اختصاص في الدين في جانبه العملي بمختلف مراتبه ومقاماته، وهو ما أكده الشيخ عز الدين بن عبد السلام حيث قال: “مراتب السلوك ثلاثة: الإسلام، والإيمان، والإحسان” [الموسوعة، ج11، ص: 244]. وكل ما قيل في تحديد معناه لا يخرج عن الإشارة إلى العمل بجانب من هذه الجوانب الثلاث، فما السلوك سوى التدرج والترقي في مقامات الدين؛ إسلاما، وإيمانا، وإحسانا؛ فـ «بداية السالك، التحقق بمقام الإسلام العلمي، ونهايته التحقق بمقام الإحسان العملي. والسالك إذا خلص عمله من الشوائب، وكان عمله لمعمول له واحد، كان في مقام الإسلام، وإذا خلص عمله من الدعاوي فيه، كان في الإيمان وإذا تخلّص من الثنوية، كان في مقام الإحسان». [موسوعة مصطلحات التصوف الإسلامي، لرفيق العجم، مكتبة لبنان ناشرون، ط1، 1999، بيروت ـ لبنان، ص: 454].

بهذا، يمكن القول: إن السلوك هو طلبٌ لتصحيح العقيدة أولاً بتنزيه الذات الإلهية عن كل التصورات والمتخيلات بلا حلول ولا اتحاد ولا خلط في الوجود، ثم الاجتهاد في الطاعات ثانيا والاستغراق في ذكر الله تعالى من أجل التحقق بأوصاف العبودية لله سبحانه وتعالى، وهذا هو الطريق الأقوم الذي ينبغي لكل مسلم أن ينهجه ويسلكه؛ لأنه أساس الممارسة الدينية الإسلامية الحقّة التي مبناها على تصفية القلوب وتطهيرها، وهي الغاية التي جاء لأجلها النبي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، والطريقة التي انتهجها مع صحابته، وهي طريقة كل المرسلين والأنبياء قبله عليهم وعلى نبينا أفضل الصلوات وأزكى السلام، قال تعالى: ﴿وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا لنفتنهم فيه﴾ [الجن: 16]. والاستقامة على هذه الطريق لها طريق واحد هو اقتفاء أثر النبي صلى الله عليه وسلم الذي هو «انتقال من منزل عبادة ـ بالحس ـ إلى منزل عبادة بالمعنى، وانتقال بالصورة من عمل مشروع على طريق القربة من الله إلى عمل مشروع بطريق القربة إلى الله بفعل وترك… وانتقال بالعلم من مقام إلى مقام، ومن اسم إلهي إلى اسم، ومن تجل إلى تجل، ومن نفَس إلى نفَس، والمنتقل هو السالك» [المعجم الصوفي، سعاد الحكيم، ص: 585].

وعليه، فالمقصود بالسالك؛ العبد الذي يجتهد في مخالفة هوى نفسه وشهواتها، ويستقيم في طريق الحق بالمجاهدة وإخلاص النية لله تعالى، ليجعل الله له بذلك نورا في قلبه، ويرزقه علما إلهاميا يدرك به حقائق الأمور، ويميز به الأشياء من أضدادها كشفا وفتحا لاعن طريق التحصيل والنظر والدراسة، مصداقا لقول الله تعالى: ﴿واتقوا الله ويعلمكم الله﴾ [البقرة: 281.]. فالسالك في الاصطلاح «عبارة عن السائر إلى الله وهو وسط بين المريد والمنتهي» [المعجم الصوفي، سعاد الحكيم، ص: 970] ما دام في السير. وقيل: “هو من انسلك في الزاهدين، وانقطع عن حظوظاته، وهرع بكليته إلى الله” [بوارق الحقائق، الشيخ محمد مهدي الرواس، ص: 86]، وقيل: “هو من صدَّق ما يقال فيه من المذموم” [موسوعة الكسنزان، ج 11، ص: 253]، وقيل: “هو من يزداد بسلوكه ذلا وانخفاضا” [المرجع نفسه]، وقيل: “هو القائم بما طلب منه من الطاعات في الليل والنهار، والمتباعد عما نهي عنه من المعاصي والأوزار، والراجي جميل الوصال في حضرة الملك المتعال” [تحفة الأخيار بشرح الاستغفار، للشيخ سليمان بن يونس الخلوتي، بهامش فيض الملك الحميد وفتح القدوس المجيد، ص: 134]، ومن أحسن ما قيل في معناه ما ذهب إليه الشيخ محمد ماضي أبو العزائم حيث قال: “السالك هو طالب الوصول والقرب من الله تعالى، لا يتنفس نفساً، ولا يتحرك حركة إلا وله نية صادقة في الله تعالى، حتى يكون حاضرا معه سبحانه وتعالى، ولا يغيب جسدا ولا عزما” [موسوعة الكسنزان، ج 11، ص: 253]. والمتأمل في هذه الأقوال يدرك أن أول السالكين هم الصحابة رضوان الله عليهم فكل المعاني الواردة في هذا الباب تنطبق عليهم أكثر من غيرهم، ويتبعهم في ذلك التابعين وتابعيهم، ثم خاصة من لحقهم من المسلمين الذين اختصوا بهذا الجانب من الدين ووسموا به أكثر من غيرهم.

هذا مجمل ما ورد في معنى السلوك من الناحية الاصطلاحية وهو اصطلاح صوفي صرف، إلا أن من الصوفية من يورده بشيء من الشمولية في ارتباط بمعناه اللغوي الذي هو النفوذ والسير في الطريق، فيعدد السالكين بحسب تعدد طرق سيرهم، وهذا المعنى قدَّمه الشيخ ابن عجيبة في تفسيره “البحر المديد” حيث يقول في تفسير آية: ﴿الذي جعل لكم الأرض مهادا وسلك لكم فيها سبلا وأنزل من السماء ماء فأخرجنا به أزواجا من نبات شتى﴾ [طه: 53] «ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه، مما سبق لهم في أزله، ثم هدى إلى الأسباب الموصلة إليه، فمنهم من كان حظه في الأزل قوت الأشباح، هداه إلى أسبابها وهم أهل مقام البعد، ومنهم من كان حظه قوت القلوب، فهداه إلى أسبابها من المجاهدة في الطاعات وأنواع القربات، وهم أنواع: فمنهم من شغلهم بتدريس العلوم وتدقيق الفهوم، وتحرير المسائل وتمهيد النوازل، وهداهم إلى أسباب ذلك، وهم حملة الشريعة، إن صحت نيتهم وثبت إخلاصهم. ومنهم من شغلهم بتوالي الطاعات وتعمير الأوقات، وهداهم إلى أسبابها، وقواهم على مشاقها، وهم العباد والزهاد. ومنهم من شغلهم بإطعام الطعام والرفق بالأنام، وتعمير الزوايا وقبول الهدايا، وهداهم إلى أسباب عمارتها والقيام بها، وهم الصالحون. ومنهم من كان حظه قوت الأرواح، وهم المريدون السائرون، أهل الرياضة والتصفية، والتخلية والتحلية، والتهذيب والتدريب، وهداهم إلى أسبابها، ووصلهم إلى شيخ كامل يُبينها ويسلّكها، وهم في ذلك مقامات متفاوتة، على حسب صدقهم وجدهم، ومنهم من كان حظه قوت الأسرار، وهم العارفون الكبار، السابقون المقربون، أهل الفناء والبقاء، أهل الرسوخ والتمكين، فهداهم إلى ما أمّلوا، ووصلهم إلى ما طلبوا» [البحر المديد في تفسير القرآن المجيد، لأحمد بن عجيبة، تحقيق عمر أحمد الراوي، ج4 ص282ـ 283].

إن ابن عجيبة من خلال هذا النص يقسم السالكين إلى قسمين كبيرين؛ سالكين لطريق الحس، وحظهم الجري وراء قوت الأشباح وهم أهل البعد، وسالكين طريق المعنى، وحظهم السعي إلى ما يقوي القلوب ويغذيها، وهم السالكون الحقيقيون؛ إذ مسعاهم هو طلب الدار الآخرة، وهم بدورهم أقسام، يدخل فيهم أهل العلم وأهل المعرفة ومن يتوسطهما، وبهذا الاعتبار فإن الفقيه سالك، والأصولي سالك، والمفسر سالك… مادامت النية صالحة، يليهم العُباد والزهاد، ثم المريدون المتدرجون في طريق التخلية والتحلية ممن قيض الله لهم من يأخذ بيدهم من شيوخ التربية، ثم يليهم العارفون المتحققون. إن ابن عجيبة من خلال هذا التقسيم ينطلق في بيانه لدرجات السالكين من الأدنى إلى الأعلى، من الغافل سالك طريق الدنيا، إلى الفقيه سالك طريق العلم، إلى المريد سالك طريق التربية، إلى العارف سالك طريق الخشية والحضور مع الله. وهذا الأخير هو أرقى مراتب السالكين عنده، فقد أكد عليه في أكثر من مناسبة، من ذلك قوله في تفسير قول الله تعالى: ((إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا))، حيث يقول: “فلا يُظهر على غيبه أحدا، أي: لا يكشف عن أسرار ذاته في دار الدنيا إلا من ارتضى من رسول، أو نائبه، وهو العارف الحقيقي، فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا، أي: يحفظه من جميع القواطع، من كل جهاته، حتى يوصله إلى حضرة أسرار ذاته…” [البحر المديد في تفسير القرآن المجيد، 4/283].

إن ما نستشفه من معنى السلوك لدى ابن عجيبة هو أنه يطلقه بمعنيين، عام وخاص، عام يشترك فيه جميع المسلمين إذ كل منهم سالك بكيفية من الكيفيات وبمستوى من المستويات، وخاص بالمعنى الذي يتداوله أهل التربية من الصوفية. وقريب من هذا المعنى قول الإمام أحمد بن عبد الرحمن بن قدامة المقدسي: “السالك لطريق الآخرة لا يخلو من ستة أحوال: إما أن يكون عابدا، أو عالما، أو متعلما، أو واليا، أو محترفا، أو مستغرقا بمحبة الله عز وجل مشغولا به عن غيره” [مختصر منهاج القاصدين، ص: 82] فهذا المعنى هو عين ما ذهب إليه الشيخ ابن عجيبة حيث اعتبر هو الآخر أن السالكين يندرج فيهم كل من له نية صادقة مع الله تعالى سواء اشتغل بالعبادة أو بالعلم أو بحرفة من الحرف أو غير ذلك شريطة أن يقصد في ذلك وجه الله تعالى.

والسلوك بالمعنى الاصطلاحي بإجماع أهل هذا الفن يتطلب مُسلِّكا ماهرا يعرف الطريق ويخبر دروبها ممن له الأهلية في فعل التسليك، وكملت معرفته بمكائد النفس وألاعيب الشيطان، فهذا صحبته تختصر الطريق للسالك، وهو بدونه كالمسافر الذي يسير في صحراء لا يعرفها من غير دليل، ولهذا المعنى أشار ابن عاشر في منظومته المرشد المعين:

يَصْحَبُ شَيْخًا عَارِفَ الْمَسَالِكْ           يَقِيهِ  فِي  طَرِيقِهِ  الْمَهَالِكْ

   يـُـــــذكـــرُهُ  اللّــــــــــــهَ  إِذَا  رَآهُ               وَيُوَصِّلُ  الْعَبْدَ  إلى مَوْلاهُ

وخلاصة الأمر أن السلوك هو سعي يقوم به السالك أثناء سيره في طريق الله تعالى حتى يصل إلى مقصوده الذي هو وجه الله، [انظر: التهانوي: المصدر السابق، ج1، ص: 969] عن طريق «الترقي في مفاتح القرب إلى حضرة الرب فعلا وحالا، وذلك بأن يتحد باطنه وظاهره فيما هو بصدده، مما يتكلفه من فنون المجاهدات وما يقاسيه من مشاق المكابدات، بحيث لا يجد حرجا من ذلك» [لطائف الإعلام في إشارات أهل الإلهام، عبد الرزاق القاشاني ص: 253]. فالمؤمن لا يكون سلوكه سلوكا قويما إلا إذا استقام ظاهرا وباطنا وصلحت أحواله سرا وعلانية، والصوفية حينما يقولون “رجل سالك” فإنهم يقصدون به الرجل العاقل الذي يزن الأمور بميزان الشرع وينضبط بضوابطه، لا من يستهتر بها فذلك ليس بسالك وطريقه ليس بسلوك.

اختص علم السلوك من بين كل العلوم الإسلامية بالبحث في الممارسات العملية للدين من ناحية تطبيقها وتنزيلها وتفعيلها، والنظر في مدى تحقق الإنسان المسلم بمقاصد الشريعة الإسلامية التي هي في مجملها دائرة على أمر تزكية النفس البشرية وتطهيرها وتوجيهها لله عز وجل وجهة صحيحة خالية من كل الشوائب. وقد اهتم علماء السلوك أكثر من غيرهم بالبحث في تحصيل هذا المقصد؛ حيث بحثوا في كيفية تربية النفس وترويضها وذلك من خلال الوقوف على مكائدها ومعرفة خواطرها وتتبع دقائق شهواتها، فبحثوا في كيفية تخليصها من آفاتٍ كالرياء، والحرص، والأنانية، والكبر، والعجب، والسمعة، والحسد، والحقد، والنفاق، والكراهية، والطمع، وسوء الظن، والشره…الخ، وتحليتها ـ في مقابل ذلك ـ بأنواع الفضائل القلبية، واتصافها بمكارم الأخلاق، وإشتغالها بصالح الأعمال والمصابرة عليها، وهذا هو ما جاء النبي الكريم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم به ولأجله؛ إذ إن مهمته صلى الله عليه وسلم بالإضافة إلى تبليغ الدين وبيانه، هي تزكية العباد وربطهم بخالقهم، وقد أشارت غير ما آية إلى هذا المعنى؛ من ذلك قول الله عز وجل: ﴿هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين﴾، [الجمعة/2] وقوله: ﴿كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلوا عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة﴾ [البقرة/ 150]، وقوله: ﴿لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم﴾ [آل العمران/164]، والنبي نفسه صلى الله عليه وسلم بيّن هذا القصد حينما قال: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق» أخرجه مالك في الموطأ عن أبي هريرة؛ حيث حصر عليه الصلاة والسلام أمر بعثته في تتميم مكارم الأخلاق وتنميتها، وهذا لا يكون إلا بتزكية نفوس العباد وتطهيرهم من رديء صفاتهم وسيئ أخلاقهم.

إن أمر التزكية هذا الذي جاء لأجله النبي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، هو القصد الأسمى الذي انبنى عليه الدين الإسلامي في كليته، وتحصيلها أمر مطلوب شرعا؛ لأنها واجب من واجبات الدين، بل هي أوجب واجباته وأس أساسياته وآكدها على الإطلاق، وعلى كل مسلم السعي لأجل تحقيقها في ذاته؛ فالعبد لا يكون عبدا على الحقيقة إلا إذا طهّر نفسه من أدرانها وخبائثها، وحلآّها بأنواع الفضائل؛ من حلم، وكرم، وعفة، وسخاء، وجود…الخ، فبهذه التزكية وبهذا التطهير يُحصّل العبد سعادة الدارين، وبها يعبُر إلى شط النجاة، وبها يتمكن له الفوز والفلاح، قال تعالى: ﴿قد أفلح من تزكى، وذكر اسم ربه فصلى﴾ [الأعلى 14-15] ، وقال: ﴿ونفس وما سوّاها، فألهمها فجورها وتقواها، قد أفلح من زكّاها، وقد خاب من دسّاها﴾ [الشمس 7-8-9-10]، فبدون هذه التزكية يكون العبد خائبا ومنتكسا في مسعاه دنيا وأخرى. ولفظ التزكية هذا، يقابله لفظ آخر هو “طهارة القلوب”، والمعنى واحد؛ إذ النفس والقلب كلاهما يخصان الجانب الخفي والباطني في الإنسان، وهذا الجانب يتصف بالصحة والمرض، وعلى الإنسان أن يجتهد في إصلاحه ومداواته.

إن هذا القصد الكبير الذي انبنى عليه الدين الإسلامي في عمومه هو ما استقل بخدمته ورعايته علم السلوك، إذ إن هذا العلم بما يتفرع عنه من متعلقات ومستلزمات دائر ومتمركز على تحصيل قصد مقاصد الشرع وهو تطهير قلوب العباد مما عدا الله سبحانه وتعالى، وتحصيل تخليصها من كدوراتها، والعمل على تنقيتها وتصفيتها من رعوناتها، وإبرائها وإشفائها من أمراضها وعللها، فبشفاء القلب وطهارته يُحصّل الإنسان السّعادة والنجاة يوم لقاء ربه، مصداقا لقول الله عز وجل في وصف يوم القيامة: ﴿يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم﴾ [الشعراء 88]؛ وقد تم الاهتمام بالقلب أكثر من أي شيء آخر في الإنسان لأنه المحرك لهذا الكائن؛ فهو كالملك بالنسبة لبقية الجوارح التي تأتمر بأمره وتنتهي بنهيه، فبصلاحه صلاحها وبفساده فسادها، وهو ما أشار إليه النبي الكريم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم حينما قال: «إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب» [أخرجه البخاري حديث رقم 52، ومسلم حديث رقم 1599]. وصفاء هذا القلب وطهارته من أمراضه وعيوبه لا يتحصّل إلا بأمرين اثنين: العلم بتلك العيوب ومعرفتها، ثم العمل بجدّ تحت رعاية من له الخبرة بذلك لمعالجتها؛ من خلال الاجتهاد في أعمال الشرع الظاهرة من مختلف صنوف العبادات والقربات، وهذا بدوره لا يتحصّل بصورته الصحيحة إلا من خلال العلم بكيفيته الشرعية. ومن ثم، نقول: إن علم السلوك مؤسس ـ بالضرورة ـ على العلم بالشرع أولا، ثم على العمل به ثانيا؛ إذ لا سلوك إلا بهذين الركنين؛ فإنه لما كان هذا العلم ـ أي علم السلوك ـ خادم لقصد التزكية وهو قصد شرعي، كانت الوسائل التي سيستعين بها هذا العلم لتحقيق هذا المقصد ـ بالضرورة ـ هي الأخرى وسائل شرعية؛ وهذه الوسائل ما هي سوى الالتزام بالفرائض على أتم وجوهها، والاجتهاد في الإتيان بالنوافل بمختلف صنوفها مع إخلاص القصد لله تعالى، إذ ذاك فقط يكون العبد مؤهلا لاستقبال علوم قلبية وفهوم نورانية مما يكرم الله تعالى به عباده المتقين من المعارف الربانية أو قل اللدنية وهو ما يسمى بعلم الحكمة، أو علم القلب، أو علم الحقيقة، أو علم الخشية، أو علم المراقبة، أو العلم الموهوب، وغيرها من التسميات الدالة على هبات الله تعالى لعباده المخلصين الصادقين من أسرار الحكمة الإلهية وأنوار الشرع الحكيم وذلك جزاء منه تعالى على طاعتهم وتقواهم وإخلاصهم وصدقهم فقد قال عز وجل: ﴿واتقوا الله ويعلمكم الله﴾ [البقرة 282]، والمراد بالعلم هنا في هذه الآية هو: “العلم اللدني” [قاله الشيخ ابن عجيبة في تفسيره “البحر المديد”؛ ج: 1، ص: 280، وغيره]، ويقول الطبري في عبارة: ﴿ويعلمكم الله﴾؛ أي: «ويبين الله لكم الواجب لكم وعليكم» [ج3ص: 51]؛ وهذا البيان ليس هو البيان المُحصّل بطريق الإدراك والفهم العقليين وإنما هو بيان محله القلب، وإلا لم يكن ليُشرط في تحصيله شرط التقوى؛ إذ لو كان المقصود بالعلم في هذه الآية علم الظاهر المُحصل بطريق العقل لما اشترط الله تعالى في تحصيله شرط التقوى، فهذا النوع من العلم وهو الذي يتضمن العلم بأحكام الشرع الظاهرة يحصله حتى غير المسلم بله المسلم غير المتقي وخير شاهد على ذلك حال المستشرقين الذين وصلوا إلى درجات عالية من العلم بالدين الإسلامي دون أن ينتفعوا به لاعتبار عدم اعتقادهم في أصوله الإيمانية وعدم عملهم بتفاصيله وأوامره التشريعية، وهذا دليل على أن المراد بالعلم الوارد في الآية الكريمة الذي شرطه التقوى هو “العلم اللدني” الذي محله القلب ومصدره الإلهام الرباني كما قال الله تعالى في شأن العبد الصالح الخضر عليه السلام: ﴿فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنّا علما﴾ [الكهف 65]، والعلم من لدن الله هو: «ما يتحصّل بطريق الإلهام دون التكلف بالطلب» [لطائف الإشارات، للقشيري، ج4، ص:76]، وهذا العلم الذي يأتي نتيجة للتقوى هو نور يصير للعبد في قلبه يميّز به الحق من الباطل والهدى من الضلال وهو المراد بقول الله تعالى: ﴿يأيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا﴾ [الأنفال 29]؛ أي إن تتقوا الله كما أمركم وتخافوه وتراقبوه، وتتبعوا أمره وتتركوا نهيه يجعل لكم: «نورا في قلوبكم، تفرقون به بين الحق والباطل، والحسن والقبيح. قال ابن جزي: وذلك دليل على أن التقوى تُنور القلب، وتشرح الصدر، وتزيد في العلم والمعرفة» [البحر المديد، لابن عجيبة، ج3، ص:22-23] وهذا الفرقان الذي يتحصل بمقتضى فعل التقوى هو تأييد قلبي يؤيد الله به العبد ويعينه من خلاله على التفريق بين المُحق والمُبطل، ويتبين به المخارج من الشبهات، قال القشيري: «الفرقان ما به يفرق بين الحق والباطل من علمٍ وافر وإلهام قاهر» [لطائف الإشارات، ج2، ص:308] وهذه الحالة قد حصّلها الصحابة ويشهد لها كثير من النصوص الحديثية؛ من ذلك: الحديث الذي أخرجه البخاري [ح رقم 3689] عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقد كان فيما كان قبلكم من الأمم ناس محدّثون، فإن يك في أمتي أحد فإنه عمر» [وأخرجه مسلم أيضا من حديث عائشة رقم 2398]، فإن كان من أحد من المسلمين قد حصّل الدين على أتمه فهم الصحابة بما في ذلك المعاني القلبية التي قد حصلوها من خشية وصدق وتقوى…، إذ ليس المراد في الدين الأعمال الظاهرة بقدر ما تؤديه من حقائق الإيمان وأنواره فأي عبادة لا تؤدي إلى تصفية القلب وتزكية النفس فهي عبادة ناقصة ومعلولة.

نخلص من خلال ما سبق، إلى أن علم السلوك مؤسس على ثلاثة أركان رئيسة هي:

أولا: العلم بالدين ومعرفة الأحكام الضرورية التي تهم الممارسة الدينية الإسلامية بمختلف متعلقاتها وتفريعاتها سواء في جانب العبادات من طهارة وصلاة وصيام وزكاة وحج …الخ، أو جانب المعاملات من بيع وشراء وغير ذلك، وكذا الأحوال الشخصية من زواج وطلاق وعدة …الخ، والجنايات، والشهادات، والعقوبات…الخ.

ثانيا: العمل بالفرائض والاجتهاد في تحصيلها قدر المستطاع، والسعي في الاشتغال في مختلف الأوقات بالنوافل.

ثالثا: ما يترتب على الالتزام بالشرع والعمل بأحكامه من ثمرات قلبية، إذ لما كان علم السلوك دائرا على تصفية القلب وطهارته كان دائرا أيضا على ما يتحصّل لهذا القلب بعد طهارته من أنوار الهدى التي يفيضها الحق تعالى على قلوب أوليائه وخاصته من حكم ومعارف يخصّهم بها، وشاهده قول الله عز وجل في الحديث القدسي المسمى بحديث الولي: “لا زال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبّه….”، والمراد بكلمة النوافل الواردة في الحديث مطلق النوافل، والنافلة ما زاد على الفرض في كل أصناف العبادات من صلاة وصيام وذكر وتلاوة قرآن وصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وصدقة وغير ذلك من أنواع النوافل.

 وأيا كان الأمر: تزكية النفس أو طهارة القلب فالأمر سيان إذ المراد إصلاح باطن الإنسان وسريرته ومداوات مكامن الشر فيه وصقل جانب الخير فيه وتنميته.

إن السلوك بهذا المعنى هو اشتغال بمكارم الأخلاق والبحث عن معالي الأحوال وفضائل الأعمال مما كان عليه الصحابة الكرام والتابعين اقتداء بأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم، وقد اهتم علماء السلوك في حقائق الأخلاق واهتموا بحقائق التوبة وصفاتها، ودرجات التائبين وحقائقهم، ودقائق الورع وأحوال الورعين، وطبقات المتوكلين، ومقامات الراضين، ودرجات الصابرين، واهتموا كذلك بالخشية والخضوع، والمحبة والخوف، والرجاء والشوق، والإنابة والطمأنينة، واليقين والقناعة وغير ذلك من الأعمال القلبية والأخلاق المحمدية التي تربط العبد بربه وكذا بأخيه الإنسان فهو يهتم بالتربية والأخلاق ولذلك يسمى بعلم التربية وعلم الأخلاق.

1 2 3 4الصفحة التالية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق