الرابطة المحمدية للعلماء

مؤتمر”العقل والعقيدة في أفق الحداثة” ينهي أشغاله بفاس

“خوان مارتوس كيصادا” يفوز بـ “جائزة الشيخ الأكبر محي الدين ابن عربي”

اختتمت أشغال المؤتمر الدولي للفكر المعاصر حول : “العقل والعقيدة في أفق الحداثة: الحوار والعنف” يوم الأحد 12 أكتوبر 2008، بقصر المؤتمرات بمدينة فاس. وقد شاركت فيه نخبة متميزة من المفكرين والفلاسفة العرب والغربيين تطارحوا الرأي، على امتداد ثلاثة أيام، حول جملة من القضايا المتصلة بمحور الندوة من قبيل؛ “العقل أمام الوحي والميتافيزيقا أمام البرهان”، و”الحقيقة بين الفكر والعقيدة”، و” التسامح وحوار الفكر والعقيدة”..

بعد افتتاح المؤتمر وتوقيع كتاب الدكتور الإسباني “خوان مارتوس كيصادا” الموسوم ب: ” الفقه والقانون الإسلامي في بلاد الأندلس” انطلقت أشغال الجلسة العلمية الرئيسية التي تحدث فيها كل من الأستاذ “خوان مارتوس كيصادا”( Juan Martos Quesada) حول موضوع: ” تأملات حول وضع الفلسفة في الإسلام”، و الأستاذ عبد السلام بن ميس حول موضوع:” الإسلام والحداثة”، وأخيرا الأستاذ سالم يفوت بمداخلة بعنوان: ” الحداثة وعوائق الحوار بين الغرب والإسلام”، إلى جانب مداخلة فوغنر ماسنر(W. Meissner )..

في البداية نبه  “خوان مارتوس كيصادا” إلى ضرورة إعادة النظر في الفلسفة الإسلامية من خلال تقييم موضوعي للجهد العقلي الكبير الذي بدله الفلاسفة المسلمون مبرزا حدود النظر الفلسفي الإسلامي المنضبط بضوابط النص الديني، كما دعا إلى أهمية التوفيق بين الإبستيمولوجيا وتحليل تاريخ الفلسفة في تعاملها مع المعتقد الديني، وكذا إلى حيوية توسيع نطاق المرجعيات الفلسفية بحيث تشتمل على الجهود الفكرية لأمثال كل من الجاحظ، والمعري، وابن عربي..

أما الأستاذ عبد السلام بن ميس فبعد أن أبرز أن الحداثة من منظور غربي تقوم على مفهوم الحريات الفردية؛ خاصة حرية التعبير، والتفكير، والاعتقاد.. في إطار مؤسسي ديمقراطي، عاد ليؤكد أن الحداثة بمفهومها العام ليست غريبة عن الإسلام، من منطلق أن الإسلام قد شكل ثورة في حياة المجتمعات العربية والإنسانية بوجه عام..

كما اعتبر أن الطريقة التي اعتمدت بها مدونة الأسرة بالمغرب تشكل نموذجا جيدا لتحديث الإسلام بما لا يتعارض مع الثوابت، مشددا على ضرورة الفصل الإجرائي بين السياسة والدين، وعلى ضرورة إصلاح الأنظمة التعليمية بشكل يجعلها منفتحة على القيم الكونية كشرط ضروري لأي إصلاح أو تحديث..

ثم بعد ذلك قام بتصنيف الاتجاهات الكبرى في الفكر الإسلامي الحديث والمعاصر من الحداثة ليجملها في:

أولا: الاتجاه “السلفي  النصي” الذي يعتقد أن الإسلام ليس بحاجة إلى أي تحديث؛ ما دام القرآن الكريم قد أحاط بكل شيء علما.. وما دام أنه صالح لكل زمان ومكان.. كما يعتبر أن الحداثة إنتاج ثقافي مسيحي مستورد وجب رفضه..

ثانيا: اتجاه يقبل بمنجزات الحداثة بشرط العمل على أسلمتها، حتى تنسجم مع ثوابت الإسلام وخصوصيات المجتمعات الإسلامية..

ثالثا: اتجاه يقبل الحداثة كما هي ويعمل، في الوقت نفسه، على تحديث الإسلام.. وهو اتجاه يحرص على التمييز بين الإسلام والفكر الإسلامي، كما يبحث على إيجاد جسور للتواصل بين الحضارتين الإسلامية والغربية..

في حين انصبت مداخلة الأستاذ سالم يفوت على محاولة الوقوف على أهم العوائق التي تحول دون الحوار بين الغرب والإسلام بما يعزز قيم الحداثة. وقبل ذلك أشار في كلمته الافتتاحية ،كرئيس للجمعية المغربية للفلسفة، إلى أن أهم عوامل الاستمرارية الحضارية التي ميزت التجربة التاريخية للمغرب، تعود، بشكل أساسي، إلى ما اتسم به المغرب من وسطية واعتدال، وانفتاح على تجارب الأمم التاريخية دون أن يفرط في ثوابته المذهبية التي تتمثل في المذهب المالكي، والعقيدة الأشعرية، والتصوف السني.. وكذا استناده، في مسيرته الحضارية، على ركيزتي العقل والعقيدة..

أما أهم عوائق الحوار بين الإسلام والغرب فقد أوجزها في :

أولا: غياب الاعتراف المتبادل بين طرفي الحوار..بفعل سيادة أصوليتين؛ “أصولية إسلامية” تختزل الدين الإسلامي في عقائد متشددة.. و”أصولية غربية” تعتقد أن قيم الحداثة الغربية.. قيم خاصة وبالتالي لا مجال للتحديث إلا عن طريق التغريب..

ثانيا: سيادة إيديولوجيا ” التغريب و”الغزو الثقافي” المناوئة لكل حداثة أو تحديث.. وهنا أشار المتدخل إلى أن الإصلاحية الإسلامية مع كل الأفغاني ومحمد عبده وغيرهم تعد أكثر انفتاحا واجتهادا من الخطاب الإسلامي  السائد في الوقت الراهن..

رابعا: ازدواجية المعايير والكيل بأكثر من مكيال بالنسبة لتعامل الغرب مع باقي العالم ..

خامسا: تخلف وانغلاق النظام التعليمي العربي الإسلامي، وما ينتج ذلك من جهل أو، على الأقل، من معرفة سطحية بالغرب وحضارته..

ومن جهته فقد شدد فوغنر ماسنر(W. Meissner) على أهمية التفكير الفلسفي في واقع ومصير الوجود الإنساني خاصة في زمن العولمة القائم على السرعة الجنونية والتنميط..

وبخصوص العلاقة بين العقل والعقيدة، اعتبر أن هناك علاقة زواج تاريخ بين العقيدة والعقل ضمن نفس العائلة، وأن الواجب التاريخي يقتضي حماية هذا الزواج ومنتجاته..

وجوابا عن سؤال موجه لرئيس اللجنة التنظيمية للمؤتمر الأستاذ عزيز الحدادي، من طرف موفد  موقع الرابطة المحمدية للعلماء لتغطية هذا المؤتمر، حول الفلسفة التي حكمت اختيار موضوع هذه الندوة قال: ” هذا المؤتمر جاء كتنفيذ لإحدى توصيات ملتقى ربيع الفلسفة، كما يأتي كاستمرار لمؤتمر مدريد  المنعقد سنة 2006 حول موضوع” العقل والعقيدة بين الضفتين”.

 أما الغاية من هذا المؤتمر فتتمثل في فتح المجال أمام الإسلام لكي يتحاور مع الديانات الأخرى، ويتعايش معها في حوض البحر الأبيض المتوسط حتى نخرج من الصراع بين الغرب والعالم الإسلامي..” مضيفا أننا “من خلال هذا المؤتمر نود ّأن نقول للعالم: نحن أهل حوار، نحن أهل تعايش، نحن أهل تسامح..”

     وفي جواب عن سؤال: “هل يشترط في الخطاب الفلسفي كي يكون كذلك، أي كي يكون فلسفيا، أن يلغي كل القبليات؟” قال: ” الخطاب الفلسفي إذا أردنا أن يكون خادما للمجتمع ولتقدم الإنسان وللشريعة أيضا فعليه أن يخرج عن الدوغمائيات، وأن يقوم بالاجتهاد.. فكما أن للعقيدة مكانتها الرفيعة، فكذلك للفلسفة مكانتها الرفيعة؛ فهما أختان بالرضاعة كما يقول ابن رشد.”

 وجدير بالذكر أن المؤتمر استحدث “جائزة الشيخ الأكبر محي الدين بن عربي”، التي فاز بها هذه السنة الإسباني  “خوان مارتوس كيصادا”( Juan Martos Quesada) الذي أجرينا معه مقابلة بهذه المناسبة سوف يتم نشرها لاحقا.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق