مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةأعلام

محمد بن علي الإحميدوشي اللأكلويي السوسي (تـ: 1296ه‍) وعنايته بالسيرة النبوية الشريفة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على سيدنا  محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين

أما بعد؛

فإن من تراجم رجالات سوس العالمة العزيزة التي وقفت عليها، ترجمة العالم الجهبذ، والفقيه الأصولي، والنحوي البليغ، والمدرس العلامة، الذي كان من الأفاضل الأماثل، يذكر بكل خير، دين مكثر للصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، والمعتني بسيرته صلى الله عليه وسلم: محمد بن علي الإحميدوشي اللأكلويي السوسي.

إذ بعد البحث في المصادر المغربية المتاحة المعتنية بالتراجم، وجدت أن ترجمة هذا العالم الجليل شحيحة، اللهم محمد بن أحمد الإكراري (المتوفى عام: 1358هـ)[1] في كتابه: روضة الأفنان في وفيات الأعيان، وكتب العلامة محمد المختار السوسي (المتوفى عام: 1383هـ)[2] الذي تناوله بالترجمة هناك، منها: رجالات العلم العربي في سوس، وسوس العالمة، والمعسول[3]، وقبله ترجمه: الأديب علي بن الحبيب السكرادي أو السكراتي (المتوفى عام: 1379هـ)[4] في كتابه: تحلية الطروس في ذكر رجالات سوس، لكنني لم أقف عليه، وإنما عرفته بدلالة العلامة محمد المختار السوسي في كتابه: المعسول[5].

إن عناصر ترجمة العلامة الأكلويي تتكون من الآتي: تكوينه العلمي ومشيخته، تلامذته الذين تلقوا عنه، عنايته بالسيرة النبوية الشريفة، وأخيرا وفاته، تغمده الله تعالى بواسع رحمته.

تكوينه العلمي ومشيخته:

تخرج العلامة الأكلويي من المدرسة التمكيدشتية، هذه المدرسة التي خلفت الحضيكية، لكنها أزخر اتباعا وإن كانت أقل تحصيلا، فاستفحل التدريس في مدرستها منذ العقد الثاني من القرن الثالث عشر، ولا تزال مدرسة تيمكيدشت أكبر مدرسة يقصدها الطلبة من جميع الجنوب؛ لما مر لشيخها المؤسس أبي العباس المتوفى عام: (1274هـ)، وابنه الحسن المتوفى عام: (1297هـ)، ثم تتابع فيهم العلم إلى أن انقرض بسيدي الهاشم المتوفى منذ نحو ثلاثين سنة، وهذه المدرسة هي أم المدارس الحوزية البالغة نحو خمسين مدرسة منبثة حوالي مراكش بوساطة مدرسة مزوضة التي أسسها أحد تلاميذ آل تميكيدشت، وعندهم خزانة عامرة، وزاوية مقصودة، وينتسبون إلى سيدي ميمون بكسيمة الذي يرفع نسبه إلى الشرف[6].

تلاميذه:

كان الشيخ المترجم مجتهدا في التدريس، وكان له طنين ودوي في سوس، وقد قام بالتدريس في: “عين المزاور” بـهوارة، ثم درَّس بعد ذلك في “فم الساقية” بإيمي نتركا من جهة أكلو، فتخرَّج عنه جلة من العلماء، أذكر منهم:

محمد بن عمر البونعماني (المتوفى عام: 1287ه‍): كان عالما كبيرا متضلعا متفننا بارعا، قاضيا، مفتيا، ناسخا، يذكره عارفوه بالتفوق[7].

الحسن بن أحمد الراسلوادي (المتوفى عام: 1323ه‍): العالم، الكبير، المدرس، المشارك، تصدر للتدريس في مدرسة ابن جرار الهشتوكية وفي غيرها، كان دينا خيرا ربانيا سهل الكنف، الفقيه البركة، المحمود في السكون والحركة[8].

أحمد بن  محمد الإلياسي الماسي  (المتوفى عام: 1370هـ): جوهرة ماسة، العلامة الجليل، الفقيه، الذي ينتمي إلى الأسرة الإلياسية المعروفة، التي هي من الأسر العلمية الكبرى في سوس[9].

عناية العلامة اللأكلويي بالسيرة النبوية الشريفة[10]:

كان المترجَم يدرس الطلبة ويتدارس مع أقرانه، كما كان مولوعا بالسيرة النبوية الشريفة، وما ألف فيها، وقد اعتنى بها غاية اعتناء، خصوصا متونها، وأخص بالذكر: ألفية العراقي، المسماة: الدرر السنية في نظم السيرة النبوية. فقد كان يومًا مع علماء هواريين، فتداولوا فيما بينهم أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصار المترجم يملي عليهم من ألفية العراقي في السيرة النبوية، وكان يحفظها، فقال قائل منهم: لا والله لا نتفرق حتى نكتبها عنك ونأخذها، فبقوا في دار كانوا فيها عند بعض الكرماء أيامًا، فكان يشرحها لهم. وقد بعث إلى محله، فأتى ببعض السير، وهي إما سيرة ابن سيد الناس، أو سيرة ابن هشام، فاقترحوا عليه أن يشرح لهم الأرجوزة، ففتح الشرح هناك، ولعله أتمه بعد ذلك.

إضافة إلى ما كان يحفظه من السيرة النبوية الشريفة، وما درَّسه من متونها مع شرحها، فله أيضا قصيدة ميمية في مدح النبي صلى الله عليه وسلم، يحق للعلامة محمد المختار السوسي، أن يفضِّلها على ميمية شيخ مترجمنا: العلامة الحسن التيمكيدشتي، إذ يقول رحمه الله تعالى في الثناء عليها: “لا أكاد أشك أنه تذكر حين قال هذه القصيدة على روي الميم، قصيدة نبوية ميمية للشيخ الحسن التيمكيدشتي، وقد ذكرت في ترجمته بين التيمكيدشتيين، إلا أن نفس ابن علي أفضل من نفس الشيخ، يظهر ذلك بالمقابلة بين الميميتين، وهذا يدل على أن لابن علي يدًا في البلاغة غير قصيرة، ولو كنا رأينا له غير هذه الميمية لازددنا به معرفة”[11].

وإليك أيها القارئ هذه القصيدة:

حمدًا لباري كل الخلق من عدم *** مولى المكارم فضلاً منه والنعم

من رفع الأمة الأخرى وفضلها *** على سواها من السباق في الأمم

أتى إليها بدين مجتبى وهدى *** كالنور يسطع في حنادس الظلم

على يدي خير خلق الله أجمعهم *** وسيد الرسل خير الناس كلهم

من اجتباه نبيًا قبل خلق جمـ *** ـيع الكون لم يخرجوا من بعد من عدم

سلسله من سلاسيل مطهرة *** مبرءات من الأدران والوصم

جميع ما كان فيها من مناكحة *** بار من العيب بل جار على اللقم

أدبه ربه فصار أفضل من *** يمشي على هذه الغبراء بالقدم

خير الأروم وأنقاها أرومته *** بنو معد أجل الناس في الذمم

من مثله في بني حواء كلهم *** من مثله بين كل العرب والعجم

أتى وقد سدل الفكر الذيول ولا *** دين يسوق الورى لباري النسم

فبيض الأوجه الغر الصباح بما *** أتى به من هدى في سائر الأمم

قد اقتفاه صحاب عز مثلهم *** إذا جرت ملحمات في الوغى بدم

فسل تبوك وبدرًا بل وسل أُحدًا *** ثم حنينا تصخ لأعظم الهمم

والخندق اللذ حوى نصرًا به عجبًا *** يعجز عن وصفه الإفصاح من قلمي

ما زال خير الورى في فتح أعين من *** عموا إلى أن رأى سلمًا بوعظهم

حتى مضى أفتديه بالجدود إلى *** أعلى الجنان ودين الله في نظم

جزاه عنا إله الناس خير جزا *** فشكره ليس يوفي عشره بفمي

أزكى الصلاة عليه السلام مع *** الأصحاب مع آله طرا ذوي الكرم

وفاته:

توفي العلامة محمد بن علي الأكلاويي عام: 1296ه‍ بسوس، بعد عمر مليء بالعطاء المعرفي، وخاصة في السيرة النبوية الشريفة.

وختاما فإن ترجمة هذا العالم الجليل، تحتاج مزيد بحث وتفتيش، للإحاطة بجميع جوانب نبوغه العلمي والمعرفي، وإن كان العلامة محمد المختار السوسي رحمه الله تعالى، قد أمدنا ببعض ما التقطه من حياة هذا العلامة الكبير، فنأمل من الله تعالى أن يُيسر من يسلط الضوء على جوانب من حياة العلامة محمد بن علي الإحميدوشي اللأكلويي السوسي. 

 *******************

هوامش المقال

[1]– انظر مادة ترجمته مع مصادرها في مقدمة تحقيق: روضة الأفنان في وفيات الأعيان ص: 11_21، ومعلمة المغرب 3 /608 بقلم: الأستاذ عبد الله درقاوي.

[2]– انظر مادة ترجمته مع مصادرها في معلمة المغرب 15 /5185_5188 بقلم: الأستاذ عمر أفا.

[3]– رجالات العلم العربي في سوس ص: 172، وسوس العالمة ص: 201، المعسول 13 /209_213.

[4]– انظر مادة ترجمته مع مصادرها في معلمة المغرب 15 /5021-5022 بقلم: الأستاذ الحسن السكراتي.

[5]– المعسول 13/ 208.

[6]– سوس العالمة ص: 162-145، وانظر: مادة التعريف بتيمكديشت مع مصادرها في معلمة المغرب 8 /2748-2749 بقلم: الأستاذ عمر أفا، وانظر أيضا: مادة ترجمة العلامة أحمد بن محمد، وابنه: العلامة الحسن مع مصادرهما في المعلمة 8/ 2749-2750 بقلم: الأستاذ علي أنشاد.

[7]– رجالات العلم العربي في سوس ص: 139.

[8]– رجالات العلم العربي في سوس ص: 222، المعسول 13 /207-208.

[9]– المعسول 18 /73_85، سوس العالمة ص: 135.

[10]– سوس العالمة ص: 201، المعسول 13 /210-211.

[11]– المعسول 13 /210.

*************************

جريدة المراجع

رجالات العلم العربي في سوس لمحمد المختار بن علي بن أحمد السوسي، اعتناء: عبد الوافي المختار السوسي، مؤسسة التغليف والطباعة والنشر، طنجة- المغرب، الطبعة الأولى: 1409/ 1989.

روضة الأفنان في وفيات الأعيان لمحمد بن أحمد بن مَحمد الإكراري السوسي، تحقيق: حمدي أنوش، مراجعة محمد الحاتمي، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة ابن زهر، أكادير، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط- المغرب، الطبعة الثانية: 1430/2009.

سوس العالمة لمحمد المختار بن علي بن أحمد السوسي، مطبعة فضالة، المحمدية، 1380/ 1960.

المعسول (الجزآن: 13-18) لمحمد المختار بن علي بن أحمد السوسي، مطبعة النجاح، الدار البيضاء- المغرب، 1380-1381/ 1961-1962.

معلمة المغرب لمجموعة من الأساتذة الباحثين، الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر، مطابع سلا- المغرب، 1426/ 2005.

*راجعت المقال الباحثة: خديجة ابوري

Science

يوسف أزهار

  • باحث بمركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسير ة النبوية العطرة بالعرائش، التابع للرابطة المحمدية للعلماء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق