الرابطة المحمدية للعلماءأخبار الرابطة

مجلة “الإحياء” تحتفي بالمفكر اللبناني رضوان السيد

تكريم العلماء قيمة من أعلى القيم في البنية المعرفية التشريعية للإسلام

احتفلت فصلية “الإحياء”، وهي مجلة فصلية محكمة تصدرها الرابطة المحمدية للعلماء، بالمفكر اللبناني رضوان السيد، في يوم دراسي، احتضنته مدينة أكادير، الاثنين 29 مارس الجاري، وتميزت فعاليات هذا التكريم العلمي على الخصوص بإلقاء مجموعة من الباحثين محاضرات وشهادات في أعمال رضوان السيد، حيث توزعت جلسات اللقاء العلمي الاحتفالي على جلستين اثنتين: تضمنت الجلسة الأولى التي ترأسها الأستاذ عبد الحميد عشاق مداخلات كل من الأستاذ سعيد شبار، بدراسة بعنوان؛ “الاجتهاد والتجديد: بين البناء الشرعي والتداول التاريخي”، محمد الشيخ (“التعدد والتسامح والاعتراف في فكر رضوان السيد”، جمال بامي (“جدلية الحداثة والتراث في فكر رضوان السيد”)، ومحمد المنتار (“أهم منطلقات التجديد في فكر رضوان السيد”)؛ في حين توزعت مداخلات الجلسة العلمية الثانية التي ترأسها الأستاذ احميدة النيفر على الأسماء والمواضيع التالية: سعيد بنسعيد العلوي (“السلفية و”السلفيات” الأخرى”)، عز الدين العلام (“السلطان والإسلام: دراسة في تحقيقات رضوان السيد لبعض الأدبيات السياسية السلطانية”)، فيصل الحفيان (“رضوان السيد والتراث”)، وعبد السلام طويل، رئيس تحرير فصلية “الإحياء” من خلال ورقة بحثية تحت عنوان “إشكالية العلاقة بين الدين والسياسة في فكر رضوان السيد”.

ومن الأسماء التي أدلت بشهادات في حق المفكر رضوان السيد، نجد احميدة النيفر، معتز الخطيب، السيد ولد أباه، وأحمد عبادي، أمين عام الرابطة المحمدية للعلماء.

واعتبر عبد الحميد عشاق، عضو المكتب التنفيذي للرابطة المحمدية للعلماء، أن هذا التكريم يندرج ضمن تكريم العلماء قيمة من أعلى القيم في البنية المعرفية التشريعية للإسلام، مؤكدا على أن المغرب منفتح على جميع العلماء وعلى اجتهاداتهم الفكرية، وواصفا مصطلح الاجتهاد بمثابة الوصف الذي يليق برضوان السيد والاجتهاد هنا بمدلوله العام.

أما سعيد بنسعيد العلوي، فرأى أننا إزاء عالم ومفكر أزهري أولا وأخيرا، وأنه ذو معرفة جيدة بالفقه المقارن بسبب حُسن معرفته بالمذاهب الأربعة، وهو أحد العلماء القلائل الذين يملكون القدرة المعرفية لمحاورة الشيعة الإمامية أو الزيدية، إضافة إلى أنه جمع بين صرامة الأزهر وصرامة الألمانية يملك تقويما لسانيا ومنهجيا.
واختلفت مداخلة سعيد بنسعيد العلوي عن باقي المداخلات، عندما حاضر خصوصا في موضوع السلفية والسلفيات الأخرى، متوقفا عند السلفية الكلاسيكية والسلفية الجديدة (أو السلفية الجهادية)، ويكمن مأزقها الأكبر حسب العلوي، في التعامل مع الجهاد على أنه مركزي في الدين، وتركيزها الآخر على البعد السياسي أكثر منه على البعد المعرفي.

بالنسبة للباحث سعيد شبار، فأشار في مداخلته إلى أن المفاهيم القرآنية مرتبطة بالوحي، والمشكل هو أن التداول التاريخي، قام بالانصراف عن هذه الدلالات، ويقد المدارس الفقهية والمذهبية، مضيفا أن هناك غلبة الاصطلاحات المذهبية والفقهية على دلالات هذه المفاهيم وتحولنا بالتالي من الكلي والمطلق نحو الجزئي والمقيد.

أما الباحث جمال بامي، فأكد أن أعمال رضوان السيد تكتسي أهمية كبيرة في الفضاء الثقافي العربي المعاصر لاعتبارات عديدة، منها دوره الكبير في تحقيق التراث العربي الإسلامي، خصوصا ما علق منه بالفكر السياسي والأحكام السلطانية والاجتماع البشري وطبائع العمران، وأيضا، تناوله المعرفي الإبستمولوجي لقضايا التراث والفكر الإسلامي الحديث والمعاصر، وأخيرا، تاريخانية أعمال رضوان السيد، وتعتبر مدخلا لفهم شروط إنتاج الأفكار ضمن حقبة تاريخية معينة بما يصفه ميشيل فوكو بأركيولوجية المفاهيم، وليس التاريخانية كاتجاه أو منهم يهدف إلى إحداث القطيعة المعرفية مع الموروث التاريخي.

وركزت مداخلة محمد المنتار، رئيس مركز الدراسات القرآنية التابع للرابطة المحمدية للعلماء، على مناقشة أهم منطلقات التجديد عند رضوان السيد، ملخصا إياها في مجالين اثنين، وهما مجال الدراسات القرآنية، ومجال مقاصد الشريعة الإسلامية، ففي المجال الأول، فإن أهم ما يميز أعمال رضوان السيد، أنه يرفد من رافد أساسي هو القرآن الكريم، من خلال تبيان ملامح مشروعه لبناء رؤية للإنسان ولكون. وفي المجال الثاني، فإنه تميز بالتدقيق في علاقة مقاصد الشريعة بالسياسة الشرعية، ثم استثمار الخطاب المقاصدي بتقسيماته المتنوعة في ترشيد حقوق الإنسان.

ويتميز فكر رضوان السيد حسب الباحث محمد الشيخ ـ المتخصص في تفكيك سؤال الحداثة لدى المفكرين المغاربة والغربيين ـ بالمراجعة النقدية للمفاهيم والتصورات التي يعج بها الفكر الإسلامي قديما وحديثا، كما يتميز بالتعدد واللاوحدية، باعتباره أحد أبرز الدعاة إلى العيش المشترك، ولكن من دون تمييع، ملاحظا أن اللاوحدية لدى رضوان السيد تتجلى على الخصوص في السياسة والثقافة والمجتمع، وتتجلى عمليا من خلال نقده للإحيائيين (الإسلاميين) والقوميين على حد سواء.

وفي معرض مواجهة التيارات السلفية، اعتبر بنسعيد العلوي أن السلطات العربية والإسلامية تراهن إما على الانتصار للتصوف والروحانيات أو للاتجاهات المادية، معتبرا أنه لا سبيل للخروج من مأزق السلفيين سوى الانتصار للعلم والعلماء والمعرفة والتعليم.

وأشاد عز الدين العلام بمشروع رضوان السيد في تحقيق العديد من الأدبيات السلطانية، التي يجمع بينها تبني رؤية عملية براغماتية للسياسة، موجزا أهم خلاصات السيد في تأكيد هذا الأخير على أن هناك تناقض بين الروح الإسلامية وأغلبية هذه الأدبيات، ومعتبرا على الخصوص أن ابن المقفع يبدو أكثر تقدمية من بعض الحداثيين اليوم

أما المفكر المصري سيف الدين عبد الفتاح فقد وصف رضوان السيد بأنه أشبه بمُجمّع لملكة التحقيق والترجمة، إضافة إلى توفيقه بين التخصص في علوم الاستشراق والعلوم التي درسها في مؤسسة الأزهر، باعتباره خريج هذه المؤسسة الدينية العريقة، وأقر سيف الدين عبد الفتاح بأنه ينتمي إلى أولئك الذين استفادوا مما صدر عن رضوان السيد وخاصة الفكر السياسي الإسلامي.

ويُحسب لرضوان السيد، حسب الباحث عبد السلام طويل، رئيس تحرير مجلة الإحياء المغربية، الناطقة باسم الرابطة المحمدية للعلماء،  أنه أعطانا كلمة مفتاح أو منهاجا نوعيا في التعامل مع السؤال المؤرق الخاص بالتعامل مع سؤال وجود نظرية للدولة في القرآن، أو جديلة النص والتجربة التاريخية، معتبرا أن غياب نظرية حول الدولة في الإسلام، دليل على أن المسألة اجتهادية ومتروكة للعلماء والمفكرين، ومطالبا الحضور بضرورة أخذ الحيطة والتعامل بنسبية كبيرة في الحديث عن كونية المفاهيم.

وأكد الباحث الموريتاني محمد السيد ولد اباه أنه لا يستغرب من الرابطة المحمدية للعلماء، أن تحتفي بأحد أعلام هذه الأمة، مضيفا أن الخميني وأسامة ابن لادن قدما خدمة كبيرة لرضوان السيد، من حيث لا يدري لأنه كان الملجأ الوحيد لفهم الظاهرة الإسلامية لدى الباحثين عن تفكيك الظاهرة، قبل قدوم خدمة موازية ولكن في اتجاه آخر، من معمر القذافي من خلال تأسيس مركز الإنماء القومي.

وأضاف ولد اباه أنه يحسب لرضوان السيد أنه كان أول من نشر للفكر المغربي في المشرق عبر مجلتي الفكر العربي والاجتهاد.

وتميزت شهادة الباحث السوري معتز الخطيب، معد برنامج الشريعة والحياة على شبكة الإنترنت، بأنها شهادة تلمذة ومحاورة ومناقشة وتأثر، ملاحظا أن أهم ما يميز أعمال المحتفة به، تبقى روح كتابته، ولا يقصد بها الروح الصوفية وإنما طريقته في التفكير والنقد وبراعته في التحليل، متوقفا، كغيره من الحضور، عند أهم ميزاته، أي التأريخ للأفكار، وخاصة في الدراسات الكلاسيكية عبر نشر وتحقيق نصوص مهمة في التراث الإسلامي، وذهب إلى درجة وصفه بأنه أشبه بمؤسسة متحركة، إضافة إلى أنه ساهم في صناعة الثقافة والتأثير الثقافي، وواصفا إياه في نهاية مداخلته بأنه عالم حقيقي وعالم موسوعي، ولو أنه لبس العمامة، يضيف معتز الخطيب، بالرغم من أنه خريج الأزهر، لكان له تأثير أكبر في العالم الإسلامي.

تجديد المناهج البحثية في العلوم الإسلامية: هذا هو رضوان السيد، وهكذا أوجز المفكر التونسي احميدة النيفر، مشروع المحتفى به، مؤكدا على الخصوص أنه من المهم جدا الاهتمام إلى هذا النمط من العلماء الذين يجمعون بين سلطة الفقيه وسلطة المثقف، فهو، يضيف النيفر، صاحب سلطة معرفية لا تقتصر على التراث فقط، وتبقى عموما مختلفة عما كان سائدا لدى الشيوخ والمثقفين في آن، كما أننا مع رضوان السيد، معه انتقلنا في معرض الحديث عن الاستشراق، من الحديث عن الأسماء نحو الحديث عن المناهج العلمية المتبعة في دراسة التراث، وهذه نقلة نوعية، وأخيرا، وليس آخر، مع رضوان، تعلمنا أن الدراسات لا يمكن أن تكون مجدية إلا إذا كانت ذات محور مفاهيمي واضح.

وجاءت آخر المداخلات على لسان الدكتور أحمد عبادي، الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء، والذي أوجز أهم أسباب تأثر الباحثين والمتتبعين لأعمال رضوان السيد في نقاط ثلاث: الجمع في أعماله بين المقدمات الواضحة والتحليلات الدقيقة والاستنتاجات المتزنة.

كما أورد الدكتور عبادي مجموعة من المميزات اللصيقة بأعمال الضيف المحتفى به، ولخصها في هم الوظيفية في التعامل مع التراث، وقراءة التاريخ بنفسية الفاعلين وليس بنفسية المنفعلين، وأيضا هم التاريخ الشامل، حيث حاول استنبات هذا المفهوم في فضاءنا العربي الإسلامي، وهناك أيضا الهم المفاهيمي، وهم بناء الأنساق المعرفية والأطر المعرفية والمفردات الصبة وليس الهلامية تحمي البُنيان، تركيز رضوان السيد على وعي بالتاريخ بشكل يروم إعطاء الدافعية المستهدفة لهذا الكائن المسلم (homoislamicus) وليس صدفة أن تخصص مجلة الاجتهاد بعض أعدادها لهذا المفهوم، وأخيرا، هم الرؤية والكوسمولوجيا من خلال معاقرته للفلسفة الألمانية وكتابات ماكس فيبر.

بعد هذه الشهادات الاحتفالية والنقدية والتقيمية في حق رضوان السيد، جاء الدور على المحتفى به ليدلي بكلمة أمام الحضور، في ختام يوم دراسي توزع على جلستين دراسيتين وجلسات من النقاش والردود، وارتأى أن يختتم هذه الإشكال بنوع من المكاشفة، عندما اعتبر أن هناك مأزقان في فضاءنا العربي الإسلامي اليوم؛
هناك أولا مأزق الصراع بين الدين والدولة؛ ومن ناحية ثانية، مأزق يتصل برأيه بالوعي العام، وتهم المثقفين على الخصوص، وخاصة المثقفين المشتغلين في مجال الدراسات الإسلامية، ومفادها أن مرجعيتنا في التعامل مع التراث لا زالت خارجية أي أجنبية، حيث إن الأطروحات الأدق والأكبر والأقدم تظهر في الولايات المتحدة الأمريكية وفي فرنسا، معتبرا أن ثورة وسائل الاتصال الحديثة، يمكن أن تكون فرصة تاريخية لاستعادة هذا الحقل، والتأثير في الوعي العربي وبلورة أطروحات تروم تغيير الرؤية لتاريخينا واستعادة المرجعية للإبداع والاستنباط الدقيق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق