مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراثأعلام

محمد بن محمد الشريف البُوعْناني (988 ـ 1063هـ)

محمد بن محمد الشريف البُوعْناني (988 ـ 1063هـ)

هو الإمام الحافظ الكبير، المحدث المقرئ المجوّد الشهير، أبو عبد الله محمد بن محمد بن سليمان بن منصور الشريف الحسني الإدريسي المعروف بالبوعناني، ذكر الشيخ أبو عبد الله الـمسناوي أنه اطّلع على ظهائر ملكية وإجازات علمية لبعض أسلاف رهط صاحب الترجمة تضمّنت تحليتهم بالشرف النبوي والنسب العلوي من غير واحد من الأئمة المعتبرين؛ كالشيخ أحمد بن علي السوسي، والشيخ عبد الواحد بن أحمد بن عاشر، والشيخ أبيالقاسم بن محمد بن أبي النعيم الغساني، وتلميذه أبي العباس أحمد بن محمد المقري التلمساني، وغيرهم.

ولد الشريف البوعناني سنة ثمان وثمانين وتسعمائة (988هـ)، ونشأ ـ على ما يظهر ـ في بيت يَعمر بذكر الله وتلاوة كتابه العزيز، مما يفسر نبوغه وعلو شأنه في القرآن وعلومه على علماء زمانه، وتلقى تعليمه على كبار مسندي عصره؛ فأخذ القراءات عن أبي العباس أحمد بن محمد الفَشْتالي، وعن أبي عبد الله محمد بن أحمد المريي، وأخذ عن أبي زيد الفاسي ولزم مجلسه سنين، وأجازه مرّتين، وصحب العلامة أحمد بن علي السوسي البُوسْعِيدي، وغيرهم، ويُعدّ مُتَرجمنا خاتمة من روى عن القصار وسمع منه، حفظ «الصحيحين»، وأتقن القرآن قراءة وفهما، فكان سنده أعلى أسانيد عصره، فانهال عليه الطلبة من أهل فاس وغيرها من الأقطار، وتخرج على يديه جماعة من أولاده وغيرهم ممن اتصفوا بالعلم والقضاء والفتوى والإمامة والخطابة بجوامع الأندلس والقرويين، فيحكي محمد بن الطيّب القادري في ترجمة أحمد بن عمرو الشريف أنّه أعطى صاحبنا البوعناني مرّة حزمة عيدان النخل، وهي في العرف تستعمل للتوكئ عليها بمنزلة العصا، فكان فيه إشارة لما تولاه أولاده من الخطابة في فاس وغيرها، فاتفق أن كان في أولاد سيدي أبي عنان من الخطباء بقدر تلك العيدان، فيوم استكملوا ذلك العدد لم يُوسَم بالخطبة أحد منهم.

وقد حظي الشريف البوعناني بمكانة علمية كبيرة لدى عصرييه ومن جاء بعدهم، وبخاصة ممن عُنوا بكتاب الله تعالى، فكان ـ رحمه الله ـ آية في التواضع وسموّ الأخلاق، نبيلا، منخفض الجناح؛ يحكي أبو سالم العياشي في فهرسته، قال: «…وكنت سمعت منه أشياء كثيرة، ولم أطلب منه الإجازة، مع أنه كان حريصا على ذلك لحيائي منه، ولو استقبلت من أمري ما استدبرت لفعلت، والله غالب على أمره».

ومما يدل على مكانته أيضا أن شيخه أحمد بن علي البوسعيدي ألّف برسمه كتابه «بذل المناصحة في فعل المصافحة» الذي ترجم فيه شيوخه وذكر أسانيدهم وإجازتهم له، ويكفي في هذه المنقبة تشريفا له وإعلاء لشأنه عند شيوخه ومن عرف قدره. وقد حلاه جماعة من أهل العلم بأوصاف تُنبِئ عن مكانته وشرف منزلته، فوصفه العلاّمة محمد بن الطيب القادري بـ«الإمام الحافظ الكبير، المحدّث الأستاذ المقرئ الشهير»، وقال عنه عبدالله بن محمد الفاسي «أستاذ محدّث حافظ»، ووصفه عبد الحي الكتاني كذلك بـ«الأستاذ المجوّد المحدّث المعمّر».

وكانت للبوعناني مجالس علمية انتفع بها الطلبة، وكثر بها الآخذون عنه، وهو ما يؤكده وقوف العلامة عبد الحي الكتاني على عدة إجازات له ممضاة بخطه، وله أيضا «فهرسة» نقل عنها أبو الربيع الحوَّات في المقصد السادس من كتابه «البدور الضاوية» كلاما في حق أبي عبد الله محمد بن أبي بكر الدلائي، ثم وجدت له «فوائد مقيدة في مجلس محمد المرابط الدلائي» بالخزانة الحسنية بالرباط، و«إجازة لمحمد بن أبي بكر الدلائي»، وأخرى لتلميذه أبي عبد الله محمد المدعوّ الشرفي المجاطي بنفس الخزانة.

توفي العلامة محمد بن محمد الشريف البوعناني سنة ثلاث وستين وألف (1063هـ)، عن عمر يناهز خمس وسبعين سنة من العطاء والإنتاج، ولا تزال أعماله دفينةً حبيسةَ الرُّفوف، نرجو الله أن ييسر إخراج بعض ما وُجد منها.

مصادر ترجمته: الإعلام بمن غبر من أهل القرن الحادي عشر لعبد الله بن محمد الفاسي (تـ1131هـ) (ص154)، صفوة من انتشر للإفراني (تـ حوالي1155هـ ) (281ـ282)، نشر المثاني من أهل القرن الحادي عشر والثاني لمحمد بن الطيب القادري (تـ1187هـ) (2/65)، طبقات الحضيكي (تـ1189هـ) (1/301ـ302)، سلوة الأنفاس لمحمد بن جعفر الكتاني (تـ1345هـ) (1/217ـ218)، فهرس الفهارس لعبد الحي الكتاني (تـ1382هـ) (1/239ـ240)، معلمة المغرب (6/1807).

Science

الدكتور نور الدين شوبد

باحث مؤهل متعاون مع مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراث، التابع للرابطة المحمدية للعلماء بالرباط

أستاذ مساعد بجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية أبو ظبي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق