مركز الإمام أبي عمرو الداني للدراسات والبحوث القرائية المتخصصةدراسات عامة

لمح من عناية المغاربة بعلم القرآن الكريم وفنونه زمن دولة بني مرين (610 ه‍/1213م – 869 ه‍ /1465م)

الحمد لله رب العالمين وبه نستعين، وصلوات ربنا وسلامه على رسوله الأمين وعلى آله وصحبه والتابعين، وبعد؛

فهذه إلمامات توريخية تنويرية تُزْجَى للضَّلاعة باستعراض الخِلال الثقافية ونَبْذ المعالم الفكرية التي انطبع بها العهد المريني بأطواره الثلاثة، من خلال مَعْلمين حضاريين بارزيْن كان لهما – إلى جانب عوامل أخرى – الأثر البليغ فيما عرفته العلوم النقلية والعقلية ومناهجها النظرية والمجرّبة من الترف الفكري المتمدّد والبذخ المعرفي المستطيل وبلوغ الشأو في سائر المنقول والمعقول وما إليه من معارف الأديان والأبدان والأذهان واللسان …(جذوة الاقتباس لابن القاضي 1.73)، قال العلامة الشيخ عبد الحي الكتاني المغربي (ت‍ 1362 ه‍) رحمه الله: [دولة بني مرين؛ دولة العلم الشامخة البنيان وعظيمة الإيوان وكبيرة الديوان، ربّة المدارس والدروس …] تاريخ المكتبات الإسلامية ص 79، وفي الآتي تفصيل للذي أُجمل:

المعْلم الأول: انتشار المدارس العلمية: فقد شيدت تسع مدارس (للفقه والنحو والقراءات …) (المعيار للونشريسي 7/10، الذخيرة ص 100) في أربع مدن مغربية، سعدت فاس بستٍّ منها: مدرسة الحلفاويين المسماة فيما بعد بمدرسة الصفارين، (زهرة الآس للجزنائي ص 81)، ألحقت بها خزانة علمية أوقف عليها مخطوطات منوعة ….، مدرسة المدينة البيضاء (فاس الجديد) (روض القرطاس ص 264)، مدرسة الصهريج أو الأندلس ، مدرسة السبعيين أو الأساتيذ الخاصة بطلبة القراءات السبع، مدرسة العطارين قريبة من جامع القرويين (روض القرطاس ص 300)، مدرسة الوادي أسفل جامع الأندلس، وأما مكناس ففيها مدرسة القاضي أو الفيلالية (الروض الهتون لابن غازي ص 34)، وأما مراكش ففيها مدرسة ابن يوسف المعروفة (الذخيرة السنية ص 100) ، ومدرسة الجامع الكبير بتازا  … [المسند الصحيح لابن مرزوق الباب الحادي والأربعين]، قال ابن العلامة مرزوق (ت‍ 781 ه‍) رحمه الله: … فلا جرم، كثر بذلك طلب العلم وعدد أهله، وتوارثه المعلم والمتعلم … [المسند الصحيح لابن مرزوق]، ثم إن من مآثر مولانا أبي الحسن المريني ومزاياه كما يصور ابن مرزق قصة المصاحف الموقّفة بالحرمين الشريفين المكي والمدني وحرم بيت المقدس، قرّبها ابتغاء ثواب الله والدار الآخرة، إذ جمع الوراقين لتنميقها وتذهيبها، وحشد القراء لضبطها وتهذيبها، واصطنع لها أوعية فائقة النسج والصنعة مثل الأبنوس أو السأسم والعاج والصندل، وغشاها بصفائح الذهب ورصعها بالجوهر والياقوت، واتخذ لها أصونة من الجلد المحكم الصنعة المرقوم أديمها بخطوط الذهب، ومن فوقها غلائف الحرير والديباج وأغشية الكتان، ثم أخرج من خزائنه أموالا عيّنها لشـراء الضِّياع بالمشـرق؛ لتكون وقفا على القراء فيها [يراجع كتاب العبر لابن خلدون، والسلوك للمقريزي] وجماعة …

المعْلم الثاني: ظاهرة الاختصار والإيجاز التي طبعت مؤلفات العلوم لهذا العهد، وذلك على النمط المشرقي الوافد على المغرب جراء الاتصال الثقافي بين العُدوتين، إذ بلغ الحال بمؤلفات هذا العهد إلى حد الإلغاز والتعمية والغموض (جذوة الاقتباس 1/297) وما تولد عن ذلك من الإمعان في الجدال اللفظي والانغماس في رعْي صور المعلوم قبل التلبس بفكِّ معاني الألفاظ والتركيبات وتخبُّرها وما إليه، وقد ناصر هذا المذهب في أوضاعه وظواهره من أهل مراكش أبو العباس ابن البناء العددي وهو المجاهر قائلا: (قصدت إلى الوجازة في كلامي *** لعلمي بالصواب في الاختصار) ….، وجماعة من ذوي الحال والفضل.

ولقد صوَّر لنا العلامة القاسم التجيبي (ت‍ 730 ه‍) في برنامجه طائفة من المقررات القرائية المعتمدة في الدرس خاصة بسبتة وهي الكافي لابن شريح والمفردات له، والحصرية، زد على ذلك التيسير للداني ونظمه لابن المرحل المسمى (التبيين والتبصير في نظم كتاب التيسير) وكذا الشاطبية وشرحها لابن لآجروم والدرر اللوامع لابن بري وشروحها كالخراز والمجاصي … وأما الرسم فلقد كان الاعتماد على المقنع للداني والعقيلة للشاطبي ثم مورد الظمآن الذي استوعب المقنع والتنزيل لابن نجاح والعقيلة، وفي الضبط عمدة البيان للخراز، زد على ذلك (عنوان الدليل) لابن البناء المراكشـي وشروح المورد كالتبيان لابن آجطا ….

وأما الجانب التربوي العملي من التصوف، فمبني على الكتاب والسنة وبعيد عن تصوف الفلاسفة، واشتهر في ذلك طريقان: طريق أبي مدين شعيب بن حسين الأنصاري الأندلسي (ت‍ 594 ه‍)، وطريق أبي الحسن الشاذلي علي بن عبد الله الغماري (ت‍ 656 ه‍)، ومعتمد أبي مدين كتاب الإحياء لأبي حامد الغزالي، وطريق الشاذلي مدارها على الإرشاد إلى البراءة من الحول والقوة …. (ورقات عن حضارة بني مرين ص 411).

وعليه؛ فمادة الدراسات المغربية التي كانت لها الحظوة والتصدير في الطلب تشمل الفقه والنحو والقراءات … وجامع القرويين  – خاصة – كان محفلا ثرا لتفسير القرآن الكريم والتجويد والقراءات والرسم … والتصوف، وفي اللسانيات نجد اللغة والنحو والبيان والعروض والأدب، ومبادئ علوم العدد والفلك والهيئة والطب والمنطق والهندسة ، ومما يُجلّي اهتمام المغاربة بسيبويه وتعلُّق نياط القلب به؛ أَن ذاع بالقطر المغربي ما يُعرف بالحوالات الوقفية أو الحبسية، التي تُتَرجم في المخصَّصات المادية المكرَّسة لإقامة أَندية العلم وحِلَقه بجامع القرويين بفاس، حيث اتخذ المغاربة كرسيا لقراءة كتاب سيبويه يُنتدب له كبار النظار من العلماء، وينخرط في سلك الإفادة منه من له عزيمة التفرّغ للدرس النحوي – خاصة- وَفقا لنمط البصري على طريقة سيبويه ومصطلح تعليمه، وقد جاء في ترجمة المكودي الفاسي (807ه‍) أنه كان يلقِّن كتاب سيبويه بمدرسة العطارين، وقيل إنه آخر من درّس سيبويه بفاس، وإن كان ثمة من يرى أنّ تدريس سيبويه استمر بعد المكودي مع العلامة أبي حفص الفاسي(1188ه‍) وعبد الله كنون (1410ه‍) وغيرهما.

وهذا الحال يجري على سائر المراكز الأخرى خاصة سبتة ومراكش ونحو هذا النفاق العلمي والثقافي غطى كذلك الأرياف والبوادي المغربية كما في أنس الفقير لابن قنفذ مثلا، ويوازي حال هذا النفاق العلمي بالمراكز التثقيفية رُبُطٌ وزوايا صوفية للتربية الروحية أشهرها: رباط أبي محمد صالح بآسفي، رباط أبي زكريا الحاحي بسلا، رباط أبي زيد الهزميري بأغمات …

فالقراءات والتجويد والرسم العثماني، تعد من ضمائم فن التفسير وملاحقه ومتمماته، إذ وظيفة معرفة القراءات الوقوف على طرق أداء القرآن الكريم وفق مذاهب السبعة القراء وما إليه، وفق الترتيب المغربي السائد، والتجويد يعنى بتلاوة الكتاب العزيز وفق الأوضاع العربية، وأما الرسم فيعنى بأدبيات المصحف وهيئات خطوطه، وقد شيد لهذا الغرض مدرسة السبعيين الخاصة بحذاق القراء من الأساتيذ، وذلك ما صوّر لنا منه القاسم التجيبي طرفا طريفا من المقررات القرائية المعتمدة في الدرس خاصة بسبتة وهي الكافي لابن شريح والمفردات له، والحصرية، زد على ذلك التيسير للداني ونظمه لابن المرحل المسمى (التبيين والتبصير في نظم كتاب التيسير) وكذا الشاطبية وشرحها لابن لآجروم والدرر اللوامع لابن بري وشروحها كالخراز والمجاصي … وأما الرسم فلقد كان الاعتماد على المقنع للداني والعقيلة للشاطبي ثم مورد الظمآن الذي استوعب المقنع والتنزيل لابن نجاح والعقيلة ، وفي الضبط عمدة البيان للخراز، زد على ذلك (عنوان الدليل) لابن البناء المراكشي وشروح المورد كالتبيان لابن آجطا …

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبع

Science

د.مولاي مصطفى بوهلال

    • باحث بمركز الإمام أبي عمرو الداني للدراسات والبحوث القرائية المتخصصة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق